أخبار الكرة الإنجليزيةأرني سلوت365TOPتقارير ومقالات خاصة

السر الخفي في أنفيلد.. هل يعيد والد سلوت فريق ليفربول للحياة؟

في كرة القدم، كثيرًا ما تأتي المساعدة من حيث لا تتوقع.. قد تكون كلمة عابرة تُقال في لحظة يأس، أو يدًا تُمدّ إليك بينما تظن أن الجميع قد ولىّ مدبرًا وتركوك وحيدًأ، قد تكون تلك المساعدة صوتًا مألوفًا، صوتًا نشأت عليه وارتبط بطفولتك، لكنه في الغالب كان يُشعرك بأنك لم تفعل ما يكفي، وأن الطريق أمامك لا يزال طويلًا.

وحين يشتد الظلام حول المدرب، ويضيق عليه الخناق من كل اتجاه، يبدأ بالبحث عن بصيص نور في أبسط الأماكن، وربما في أكثرها خصوصية، فالأزمات الكبرى لا تُحل دائمًا في غرف الاجتماعات، ولا على طاولات التحليل التكتيكي، بل أحيانًا تُحل في لحظة صدق خارج إطار اللعبة تمامًا.

أرني سلوت — الذي وجد نفسه فجأة في عين العاصفة داخل ليفربول — لم يجد طوق النجاة في مجلس الإدارة، ولا في تحليلات أساطير النادي، ولا حتى في الرسائل التي أغرقته بها وسائل التواصل، كل تلك الأصوات كانت بعيدة عن جوهر ما يعانيه، لكن سلوت وجد الدعم الحقيقي في مكان لم يكن في الحسبان.. وجده في والده.

آرني سلوت - المصدر: getty images
آرني سلوت – المصدر: getty images

هذا الأسبوع، انتشر في إنجلترا سؤال يبدو غريبًا في ظاهره، لكنه واقعي إلى حد الإدهاش: هل يكون والد أرني سلوت هو كلمة السر في إعادة ليفربول إلى طريق الانتصارات؟ قد يكون سؤال يَسِمُه شيء من العاطفة؟ نعم.. لكنه مبني على وقائع تتكشف خلف الكواليس، وعلى تغيرات بدأت تظهر على شخصية المدرب وأسلوبه، واقع يمكن تلخيصه في عبارة واحدة: “حين يتغير الأب.. يتغير الابن”.

والد سلوت.. كلمة السر التي لم يتوقعها أحد

كان أريند سلوت — والد أرني — بعيدًا كل البعد عن صورة “الأب الحنون”، فكان رجل صارم، مدير مدرسة سابق، تشرب القواعد والانضباط حتى النخاع، وقضى سنوات حياته يتعامل مع الطلبة بنفس القسوة التي تعامل بها ابنه المدرب.. صرامة لا تعرف المجاملات، ولا تترك مجالًا للراحة أو التراخي.

وخلال الموسم الماضي، حين كان فريق ليفربول يكتسح المنافسين الواحد تلو الآخر، وحين كانت المدرجات تهتف باسم أرني سلوت وكأنه ساحر جاء ليغيّر شكل الكرة الإنجليزية بعدما حصد الدوري في موسمه الأول، كان هناك صوت واحد لا ينسجم مع نشوة الانتصارات، ذلك الصوت كان صوت الأب.

كان أريند يتصل بابنه قبل أن يصل حتى إلى غرفة الاستحمام: لماذا قُمت بهذا التبديل؟  كيف تفوز 2-1 فقط؟ الأداء لم يكن ممتعًا بما يكفي يا بني.. الغريب أن أرني — رغم أنه كان يعيش أزهى فتراته ويحقق كل ما يحلم به — لم يغضب، كان يضحك، يعرف أن والده ينتقده أكثر كلما شعر بالفخر نحوه، كان النقد القاسي بالنسبة له علامة حب، أكثر مما هو مجرد توبيخ.

لماذا على ليفربول إقالة أرني سلوت في الحال؟

لكن خلف كل هذا الوجه الصارم، كان هناك جانب آخر لا يعرفه إلا القليلون.. جانب يعكس الحنان الخفي والرغبة العميقة في رؤية الابن يتألق، كان أريند يذهب إلى متجر Plus خمس مرات يوميًا، ليس لأنه ينسى أغراضه، ولا لأنه يحب التسوق، بل لأنه كان يريد أن يسمع جملة واحدة تتكرر من الناس هناك: “أريند.. ابنك رائع!”

كانت تلك الكلمات الصغيرة بالنسبة له أعظم انتصار، لحظة قصيرة، لكنها أعمق من أي بطولة أو مباراة، انتصار لا يُقاس بالأهداف أو الكؤوس، بل يُقاس في قلب أب ظل يخفي مشاعره تحت طبقات من الصرامة.. حتى عن ابنه نفسه.

وفي هذا الأسبوع تغير الوضع، وتغيرت نبرات الانتقاد للوالد، وتحولت إلى ما يشبه الجلسة النفسية لإبنه، لأنه كان يعي جيدًا أنه لا فائدة من الانتقادات في هذا الوقت، ويكفي ما يراه من جماهير إنجلترا وليفربول، فقرر أن يكون هو الملجأ وسط سيل الانتقادات هذا، على أمل أن يكون هذا هو ما يحتاجه المدرب الهولندي للعودة إلى سكة الانتصارات.

سلوت.. من السباحة كفيلبس إلى الغرق في تيار أنفيلد

بعد تراجع النتائج، أُلقي سلوت مباشرة في نار المقارنة مع يورجن كلوب، لم يُمنح فرصة ليُعرف كمدرب جديد، لم يحصل على فترة هدوء، لم تُعطَ له مساحة لإثبات نفسه بعيدًا عن إرث أسطورة، كل من حوله كان يقيس أدائه على مقياس كلوب، وكأن نجاحه السابق لم يكن كافيًا. 

في الموسم الماضي، لم يكن بحاجة إلى نصائح كلوب أو فان خال أو أي أسطورة أخرى.. كان الفوز نفسه يتحدث نيابة عنه، كان الانتصار يغطي على أي سؤال، وكان مجرى الأمور يبدو سلسًا.

يورجن كلوب - أرني سلوت
يورجن كلوب – أرني سلوت (المصدر:Gettyimages)

واليوم؟ اليوم تغيّر كل شيء.. كل كلمة تُقال له ليست نصيحة بعد الآن، بل إنذار، كل تقييم، كل تحليل، كل تعليق في وسائل الإعلام أو من الجماهير، يبدو وكأنه عدّ تنازلي لحظة سقوطه، الرجل الذي كان يسبح بثقة كاملة، كما لو أنه مايكل فيلبس في حوض سباحة واسع، أصبح اليوم يغرق في شبر من المياة.. وهنا نحن لا نتحدث عن شبر ماء، بل نتحدث عن تيارات الموج الهادرفي أنفيلد، بلا مجداف، بلا حماية، بلا شعور بالسيطرة.

الجماهير فقدت صبرها تدريجيًا، وأصبحت صيحات الاستياء تتعالى في المدرجات، والإعلام بدأ يعدّ الساعات، يحسب كل مباراة وكأنها اختبار نهائي، والنادي بأكمله ينتظر ثلاث مباريات يمكن أن تحدد مصيره.. لا أكثر ولا أقل.

هل الحديث عن إقالته مبكر؟ ربما.. لكن هل يستحق فرصة؟ نعم، وأكثر من ذلك، لأنه لم يخطئ بمفرده، بل كل الظروف كانت تعمل ضده: إصابات مؤثرة تقطع العمق في الفريق، نقص في البدائل الجاهزة، فترة صعبة تسبق أمم إفريقيا، وانهيار تدريجي في ثقة اللاعبين بأنفسهم وبالخطط، كل هذه العوامل مجتمعة جعلت الطريق صعبًا للغاية، لكن التحدي الأكبر يبقى في قلب المدرب نفسه.. في إيمانه بأنه ما زال قادرًا على السباحة، حتى وسط التيار الأقوى.

لماذا يجب على جماهير ليفربول الانتظار؟

من المعروف أن هناك مدربون يسقطون بسبب مشاكل داخل غرفة الملابس، حيث الصراعات بين اللاعبين تتصاعد وتشتت الانتباه، وتفسد خطط المدرب مهما كانت عبقريته —  كما الحال في ريال مدريد —  وهناك آخرون يسقطون ببساطة بسبب النتائج السيئة، وعندما تصبح الخسائر متكررة، يختفي الصبر، وتغيب الرحمة، ويُسارع الجميع لإلقاء اللوم على المدرب.

أما سلوت، فالوضع مختلف.. سقوطه ليس بسبب سبب واحد، بل بسبب مزيج متفجر من عوامل لا يمكن السيطرة عليها بسهولة: ضغط استثنائي غير مسبوق، مقارنة قاسية وغير عادلة بأساطير سابقة، غياب البدائل في العمق، وإرهاق نفسي واضح يزداد مع كل يوم جديد، فضلًأ عن عدم انسجام اللاعبين.

في هذه اللحظات، يحتاج المدرب إلى دعم حقيقي، لا إلى مقصلة، يحتاج إلى من يرفع عنه العبء، إلى من يذكّره بأنه ليس وحيدًا في المعركة اليومية، وأن كل خطوة يخطوها ليست بلا معنى.. تمامًا كما فعل والده معه في صغره، عندما كان استشعر أن النقد ازداد عليه حول من أسلوبه وبدأ يدعمه.

محمد صلاح - (المصدر:Gettyimages)
محمد صلاح – (المصدر:Gettyimages)

لكن الواقع يزداد صعوبة.. أمم إفريقيا على الأبواب، وسحب نصف القوة الضاربة للفريق يعني أن سلوت سيواجه المباريات المقبلة بتشكيلة غير مكتملة، مع لاعبين مرهقين، وغيابات مؤثرة، وضرورة تحقيق نتائج تحت ضغط جماهيري وإعلامي متواصل، كل مباراة أصبحت اختبارًا للصبر، وكل قرار تكتيكي يحتاج إلى توازن دقيق بين المخاطرة والأمان.

في مثل هذه الظروف، لم يعد الصبر رفاهية، بل أصبح ضرورة.. الضرورة الوحيدة التي قد تمنع الفريق من الانهيار النفسي قبل أن تبدأ المباراة الأولى بدون لاعبيه الأفارقة على رأسه سلاحه الأقوى محمد صلاح، ومع ذلك، هناك نقطة مضيئة: النادي ما زال يمنحه الثقة، ووضعت الإدارة حدودًا واضحة لكل من يشكك في قدراته. الرسالة التي وصلت إليه صريحة وواضحة: “واصل.. نحن معك”.

وفي عالم كرة القدم، أحيانًا تكون هذه الكلمات وحدها قادرة على قلب المشهد بالكامل.. إنها قادرة على إيقاظ فريق كامل، إعادة الروح إلى غرفة الملابس، تذكير اللاعبين بأن المعركة لم تُحسم بعد، وأن هناك من يؤمن بهم، ويؤمن بمدربهم، أحيانًا، هذا الدعم العاطفي هو ما يصنع الفرق بين الغرق والسباحة، بين الانكسار والانتصار.

هل يكون والد سلوت مفتاح العودة؟

وبالعودة لوالد سلوت وحله السحري، ليس لأنه محلل عبقري، ولا لأنه يعرف أسرار الضغط العالي، ولا لأنه يمتلك وصفة سحرية للفوز في أصعب الظروف.. بل لأنه أعاد لسلوت أهم عنصر فقده مؤخرًا — التوازن النفسي—  بعدما غير من أسلوب انتقاده إلى أسلوب الدعم النفسي لأنه أدرك أن الانتقاد لن يفيد في الوقت الحالي.

مدرب متوازن يعني فريقًا قادرًا على النهوض بعد أي سقوط، مدرب يخرج من عزلته يعني غرفة ملابس أقوى، أكثر ثقة، وأكثر استعدادًا للمواجهة، ومدرب يجد دعمًا صادقًا — ولو كان هذا الدعم يأتي من صوت والد صارم أصبح حنونًا — يعني أن هناك فرصة.. فرصة حقيقية للعودة، للانتصار، لإعادة كتابة السردية.

تشكيل ليفربول ضد نوتنجهام بالجولة 12 في الدوري الإنجليزي 2025-26
كودي جاكبو – فيرجيل فان دايك – ليفربول (المصدر:Gettyimages)

ربما لا يرى الجمهور هذا الآن، الضغوط والإحباطات تخفي كل بصيص أمل، وتضع المدرب تحت مجهر النقد المتواصل، لكن خلف الأبواب المغلقة، هناك رجل سبعيني، صار فجأة أهم داعم لمدرب ليفربول، صوت يحمل الخبرة، الحزم، والحب في آن واحد، ويعيد التوازن الذي كان ينقص أبنه في أكثر اللحظات صعوبة.

وفي النهاية، بطولاته السابقة لن تُسلب منه، لكن قيمته في نظر الجماهير تتحدد الآن بآخر مباراة، وربما تكون المباراة القادمة هي بداية النهاية.. أو بداية المعجزة، والمفتاح؟ قد يكون والده، الصوت الذي كان نقدًا حادًا يومًا، أصبح سندًا اليوم، الصوت الذي أعاد التوازن النفسي، وبفضله يمكن للمدرب أن يقف من جديد، وأن يقود فريقه إلى ما كان يعتقد أنه مستحيل.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.