دائمًا ما كانت كأس أمم إفريقيا مسرحًا يعرض من خلاله كل لاعب إمكانياته ومهاراته، وسط وجود كشافي الأندية لمتابعة المواهب في القارة السمراء، التي لا تتوقف عن تصدير نجوم إلى أوروبا.
كأس أمم إفريقيا كانت وما زالت نافذة مفتوحة على أوروبا، ومنصة عبور حقيقية للاعبين بدأوا الحلم على الملاعب الإفريقية، قبل أن تتحول أسماؤهم إلى نجوم في أوروبا، بل وأساطير في أنديتهم.
التألق في كأس أمم إفريقيا كان كفيلًا بأن يفتح أبواب الاحتراف، ويحوّل لاعبين مغمورين إلى صفقات أوروبية ناجحة، وبعضهم كتب لاحقًا فصولًا من المجد مع أندية القارة العجوز.
هذا التقرير يستعرض نجومًا انطلقت شرارتهم الأولى من كأس أمم إفريقيا، لفتوا الأنظار بأدائهم وشخصيتهم داخل الملعب، فكان الطريق إلى أوروبا ممهدًا، وكانت البطولة الإفريقية هي نقطة التحول الحقيقية في مسيرتهم.
عصر جديد في إفريقيا لتصدير النجوم
قبل نسخة 1996، كانت بطولة كأس أمم إفريقيا تُقام بوجود 12 منتخبًا، وعندما قرر الاتحاد الإفريقي زيادة عدد المنتخبات في تلك النسخة، رفض حامل اللقب نيجيريا.
منتخب نيجيريا، بطل نسخة 1994، صدّر العديد من النجوم إلى القارة الأوروبية، أبرزهم كان صنداي أوليسيه، الذي رحل عن لييج البلجيكي إلى ريجينا الإيطالي، وبدأت رحلته في القارة الأوروبية بالدوريات الكبرى، مع كولن ودورتموند في ألمانيا، وكذلك يوفنتوس الإيطالي.
نفس الأمر ينطبق على إيمانويل إيمونيكي، الذي كان يلعب للزمالك المصري عندما حقق اللقب في 1994، لكن بعد البطولة انضم إلى دويسبورج الألماني، ومنه إلى سبورتنج لشبونة في البرتغال، ثم كانت أبرز محطاته مع برشلونة في الليجا.
كانت الأندية الأوروبية قد بدأت تهتم باللاعب الإفريقي في ذلك الوقت، وازداد عدد اللاعبين الأفارقة في أوروبا، لتصبح الكان مسرحًا يعرض اللاعبون من خلاله مهاراتهم أمام أندية القارة العجوز.

مارك فيش يترك جنوب إفريقيا
كانت بطولة كأس أمم إفريقيا في ذلك الوقت تُقام في جنوب إفريقيا، وتمكن البافانا بافانا من إقصاء الجزائر، ثم غانا بثلاثية نظيفة في نصف النهائي، وأخيرًا الفوز على تونس 2-0.
أحد نجوم منتخب جنوب إفريقيا في ذلك الوقت كان مارك فيش، المدافع الأنيق، الذي حافظ على نظافة شباك فريقه في 4 من 6 مباريات في البطولة، حيث لم تتلقَّ شباك أندري أريندس سوى هدفين؛ الأول كان ضد مصر في الخسارة الوحيدة، والثاني أمام الجزائر في ربع النهائي.
لم يتوقف مارك فيش عند الدفاع فقط، بل صنع هدفًا في المواجهة الأولى أمام الكاميرون، وساهم في التأهل لنصف النهائي بهدف ضد الجزائر.
Happiest of birthdays to former South African player and icon, Mark Fish. 🇿🇦🎂 pic.twitter.com/x4GXS761Ze
— CAF_Online (@CAF_Online) March 14, 2024
عقب البطولة، رحل مارك فيش إلى لاتسيو الإيطالي من أورلاندو بايرتس الجنوب إفريقي مقابل 1.50 مليون يورو، ثم تعاقد معه بولتون في إنجلترا بعد عام واحد بـ2.32 مليون يورو، وأكمل مسيرته في الدوري الإنجليزي مع أندية تشارلتون وإيبسويتش تاون، ليتألق في الدوريات الخمس الكبرى بعد كأس أمم إفريقيا 1996 حتى 2005.
معجزة الجوهري تفتح الطريق لنجوم الفراعنة
في 1998، لم يكن المنتخب المصري مرشحًا للفوز باللقب، وذهب إلى بوركينا فاسو، وكانت تصريحات محمود الجوهري، مدرب الفراعنة حينذاك، أنهم سيغادرون من الدور الأول.
تأهل المنتخب المصري رفقة المغرب من دور المجموعات على حساب زامبيا وموزمبيق، ليضرب الفراعنة موعدًا مع أصحاب الأرض بوركينا فاسو، ثم يُقصي كوت ديفوار، ويفوز على حامل اللقب جنوب إفريقيا.
في ذلك الوقت، كان هناك لاعب بعمر 22 عامًا يتألق ويسجل هدفًا خرافيًا في النهائي، وهو أحمد حسن، الذي لم يحصل على الفرصة في بطولة 1996، لكنه في 1998 نثر سحره في بوركينا فاسو.
No better way to score your first ever #TotalEnergiesAFCON goal ⚡️
— CAF_Online (@CAF_Online) December 9, 2022
🇪🇬 Ahmed Hassan opened his account in the competition with this stunning strike in 1998 final against South Africa! 🎯 @EFA pic.twitter.com/HVdSwxnPkU
هدف أحمد حسن كان تتويجًا لمجهوده الكبير طوال البطولة، وهو ما جعله يرحل عن الإسماعيلي في نهاية الموسم وينضم إلى كوجالي التركي، ويستمر هناك حتى 2006، حيث لعب للعديد من الأندية، أبرزها بشكتاش، قبل أن ينضم إلى أندرلخت ويصبح مع مرور الوقت أحد أعظم اللاعبين في تاريخ البطولة بحمله اللقب 4 مرات.
في نفس البطولة، تألق محمد عمارة، الذي انضم إلى هانزا روستوك الألماني، وكذلك سمير كمونة الذي ذهب إلى كايزرسلاوترن في البوندسليجا أيضًا، في صفقة ضخمة للأهلي الذي حصل على 700 ألف يورو في ذلك الوقت.
خرج أيضًا طارق مصطفى إلى نوشاتيل السويسري، وكذلك هاني رمزي ذهب إلى كايزر سلاوترن من فيردر بريمن.
صامويل إيتو ينتفض في إفريقيا
منتخب الكاميرون مع بداية الألفية كان مرعبًا بجيل الأسود غير المروّضة، ما بين خبرات ما تبقى من إنجاز 1990 في المونديال، وشباب نهاية القرن الماضي.
أبرز هؤلاء كان صامويل إيتو، وفي بطولة 2000 التي تُوجت بها الكاميرون، ظهر المهاجم الشاب بأداء ممتاز، رغم أنه لم يكن يحصل على الفرصة في ريال مدريد، ويخرج للإعارة كثيرًا ما بين ليجانيس وإسبانيول وريال مايوركا.
4 أهداف وتمريرة حاسمة في 5 مباريات خاضها إيتو مع الأسود، كانت كفيلة بخروجه من ريال مدريد، وقرار مايوركا التعاقد معه بشكل نهائي.
🇨🇲 All-time #TotalEnergiesAFCON top goal-scorer, @SamuelEtoo:
— CAF_Online (@CAF_Online) August 11, 2021
🏆 2000: 4 goals.
🏆 2002: 1 goal.
🏆 2004: 1 goal.
🏆 2006: 5 goals.
🏆 2008: 5 goals.
🏆 2010: 2 goals.
18 goals for the Cameroonian lion on African soil 🦁@FecafootOfficie pic.twitter.com/20INrHj0kb
ومع تألق إيتو في النسخة التالية 2002، والحصول على اللقب مرة أخرى، بدأ برشلونة يتابعه، ليتعاقد معه بعد عام ونصف، ويصبح مع مرور الوقت الأسطورة الكاميرونية وأحد أبرز اللاعبين في تاريخ القارة الأوروبية.
ذلك الجيل صدّر عددًا من اللاعبين إلى أوروبا أيضًا من الكاميرون، من بينهم لاورين، الذي انضم إلى أرسنال، وكان ضمن الجيل الذهبي الذي حقق دوري اللا هزيمة في 2004.
الحجي ضيوف يذهب إلى البريميرليج
في نفس بطولة كأس أمم إفريقيا 2002، تألق الحجي ضيوف مع المنتخب السنغالي، وهو ما لفت أنظار ليفربول في إنجلترا لضمه بنهاية الموسم من لانس الفرنسي.
ذهب ضيوف إلى ليفربول، وحصل على كأس الرابطة في الموسم التالي، لكنه رحل إلى بولتون بعد ذلك، ثم أكمل مسيرته مع أندية مثل سندرلاند وبلاكبيرن وليدز ودونكاستر في الدوري الإنجليزي، ورينجرز الاسكتلندي.
أصبح ضيوف بعد ذلك أيقونة في كرة القدم الإفريقية، ورغم عدم تتويجه بكأس الأمم الإفريقية، فإن الجيل التاريخي مع برونو ميتسو في كأس العالم كان نجمه الأول.

لومير يفتح الباب أمام كريم حقي
في عام 2004، قدم منتخب تونس نسخة ممتازة عندما حقق اللقب على أرضه، بقيادة المدرب روجيه لومير، الذي سبق له تحقيق لقب 2000 مع الكاميرون.
راهن روجيه في ذلك الوقت على كريم حقي، الذي أشركه في العديد من المباريات الودية قبل البطولة، لكن في الكان كان الدفاع مضمونًا للثنائي خالد بدرة القائد وراضي الجعايدي.

المدرب الفرنسي، بطل العالم، قرر المخاطرة، وأشرك كريم حقي في مركز الظهير الأيمن أساسيًا على حساب حاتم الطرابلسي، نجم أياكس الهولندي آنذاك.
شارك كريم حقي في جميع المباريات، وظهر أساسيًا في 5 من أصل 6، ولعب في النهائي فقط في قلب الدفاع بعد غياب خالد بدرة للإيقاف، وعاد الطرابلسي إلى مركز الظهير الأيمن.
كان تألق كريم حقي بفضل روجيه لومير، ليلفت اللاعب، صاحب الـ18 عامًا فقط آنذاك، الأنظار، وتهتم به الأندية الأوروبية، لينضم في نهاية الموسم إلى ستراسبورج الفرنسي من النجم الساحلي، ثم يتألق في صفوف ليفركوزن وشتوتجارت في ألمانيا حتى عام 2016.
Joyeux anniversaire à Karim Haggui, 38 ans ! 🎂🎉
— Noussour 🇹🇳 (@NoussourTN) January 19, 2022
🇹🇳 82 sélections
🌍🏆 Champion d’Afrique 2004 pic.twitter.com/qeMKX8kZjp
وبجانب كريم حقي، خرج راضي الجعايدي بعد البطولة في سن 29 عامًا، ورغم تقدمه في العمر، فإن الأداء البطولي في كان 2004 منحه فرصة الانضمام إلى بولتون الإنجليزي من الترجي التونسي، واستمر في البريميرليج والتشامبيونشيب مع أندية بيرمنجهام وساوثهامبتون، قبل الاعتزال في 2012.
جدو يترك المحليين على خطى البلدوزر
سيطر منتخب مصر على كأس أمم إفريقيا في أعوام 2006 و2008 و2010، وخلال تلك الفترة بالكامل كان منتخب الفراعنة أغلبه من لاعبي الدوري المصري.
في حين كانت المنتخبات الكبرى في إفريقيا لا تلد المواهب، بل تأتي بها من أوروبا، بعد أن اعتاد عدد من اللاعبين على الخروج مبكرًا إلى القارة العجوز دون الحاجة لكأس الأمم كما كان في السابق.
في نسخة 2008، كان عمرو زكي يلعب في صفوف الزمالك، وبعد البطولة طلب ويجان التعاقد معه، وبالفعل ذهب على سبيل الإعارة لمدة موسم.
قدم زكي بداية مثالية، فبعد 11 جولة كان رصيده 8 أهداف في الدوري الإنجليزي، ينافس على لقب الهداف، وكان ضمن المرشحين لتعويض فان نيستلروي بعد إصابته في ريال مدريد.
وهوبا عمرو زكي 🇪🇬 pic.twitter.com/t200hXify5
— Premier League Arabic (@PLinArabic) April 1, 2025
سرعان ما انطفأ نجم المصري، وبات لاعبًا بديلًا بسبب عدم التزامه، لكنه ظل حالة استثنائية مع ستيف بروس في بداية موسم 2008-2009.
نفس الأمر تكرر مع جدو، الذي انضم لقائمة الفراعنة في 2010 بقرار من حسن شحاتة، وفضّله على أحمد حسام ميدو ومحمد حمص، وتألق البديل الذهبي وسجل هدف الفوز باللقب، كما اعتاد في جميع مباريات البطولة باستثناء موزمبيق.
بعد كأس أمم إفريقيا ببضعة أشهر انضم اللاعب إلى الأهلي، لكن مع حادثة بورسعيد رحل إلى إنجلترا عبر بوابة هال سيتي في التشامبيونشيب، وقاد الفريق للصعود، لكنه لم ينجح معهم في البريميرليج ورحل، تحت قيادة ستيف بروس أيضًا.
Gedo! 🇪🇬#hcafc pic.twitter.com/rqu9saBADp
— Hull City (@HullCity) October 23, 2025
بن ناصر يرد على أرسنال
في نسخة كأس أمم إفريقيا 2019، كان المنتخب الجزائري يمتلك عددًا من المواهب الشابة، لكن الأفضل كان إسماعيل بن ناصر، الذي حصل على جائزة أفضل موهبة في كان مصر 2019.
توج منتخب الجزائر باللقب الغائب في القاهرة على حساب السنغال، وكان إسماعيل بن ناصر المقاتل الأبرز في وسط ملعب ثعالب الصحراء.
قبل كأس أمم إفريقيا بعامين، رحل بن ناصر من أرسنال بعدما فشل في إثبات نفسه للمدرب أرسين فينجر، حيث كان يلعب البطولة ممثلًا لنادي إمبولي.
بعد كأس أمم إفريقيا 2019، فاز ميلان باللاعب الشاب الأفضل، وتعاقد معه مقابل 18 مليون يورو، ليكون بداية مشروع النادي اللومباردي، ويصبح بعد 3 مواسم بطلًا للدوري الإيطالي لأول مرة منذ 10 سنوات.

ومن نفس الجيل بطل كأس أمم إفريقيا 2019، اتخذ رامي بن سبعيني خطوة أكبر في مسيرته بعد الأداء الممتاز مع الجزائر في البطولة، وانضم إلى بوروسيا مونشنجلادباخ من ستاد رين، ثم إلى بوروسيا دورتموند منذ عامين.
عبد المنعم وإشادة كوليبالي
في كأس أمم إفريقيا 2021، التي أقيمت في 2022 بسبب فيروس كورونا، ضم كارلوس كيروش، المدرب البرتغالي لمنتخب مصر، محمد عبد المنعم من نادي فيوتشر (مودرن سبورت حاليًا).
راهن المدرب البرتغالي على اللاعب المصري، الذي شارك اضطراريًا بسبب إصابات الونش وحجازي، ليقدم أداءً استثنائيًا أجبر الأهلي على إعادته من فيوتشر مباشرة بعد البطولة للمشاركة في كأس العالم للأندية.
مع مرور الوقت، أصبح محمد عبد المنعم من أبرز نجوم الأهلي والكرة المصرية، ليخطف أنظار الأندية الأوروبية منذ كأس أمم إفريقيا في الكاميرون، التي خسرها الفراعنة في النهائي لكنهم كسبوا مدافعًا عملاقًا.
#TeamSenegal captain @kkoulibaly26.
— CAF_Online (@CAF_Online) February 7, 2022
That's it. That's the tweet.#TotalEnergiesAFCON2021 | #AFCON2021 | #SENEGY | #TeamSenegal | @Fsfofficielle pic.twitter.com/aUUMrUG3WP
خاليدو كوليبالي، الذي كان يُصنف أحد أفضل المدافعين في العالم آنذاك، أشاد بمحمد عبد المنعم، وظل يتحدث معه وترك زملاءه يحتفلون باللقب الأول للسنغال.
في صيف 2024، انتقل محمد عبد المنعم إلى نيس الفرنسي ليعوّض رحيل جان كلير توديبو، لاعب برشلونة السابق، الذي انضم إلى وست هام.
قبل أن يتعرض اللاعب المصري لإصابة بقطع في الرباط الصليبي خلال الموسم الماضي، ولا يزال حتى الآن لم يتمكن من العودة.
كأس أمم إفريقيا 2025.. من التالي؟
كما صنعت كأس أمم إفريقيا نجومًا غيّروا مسار تاريخهم الكروي، وفتحت لهم أبواب أوروبا من أوسعها، تعود البطولة في 2025 لتطرح السؤال ذاته من جديد، من سيكون الاسم القادم الذي يستغل الكان، ويظهر من خلالها قدراته ويجذب أنظار كبار أوروبا.