أخبار الكرة الإسبانيةإدارة برشلونةبرشلونةأخبار

خطوات في “كامب نو”.. كيف فضحت زيارة ميسي “السرية” هشاشة علاقته بإدارة برشلونة

في ليلة هادئة من ليالي برشلونة، وبين أضواء الرافعات التي تلامس سماء الكامب نو، عاد ليونيل ميسي إلى بيته، لم تكن هناك كاميرات تلفزيونية ولا حشود تنتظره، فقط صدى خطواته فوق أرضية الملعب التي كانت ذات يوم مملكته.

لكن تلك الزيارة القصيرة، التي جرت دون علم إدارة برشلونة، كانت كافية لإشعال عاصفة جديدة بين النجم الأرجنتيني وإدارة خوان لابورتا، العاصفة التي كشفت أن الجرح بين الطرفين لم يلتئم بعد، رغم مرور سنوات على الفراق.

زيارة ميسي تضع إدارة لابورتا في موقف محرج

وفقًا للصحف الإسبانية المقربة من برشلونة، كان ميسي في زيارة عائلية قصيرة إلى المدينة، قبل التحاقه بمعسكر منتخب الأرجنتين في أليكانتي.

لكن بدلًا من قضاء الليلة في أحد مطاعم المدينة، قرر فجأة الذهاب إلى “سبوتيفاي كامب نو”، وسط صمت المدينة وأعمال التجديد التي لم تكتمل بعد.

رافقه رودريجو دي بول وصديقه المقرّب بيبي كوستا، ذلك الرجل الذي لم يفارقه منذ أيام بيب جوارديولا.

وقف ميسي وسط أرضية الملعب، تأمل المدرجات نصف المهدّمة، وكأنّه يحاور المكان نفسه: “كم تغيّر كل شيء منذ رحيلي.”

بعد دقائق من الصمت، غادر، تاركًا وراءه مشهدًا التقطته عدسات قلة من المتواجدين، وصور نشرها لاحقًا على إنستجرام قال فيها: “الليلة الماضية عدت إلى مكان أفتقده بروحي، مكان كنت فيه سعيدًا جدًا، حيث جعلتموني أشعر ألف مرة بأنني أسعد شخص في العالم. أتمنى أن أتمكن يومًا من العودة، وليس فقط لتوديعي كلاعب، كما لم أستطع أن أفعل من قبل”.

لم تمر ساعات حتى بدأت الروايات تتضارب، وأصدر النادي بيانًا متأخرًا أكد فيه أن ميسي طلب الإذن من طاقم الأمن التابع لشركة “ليماك” المسؤولة عن أعمال التجديد، وأن الإدارة وافقت فورًا، معتبرة أن “ميسي دائمًا مرحّب به في بيته”.

لكن مصادر قريبة من ميسي نفت الرواية تمامًا، مؤكدة أن الزيارة تمت دون أي تواصل مع النادي، وأنها كانت مبادرة شخصية وسريعة من النجم الأرجنتيني.

هذا التضارب بين النسختين أعاد إلى الواجهة التساؤلات حول الجمود في العلاقة بين ميسي ولابورتا، وحول مدى استعداد الطرفين فعلًا لتجاوز خلافات الماضي.

أول رد من ميسي على زيارته للكامب نو

وجه أحد الصحفيين سؤالًا للأرجنتيني ليونيل ميسي حول زيارته المفاجئة إلى الكامب نو، حيث سأل: الناس لا تنساك، هذا أمر واضح.

ورد البرغوث: “أعتقد أنني تحدثت معك عن هذا من قبل. بقي لدي إحساس غريب بعد رحيلي، بسبب الطريقة التي حدث بها كل شيء، وبسبب الطريقة التي أنهيت بها سنواتي الأخيرة وأنا ألعب بدون جماهير، بسبب الجائحة”.

وأضاف: “بعد كل العمر الذي قضيته هناك، لم أغادر كما تخيلت، ولا كما حلمت. كنت أتخيل، كما قلت، أنني سأقضي مسيرتي كلها في أوروبا، في برشلونة، ثم نعم، آتي إلى هنا كما فعلت لاحقًا، لأن ذلك كان تفكيري، وكان ما أريده”.

واختتم رده قائلًا: “لكن كانت لحظة الوداع غريبة بعض الشيء أيضًا، بسبب الظروف، وبسبب كل شيء. لكن، أعتقد أن محبة الناس ستظل دائمًا، لما قلته، ولِكل ما عشناه معًا”.

خيبة 2021.. حين انكسر الوعد

سيبقى صيف 2021 النقطة التي تغيرت فيها كل موازين العلاقة بين ميسي والنادي، في تلك الأيام، كان لابورتا يؤكد في كل مؤتمر صحفي أن “كل شيء يسير بشكل رائع، وميسي سيبقى”.

لكن في النهاية، ووسط صدمة الجماهير، أعلن النادي أن القيود المالية التي فرضتها الليجا تمنع تسجيل عقد ميسي الجديد، لتنهمر دموعه في المؤتمر الوداعي الذي هزّ العالم.

أكدت مصادر عدة، أبرزها تصريحات نائب الرئيس السابق جوردي ميستري، أن ميسي شعر آنذاك أنه تم خداعه، بعدما قدّم كل التنازلات الممكنة — بما في ذلك تخفيض راتبه بنسبة 50% — فقط ليكتشف أن الإدارة لم تكن صادقة معه حتى النهاية.

كانت النتيجة صادمة: دموع ميسي في المؤتمر الوداعي، ورحيل قسري إلى باريس سان جيرمان.

ليونيل ميسي - برشلونة (المصدر:Gettyimages)
ليونيل ميسي – برشلونة (المصدر:Gettyimages)

قال ميستري: “ما قدّمه ميسي للنادي لا يمكن تعويضه. كان مستعدًا للبقاء، لكن الإدارة لم تفِ بوعودها، هو وعائلته لا يزالان يشعران بخيبة أمل كبيرة من لابورتا”.

وأضاف:”هناك نجوم عالميون جاؤوا إلى برشلونة لأن ميسي كان هناك. لقد جعل النادي يكسب ملايين، ومع ذلك انتهى به الأمر إلى المغادرة بطريقة قاسية وغير عادلة.”

ميسي أراد نيمار.. والإدارة تجاهلت طلبه

واحدة من أكثر النقاط حساسية التي كشف عنها ميستري كانت رغبة ميسي في إعادة نيمار بعد رحيله إلى باريس عام 2017 مقابل 222 مليون يورو.

قال ميستري: “ليو قال لي بنفسه: أريد نيمار أن يعود، كان يرى فيه الشريك المثالي الذي يوازن الهجوم، ويمنحه الحرية الإبداعية.”

لكن رغبة ميسي لم تُؤخذ بجدية في حينها، ومع الوقت، أصبح واضحًا أن قرارات الإدارة كانت تسير في اتجاه مغاير تمامًا لرؤية ميسي الفنية.

رحيل نيمار فكك ثلاثي الـ“MSN” التاريخي (ميسي، سواريز، نيمار)، وأفقد برشلونة توازنه الهجومي، وهو ما ترك أثرًا نفسيًا عميقًا على ميسي الذي شعر بأن النادي لم يعد يملك المشروع الذي وُعد به.

ليونيل ميسي - لويس سواريز - نيمار دا سيلفا - المصدر (getty images)
ليونيل ميسي – لويس سواريز – نيمار دا سيلفا – المصدر (getty images)

حلم التكريم المؤجل.. ولكن بأي وجه؟

رغم كل ما حدث، لم يتوقف لابورتا عن محاولة استعادة العلاقة الرمزية مع ميسي، ففي أحدث ظهور له بمناسبة إعادة افتتاح الكامب نو جزئيًا، أعلن أن النادي يخطط لتنظيم حفل تكريم ضخم للأسطورة الأرجنتينية عند اكتمال أعمال التجديد عام 2026، حين يصبح الملعب جاهزًا بطاقة 105 آلاف متفرج.

قال لابورتا: “بالطبع، أرغب بشدة في ذلك، سيكون تكريمًا رائعًا للتعبير عن امتناننا وتقديرنا له، عندما يكتمل الملعب بسعته الجديدة، سنتمكن من تنظيم الاحتفال الذي يستحقه هو والنادي”.

وأضاف لابورتا: “سيكون شرفًا كبيرًا بالنسبة لي أن أقود هذا التكريم لميسي في كامب نو”.

لكنه أقرّ بأن الحدث قد يتزامن مع الانتخابات الرئاسية المقبلة للنادي، المقررة بين مارس ويونيو 2026.

وقال بابتسامة: “لا أعلم إن كنت سأظل رئيسًا حينها، لكن إن كنت كذلك، فسيكون شرفًا لي”.

خوان لابورتا - رئيس برشلونة (المصدر Gettyimages)
خوان لابورتا – رئيس برشلونة (المصدر Gettyimages)

لكن كلمات لابورتا لم تمر مرور الكرام؛ فالموعد المقترح للتكريم الذي يتزامن مع الانتخابات الرئاسية للنادي، اعتبره كثيرون محاولة لاستثمار اسم ميسي سياسيًا أكثر من كونه إحياءً حقيقيًا للعلاقة بين الطرفين.

خاصةً وأن التصريحات تعيد للأذهان مشهد ترشيح لابورتا للانتخابات، عندما وعد بتجديد عقد ليونيل، وبعد أن نجح بالفعل وتولى رئاسة البارسا، لم يفي بوعده، ورحل ميسي.

الطريق المسدود

العلاقة بين ليونيل ميسي وخوان لابورتا لم تعد حربًا مفتوحة، لكنها أيضًا لم تعد صداقة، هناك جسر مهدّم بينهما، نصفه “نوستالجيا” ونصفه خيبة أمل.

فبالرغم من ظهور لابورتا في أكثر من مناسبة للحديث حول عودة ميسي إلى الكامب نو، أو إقامة مباراة تكريمية لأسطورة البارسا الأول، إلا أنه لم يأخذ أي خطوة تجاه الأمر.

خوان لابورتا - برشلونة (المصدر:Gettyimages)
خوان لابورتا – برشلونة (المصدر:Gettyimages)

فحضر الآلاف من الجماهير الكتالونية لمشاهدة أول مران للفريق على أرضية الملعب الجديدة، ولكن لم تتم دعوة ميسي، كما وأنه حتى الآن لم يقدم أي دعوة لحضور النجم الأرجنتيني لمتابعة أول مباراة للبلوجرانا على أرضية الكامب نو الجديد.

الزيارة “السرّية” لم تفعل أكثر من تسليط الضوء على هذا الواقع: أن ميسي ما زال ابن برشلونة، لكن برشلونة تغيّر لدرجة لم يعد يعرف فيها ابنه الأعظم.

قد يأتي يوم التكريم العظيم كما يريد ميسي، وقد تعود الجماهير لتغني باسمه من جديد، لكن ما لن يُمحى بسهولة هو ذلك الإحساس العميق بأن النهاية، مهما كانت مبهرة، لن تمحو المرارة التي سبقتها.

محمود الشوادفي

صحفي مصري، أكتب في 365Scores عن كرة القدم كما تُرى من داخل التفاصيل، بدأت رحلتي الصحفية عام 2019، وأؤمن أن وراء كل رقم حكاية، ووراء كل مباراة فكرة تستحق أن تُروى بأسلوب مختلف.