البرتغالكريستيانو رونالدو365TOPتقارير ومقالات خاصة
الأكثر تداولًا

هل حقا استفاد رونالدو من تفكك الاتحاد السوفيتي أكثر من أمريكا؟ الأرقام تجيب

في عالم كرة القدم الحديث المتزامن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل أن يتم اختلاق الروايات وتنتشر بين المستخدمين بغض النظر عن مدى صدقها، وأصبح من المعتاد أن تتشابك الإحصائيات الحقيقية مع السرديات الشعبية لتخلق معلومات مغلوطة يصدقها المستخدمون.

في الأيام الأخيرة، وبعد أن هز كريستيانو رونالدو أسطورة البرتغال، شباك منتخب أرمينيا بهدفين، انطلقت موجة جديدة من الجدل تمحورت حول جملة ساخرة انتشرت بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي: “كريستيانو رونالدو استفاد من تفكك الاتحاد السوفيتي أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية”. هذه العبارة، التي تبدو للوهلة الأولى مجرد مزحة، لكنها تحمل في طياتها اتهامًا ضمنيًا بأن السجل التهديفي التاريخي للأسطورة البرتغالية قد تضخم بشكل كبير بسبب الأهداف المسجلة في شباك المنتخبات الضعيفة التي انبثقت عن انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.

في هذا التقرير نستخدم لغة الأرقام والإحصائيات الدقيقة لفحص هذه الفرضية، ونخوض رحلة لتقصي الحقائق حول أهداف رونالدو، ونجيب على السؤال الأبرز: هل كان تفكك الاتحاد السوفيتي بالفعل بمثابة منجم ذهب تهديفي لرونالدو؟ أم أن هذه السردية تتجاهل -عمدًا أو بغير- القيمة الحقيقية لمسيرة استثنائية امتدت لأكثر من عقدين من الزمان؟

انفصال الاتحاد السوفيتي وخريطة كرة القدم الأوروبية الجديدة

في عام 1991 تفكك الاتحاد السوفيتي إلى 15 دولة مستقلة هي: أرمينيا، وأذربيجان، وبيلاروسيا، وإستونيا، وجورجيا، وكازاخستان، وقيرجيزستان، ولاتفيا، وليتوانيا، ومولدوفا، وروسيا، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوكرانيا، وأوزبكستان.

بعد الانفصال، سعت هذه الدول الوليدة إلى تأكيد هويتها على الساحة الدولية، وكانت الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص، إحدى أبرز أدواتها لتحقيق ذلك، عن طريق تكوين منتخب لكل بلد، يشارك باسمها في المحافل الدولية، ويؤكد استقلاليتها.

من بين هذه الدول، انضمت الغالبية العظمى إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لتصبح جزءًا من منظومة التصفيات والبطولات الأوروبية، التي يشارك فيها أيضًا منتخب البرتغال. هذه الدول هي:

  • روسيا  
  • أوكرانيا  
  • بيلاروسيا  
  • مولدوفا
  • دول البلطيق: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا  
  • دول القوقاز: أرمينيا، وأذربيجان، وجورجيا  
  • كازاخستان: انضمت في البداية إلى الاتحاد الأسيوي قبل أن تنتقل إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في عام 2002 بحثًا عن منافسة أقوى.  

في المقابل انضمت جمهوريات أسيا الوسطى (قيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان)، إلى الاتحاد الأسيوي لكرة القدم، وبالتالي لم تكن ضمن خصوم رونالدو في المنافسات الأوروبية.

سجل رونالدو التهديفي في مواجهة منتخبات الاتحاد السوفيتي سابقًا

الآن ننتقل من السرد إلى الأرقام، وهنا تأتي لحظة الحقيقة، والإجابة على سؤال هل تشكل أهداف رونالدو ضد هذه الدول الإحدى عشرة نسبة كبيرة من إجمالي أهدافه الدولية التي بلغت 140 هدفًا حتى الآن؟.

يوضح الجدول التالي سجل كريستيانو رونالدو الكامل في مواجهة المنتخبات المنبثقة عن الاتحاد السوفيتي والتي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم:

المنتخبعدد الأهداف
أرمينيا7
ليتوانيا7
لاتفيا5
إستونيا4
روسيا3
أذربيجان2
كازاخستان2
أوكرانيا1
بيلاروسيا0
جورجيا0
مولدوفا0
الإجمالي31

تكشف البيانات أن رونالدو سجل ما مجموعه 31 هدفًا فقط من أصل 140 هدفًا دوليًا في شباك هذه المنتخبات. الرقم يبدو نظريًا ضئيلًا مقارنة بإجمالي الأهداف، لكن لتوضيح الحقيقة بشكل قاطع، نحدد نسبة هذه الأهداف من إجمالي رصيد رونالدو الدولي البالغ 140 هدفًا، فنجد أنها تساوي فقط 22.14%.

المنتخباتالعددنسبة تسجيل رونالدو فيها من إجمالي أهدافه
منتخبات منبثقة من الاتحاد السوفيتي822.14%
باقي منتخبات العالم4077.86%

هذه النسبة، تشير إلى دلائل عديدة، فهي تعني أن أقل من ربع أهداف رونالدو الدولية جاءت في شباك هذه المجموعة من المنتخبات الضعيفة، وهو رقم ضئيل لا يتماشى مع الادعاء القائل إن رونالدو استفاد كثيرًا من وجود هذه المنتخبات.

هذه المنتخبات لم تكن المصدر الأكبر للحصيلة التهديفية لرونالدو، بل إنها لم تتجاوز حتى ربع أهدافه الدولية، مما يدحض المقولة الشعبية التي انتشرت في الآونة الأخيرة، بكل قوة.

الواقع الرقمي يقول إن أكثر من 77% من أهداف رونالدو الدولية سُجلت في شباك منتخبات أخرى من مختلف أنحاء العالم، وهي نسبة كبيرة جدًا تمثل الغالبية العظمى من أهداف رونالدو. وبالتالي، فإن الادعاء المنتشر يمثل مبالغة رياضية كبيرة، وتمثل معلومة خاطئة تمامًا.

الجزء الآخر من الحقيقة يكمن في درجة التأثير والاستفادة، وهذا يقودنا إلى المعيار التالي، وهو تحليل قائمة ضحايا رونالدو الكاملة، وتحديد أكثر الخصوم الذين هز شباكهم أسطورة البرتغال.

قائمة الضحايا وتحديد خصوم رونالدو المفضلين

لكي نضع نسبة 22.14% في سياقها الصحيح، نقوم بتوسيع نطاق التحليل ونحدد المنتخبات التي استقبلت أكبر عدد من أهداف كريستيانو رونالدو عبر تاريخه، ونجيب على سؤال آخر: هل تسيطر منتخبات الاتحاد السوفيتي السابقة على قمة هذه القائمة؟

الجدول التالي يقدم قائمة بكل المنتخبات التي سجل رونالدو في شباكها:

المنتخبعدد الأهدافمنتخب سابق في الاتحاد السوفيتي؟
لوكسمبورج11لا
أرمينيا7نعم
لتوانيا7نعم
السويد7لا
أندورا6لا
المجر6لا
لاتفيا5نعم
سويسرا5لا
البوسنة والهرسك4لا
الدنمارك4لا
إستونيا4نعم
جزر فارو4لا
هولندا4لا
بولندا4لا
جمهورية أيرلندا4لا
إسبانيا4لا
بلجيكا3لا
ليختنشتاين3لا
أيرلندا الشمالية3لا
روسيا3نعم
سلوفاكيا3لا
أذربيجان2نعم
الكاميرون2لا
كرواتيا2لا
قبرص2لا
التشيك2لا
فرنسا2لا
ألمانيا2لا
غانا2لا
أيسلندا2لا
كازاخستان2نعم
مصر2لا
السعودية2لا
الأرجنتين1لا
الإكوادور1لا
فنلندا1لا
اليونان1لا
إيران1لا
المغرب1لا
نيوزيلندا1لا
كوريا الشمالية1لا
بنما1لا
قطر1لا
أسكتلندا1لا
صربيا1لا
أوكرانيا1نعم
ويلز1لا
—-1لا

هذا الجدول يغير السردية بشكل جذري، فالضحية المفضلة لرونالدو، وبفارق كبير، هي لوكسمبورج، وهي دولة من غرب أوروبا وليست لها أي علاقة بالاتحاد السوفيتي. كما أن وجود منتخبات متوسطة تاريخيًا مثل السويد وسويسرا في القائمة يرد على فكرة أنه يسجل فقط ضد الضعفاء.  

إذًا، السردية المنتشرة خاطئة تمامًا، ولا يجب على متابعي كرة القدم تصديقها، بل تؤكد هذه الإحصائيات أن رونالدو سجل في العديد من المنتخبات بنسب مختلفة، بل إن أكثر 8 منتخبات سجل ضدهم رونالدو، بينهم 3 فقط من دول الاتحاد السوفيتي سابقًا، وبالتالي فإن فكرة تفكك الاتحاد السوفيتي هي زاوية مضللة، وتحجب المعلومات الحقيقية.

الأداء في البطولات الكبرى: تناقض بين التميز والفشل

أي تقييم لمسيرة لاعب دولي لا يتم بالنظر إلى أهداف التصفيات وحدها، فالمعيار الأقوى للتميز يكون في البطولات الكبرى، وهنا، يقدم رونالدو قصة متناقضة ومثيرة للدهشة.

يوضح الجدول التالي توزيع أهداف رونالدو الدولية عبر مختلف المسابقات:

المسابقةعدد المبارياتعدد الأهداف
تصفيات كأس أمم أوروبا4441
تصفيات كأس العالم4838
مباريات ودية5422
دوري الأمم الأوروبية2015
نهائيات كأس أمم أوروبا3014
نهائيات كأس العالم228
كأس القارات42
الإجمالي222140

ملك أوروبا بلا منازع

في بطولة أمم أوروبا، سجل رونالدو يُعد أسطوريًا بامتياز، فهو الهداف التاريخي للبطولة برصيد 14 هدفًا، متجاوزًا بفارق كبير أسطورة فرنسا ميشيل بلاتيني الذي سجل 9 أهداف. ليس هذا فحسب، بل هو اللاعب الوحيد في التاريخ الذي شارك في 6 نسخ من البطولة، واللاعب الوحيد الذي سجل في 5 نسخ مختلفة (2004، 2008، 2012، 2016، 2020)، وهو إنجاز يعكس استمرارية لا مثيل لها على أعلى المستويات.  

لغز كأس العالم المحير

على النقيض تمامًا، تأتي قصة كريستيانو رونالدو مع كأس العالم. فرغم أنه اللاعب الوحيد الذي سجل في 5 نسخ مختلفة من المونديال، وهو إنجاز تاريخي بحد ذاته، لكن سجله التهديفي يحتوي على حقيقة غريبة، فقد شارك أسطورة البرتغال في 7 مباريات في الأدوار الإقصائية لكأس العالم على مدار 5 مشاركات، ولم ينجح في تسجيل أي هدف على الإطلاق خلالها.  

هذا التناقض غريب جدًا، فهو من ناحية، اللاعب الأكثر تهديفًا في تاريخ البطولة القارية الأهم بعد المونديال، ومن ناحية أخرى، يمتلك فراغًا واضحًا في سجله التهديفي في الأدوار الإقصائية من الحدث العالمي الأكبر، وهي المراحل الأهم، والتي تصنع الأساطير فيها تاريخها في البطولة.

السردية المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم عدم دقتها، إلا أنها تلامس بشكل غير مباشر هذه الإحصائية، التي تؤدي بنا إلى النقاش الأكثر إثارة للجدل، هل إرث رونالدو مبني على الصغار؟، ربما يتفق البعض مع هذه المقولة، لكن في المقابل كون رونالدو الهداف التاريخي لكأس الأمم الأوروبية يرد على هذا النقاش بكل قوة.

الحقيقة الغير قابلة للنقاش: رونالدو أعظم هداف دولي عبر التاريخ

كريستيانو رونالدو كتب اسمه بأحرف من ذهب، بعدما أصبح الهداف التاريخي للمنتخبات عبر التاريخ، حيث وصل إلى 140 هدفًا دوليًا بقميص منتخب البرتغال، متفوقًا على جميع الأساطير عبر تاريخ كرة القدم، وآخرهم الإيراني علي دائي الذي يأتي ثانيًا في القائمة.

الإنجاز لا يتوقف عند عدد الأهداف فقط، بل يتعداه إلى حقيقة أن رونالدو هز شباك 48 منتخبًا مختلفًا بقميص منتخب البرتغال، وهو ما يعكس تفوقه المطلق في كرة القدم الدولية، ويثبت أنه لم يكن ينتظر مواجهة المنتخبات الضعيفة مثل منتخبات الاتحاد السوفيتي سابقًا، من أجل التسجيل، بل كان حاضرًا بأهدافه أكثر من غيره، ليؤكد أنه أيقونة التهديف الأولى في تاريخ كرة القدم.

إرث رونالدو الدولي، بتناقضاته العجيبة بين الهيمنة المطلقة على بطولة أوروبا والغياب التهديفي المحير في أدوار خروج المغلوب في كأس العالم، هو دليل على مسيرة تستحق التحليل العميق، لا السخرية المبسطة بعبارات لا أساس لها من الصحة والواقع.

في النهاية، أهداف كريستيانو رونالدو التي تجاوزت الـ 140 هدفًا ليست نتاج الصدفة، بل هي الدليل الرقمي على أسطورة استمرت في القمة لعقدين من الزمان بالتسجيل، والفوز، وحفر اسمه في سجلات كرة القدم كأعظم هداف دولي في تاريخ اللعبة.

حسام أحمد

صحفي رياضي مصري متخصص في كرة القدم، أتمتع بخبرة في تغطية المباريات وصناعة القصص الصحفية المميزة. أجريت عددًا كبيرًا من الحوارات مع شخصيات كروية محليًا وعالميًا، وقدمت العديد من الأخبار الحصرية المتعلقة بكرة القدم حول العالم.