في عالم كرة القدم الحديثة، حيث تسيطر الأرقام الفلكية والعقود الضخمة على المشهد، يظهر اسم نجولو كانتي كحالة استثنائية، لاعب يذكّر الجميع أن الإنسانية لا تزال ممكنة في رياضة تحولت إلى صناعة ضخمة.
اليوم، وبينما يواصل الفرنسي رحلته في الملاعب بقميص نادي الاتحاد السعودي عام 2025، يبقى محط إعجاب جماهير العالم، ليس فقط بسبب ما يقدمه داخل المستطيل الأخضر، بل أيضًا لما يمثله من تواضع وإنسانية نادرة.
من هو نجولو كانتي وكيف تشكّلت شخصيته؟
وُلد نجولو كانتي عام 1991 في باريس لأبوين مهاجرين من مالي، وبدأ حياته بمساعدة والده في جمع القمامة من الشوارع، وهي تفاصيل صنعت بدايات متواضعة شكلت شخصيته لاحقًا.

مسيرته الكروية لم تكن سهلة؛ فقد بدأ مع فرق مغمورة قبل أن يشق طريقه إلى ليستر سيتي في سن الرابعة والعشرين، وهناك خط اسمه بحروف من ذهب بعدما ساهم في واحدة من أعظم مفاجآت كرة القدم، تتويج الثعالب بلقب الدوري الإنجليزي عام 2016.
انتقل كانتي إلى تشيلسي، ثم رفع كأس العالم 2018 مع فرنسا، لكن التواضع لم يفارقه قط.
حتى بعد أن أصبح أحد أغلى لاعبي الوسط في العالم، ظل يقود سيارته ميني كوبر القديمة، وظل يرفض المظاهر البراقة التي تجذب زملاءه.
صورته الشهيرة وهو يجلس بهدوء في مسجد بلندن بعد أن فاته القطار، وقبوله دعوة أحد المشجعين العاديين للعشاء في منزله، جعلت منه رمزًا للإنسانية في كرة القدم.
نجولو كانتي.. قلب نظيف في زمن المصالح
في وقت تورط فيه كثير من نجوم اللعبة في قضايا تهرب ضريبي، رفض كانتي أي تحايل مالي وأصر على دفع الضرائب كاملة، ما أكسبه احترام الجماهير والنقاد.
زملاؤه في منتخب فرنسا وصفوه بأنه “مثالي”، حتى أن بليز ماتويدي قال عنه: “إنه لا يغش، إلا قليلًا عندما نلعب الورق”، في إشارة مازحة إلى روحه الطيبة.
وفي لحظةٍ تُجسّد التواضع في أسمى معانيه، كان نجم منتخب فرنسا، في نهائي كأس العالم 2018، يتأمل زملاءه وهم يحتفلون باللقب الغالي.
لم يكن يجرؤ على طلب رفع الكأس لالتقاط صورة، حتى لا يُشعرهم بأنه يُقاطع فرحتهم.
@thepfa You have to love Kante 🥰 #kante #ngolokante #france🇫🇷 #francefootball ♬ original sound – PFA
لكن زميله ستيفن نزونزي، الذي لاحظ تردده، تدخل بلطف وطلب من اللاعبين أن يسمحوا لكانتي بحمل الكأس، فاستجابوا على الفور.
حين قرر كانتي الانتقال إلى الدوري السعودي عام 2023 للانضمام إلى نادي الاتحاد، تباينت ردود الأفعال، البعض رأى أن اللاعب انضم إلى موجة الصفقات الباهظة في المملكة، لكن شخصيته أثبتت العكس.
داخل جدة، ظل قريبًا من المشجعين، متواضعًا في تعاملاته، ومحبوبًا من زملائه الذين يصفونه بالقدوة داخل غرفة الملابس. وحتى مع الملايين التي يتقاضاها، لا يزال يُنظر إلى كانتي كإنسان قبل أن يكون لاعبًا.
إرث أكبر من الألقاب
فاز كانتي بكل شيء تقريبًا، الدوري الإنجليزي مع ليستر وتشيلسي، دوري أبطال أوروبا مع البلوز، كأس العالم مع فرنسا، والآن يكتب فصلًا جديدًا في السعودية.
ومع ذلك، فإن ما يميزه ليس الكؤوس بل القيم التي يمثلها؛ في عالم يلهث وراء المال، يقدم نجم قلعة النمور صورة نادرة عن اللاعب الذي لا تغيّره الشهرة ولا العقود.
@espnfc France wishing N’Golo Kante a happy birthday is so wholesome ❤️ #france #kante #ngolokante #soccer @Equipe de France ♬ another love – favsoundds
ربما لا يحصد نجولو كانتي الكرة الذهبية أبدًا، لكن قيمته المعنوية تفوق أي جائزة فردية، هو نموذج يُثبت أن كرة القدم ليست مجرد أموال وألقاب، بل إنسانية وقصص ملهمة.
بينما يواصل مسيرته في الاتحاد السعودي عام 2025، يبقى “القلب من ذهب” الذي يحبه الجميع، من باريس إلى جدة، ومن الملاعب الأوروبية إلى مدرجات المملكة.