هل يعيش بايرن ميونخ موسم النضج الأكبر في مشروع فينسنت كومباني؟
منذ بداية موسم 2025-2026، يسير بايرن ميونخ بخطى ثابتة نحو استعادة مكانته كقوة لا تُقهر في أوروبا. الفريق البافاري يقدم واحدًا من أفضل مواسمه في السنوات الأخيرة، بأداء متوازن يجمع بين الصلابة الدفاعية والتفوق الهجومي، مع روح جماعية جعلت الفريق آلة منظمة قادرة على حسم المباريات مهما كان المنافس.
ما يميز هذا الموسم هو النضج التكتيكي الذي أصبح عليه بايرن تحت قيادة فينسنت كومباني. بعد موسم أول اتسم بالتذبذب والتجارب، نجح المدرب البلجيكي في صياغة هوية واضحة للفريق، واستثمار قدرات العناصر الشابة والخبرات الكبيرة في التشكيلة، والنتيجة: فريق لا يكتفي بالفوز، بل يفرض هيبته في كل مواجهة.
ورغم المنافسة الشرسة محليًا وأوروبيًا، إلا أن بايرن يبدو في طريقه لصناعة موسم تاريخي. الأداء المتميز، والانسجام بين الخطوط، والقدرة على التعامل مع مختلف أنماط اللعب، كلها عوامل جعلت العملاق البافاري في وضع قوي يبعث برسالة قوية لبقية القارة: بايرن ميونخ سينافس بقوة على كل البطولات في الموسم الحالي.
موسم كومباني الأول (2024-2025): تفوق كبير في الدوري وإخفاقات في الكؤوس
تم تحقيق الهدف الأساسي للموسم بنجاح، وهو استعادة لقب الدوري الألماني. أنهى الفريق الموسم في المركز الأول برصيد 82 نقطة، من 25 فوزًا، و7 تعادلات، وهزيمتين فقط. هجوميًا، كان الفريق غزير الإنتاج، حيث سجل 99 هدفًا بمعدل 2.91 هدف في المباراة الواحدة. دفاعيًا، كان الفريق صلبًا، حيث استقبل 32 هدفًا فقط بمعدل 0.94 هدف في المباراة.
تُظهر المقاييس المتقدمة تفوق كبير، حيث بلغ معدل الأهداف المتوقعة للفريق 81.7 مقابل أهداف متوقعة ضد الفريق بلغت 25.5 فقط، مما أسفر عن فارق أهداف متوقعة إيجابي ضخم بلغ +56.2. يشير هذا الفارق إلى أن نتائج الفريق كانت مستحقة ومستمرة وليست ضربة حظ.

رغم أن مشوار الدوري الألماني كان ناجحًا، إلا أن الموسم يعتبر مختلطًا بسبب الخروج من مسابقات الكأس.
- كأس ألمانيا: خروج مخيب للآمال من دور الـ 16 على يد باير ليفركوزن، تأثر بشكل كبير ببطاقة حمراء مبكرة للحارس مانويل نوير. قد يكون هذا الخروج بسبب سوء الحظ وليس خطأ من كومباني.
- دوري أبطال أوروبا: خروج من الدور ربع النهائي على يد إنتر الإيطالي، الذي وصل لاحقًا إلى النهائي. جاء هذا الخروج في ظل إصابات مؤثرة للاعبين مهمين مثل ألفونسو ديفيز، وجمال موسيالا، ودايوت أوباميكانو.
جدول أداء بايرن ميونخ (الدوري الألماني 2024-2025):
| المقياس | القيمة |
| السجل (فوز-تعادل-هزيمة) | 25-7-2 |
| النقاط | 82 |
| الأهداف المسجلة | 99 |
| الأهداف المسجلة / 90 دقيقة | 2.91 |
| الأهداف المتوقعة | 81.7 |
| الأهداف المستقبلة | 32 |
| الأهداف المستقبلة / 90 دقيقة | 0.94 |
| الأهداف المتوقعة المستقبلة | 25.5 |
| فارق الأهداف | +67 |
| فارق الأهداف المتوقعة | +56.2 |
قفزة نوعية في الموسم الثاني: الفجوة الإحصائية بين موسمين
تكشف المقارنة بين أول ست مباريات في الدوري الألماني لموسم 2025-2026 وموسم 2024-2025 بأكمله عن تحسن مذهل.
- هجوميًا: ارتفع معدل الأهداف لكل مباراة بشكل كبير من 2.91 إلى 4.17. الفريق يخلق فرصًا ذات جودة أعلى، مع قفزة كبيرة في الأهداف المتوقعة.
- دفاعيًا: أصبح الفريق حصنًا منيعًا، حيث انخفض معدل استقبال الأهداف لكل مباراة من 0.94 إلى 0.50 فقط. وتؤكد الأهداف المتوقعة المستقبلة أن هذا ليس حظًا، بل تحسن دفاعي حقيقي.
TEAMWORK! 💯⚽️ pic.twitter.com/hlWSxhTiMR
— FC Bayern München (@FCBayern) September 16, 2025
مقارنة الأداء بين الموسمين في الدوري الألماني (لكل 90 دقيقة):
| المقياس | موسم 2024-2025 | موسم 2025-2026 (أول 6 مباريات) |
| الأهداف المسجلة / 90 دقيقة | 2.91 | 4.17 |
| الأهداف المتوقعة / 90 دقيقة | 2.40 | 2.73 |
| الأهداف المستقبلة / 90 دقيقة | 0.94 | 0.50 |
| الأهداف المتوقعة المستقبلة / 90 دقيقة | 0.75 | 0.53 |
ثلاثي هجومي من الطراز العالمي
هاري كين – المهاجم الأبرز في أوروبا
وصل أداء هاري كين التهديفي إلى مستوى ممتاز، فهو الآن، يتصدر قائمة هدافي الدوري الألماني برصيد 11 هدفًا في 6 مباريات فقط. هيمنته تتجاوز ألمانيا؛ فهو يتصدر جميع اللاعبين في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى من حيث إجمالي الأهداف والتمريرات الحاسمة (14 مساهمة: 11 هدفًا و3 تمريرات حاسمة). أرقامه الأساسية ممتازة، حيث يحتل المرتبة الثانية في جدول ترتيب هدافي دوري أبطال أوروبا برصيد 4 أهداف في مباراتين فقط.

الثنائي الديناميكي: لويس دياز ومايكل أوليسي
- لويس دياز: يُعد الجناح الكولومبي إضافة قوية منذ انتقاله في الصيف من ليفربول، فقد أصبح الشريك المثالي لكين، حيث يحتل المركز الثاني في قائمة هدافي الدوري (5 أهداف) والمركز الأول في قائمة صانعي الأهداف (4 تمريرات حاسمة). مساهماته التسع (أهداف + تمريرات حاسمة) تضعه في المرتبة الخامسة على مستوى الدوريات الأوروبية الكبرى.
- مايكل أوليسي: ساهم بـ3 أهداف وتمريرتين حاسمتين في الدوري، ويتصدر أوليسي الدوري الألماني في عدد التسديدات بـ23 تسديدة، كما يتصدر قائمة أفضل صانعي الأهداف في دوري أبطال أوروبا بتمريرتين حاسمتين بجانب عدد من اللاعبين الآخرين.
🥶 𝑴𝒊𝒄𝒉𝒂𝒆𝒍 𝑶𝒍𝒊𝒔𝒆 💫 pic.twitter.com/hpGu1QnXB5
— FC Bayern München (@FCBayern) September 30, 2025
إحصائيات ثلاثي هجوم بايرن ميونخ (الدوري الألماني 2025-2026)
| اللاعب | الأهداف | التمريرات الحاسمة | إجمالي المساهمات التهديفية | التسديدات | تسديدات على المرمى |
| هاري كين | 11 | 3 | 14 | 21 | 16 |
| لويس دياز | 5 | 4 | 9 | 20 | 9 |
| مايكل أوليسي | 3 | 2 | 5 | 23 | 12 |
الهيمنة البافارية لا تتوقف عند حدود الدوري الألماني فقط، بل تمتد إلى مشهد كرة القدم الأوروبية ككل. فوفقًا لأرقام الموسم الجاري (2025-2026)، يضم بايرن ميونخ اثنين من بين أكثر خمسة لاعبين مساهمة هجومية في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى، وهو إنجاز يعكس القوة الهجومية الكبيرة للفريق.
هاري كين يتصدر القائمة بـ 14 مساهمة هجومية، فيما يحتل زميله لويس دياز المركز الخامس بـ 9 مساهمات، ليتفوق كين على أسماء عملاقة مثل كيليان مبابي، وإيرلينج هالاند. هذا الحضور المزدوج يؤكد أن كين ودياز هما أفضل ثنائي هجومي في الدوريات الخمس الكبرى حتى الآن، هذا الموسم، ويؤكد أن الفريق لا يعتمد على نجم واحد، بل على منظومة هجومية متنوعة.
قائمة أفضل المهاجمين في أوروبا (الدوريات الخمس الكبرى، موسم 2025-2026):
| الترتيب | اللاعب | النادي | المساهمات التهديفية (أهداف+تمريرات حاسمة) |
| 1 | هاري كين | بايرن ميونخ | 14 |
| 2 | كيليان مبابي | ريال مدريد | 11 |
| 3 | إيرلينج هالاند | مانشستر سيتي | 10 |
| 4 | أنطوان سيمينيو | بورنموث | 9 |
| 5 | لويس دياز | بايرن ميونخ | 9 |
معضلة موسيالا – القوة من رحم المعاناة
تعرض جمال موسيالا نجم بايرن ميونخ الشاب لإصابة كارثية (كسر في الشظية وخلع في الكاحل) خلال كأس العالم للأندية في يوليو 2025 ولم يلعب هذا الموسم. الإصابة كانت ضربة قوية للفريق البافاري، ففي موسم 2024-2025، كان موسيالا قوة إبداعية أساسية، حيث سجل 12 هدفًا وقدم تمريرتين حاسمتين في الدوري، و3 أهداف مع 3 تمريرات حاسمة في دوري الأبطال. النجم الألماني الشاب يتميز بقدرة مراوغة عالية، ويمكنه بمفرده تفكيك الدفاعات المنظمة بمهارته وذكائه، وبالتالي كان من المفترض أن يكون غيابه مؤثرًا في بايرن ميونخ.

حاول بايرن التوقيع مع بديل مباشر، مستهدفًا كريستوفر نكونكو، لكن الصفقة فشلت حيث فضل النادي البافاري الإعارة بينما أراد تشيلسي بيعًا دائمًا. أجبر الفشل في التوقيع مع بديل كومباني على الاعتماد على حل نظامي بدلًا من حل فردي.
- الإبداع الجماعي: يوزع النظام التكتيكي العبء الإبداعي على الجميع، بدلاً من الاعتماد على لاعب رقم 10 واحد، واستخدم كومباني عدة لاعبين في هذا المركز مثل الجناح جنابري أو المهاجم نيكولاس جاكسون، والآن يأتي الإبداع من التفاعل بين رباعي الهجوم، والأظهرة المتقدمة، ولاعبي الوسط في العمق.
إصابة موسيالا، رغم كونها ضربة قاسية، أجبرت بايرن بشكل غير متوقع على أن يصبح فريقًا أكثر اكتمالًا ولا يمكن التنبؤ به. حفزت هذه الإصابة تظورهم، من فريق يعتمد على التألق الفردي إلى فريق يتميز بالتفوق الجماعي المنظم. مع وجود موسيالا سليمًا، يكون الإغراء التكتيكي دائمًا هو اللعب من خلاله، لأنه موهبة فريدة تغير موازين القوى. غيابه أزال هذا “الخيار السهل”، مما أجبر كومباني على تنفيذ نظام كامل حيث يتم تقاسم المسؤوليات الإبداعية والتهديفية بين عدة لاعبين ومراكز. نجاح الفريق الآن، يثبت أن هذا النموذج الجماعي ليس مجرد حل مؤقت، بل هو حل أكثر قوة وربما أكثر خطورة على المدى الطويل. هذه المرونة تجعلهم خصمًا مرعبًا في مراحل خروج المغلوب، فالفريق الذي يمكنه أن يفقد لاعبًا من عيار موسيالا ويصبح إحصائيًا أفضل هو فريق يصعب التغلب عليه على المدى الطويل.
بايرن ميونخ على أعتاب عصر جديد من الهيمنة
بعد أكثر من عام من البناء والصقل، يبدو أن مشروع فينسنت كومباني في بايرن ميونخ قد بلغ مرحلة النضج شبه الكامل. الفريق الذي بدأ رحلته باحثًا عن الهوية، أصبح اليوم النموذج الأمثل للتماسك والتكامل بين القوة الفردية والتنظيم الجماعي. لا يعتمد بايرن الحالي على نجم واحد أو لحظة إبداع فردية فقط، بل على منظومة متكاملة تعرف ما تريد وتنفذ ذلك بدقة كبيرة. البيانات والأرقام لا تكذب: تفوق هجومي، وصلابة دفاعية تجعل تجاوز خطوط الفريق أمرًا ليس سهلًا، مع تجانس بين جميع الخطوط.
قد تكون الطريق إلى المجد الأوروبي طويلة، والمنافسة على اللقب المحلي لا تخلو من المفاجآت، لكن المؤشرات كلها تؤكد أن هذا الفريق ليس في ذروة مؤقتة، بل في بداية حقبة جديدة. بايرن ميونخ الذي نشاهده اليوم لا يكتفي بالفوز، بل يسعى للسيطرة واكتساح منافسيه، وإذا استمر هذا الإيقاع، فقد نكون أمام موسم يدخل كتب التاريخ كأحد أعظم مواسم البافاري في العصر الحديث.