الدوري الإسبانيريال مدريدأخباربطولات ودوريات
الأكثر تداولًا

معاناة فينيسيوس جونيور لا تنتهي.. العنصرية مستمرة

في حياة كل إنسان، تمرُّ لحظات من الاختبار والأزمات التي تُظهِر مدى قوة الشخصية وإصرارها على تجاوز الصعاب، وهو ما يتعرض له البرازيلي فينيسيوس جونيور، حيث تختلف هذه الأزمات من إصابة جسدية إلى تحديات نفسية واجتماعية.

بالنسبة لنجم نادي ريال مدريد، تكمن الأزمة الكبرى في التعرض المستمر للعنصرية داخل الملاعب الإسبانية، وهو واقع مرير يؤثر على مسيرته الرياضية وعلى روحه في كل مباراة يخوضها، العنصرية ليست مجرد كلمات أو هتافات تُطلق في المدرجات، بل هي جرح عميق في كرامة الإنسان، يُعيد تذكيرنا بأننا جميعًا بشر متساوون في الحقوق والكرامة.

في مباراة ريال مدريد ضد نظيره سوسيداد ضمن ذهاب نصف نهائي كأس ملك إسبانيا، والتي جرت بتاريخ 26 فبراير 2025، شهد الملعب مشهدًا مؤلمًا تكرر فيه الفعل العنصري ضد فينيسيوس جونيور، منذ انطلاق المباراة، بدأت هتافات وإشارات مسيئة تُوجه إليه.

تضمنت الإهانات تقليد أصوات حيوانات بشكل يُظهر افتقار بعض الجماهير إلى الاحترام والإنسانية، لم تقتصر الإساءة على الكلمات فقط، بل تفجرت في لافتات رفعها بعض المشجعين تحمل عبارات مهينة، مما اضطر الجهات المسؤولة إلى اتخاذ إجراءات سريعة؛ حيث تم إيقاف المباراة مؤقتًا لمحاولة تهدئة الأوضاع، لكن الأثر النفسي كان قد بلغ ذروته.

فينيسيوس جونيور - ريال مدريد
فينيسيوس جونيور – ريال مدريد – المصدر: Getty images

في تلك اللحظات المؤلمة، بدا فينيسيوس جونيور على أثر صدمة العنصرية، وهو ما انعكس على أدائه داخل الملعب، رغم محاولته المستميتة لاستعادة تركيزه وإكمال المباراة، وهو ما آثار استياء الجميع العميق من تكرار مثل هذه الحوادث التي لا تزال تُلاحق اللاعبين ذوي البشرة السمراء، تعبيرًا عن ألمهم وإحراج اللاعب أمام مثل هذه التصرفات التي تنتهك قيم المساواة والاحترام.

سلسلة من حوادث العنصرية ضد فينيسيوس جونيور.. واقع مرير

لم تكن حادثة ريال سوسيداد الأولى التي يتعرض فيها فينيسيوس لجروح عنصرية، فقد مرّ اللاعب بسلسلة من الوقائع التي تبرز استمرار هذه الظاهرة في أوساط كرة القدم الإسبانية:

حادثة فالنسيا 2023

في مباراة ريال مدريد ضد فالنسيا في شهر مايو 2023، تعرّض فينيسيوس لهتافات عنصرية صارخة من جماهير الملعب، كانت الأصوات تتردد وتُشبه اللاعب بأصوات الحيوانات، مما اضطره إلى التوقف عن اللعب للحظات قصيرة، بينما اندفعت موجات الغضب والاحتجاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي في البرازيل وإسبانيا، هذه الحادثة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الرياضية والإعلامية، حيث طالب النقاد بتطبيق عقوبات أشد على المسؤولين عن تلك التصرفات، مشيرين إلى أن مثل هذه الممارسات تُخلف آثارًا نفسية سلبية على اللاعب.

مشاهد من أتلتيكو مدريد والرموز المهينة ضد فينيسيوس جونيور

في بداية عام 2023، جاءت حادثة أخرى مؤلمة حينما قام بعض مشجعي أتلتيكو مدريد، في سياق منافسات كأس الملك، بتعليق دمية تحمل صورة فينيسيوس على أحد الجسور الرئيسية في العاصمة، لم تقتصر الإساءة على هذا الفعل البصري، بل تزامنت مع انتشار لافتات مكتوب عليها عبارات تحرض على الكراهية والتمييز، مما أظهر بوضوح مدى عمق جذور العنصرية في بعض أوساط المشجعين الإسبانيين.

واقعة فينيسيوس جونيور مع ريال مايوركا 2024

ثم في سبتمبر 2024، واجه فينيسيوس تجربة أخرى مؤلمة خلال مباراة ريال مدريد ضد ريال مايوركا، إذ ترددت هتافات عنصرية مرة أخرى من قبل بعض المشجعين، مما دفع السلطات الرياضية إلى التدخل السريع، فقد تم توقيف أحد المشجعين الذي تصرف بطريقة مسيئة، وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 شهرًا ومنعه من دخول الملاعب لمدة ثلاث سنوات، إلا أن العقوبات رغم حدتها لم تنجح في القضاء على الظاهرة، بل أكدت على ضرورة إيجاد حلول شاملة لمواجهة العنصرية في الملاعب.

أهمية رفض العنصرية وتطبيق العقوبات: دعوة للعدالة والمساواة

العنصرية ليست مجرد مشكلة في عالم الرياضة، بل هي آفة اجتماعية تؤثر في كافة جوانب الحياة، من الضروري أن يعمل المجتمع الدولي على تبني سياسات صارمة للتصدي لهذه الظاهرة. هناك عدة محاور يجب التركيز عليها:

1. تطبيق عقوبات رادعة

يجب أن تكون العقوبات ضد مرتكبي العنصرية صارمة وغير قابلة للتفاوض.

2. وقف المباريات عند وقوع الإساءة

يُعد وقف المباراة في حالة وقوع إساءة عنصرية إجراءً حاسمًا لإرسال رسالة واضحة بأن مثل هذه التصرفات لن تُتسامح تحتها.

3. حملات التوعية والتعليم

لا تقتصر مكافحة العنصرية على تطبيق العقوبات فقط، بل يجب أيضًا التركيز على حملات التوعية والتثقيف.

4. دور الإعلام في التصدي للعنصرية

يلعب الإعلام دورًا حيويًا في تشكيل الرأي العام، لذا، يجب أن يتبنى الإعلام موقفًا واضحًا في مواجهة العنصرية.

تحدي فينيسيوس جونيور ضد العنصرية

على الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة العنصرية في الملاعب، يبقى التحدي الأكبر هو تغيير الثقافة المجتمعية المتأصلة لدى بعض الفئات التي تعتقد أن التمييز والعنصرية أمر طبيعي، يجب أن يبدأ هذا التغيير من التعليم، مع تعزيز قيم التسامح والاحترام منذ الصغر، وفي البيوت والمدارس والمجتمعات، إن تبني مثل هذه القيم سيساهم في بناء جيل واعٍ يستطيع أن يقف ضد أي شكل من أشكال التمييز، سواء في الرياضة أو في الحياة اليومية.

يأمل الكثيرون أن تكون كرة القدم، وغيرها من الرياضات، مساحة تتجسد فيها قيم العدل والمساواة والتعايش السلمي، يجب أن نعمل جميعًا على رسم مستقبل يُعاد فيه احترام الكرامة الإنسانية، ويُعامل كل لاعب ومشجع على قدم المساواة، بعيدًا عن أي تصنيف أو تمييز، في هذا السياق، يبقى نجم مثل فينيسيوس جونيور رمزًا للتحدي والصمود، يُظهر للعالم أن النجاح الحقيقي ليس مجرد أهداف ومباريات، بل هو أيضًا قدرة الإنسان على مقاومة الظلم والوقوف في وجه العنصرية.

إن معاناة فينيسيوس جونيور ليست مجرد قصة فردية؛ إنها مرآة تعكس واقعًا اجتماعيًا يحتاج إلى تغيير جذري. يجب علينا جميعًا، كأفراد ومؤسسات، أن نعمل على بناء عالم يُعلي من قيم الإنسانية والمساواة، رفض العنصرية هو واجب أخلاقي ومسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود عبر كل المجالات، سواء في الرياضة أو في الحياة العامة. لنجعل من الرياضة منصة للتآخي والحوار، ولنقف صفًا واحدًا ضد كل أشكال التمييز والعنصرية، حتى يتحقق العدل وتعود قيم الاحترام والتسامح إلى نصابها الصحيح.

إحصائيات نجوم ريال مدريد


عنان رضا

صحفية رياضية منذ 2018، لدي خبرة في كتابة الأخبار العالمية والمحلية وأخبار المحترفين، ولدي أيضًا خبرة في مجال الترجمة باللغتين الإسبانية والإنجليزية، بالإضافة إلى إهتمامي بمتابعة ما وراء الحياة الشخصية للاعبي كرة القدم في كافة أنحاء العالم، وكتابة القصص الإخبارية عنهم.