ربع قرن من الهيمنة والاستحقاقية.. ماذا لو كان العالم بدون رونالدو وميسي؟
من الصعب تخيّل كرة القدم من دون ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، ليس فقط بسبب ما قدّماه داخل الملعب، بل بسبب التأثير العميق الذي تركه الثنائي على صناعة كرة القدم ككل.
أيام قليلة جدًا وينتهي عام 2025، وخلال ربع قرن، لم يكن هناك أهم من كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، وأكثر شعبية من الثنائي. لقد غيّرا كرة القدم في العالم.
عندما نطرح سؤالًا افتراضيًا من نوع: ماذا لو لم يظهر ميسي ورونالدو أصلًا؟، أو ماذا لو لم يرتبط اسماهما ببرشلونة وريال مدريد؟، سنجد بابًا يُفتح لتحليل كيف تشكّلت شعبية الأندية، وكيف احتكرت الجوائز الفردية، ومن كان يمكن أن يستفيد من غياب هذه الهيمنة غير المسبوقة.
كرة القدم قبل ميسي ورونالدو
تزامن ظهور ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو مع انتشار لغة الأرقام في كرة القدم، والإحصائيات، وتدخل التكنولوجيا في حسابات اللاعبين.
في عام 2001، وقع كريستيانو رونالدو أول عقد احترافي له مع سبورتينج لشبونة، بمساعدة وكيل اللاعبين خوسيه فيجا، مقابل الحصول على 2000 يورو شهريًا، وشرط جزائي بقيمة 20 مليون يورو.
في نفس الوقت، كان ميسي ينشط في ناشئي برشلونة، وبعد عامين ونصف، وقع عقده الاحترافي الأول مع النادي الكتالوني، بعدما تم تصعيده مع المدرب فرانك ريكارد.

قبل بروز ميسي ورونالدو كقوتين مهيمنتين، كانت كرة القدم الأوروبية قائمة على التعددية، سواء فنيًا أو جماهيريًا، ما بين دوريات كبرى وأندية كانت تجذب المشجعين.
الدوري الإيطالي كان الأكثر متابعة عالميًا في التسعينيات وبداية الألفية، بوجود ميلان، يوفنتوس، إنتر، روما، ونجوم الصف الأول في الكالتشيو.
يوفنتوس لعب 3 نهائيات دوري أبطال أوروبا على التوالي في نهاية التسعينيات، بينما ميلان كان بطلًا لـ2003، قبل أن يحل وصيفًا في 2005، ويعود بطلًا في 2007.
روما بجيله التاريخي حقق الدوري، ولاتسيو كان من أقوى الفرق، ولكن مع مرور الوقت، وحتى ظهرت قضية “الكالتشيو بولي”، دمّرت الكرة الإيطالية.
الدوري الألماني كان قويًا تنظيميًا وجماهيريًا، مع حضور ثابت في البطولات الأوروبية، من خلال بوروسيا دورتموند وكذلك بايرن ميونخ.
الدوري الإنجليزي بدأ صعوده التسويقي، لكنه لم يكن قد وصل بعد إلى مرحلة السيطرة الكاملة، خاصة مع استغلال تراجع أسهم الدوري الإيطالي في 2006، مع بزوغ نجم كريستيانو رونالدو في مانشستر يونايتد.
خلال ذلك الوقت، كانت هناك تنوّعية كبيرة جدًا في التشجيع والاهتمام بالأندية واللاعبين، ولكن جيل اللاعبين الأساطير مثل رونالدو نازاريو وزيدان، إضافة إلى رونالدينيو، مع توتي وديل بييرو، وغيرهم، كان قد بدأ في الاختفاء والتراجع مع ظهور ليو وكريستيانو.

منافسة ميسي ورونالدو
في 2003، انضم كريستيانو رونالدو إلى مانشستر يونايتد، مع رحيل ديفيد بيكهام إلى ريال مدريد، ليتألق البرتغالي في ملعب أولد ترافورد، ويقود جيل فيرجسون ما بين أصحاب الخبرات والشباب للفوز بدوري أبطال أوروبا 2008.
تألق رونالدو مع مانشستر يونايتد وصل لقمته في موسم 2008-2009، لينضم بعد ذلك إلى ريال مدريد، في صفقة قياسية كان ينتظرها النادي الملكي منذ أن عاد بيريز لرئاسة النادي.
من جانبه، كان ليونيل ميسي يتسلّم الراية من رونالدينيو كنجم أول في برشلونة، حيث لم يكن له تأثير في الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا 2006، ولكن مع مرور الوقت بدأ يحصل على الفرصة، وفي موسم بيب جوارديولا الأول 2008-2009، كان ميسي قد ظهر.
Lionel Messi 🆚 Manchester United, 2009. #UCLfinal pic.twitter.com/MjySBDYWc4
— UEFA Champions League (@ChampionsLeague) May 28, 2024
تفوق ليو على رونالدو في أول نهائي بينهما عام 2009 في روما، وحصل ليو على لقب الأبطال وهو نجم الفريق تحت قيادة بيب جوارديولا.
حصل رونالدو على جائزة أفضل لاعب في العالم 2008، ثم ليونيل ميسي عام 2009، بعد آخر لاعب خارج الليجا يفوز بالجائزة وهو ريكاردو كاكا مع ميلان في 2007.
مع عام 2010، بدأت تنقسم فئات المشجعين بين ميسي ورونالدو، مع تأثير هائل لكل لاعب على مشجعيهم، حتى كنا نرى بأن مشجع ليو ليس بالضرورة مشجعًا لبرشلونة، كما هو الحال للمُتيم بكريستيانو.
Cristiano aura 🥶#UCL pic.twitter.com/IDvj5B6wpa
— UEFA Champions League (@ChampionsLeague) December 1, 2025
لقد بدأ عصر كريستيانو وميسي، وبدأت الخلافات بين المشجعين والشركات الراعية، ومع التقدم التكنولوجي وظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الأكبر، فقد كانت حتى المنصات تبدأ في الانقسام.
اختفت تدريجيًا الاهتمامات بالدوري الإيطالي، أصبح يوفنتوس يسيطر على كل شيء هناك، ولم يعد وجهة للنجوم مثلما كان من قبل.
الدوري الإنجليزي لم يعد لديه فريق يستطيع الفوز بدوري أبطال أوروبا، حتى ظهر تشيلسي في 2012، مع هيمنة برشلونة وريال مدريد على نصف النهائي مع بايرن ميونخ.

هيمنة الجوائز الفردية
الصراع المباشر بين ميسي ورونالدو كان على الجوائز الفردية وتحديدًا الكرة الذهبية، فقد سيطر ميسي من 2009 وحتى 2011 على الجائزة، ثم عاد رونالدو وحصل عليها في 2013.
في ذلك الوقت، كان يتألق لاعبين مثل فرانك ريبري وكذلك ويسلي شنايدر، لكن الثنائي ظلما في وجود كريستيانو وليو، بالنظر إلى أرقامهما الاستثنائية في تسجيل الأهداف والصناعة.
The Ballon d'Or if Cristiano Ronaldo and Lionel Messi did not exist 😳#ballondor pic.twitter.com/R73XAK8ZvX
— Ballon d'Or (@ballondor) October 1, 2022
في توقيت كانت فيه كرة القدم تدخل مرحلة جديدة مع صعود علم الإحصائيات والمواقع المتخصصة في تحليل الأداء.
ومع بداية العقد الثاني من الألفية، تحوّلت الأهداف والتمريرات والتسديدات إلى بيانات تُقاس وتُقارن يوميًا، وكان الثنائي المثالي لقيادة هذه الثورة الرقمية.
ميسي ورونالدو لم يكونا مجرد لاعبين يسجلان بكثرة، بل كانا يكسّران الأرقام القياسية بوتيرة غير مسبوقة: مواسم تتجاوز 50 و60 هدفًا، أرقام تهديفية ثابتة في كل البطولات، حضور دائم في صدارة الإحصاءات الفردية، سواء في عدد الأهداف، أو المعدل التهديفي، وصناعة الأهداف، أو التأثير المباشر على النتائج.

هذا التفوق الرقمي المستمر جعل المقارنة معهما شبه مستحيلة، ورسّخ فكرة أن القمة محجوزة سلفًا.
ومع انتشار مواقع الإحصاء والتحليل، أصبحت الأرقام لغة المشجع الأولى. تحوّل النقاش من “من الأفضل؟” إلى “من يملك أرقامًا أعلى؟”، ومن تقييم الأداء في سياقه الجماعي إلى هوس بالمقارنات الرقمية المباشرة.
في هذا المناخ، كرّس ميسي ورونالدو هيمنتهما الكاملة؛ كل رقم جديد كان يُستخدم لتأكيد تفوق أحدهما، وكل موسم ينتهي بإحصاءات تعيد إنتاج الصراع من جديد، وتغلق الباب أمام أي لاعب آخر مهما كانت قيمته الفنية أو إنجازاته الجماعية، وبالتالي سقط إنييستا وتشافي، وحتى ظهور لاعبين مثل جاريث بيل ونيمار دا سيلفا.
وبهذا الشكل، لم يسيطر الثنائي على الملاعب فقط، بل سيطر على الوعي الجماهيري نفسه، في عصر أصبحت فيه الأرقام أقوى من الانطباعات وأكثر تأثيرًا من السياق.

مع وجود ميسي في برشلونة ورونالدو في ريال مدريد، تحوّل الكلاسيكو من مباراة قمة محلية إلى الحدث الكروي الأهم على مستوى العالم. لم تعد المواجهة تُتابع بوصفها صراع ناديين، بل باعتبارها حلقة جديدة من ثنائية شخصية استثنائية، تُختصر فيها كرة القدم كلها في اسمين.
المباراة التي كانت تُقام مرتين على الأقل في الموسم، أصبحت موعدًا عالميًا ثابتًا، تتوقف عنده جماهير لا تتابع الدوري الإسباني من الأساس، وتُوجَّه له عدسات الإعلام أكثر مما تُوجَّه لنهائيات قارية أو مباريات حاسمة في دوريات أخرى. ليسحب الكلاسيكو جزءًا كبيرًا من الاهتمام العالمي، وفرض نفسه مركزًا تدور حوله كرة القدم لسنوات طويلة.
ماذا لو كان العالم بدون ميسي ورونالدو؟
غياب ميسي ورونالدو عن المشهد لم يكن ليصنع فراغًا بقدر ما كان سيُعيد توزيع النفوذ داخل كرة القدم العالمية.
بدل عصر تحكمه قمتان ثابتتان، كانت النجومية ستعود إلى طبيعتها القديمة: متغيرة، موسمية، وخاضعة للسياق. الجوائز الفردية لم تكن لتُحسم مسبقًا، بل كانت ستعكس ما يقدّمه اللاعب في عامه تحديدًا، ولم تكن كرة القدم ستخضع لحسابات أخرى.
في هذا المناخ، كان من الممكن أن تتحول مواسم تشافي وإنييستا الاستثنائية إلى تتويج فردي صريح، وأن يُستكمل إرث كاكا ورونالدينيو ونيمار دا سيلفا، وأن تُقرأ ذروة روبن وريبيري وليفاندوفسكي وسواريز، وقبلهم ويسلي شنايدر وفرانك ريبري من خلال الجوائز.

والأهم أن كرة القدم كانت ستستعيد أحد عناصرها الأساسية وهي التنوع، مثلما حدث وفاز باجيو بجائزة أفضل لاعب في العالم لأنه كان أفضل من يمارس الكرة حقًا، ومثلما حصل أوين على الجائزة ثم بافل نيدفيد، ورونالدو الظاهرة الذي لم يتوج من الأساس بالأبطال في حياته.
الكرة الذهبية والعرب
في عدم وجود ميسي ورونالدو، لم تكن المنافسة على الجوائز الفردية لتبقى حكرًا على أسماء بعينها، بل كانت ستتّسع بطبيعتها لتشمل لاعبين من خارج الدوائر التقليدية، خاصة مع ظهور نجوم عرب صنعوا الحدث في أوروبا.
النجوم العرب، الذين اصطدموا لسنوات بسقف غير معلن للطموح الفردي، كانوا سيجدون مساحة حقيقية للظهور والمنافسة بدلًا من وضعهم في إطار القصص الملهمة.
التقييم كان سيصبح أكثر ارتباطًا بما يحدث داخل الموسم نفسه، مثلما فعل رياض محرز في موسم 2016-2017 مع ليستر سيتي في معجزة القرن بالدوري الإنجليزي الممتاز.
كذلك كان محمد صلاح يستطيع الفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم 2018، بعد موسم استثنائي في 2017-2018 عندما انضم إلى ليفربول وحقق كل الأرقام والجوائز الفردية بالدوري الإنجليزي.
ربما لم تكن الجوائز ستذهب إلى لاعب عربي كل عام، لكن وجود اسم عربي في دائرة المنافسة الجادة كان سيصبح أمرًا طبيعيًا، لا حدثًا استثنائيًا يُحتفى به لمجرد الحضور.
Mohamed Salah’s goal of winning the Ballon d’Or isn’t just about the trophy — it’s for his people.
— Ballon d'Or (@ballondor) June 18, 2025
Do you think the Egyptian forward can win it this year? ⚽🏆#ballondor #salah @MoSalah pic.twitter.com/8NgE3K0S0V
والدليل على ذلك، بأن عندما خرج ميسي ورونالدو من قائمة المرشحين مؤخرًا، ظهرت أسماء مثل حكيمي ومحمد صلاح ضمن المراكز الأولى، خاصة في العام الأخير، في حين وجود رونالدو وميسي في أوروبا كان سيمنع ذلك من الحدوث.
عندما اختفت الثنائية الأعظم
مع رحيل كريستيانو رونالدو إلى يوفنتوس ومغادرة ميسي برشلونة، بدأت كرة القدم تدخل مرحلة جديدة على أرض الواقع، حيث لم تعد الثنائية المهيمنة تتحكم في كل شيء.
البريميرليج أصبح أقوى بطولة جماهيريًا وفنيًا، خاصة مع مشروع جوارديولا في مانشستر سيتي، ويمتد ذلك إلى ليفربول تحت قيادة كلوب، حيث تحوّلت مواجهة الفريقين إلى أقوى مباراة في الدوري الإنجليزي، ولا تُناقش فقط محليًا بل عالميًا.

على صعيد البطولات القارية، شهدت الفترة من 2019 وحتى 2021 تتويج أندية مثل ليفربول، وتشيلسي، وبايرن ميونخ بدوري أبطال أوروبا، ما أظهر قدرة أندية من دوريات مختلفة على السيطرة والنجاح في ظل غياب الهيمنة المطلقة لميسي ورونالدو. وفي 2023، أكد مانشستر سيتي قدرة البريميرليج على فرض نفسه عالميًا بعد فوزه باللقب القاري، بينما باتت الليجا أقل سيطرة في غياب نجمين يفرضان المشهد.
هذا التحوّل أتاح توزيع النجوم بشكل أكثر توازنًا بين الأندية، وأعاد الاهتمام بالبطولات الأوروبية الأخرى، كما انعكس على سوق الرعاة والبث التلفزيوني وقيمة العلامات التجارية للأندية، لتصبح المنافسة أكثر شفافية على أرض الواقع، بعيدًا عن سيطرة ثنائية استمرت سنوات على كل ما له علاقة بالكرة العالمية.

وجدنا استغراب البعض بأن عثمان ديمبلي هو أفضل لاعب في العالم، والانتقاد لحصول ليونيل ميسي على الجائزة بسبب تألقه في كأس العالم فقط.
لا يزال ميسي يلعب في إنتر ميامي، ويستمر كريستيانو رونالدو في نثر سحره بالدوري السعودي، مما يجعل البعض ينتظر كأس العالم 2026 واحتمالية مواجهة تكون الرقصة الأخيرة لكلاهما.