أخبار الكرة الإنجليزيةأرسنال365TOPأرسنال

أرتيتا والدرع النفسي.. كيف تحولت انتقادات مادويكي إلى وقود للنجاح في أرسنال

في كرة القدم الحديثة، النجاح لا يُقاس فقط بالسرعة أو المهارات الفردية أو حتى التخطيط التكتيكي، بل يمتد ليشمل القدرة على التعامل مع الضغوط النفسية اليومية، اللاعب الذي يواجه الانتقادات الجماهيرية، أو يمر بفترة إصابة طويلة، يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى دعم من مدربه، شخص يؤمن به، يمنحه مساحة للخطأ، ويقف إلى جانبه في لحظات الشك، المدرب الذكي ليس مجرد مخطط تكتيكي؛ إنه درع نفسي، يحمي لاعبيه من موجات القلق والتوتر، ويمنحهم الثقة للعودة أقوى بعد أي سقوط.

ميكل أرتيتا، مدرب أرسنال، يعرف ذلك جيدًا، فلسفته تتجاوز مجرد تنظيم الفريق على أرض الملعب؛ إنه يرى أن دوره يمتد ليشمل حماية لاعبيه نفسيًا، وتوجيههم، والرهان عليهم عندما يشك الآخرون في قدراتهم، هذه الفلسفة ظهرت بوضوح في تعامله مع نوني مادويكي، اللاعب الذي واجه موجة من الانتقادات الجماهيرية قبل أن يلعب حتى مباراته الأولى في ملعب الإمارات.

ميكيل أرتيتا
ميكيل أرتيتا – أرسنال (المصدر:Gettyimages)

رحلة مادويكي من الشكوك إلى الإصرار

الصيف الماضي، كان انتقال نوني مادويكي من تشيلسي إلى آرسنال مقابل 52 مليون جنيه إسترليني بمثابة نقطة توتر كبيرة بين جماهير المدفعجية، أكثر من 4,000 مشجع وقعوا على عريضة عبر منصة إكس، مستخدمين وسم NoToMadueke، معبرين عن اعتراضهم على الصفقة، بالنسبة للعديد من المتابعين، كان مادويكي مجرد لاعب مكلف، بلا خبرة كافية، وقرار النادي بضمّه خطأً جسيمًا.

لكن أرتيتا رأى في تلك الانتقادات فرصة، بينما كانت الجماهير تنتقد، استشعر المدرب أن هذا هو الوقت الأمثل لبناء علاقة ثقة مع اللاعب، وشرح له أن الانتقاد ليس تهديدًا، بل يمكن أن يكون محفزًا، لم يكتفِ أرتيتا بالكلمات، بل عمل على تهيئة كل الظروف التي يحتاجها مادويكي للنجاح، بدءًا من الدعم النفسي، مرورًا بالتحضير البدني والفني، وصولًا إلى إدارة ضغط المباريات.

ميكيل أرتيتا - أرسنال
ميكيل أرتيتا – أرسنال (المصدر:Gettyimages)

على العكس، الحملة زادت من قناعتي وإصراري لمساعدته، وبذل كل ما يمكن لإنجاح هذه العلاقة، وتجهيز كل الظروف المحيطة به بأفضل شكل ممكن

بهذه الكلمات وصف أرتيتا فلسفته، مؤكّدًا أن الضغوط كانت دافعًا إضافيًا، لم تؤثر سلبًا على اللاعب، بل صقلت عزيمته.

مواجهة الإصابات.. المدرب كدرع حقيقي

لم يقتصر التحدي على الانتقادات الجماهيرية؛ مادويكي واجه اختبارًا أكبر بعد إصابة في الركبة خلال مباراة التعادل 1-1 مع مانشستر سيتي في سبتمبر، الإصابة أبعدته عن ست مباريات من أصل 12 مباراة في الدوري، وهي فترة كافية لأن يفقد أي لاعب الثقة بنفسه، بل وربما مكانه في التشكيلة، هنا أصبح دور أرتيتا محورًا: حماية اللاعب، الحفاظ على معنوياته، ومتابعة تدريبه بحذر شديد لضمان عودته في أفضل حالة ممكنة.

عودة مادويكي بعد تسعة أسابيع كانت لحظة حاسمة، في ديربي شمال لندن ضد توتنهام، دخل اللاعب كبديل في الدقيقة 78، ليساهم في الفوز 4-1، ويؤكد للجميع أنه لم يفقد مكانه في قلب الفريق، الأهم من ذلك، أن الدعم الذي تلقاه من مدربه خلال فترة الغياب جعل عودته سلسة نفسيًا وفنيًا، وهو ما انعكس على أدائه داخل الملعب.

أرسنال - ماكس دومان - أرتيتا - تروسارد - مادويكي - المصدر (Getty images)
أرسنال – ماكس دومان – أرتيتا – تروسارد – مادويكي – المصدر (Getty images)

أرتيتا أوضح أن الانتقادات الأولية لم تؤثر سلبًا على مادويكي، بل كانت بمثابة وقود إضافي:

تلك الحملة استمرت لفترة قصيرة جدًا، ثم تحولت ردود الفعل إلى النقيض تمامًا، وهو أمر قدّره مادويكي واحترمه وكان بمثابة وقود إضافي له، لم تؤثر عليه أبدًا

رهانات أرتيتا.. الثقة تصنع الفارق

ما يفعله أرتيتا يعكس فلسفة أساسية: رهانه على لاعبيه، دعمه لهم نفسيًا، ومواجهته لأي شكوك خارجية نيابة عنهم، اللاعبين الشباب بشكل خاص، يحتاجون إلى هذا النوع من القيادة، فهو يحول الانتقادات والضغط إلى محركات للتطور، ويجعلهم يشعرون بالثقة في اتخاذ القرارات داخل الملعب.

كما أن أرتيتا لا يقتصر على الدعم النفسي فقط، بل يربط هذا الدعم بالجانب التكتيكي، أعطى مادويكي الحرية والفرصة لإظهار إمكانياته، وأدار فترات مشاركته تدريجيًا بعد الإصابة، ليعود اللاعب أقوى وأفضل استعدادًا لمواجهة المباريات الكبرى، بما في ذلك مواجهة فريقه السابق تشيلسي.

في سياق آخر، أعرب أرتيتا عن إعجابه بأداء ديكلان رايس، مؤكدًا أنه لاعب محوري للفريق، وقال: “أتمنى أن يفوز بالكرة الذهبية، لأنه يعني أننا حققنا الكثير. الجائزة عادة ترتبط بالألقاب، لكنه لاعب استثنائي بالفعل”.

هذه التصريحات تبرز فلسفة أرتيتا الشاملة: المدرب ليس مجرد من يضع خططًا تكتيكية، بل هو من يحمي لاعبيه من الضغوط النفسية، يشعل حماسهم، ويمنحهم الثقة للمخاطرة والنجاح.

بين الماضي والحاضر.. أرقام تُمهّد لمواجهة ثأرية أمام تشيلسي

ورغم الجدل الذي صاحب انتقاله إلى آرسنال، فإن أرقام نوني مادويكي مع الفريق حتى الآن تعكس لاعبًا بدأ يخطو بثبات داخل مشروع أرتيتا، فقد شارك في 8 مباريات بقميص المدفعجية، بإجمالي 460 دقيقة لعب، سجل خلالها هدفًا مهمًا رغم دخول الإصابة على خط بدايته الواعدة، أرتيتا كان يرى دائمًا أن الأرقام ليست سوى مقدمة لما يمكن أن يقدمه اللاعب عندما يستعيد كامل جاهزيته.

أما التحدي الحقيقي فسيكون في المباراة المقبلة أمام فريقه السابق تشيلسي — النادي الذي خاض معه 92 مباراة، سجل خلالها 20 هدفًا وصنع 9 أخرى، مواجهة تحمل طابعًا عاطفيًا وتنافسيًا في آن واحد، مباراة يمكن أن تتحول إلى نقطة محورية في موسم اللاعب، وربما لحظة إعادة تعريفه أمام جماهير فريقه السابق.. وجماهير فريقه الحالي التي بدأت ترى ملامح النسخة التي راهن عليها أرتيتا منذ اليوم الأول.

مادويكي - تشيلسي - المصدر (Getty Images)
مادويكي – تشيلسي – المصدر (Getty Images)

التحولات الكبرى.. من الشك إلى التألق

الآن، وبعد مرور عدة أسابيع على بداية الموسم، أصبح مادويكي نموذجًا حيًا لكيفية تحويل الانتقادات إلى وقود للنجاح، اللاعب لم يعد موضع شكوك الجماهير، بل أصبح مصدر قوة للفريق والمدرب، ودليلًا حيًا على أهمية الرهان الصحيح لأرتيتا على لاعبيه، كل كرة يلمسها، وكل لمسة على أرض الملعب تحمل خلفها قصة الدعم النفسي، الثقة، والجهود المكثفة التي بذلها أرتيتا لضمان استقرار اللاعب واستعادة مستواه.

آرسنال اليوم لا يرى فقط لاعبًا موهوبًا في مادويكي، بل يرى مثالًا حيًا على كيفية التعامل مع الانتقادات، وكيف يمكن للمدرب أن يكون الدرع الحقيقي الذي يحمي لاعبيه، ويحوّل كل شك إلى دافع، وكل ضغوط إلى وقود للنجاح.

في النهاية، نجاح مادويكي ليس مجرد نتيجة لعمل فردي، بل هو ثمرة فلسفة أرتيتا الشاملة التي تجمع بين الدعم النفسي، التخطيط التكتيكي، والإيمان باللاعبين حتى في أصعب اللحظات، هذا هو درس كرة القدم الحديث.. المهارات تكسب بالمباريات، لكن الدعم والثقة يصنعان اللاعبين الأسطوريين.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.