أخبار الكرة الإنجليزيةأستون فيلاأخبار

مفاجأة إيمري.. هل أستون فيلا ينافس حقًا على لقب الدوري الإنجليزي؟

عندما يتحدث مشجعو أستون فيلا عن النادي، لا يمكن إلا أن تتقاطع مشاعر الفخر مع وميض الذكريات المؤلمة التي عاشوها؛ فكل انتصار، وكل هدف، يحمل في طياته صدى أوقاتٍ مضت كانت قاسية، لكنها صاغت شخصية الفريق وجعلت لحظاته الحالية أكثر إشراقًا وحلاوة.

غالبًا ما تعود الذاكرة إلى ليلة مباراة فولهام الأخيرة تحت قيادة ستيفن جيرارد، عندما خسر الفريق خارج الديار بثلاثية نظيفة، هبطت به للمركز السابع عشر وبفارق الأهداف فقط عن مراكز الهبوط للدرجة الأدنى، بعد مرور 11 جولة من موسم 2022-2023.

أو تلك اللحظة الشهيرة عندما أهدر جلين ويلان ركلة جزاء قاتلة ضد بريستون نورث إند، والتي كانت سببًا مباشرًا في رحيل ستيف بروس عن منصبه في مطلع أكتوبر 2018، عندما كان الفيلانز يقبعون في منتصف الجدول بالتشامبيون شيب.

هذه التراجيديات الصغيرة، التي كانت ثقيلة على قلوب الجماهير، أصبحت الآن جزءًا من تاريخ النادي، يذكّر الجميع بقيمة الإنجازات الحالية تحت قيادة أوناي إيمري.

لكن ما هي تلك اللحظة الفارقة؟ قبل سبع سنوات، كان أستون فيلا يكافح على أرضه، تعادل 2-2 مع ستوك سيتي في دوري البطولة الإنجليزية، وسلسلة من التعادلات والفشل في تحقيق الانتصارات أمام ليدز يونايتد، وكوينز بارك رينجرز، وهال سيتي، وشيفيلد يونايتد، ووست بروميتش ألبيون.

فيلا بارك.. الحصن الذي لا يُقهر

اليوم، تغير كل شيء؛ أستون فيلا، الذي ينتمي إلى ثاني أكبر مدينة في إنجلترا، يجد نفسه في سباق المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، رغم التقليل المستمر من شأنه من داخل النادي وخارجه.

ملعب فيلا بارك، الذي كان مجرد مكان لمشاهدة كرة القدم، أصبح معقلًا لا يُقهر، حيث لم يخسر الفريق على أرضه في عام 2025 إلا أمام كريستال بالاس.

إنجازات فيلا على أرضه في السنوات الثلاث الماضية مذهلة؛ لم يحقق أي فريق في أوروبا مثل هذا العدد الكبير من الانتصارات، وآخر من تعثر أمام أستون فيلا كان آرسنال، ومن قبله مانشستر سيتي، باريس سان جيرمان، نيوكاسل، تشيلسي، بايرن ميونخ، وكل ذلك على مر المواسم القليلة الماضية.

مورجان روجرز - ماركوس راشفورد - باريس سان جيرمان ضد أستون فيلا
مورجان روجرز – ماركوس راشفورد – باريس سان جيرمان ضد أستون فيلا (المصدر:Gettyimages)

حتى ليفربول، حامل لقب الدوري، لم يفلح في الفوز خارج أرضه على أستون فيلا، رغم أنه كان يمتلك أفضل سجل خارج الديار الموسم المنصرم، بينما ظل فيلا صامدًا، متماسكًا، ومنظمًا دفاعيًا وهجوميًا على حد سواء.

طريقة الانتصارات كانت مشهدًا يستحق التأمل: أهداف في اللحظات الأخيرة، صلابة دفاعية أمام الفرق الكبرى، وتنوع أساليب اللعب، كما ظهر في الفوز الساحق 4-0 على بورنموث، حيث سجّل الفريق ثلاثة أهداف من ركلات ثابتة، محققًا رقمًا قياسيًا في الدوري الإنجليزي الممتاز.

في جميع المسابقات هذا الموسم، لم يستطع سوى خمسة فرق من أصل 11 فريقًا يواجههم هذا الموسم تسجيل الأهداف في شباك فيلا.

وفي ربع نهائي دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، عندما كان باريس سان جيرمان متقدمًا بهدفين، جاء رد فيلا بثلاثة أهداف، مؤكدًا أن الفريق قادر على قلب الموازين وتحقيق المعجزات على أصعب الملاعب الأوروبية.

هذه الإنجازات لم تكن موجودة في ذاكرة الجيل الشاب الذي لم يشهد سوى المركز السادس المتكرر تحت قيادة مارتن أونيل، أما الجماهير الأكبر سنًا، فقد استعادوا الحماسة التي عاشوها أيام مجد فيلا في أوائل الثمانينيات، حتى مع استمرار غياب الألقاب الكبرى لمدة تقارب الثلاثين عامًا.

ويظل أوناي إيمري هو قلب هذا النجاح النابض، منذ وصوله في أكتوبر 2022، تحول الفريق من خطر الهبوط إلى أحد أبرز الفرق في الدوري الإنجليزي الممتاز؛ ومقارنة بالفرق الأوروبية الكبرى في عام 2025، لم يبقَ سوى نابولي دون هزيمة على أرضه، ما يجعل سجل فيلا على أرضه مميزًا بكل المقاييس، رغم الهزيمة الوحيدة أمام كريستال بالاس.

الفريقالدوريالمبارياتفوزتعادلخسارةالأهداف المسجلةالأهداف المستقبلةفارق الأهدافالنقاط
مانشستر سيتيالدوري الإنجليزي18151248163246
أستون فيلاالدوري الإنجليزي17124130141640
أفضل الأندية الإنجليزية تحقيقًا للنقاط على ملعبها

هل أستون فيلا منافس حقيقي على الدوري الإنجليزي؟

في الأيام التي سبقت مواجهة آرسنال، كان سؤال المنافسة على لقب الدوري يلوح في الأفق، يلاحق أوناي إيمري في كل مؤتمر صحفي وكل مقابلة.

كتب في ملاحظاته قبل مباراة السبت أمام آرسنال:

“سُئلتُ عن المنافسة على اللقب، أنتم تعرفون رأيي، التواضع هو الأساس، الحديث عن اللقب لا يُجدي نفعًا حتى أبريل أو مايو، سنتحدث عن المنافسة حينها، لا الآن في ديسمبر؛ هذه العناوين لا تعجبني، كثيرون كانوا يعتقدون في أغسطس أننا فريق انتهى أمره، واليوم نحن هنا لنثبت العكس”.

لم تكن كلمات إيمري مجرد تصريحات، بل كانت وعدًا مستترًا يحمل التحدي والصبر، وهو وعدٌ سيُختبر بقوة في يوم المباراة، فوز أستون فيلا المثير 2-1 على أرسنال لم يكن مجرد ثلاث نقاط؛ كان إعلانًا صريحًا عن الجدارة، تأكيدًا لكل من شكّ في قدرة الفريق على المنافسة منذ تولي إيمري المسؤولية عام 2022.

ميكيل أرتيتا، مدرب آرسنال، لم يتردد في الاعتراف بذلك حين سُئل عن فرص فيلا في سباق اللقب: “إنهم كذلك، عندما تنظر إلى مركزهم الحالي وطريقة لعبهم، ستجد أنهم هزموا فرقًا كبيرة على أرضهم”.

روح الفريق.. التماسك والإيمان رغم الصعاب

على أرضية ملعب فيلا بارك، كان أداء الفريق استثنائيًا بكل المقاييس، هدف الفوز في الدقيقة 95، الذي سجله إيميليانو بوينديا ببراعة، لم يكن مجرد هدفٍ عادي، بل كان رمزًا لعودة النادي إلى سابق عهده، لروحه التنافسية، ولثقته المتجددة.

تكتيكيًا، أبدع إيمري في استغلال نقاط ضعف آرسنال، متقنًا قراءة تحركات الظهيرين المتقدمين وضيق المساحات أثناء الاستحواذ، ليحوّل كل فرصة هجومية إلى تهديد حقيقي، وعندما تعادل أرسنال، لم يفقد الفريق توازنه، بل استعاد زمام المبادرة بهدوء وثقة، وأرغم المنافس على الانصياع لإيقاعه.

حتى التفاصيل الصغيرة كانت محسوبة بعناية: في الدقائق الأخيرة، أعطى إيمري تعليماته لحارس المرمى، إيميليانو مارتينيز، لتنفيذ رمية تماس سريعة، مستفيدًا من إرهاق متصدري الدوري، قبل أن يسجل بوينديا هدف الانتصار.

خط وسط فيلا، كان قلب الفريق النابض، يجمع بين القوة البدنية والذكاء التكتيكي، وهو ما منح الفريق القدرة على التحكم في مجريات المباراة.

أستون فيلا والعودة بعد بداية كارثية

على أرضه، لم يعرف فيلا الهزيمة إلا أمام خصمه اللدود، كريستال بالاس، منذ زيارة أرسنال في أغسطس 2024، لم يخسر الفريق سوى مرتين على ملعبه، ما يجعل فيلا بارك بمثابة حصن حقيقي.

خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يحقق أي فريق في أوروبا عددًا أكبر من الانتصارات على أرضه، محققًا تحولًا جذريًا بعد بداية موسمه الحالية التي كانت متعثرة، إذ لم يفزوا في أول خمس مباريات، قبل أن يحصدوا تسع انتصارات من المباريات العشر التالية.

الرحلة لم تكن سهلة، فقد شهد الصيف الماضي أجواءً قاتمة داخل النادي، المسؤولون وصفوه بـ”الكابوس”، مع أعباء مالية ثقيلة وفشل الفريق في التأهل لدوري أبطال أوروبا، بينما تصاعدت التوترات بين إيمري ورئيس قطاع كرة القدم مونشي، ليخيم شعور بعدم اليقين على اللاعبين والجهاز الفني.

لكن إيمري لم يتزعزع، والجهاز الفني بقي ملتزمًا، يعمل لساعات طويلة ليضبط فريقًا متقدمًا في السن لكنه يمتلك الخبرة، معتادًا على فلسفة إيمري لثلاث سنوات، كما أكد الإسباني مرارًا أن التماسك والمرونة ضمن الإطار التكتيكي سيعيدان الثقة والطاقة.

أستون فيلا - الدوري الإنجليزي - المصدر: gettyimages
أستون فيلا – الدوري الإنجليزي – المصدر: gettyimages

رحل مونشي بالفعل في نهاية سبتمبر، وبعد قرابة الشهر من غلق نافذة الانتقالات الصيفية، وخلفه روبرتو أولابي، المدير الرياضي السابق لريال سوسييداد.

اليوم، أصبح الوضع مختلفًا تمامًا، داخليًا، يصف أحد أعضاء فريق التعاقدات إيمري بأنه “صانع الملوك”، بينما يقول مسؤول كبير آخر: “الفريق والمدرب يصنعان المعجزات”.

وحتى مع الإحصاءات التي تشير إلى ضعف نسب خلق الفرص الهجومية، يظل الفريق واثقًا من قدراته، معتبرًا تسجيل الأهداف من خارج المنطقة جزءًا من تفرده.

روح الفريق، التي تأثرت بالصيف الماضي، تجلت بقوة بعد هدف بوينديا، مع احتفالات صاخبة تعكس وحدة اللاعبين وتصميمهم على النجاح. إيمري، بتواضعه المعتاد، يقول:

“من الأفضل الفوز بخمس مباريات بنتيجة 1-0 بدلًا من مباراة واحدة بنتيجة 5-0”.

رغم أن إيمري نفسه يعلم أن الإثارة والحماس اللذين صاحبا الفوز 2-1 على أرسنال تفوقا على أي معادلة رياضية.

وفي خضم كل هذا، يظل إيمري يكرر بحزم أن حسم اللقب لن يحدث إلا في أبريل ومايو، لكنه يثبت عمليًا أن أستون فيلا، بفريقه الصامد وروحه التي لا تنكسر، بات مؤهلًا للانضمام إلى نخبة الفرق، وأن فيلا بارك لم يعد مجرد ملعب، بل أصبح رمزًا للصرامة والانتصارات المتتالية، وحصنًا يصعب اختراقه.

التفوق على التوقعات.. أرقام وإحصاءات تكشف القوة الحقيقية

ما يثير الدهشة أكثر أن رجال أوناي إيمري، الذين أظهروا روح القتال والانضباط، يحتلون المركز الثالث رغم أن نموذج أوبتا للنقاط المتوقعة كان يشير إلى أنهم يستحقون مركزًا أدنى بكثير، ربما السادس عشر. صحيح أن هذه النماذج لا تأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل مجريات المباراة الدقيقة وفترات الاستحواذ الخطيرة التي لم تسفر عن تسديدات، لكنها تعكس مؤشرًا واضحًا لأداء الفريق المذهل هذا الموسم.

فارق النقاط المتوقع أظهر بشكل مذهل تفوق فيلا على التوقعات: تجاوز الفريق توقعاته بفارق 13.3 نقطة، وهو أعلى رقم في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم. باستثناء سندرلاند (+8.1)، لم يتجاوز أي فريق آخر توقعاته بأكثر من 4.2 نقطة. هذا الإنجاز ليس مجرد حظ عابر؛ بل دليل على فريق متماسك، قوي، ومؤثر على أرض الملعب.

أما سلسلة الانتصارات، فهي أعظم دليل على قوة فيلا: فقد فاز الفريق في تسع من آخر عشر مباريات له في الدوري الإنجليزي الممتاز، وخسر مباراة واحدة فقط، وهي المرة الأولى منذ ديسمبر 1919 التي يحقق فيها الفريق تسعة انتصارات في عشر مباريات متتالية في دوري الأضواء. هذا يؤكد أن ما يقدمه الفريق ليس مجرد صدفة، بل نتيجة عمل دؤوب، تكتيك متقن، وعقلية لا تعرف الهزيمة.

لا يمكن إغفال الأسلوب الهجومي للفريق، الذي أبدع في تسجيل أهداف بعيدة المدى، وهو ما يفسر جزئيًا فارق النقاط المتوقع. ومع ذلك، في مباراتيه الأخيرتين ضد برايتون وأرسنال، جاءت جميع أهدافه الستة من داخل منطقة الجزاء، وهو ما يعكس كفاءة استغلال الفرص الحاسمة والدقة التكتيكية العالية.

وفي الوقت الذي يستعد فيه الفريق لمواجهة وست هام الأسبوع المقبل، يليه ثلاث مباريات متتالية ضد مانشستر يونايتد وتشيلسي وأرسنال، يبقى السؤال: إلى أي مدى سيصل أستون فيلا هذا الموسم؟ الحقيقة أن الوقت الحالي، بكل ما يحمله من إثارة وترقب، هو لحظة مثالية لجماهير فيلا للاستمتاع بالفريق الذي أعاد إلى النادي روح المنافسة والفخر.

ملعب فيلا بارك لم يعد مجرد ملعب؛ أصبح معقل الانتصارات، وقلب المدينة النابض بالإثارة، ورمزًا لعقلية فريق يرفض الاستسلام ويقاتل حتى اللحظة الأخيرة. وكل هدف، وكل فوز، يضيف فصلًا جديدًا في قصة هذا النادي الذي يبدو أن أوناي إيمري أعاده إلى مكانه الطبيعي بين الكبار.

آفاق المستقبل.. هل سيصل أستون فيلا إلى اللقب؟

مع اقتراب نهاية الموسم، يزداد الحماس والترقب في صفوف جماهير أستون فيلا، لكن السؤال الأكبر يظل مطروحًا: هل يمكن للفريق أن يصل إلى قمة الدوري الإنجليزي الممتاز ويحقق حلم اللقب؟ الواقع يشير إلى أن الطريق ما زال طويلًا وصعبًا، فالمنافسة لا تزال محتدمة، وفرق مثل آرسنال ومانشستر سيتي لا تنوي التنازل عن أي نقطة بسهولة.

لكن ما يجعل أستون فيلا فريقًا مختلفًا هذا الموسم هو الانضباط التكتيكي وروح القتال التي زرعها أوناي إيمري، الفريق قادر على استغلال نقاط ضعف الخصوم، والتحرك بذكاء على أرض الملعب، كما أظهرت مباراتهم الأخيرة ضد آرسنال.

الانتصارات التي تحققت في اللحظات الأخيرة تظهر قدرة الفريق على الصمود تحت الضغط واستغلال الفرص الحاسمة، وهو ما يمثل ميزة حقيقية في سباق اللقب.

ولكن إذا هبطنا بسقف التوقعات قليلًا، فسيكون من الواقعي أن ينافس إيمري على بطولة الدوري الأوروبي التي حققها المدرب الإسباني من قبل في 4 مناسبات مع أندية مختلفة.

تنتظر أستون فيلا مواجهات صعبة خلال شهر ديسمبر، فبعد أن يلاقي وست هام يونايتد خارج الديار، سيستضيف مانشستر يونايتد في فيلا بارك، ثم يخرج لمواجهة تشيلسي وآرسنال في نهاية السنة.

محمود الشوادفي

صحفي مصري، أكتب في 365Scores عن كرة القدم كما تُرى من داخل التفاصيل، بدأت رحلتي الصحفية عام 2019، وأؤمن أن وراء كل رقم حكاية، ووراء كل مباراة فكرة تستحق أن تُروى بأسلوب مختلف.