الاتحاد الدولي لكرة القدمتقنية الفيديوكأس العالم 2022أخبار

بين العدالة وفقدان المتعة.. كيف حولت التكنولوجيا كرة القدم إلى بلايستيشن

اللعبة التي عشقها الملايين حول العالم لم تعد كما كانت. قوانين جديدة تظهر كل موسم في كرة القدم تجعل اللعبة أشبه بـ”البلايستيشن” وتفقد العفوية والإثارة التي كانت تميزها في الماضي.

أصبحت التكنولوجيا تتحكم بجزء كبير من كرة القدم، رغم أن اختراع التقنيات الحديثة ظهر من أجل العدالة، لكنها أصبحت معقدة لأبعد الحدود.

مع اقتراب كأس العالم في كل عام، أصبحنا نجد هناك قانونًا جديدًا يتم تجربته قبل الاعتماد الرسمي في مختلف البطولات.

إلى أين تذهب كرة القدم؟

تطور كرة القدم منذ اختراعها جعلها لعبة احترافية تتحكم في مشاعر الملايين من الناس، منذ تطبيق أول قانون تسلل في القرن الماضي، مرورًا بقوانين الركنيات والمخالفات والبطاقات الملونة.

مع انطلاق بطولة كأس العالم 1930 في أوروجواي، طُبّق قانون التسلل للمرة الأولى من قبل مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، بالإضافة لاعتماد المخالفات وركلات الجزاء.

تطور الأمر مع مرور الوقت، ولكن مع نهاية التسعينات، طُبّق الهدف الذهبي في البطولات الدولية، وكانت أشهر اللحظات في نهائي يورو 1996، بهدف بيرهوف الشهير في شباك التشيك، ثم في نسخة 2000، بهدف تريزيجيه القاتل ضد إيطاليا، وأخيرًا في مونديال 2002، عندما منح الهدف الذهبي تأهل تركيا على السنغال إلى نصف النهائي.

في 2004، قرر الاتحاد الدولي إلغاء القانون بعدما حصل على موافقة الاتحادات الأعضاء، مع اعتماد “الهدف الفضي”، والذي كان يعني أن تنتهي المباراة بنهاية الشوط الإضافي إذا تقدم فريق على آخر، ولكن بعد ذلك تم إلغاء هذا القانون، والعودة للنظام التقليدي، مع شوط إضافي كامل في حالة التعادل، ثم الاحتكام إلى ركلات الترجيح.

كل هذه القوانين، رغم تأثيرها على كرة القدم، أصبحت بعض منها أساسًا تُقام عليه اللعبة الشعبية الأولى في العالم قبل دخول التكنولوجيا بشكل رسمي.

تقنية خط المرمى

بدأت التكنولوجيا تتدخل في عام 2012، بعد هدف لامبارد الشهير الذي لم يُحتسب في مباراة منتخب بلاده إنجلترا ضد ألمانيا، وأدى لخروج الأسود رغم تخطي الكرة للخط.

بعد عامين من مونديال 2010، تم تطبيق التقنية الجديدة Goal-Line Technology – (GLT) من خلال مسار ثلاثي الأبعاد للكرة. إذا عبرت خط المرمى بالكامل، يُرسل النظام رسالة للحكم في أقل من نصف ثانية على ساعته الخاصة مكتوب فيها “هدف”، وإذا لم تعبر الكرة، لن تهتز ساعة الحكم.

تم تطبيق تلك التقنية لأول مرة في كأس العالم للأندية 2012، وعلى مستوى المنتخبات، كانت نسخة مونديال 2014 في البرازيل أول نسخة كأس عالم تُستخدم فيها تقنية خط المرمى.

تكلفة تلك التقنية باهظة للغاية، مما يجعل بعض الدوريات حتى الآن لا تعتمدها، من بينها الدوري الإسباني على سبيل المثال في الموسم قبل الماضي، وهو ما أكده خافيير تيباس عندما سجل لامين يامال هدفًا في شباك ريال مدريد، ولم يحتسبه الحكم.

بيرلويجي كولينا الذي يرفض الأخطاء

كان بيرلويجي كولينا حكمًا صارمًا، وربما يكون أشهر الحكام في التاريخ، معروفًا بشخصيته الإيطالية الصارمة، لا يرتكب الكثير من الأخطاء، ويسيطر على كل شيء في المباراة بنظرة مرعبة للاعب الذي يفكر في الاعتراض.

كولينا في عام 2016 كان يعمل بشكل تطوعي مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، وأثناء مواجهة إيطاليا ضد إسبانيا تم استخدام تقنية الفيديو لأول مرة.

بيرلويجي كولينا - المصدر (Getty images)
بيرلويجي كولينا – المصدر (Getty images)

“لا زلت أتذكر ذلك اليوم بوضوح… كان يومًا تاريخيًا بكل معنى الكلمة. لم أكن قد التحقت رسميًا بالعمل في FIFA بعد، لكنني كنت في مدينة باري مع عدد من الزملاء لمتابعة مباراة إيطاليا وفرنسا، حيث جرى لأول مرة استخدام تقنية التحكيم بالفيديو في مباراة دولية.

كنا جميعًا مترددين بشأن ما قد يحدث، ولا أنكر أننا شعرنا ببعض التوتر، فهي كانت التجربة الأولى على الإطلاق”.

“أذكر أنني كنت جالسًا في حافلة صغيرة خارج الملعب في باري برفقة الرئيس الجديد للفيفا آنذاك جياني إنفانتينو، وكانت التقنية منصوبة هناك. كنت أشرح له كيفية عمل النظام، ومن تلك اللحظة بدأ مشوار طويل قطعناه حتى وصل الـVAR إلى ما هو عليه اليوم”.

بالفعل، نشر الاتحاد الدولي لكرة القدم بيانًا رسميًا في سبتمبر 2016 أكد من خلاله نجاح التقنية، مع التصديق على اعتمادها في كأس العالم للأندية بذلك العام.

تقنية الفيديو - المصدر (Getty images)
تقنية الفيديو – المصدر (Getty images)

وبما أن الأمر يتعلق بالتكنولوجيا، كانت اليابان للمرة الثانية شاهدة على أول استخدام لتقنية الفيديو في بطولة رسمية، بكرة القدم، ببطولة كأس العالم للأندية 2016، في مباراة كاشيما أنتليرز وأتلتيكو ناسيونالي الكولومبي.

بدأت بعض الدول تعتمد التقنية، مثل هولندا وألمانيا والولايات المتحدة، على سبيل المثال وليس الحصر، وفي العام التالي لمونديال الأندية، استخدمت تقنية الفيديو في كأس القارات بنسختها الأخيرة عام 2017.

الظهور الأكبر والأبرز كان في مونديال 2018، وهو ما يطلق عليه البعض “مونديال الفار”، حيث استخدمت التقنية بشكل رسمي، وعلق كولينا بعد البطولة، بعد أن عُين رسميًا رئيسًا للجنة الحكام في الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 2017، وقال الإيطالي: “حققت تقنية الفيديو المساعد للحكم نجاحًا هائلًا في روسيا 2018، وكان ذلك بمثابة الإجابة الأفضل لكل أولئك الذين كانوا يتوقعون فشلها، إذ أصيبوا بخيبة أمل كبيرة”.

منذ ذلك الحين، أصبحت تقنية الفيديو تُستخدم في جميع البطولات الكبرى، وباتت جزءًا لا يتجزأ من كرة القدم، سواء على المستوى الدولي أو القاري وكذلك المحلي، باستثناء بعض البطولات التي لم تستخدمها في الأدوار الأولى، مثل دوري أبطال إفريقيا، التي تبدأ استخدام التقنية من الأدوار الإقصائية.

مع وجود تقنية الفيديو، بدأ تقليل دور العنصر البشري، ويكفي القول إن قانون الحكم الخامس الذي كان يتواجد على خط المرمى تم إلغاؤه، لوجود تقنية خط المرمى والفيديو المساعد.

في النهاية، القرار يعود لحكم الساحة، ولكن بدون تقنية الفيديو خلال السنوات الثماني الأخيرة، لكانت الأخطاء كما هي وربما ازدادت في كرة القدم.

التكنولوجيا لم تتوقف عند الـVAR

بعد نجاح تقنية الفيديو، واصل بيرلويجي كولينا ولجنة الحكام بالاتحاد الدولي استحداث واختراع قوانين جديدة من أجل تقليل الأخطاء قدر الإمكان.

قبل كأس العالم 2022 بشهرين، قال كولينا في تصريحات لموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم: “هناك دائمًا مجال لإدخال تحسينات، ونحن على دراية بذلك، إذ نعرف أنه يتطلب في بعض الأحيان وقتًا أطول من اللازم، لكننا قادرون على ذلك”.

من هنا ظهرت تقنية التسلل الآلي (Semi-Automated Offside Technology – SAOT)، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتتبع ثلاثي الأبعاد لمساعدة الحكم في تحديد حالات التسلل بسرعة ودقة.

في قطر عام 2021، تم استخدام التقنية في بطولة كأس العرب، وكذلك مونديال الأندية في نفس العام لتجربتها، وأثبتت نجاحها بالفعل.

من خلال 12 كاميرا تُثبت أسفل سقف الاستاد بهدف تتبع حركة الكرة، وما يصل إلى 29 نقطة بيانات تعمل بسرعة 50 مرة في الثانية مخصصة لكل لاعب، تم اعتماد التقنية.

وبالفعل، في مونديال قطر التاريخي، كانت لجميع التقنيات تأثيرها الواضح والفعلي، مثل هدف اليابان ضد إسبانيا واستخدام تقنية خط المرمى، وتقنية الفيديو على مدار البطولة، والتسلل شبه الآلي في العديد من المباريات أيضًا، وتحديدًا في النهائي خلال هدف الأرجنتين الثالث ضد فرنسا.

إسبانيا - اليابان - كأس العالم 2022 - المصدر (Getty images)
إسبانيا – اليابان – كأس العالم 2022 – المصدر (Getty images)

المونديال الأمريكي.. هل تتحول كرة القدم إلى بلايستيشن؟

كما ذكرنا، في بطولات كأس العالم تواليًا كانت التقنيات تُستخدم بطولة تلو الأخرى، وتحديدًا في البطولات الثلاث الأخيرة 2014 و2018 وأخيرًا 2022، مع التطور التكنولوجي وظهور الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل كبير بمختلف المجالات.

مثلما حدث في كأس العرب بنسخته الأولى مع الاتحاد الدولي، قرر فيفا تجربة قانون جديد في نسخة 2025 المقامة حاليًا في قطر، لاعتماده قبل مونديال 2026 في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك.

أبرز التعديلات في كأس العرب 2025 من قبل الاتحاد الدولي، استبعاد أي لاعب يتعرض لإصابة ويدخل الجهاز الطبي لعلاجه لمدة دقيقتين، ليضطر فريقه للعب بعشرة لاعبين.

كأس العرب 2025.. النظام والمنتخبات المشاركة والقنوات الناقلة
كأس العرب 2025 (المصدر:Gettyimages)

قال كولينا عن ذلك القانون: “في يوليو اعتمدنا قانون الـ8 ثوانٍ بخصوص حارس المرمى، ولمنشاهد أي ركنية احتسبت بسبب ذلك، ولذلك نريد تطبيق ذلك القانون من أجل عدم إهدار الوقت”.

في مونديال الشباب تحت 20 عامًا الذي أقيم في سبتمبر الماضي بتشيلي، تم تطبيق تقنية “FVS- Football Video Support”، بعد نجاح التجربة في منافسات كأس العالم للشابات التي أقيمت في العام الماضي.

تلك التقنية تمنح كل مدرب الحق في تقديم بطاقة يتحدى من خلالها الحالة التي يريد مراجعتها عبر تقنية الفيديو، ولكن بعدد محدود من التحديات.

لم يتم اعتماد التقنية في كأس العرب، ولكنها قيد الدراسة لاحتمالية اعتمادها في بطولة كأس العالم 2026، لكن ما سيتم تطبيقه بشكل رسمي هو قانون الدقيقتين.

قانون الدقيقتين هدفه أن يُعالج اللاعب عندما يصاب بالفعل، وليس حين يتظاهر بالإصابة، وبالتالي يغادر الملعب دقيقتين إذا دخل الجهاز الطبي، مع الاستثناء الوحيد أن يكون مصابًا بالفعل، وأن يحصل اللاعب الذي التحم معه على بطاقة صفراء أو حمراء، وكذلك حارس المرمى.

ما بين قانون الـ8 ثوانٍ والدقيقتين، يبقى العنصر البشري هو الذي يتدخل، وبدون تقنيات تكنولوجية، ولكن ما كشفته هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” يوم أمس هو ما يجعلنا يمكن أن نطلق على مونديال 2026 “مونديال البلايستيشن”.

تقنية الفيديو - المصدر: (Getty images)
تقنية الفيديو – المصدر: (Getty images)

منذ أن تم اختراع تقنية الفيديو والعمل بها، فهي لا تدخل سوى في 3 حالات: الأهداف، وركلات الجزاء، والبطاقات الحمراء المباشرة.

ما كشفت عنه “BBC” أن بيرلويجي كولينا يفكر في أن تتدخل تقنية الفيديو لاحتساب الركلات الركنية أو إلغاءها، رغم رفض معظم الدوريات المحلية للفكرة.

في أكتوبر الماضي، تم مناقشة احتمالية تدخل تقنية الفيديو في البطاقات الصفراء الثانية التي يتم إبرازها بشكل غير صحيح والتي تؤدي إلى البطاقات الحمراء، وكذلك احتساب أو إلغاء الركلات الركنية، بل ويرغب كولينا في أن تتدخل تقنية الفيديو في كل مخالفة، وليس فقط ركلات الجزاء.

في يناير المقبل، ستُناقش هذه الإجراءات مجددًا مع محاولة إقناع الاتحادات المحلية بها، حتى يتم تقليل الأخطاء.

رغم أن تقنيات الفيديو ساعدت على تقليل الأخطاء التحكيمية في كرة القدم، إلا أن ثمن هذه الدقة أصبح واضحًا على متعة المباراة. التوقفات المتكررة والمراجعات الطويلة تجعل إيقاع اللعب بطيئًا للغاية، وتفقد المباريات العفوية والحماسة التي كانت تميز كرة القدم في الماضي.

كل هدف، كل تسديدة، أصبح محل مراجعة وتحليل، حتى أن اللاعب والجمهور أصبحا يخشيان رد فعل التكنولوجيا أكثر من المنافس، فبالتالي باتت ردود الأفعال مصطنعة قليلًا.

بينما الجماهير تنتظر على المقاعد أو أمام الشاشات، لم يعد هناك عنصر المفاجأة الذي كان يصنع الإثارة، ولم تعد الأخطاء التحكيمية البسيطة جزءًا من الدراما التي تجعل المباريات لا تُنسى في كرة القدم.

في النهاية، التكنولوجيا نجحت في تحقيق العدالة، لكنها أيضًا سرقت جزءًا كبيرًا من المتعة. فكرة القدم لم تعد اللعبة التي تشاهدها بقلبك وروحك، بل أصبحت لعبة تعتمد على الحسابات الدقيقة والمراجعات المتكررة، ورغم ذلك هناك أخطاء أيضًا.

ولا شك في أن تقنية الفيديو مهمة، وجميع التقنيات لها تأثيرها الإيجابي، ولكن المبالغة في الاعتماد عليها يقلل من عمل العنصر البشري، وبطبيعة الحال تتأثر كرة القدم التي كانت تتحكم في أدرينالين البشر لحقيقتها وطبيعتها.

نادر شبانة

صحفي مصري منذ عام 2012، عملت بالعديد من القنوات التلفزيونية، أقوم بتقديم محتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أهتم بكرة القدم العالمية والإيطالية بشكل أكبر، أجيد كتابة القصص في كرة القدم والتحليلات للمباريات، وترجمة الأخبار ومتابعة الأحداث لحظة بلحظة