ماستانتونو آخر الضحايا.. هل “الفتق الرياضي” مجرد إصابة عضلية أم شيء آخر؟
في أحد مقاهي القاهرة الشعبية، كانت الطاولة الكبيرة تعجّ بأصوات عشاق كرة القدم الأوروبية، الشاشات تبث المؤتمر الصحفي الأخير لتشابي ألونسو، مدرب ريال مدريد، قبل المواجهة المرتقبة أمام ليفربول في دوري أبطال أوروبا.
كان الصمت يسود المكان حين أعلن المدرب الإسباني عن غياب فرانكو ماستانتونو بسبب “آلام في منطقة العانة” لكن هذا الصمت لم يدم طويلًا، فسرعان ما كسره صوت رجل ستيني، جلس في ركن القهوة، متنهداً وهو يتمتم:
“استغفر الله..“
ضحك البعض، وتهامس آخرون، وكأن كلمة “العانة” وحدها كافية لتثير الخيال الشعبي، وتدفعهم لربطها بأشياء لا علاقة لها بالطب أو الرياضة، لم يكن الموقف مجرد مزحة عابرة، بل كان تجسيدًا حقيقيًا لمدى الجهل بطبيعة واحدة من أخطر الإصابات التي تضرب كرة القدم الحديثة.. إصابة تُعرف علميًا باسم الفتق الرياضي (Sports Hernia).

إصابة ماستانتونو تفتح ملفًا مؤلمًا
بعد ساعات قليلة من المؤتمر، أصدر ريال مدريد بيانًا رسميًا قال فيه:
“بعد الفحوصات التي أجريت اليوم للاعبنا فرانكو ماستانتونو من قبل الخدمات الطبية للنادي، تم تشخيص إصابته بآلام في الكتف والعانة، وسيتم متابعة تعافيه“.
لكن خلف البيان البارد، كانت هناك حالة استنفار في الأوساط الطبية والإعلامية؛ فالإصابة لم تعد “نادرة”، بل تحوّلت إلى نمط مقلق يتكرر مع لاعبين شباب مثل نيكو ويليامز (أتلتيك بيلباو)، وكول بالمر (تشيلسي)، ولامين يامال (برشلونة)، وجميعهم أصيبوا بالمرض ذاته خلال العام الماضي.

ما هي إصابة الفتق الرياضي؟
بحسب تقرير منصة «Clinica Elgeadi» الطبية الإسبانية، فإن ما يُعرف باسم ألم العانة أو الفتق الرياضي هو إصابة شائعة تصيب الرياضيين، تؤثر على منطقة الفخذ وأسفل البطن، وتسبب ألمًا مزمنًا في المنطقة الإربية قد يمتد إلى الجزء الداخلي من الفخذ أو الأعضاء التناسلية.
تحدث الإصابة نتيجة الحركات المتكررة أو التغيرات المفاجئة في الاتجاه أو الإفراط في استخدام عضلات البطن والحوض فضلًا عن المجهود البدني المرتفع، وهو ما يحدث كثيرًا في رياضات مثل كرة القدم والرجبي والهوكي والتنس.

الفتق الرياضي لا يعني بالضرورة “فتقًا جراحيًا ظاهرًا”، بل هو تمزق دقيق أو ضعف في الأنسجة والعضلات المحيطة بالحوض والبطن، ويُعد من الإصابات المعقدة التي تتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا طويل الأمد.
العضلات المتأثرة بإصابة الفتق الرياضي
يؤدي ضعف هذه العضلات أو عدم توازنها إلى اختلال في الدعم العضلي لمنطقة العانة، مما يسبب ألمًا مستمرًا وصعوبة في الجري، التسديد، أو حتى المشي في الحالات المتقدمة.
توضح المنصة أن الإصابة تطال بالأساس:
- عضلات البطن السفلية
- العضلات المقربة للفخذ
- عضلات استقرار الحوض
أعراض الفتق الرياضي
الأعراض تختلف من لاعب لآخر، لكن أبرزها تشمل:
| العرض | الشرح |
|---|---|
| ألم في المنطقة الإربية | ألم مزمن أو طاعن يزداد مع الحركة |
| الألم أثناء اللعب أو التدريب | خصوصًا عند الانحناء، الالتفاف أو تغيير الاتجاه |
| ألم عند السعال أو العطس | بسبب زيادة الضغط داخل البطن |
| ألم عند اللمس أو الضغط | المنطقة المصابة تكون حساسة ومؤلمة |
| امتداد الألم | إلى الفخذ، الحوض، أو أسفل الظهر |
| التهاب أو شعور بالثقل | نتيجة الالتهاب الموضعي في الأنسجة المصابة |
غالبًا ما تُخلط هذه الأعراض مع شد عضلي أو التهاب أوتار، ما يؤدي إلى تأخير التشخيص وتفاقم الحالة.
أسباب الإصابة بين الرياضيين
- تُشير منصة “Clinica Elgeadi” الطبية إلى أن الأسباب الأكثر شيوعًا تشمل:
- الإجهاد البدني الزائد والمشاركة في عدد كبير من المباريات دون راحة.
- الحركات المتكررة والعنيفة في التمارين أو أثناء المباريات.
- الضربات المباشرة في منطقة الفخذ أو أسفل البطن.
- ضعف عضلات الحوض أو البطن بسبب غياب تمارين التوازن العضلي.
- عدم الإحماء الكافي قبل النشاط الرياضي.
- الإصابات السابقة التي تُضعف الأنسجة في المنطقة.
- العوامل التشريحية مثل اختلاف طول الساقين أو خلل في استقامة الحوض
سبب تزايد تلك الإصابة في ميادين كرة القدم
في السنوات الأخيرة، شهدت كرة القدم الحديثة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الإصابات المرتبطة بمنطقة العانة أو ما يُعرف بالفتق الرياضي (Pubalgia)، وهي إصابة أصبحت هاجسًا متزايدًا لدى الأندية الكبرى والأجهزة الطبية، خاصة مع تكرارها بين اللاعبين الشباب.
السبب في هذا التزايد لا يرتبط بعامل واحد فقط، بل هو نتيجة تراكم ضغوط بدنية وموسمية وطبيعية ناجمة عن أسلوب لعب الكرة المعاصرة، وجدول المباريات المضغوط، وطبيعة الإعداد البدني الحديثة.

فأول وأبرز الأسباب هو الضغط البدني الهائل الذي يتعرض له اللاعبون، خصوصًا في المواسم المزدحمة التي تمتد على مدار العام دون فترات راحة حقيقية، اللاعب في الدوريات الكبرى يخوض ما يقارب مباراة في الموسم بين البطولات المحلية والقارية، هذا بخلاف المشاركات الدولية مع المنتخبات، وهو ما يجعل العضلات وخصوصًا عضلات الحوض والبطن في حالة إجهاد مستمر لا تجد معه الوقت الكافي للتعافي.
إلى جانب ذلك، فإن تطور أساليب اللعب الحديثة جعل من السرعة، والضغط العالي، والتغييرات المفاجئة في الاتجاه جزءًا أساسيًا من الأداء، وهي عناصر تتطلب مجهودًا مكثفًا من العضلات المحيطة بالعانة، هذه الحركات المتكررة والمفاجئة تزيد الضغط على الأنسجة الرابطة بين عضلات البطن والفخذ، مسببة التهابات دقيقة تتحول مع الوقت إلى فتق رياضي مزمن.
العامل الآخر هو قلة فترات الإعداد والتأهيل بعد الإصابات، إذ إن ضغط الجدول يدفع المدربين والأندية لإعادة اللاعبين للملاعب بسرعة تفوق قدرة الجسد الطبيعية على التعافي، مما يؤدي إلى تكرار الإصابات وتفاقمها، كما أن بعض اللاعبين الشباب لا يمتلكون بعد الكتلة العضلية الكاملة التي تحمي تلك المنطقة الحساسة، فيتعرضون بشكل أكبر لهذا النوع من الإصابات نتيجة ضعف التوازن العضلي بين عضلات البطن والمقربين.
كيف يمكن الوقاية من الفتق الرياضي؟
توصي منصة Clinica Elgeadi بمجموعة من الإجراءات الوقائية الأساسية:
- برنامج تدريبي متوازن يدمج بين القوة، المرونة، والاستشفاء.
- الإحماء الجيد قبل المباريات لتجهيز العضلات وتجنب الشد العضلي.
- تمارين تقوية عضلات البطن والمقربات والحوض بانتظام.
- الحفاظ على وزن صحي لتقليل الضغط على منطقة الحوض.
- الاستماع إلى الجسد: أي شعور بألم في المنطقة الإربية يجب التعامل معه فورًا.
ماستانتونو ليس النهاية.. لابد من حل
ماستانتونو ليس مجرد لاعب شاب أصيب في العانة، بل هو وجه جديد لظاهرة رياضية خطيرة عنوانها “الفتق الرياضي”، الذي بات يُهدد مستقبل جيل كامل من نجوم الغد، وفي زمن تُقاس فيه القيمة بعدد المشاهدات والعقود، يبدو أن كرة القدم الحديثة تنسى أن الجسد ليس آلة، وأن العضلات -مهما بلغت قوتها – تملك حدودًا لا يمكن تجاوزها.
في النهاية، ما بين ضحكة الرجل الستيني على المقهى، وصيحات الألم في غرف التأهيل، هناك قصة تستحق أن تُروى.. قصة عنوانها الحقيقي: “حين الرياضة حمل على الجسد.. تدفع اضريبة بالطريقة الصعبة”.