حسام حسنكأس أمم أفريقيا365TOPتقارير ومقالات خاصة

مدربون على “حافة الهاوية”.. أمم أفريقيا تشعل الانفجار الكبير قبل مونديال 2026

في عالم كرة القدم، قد يتحوّل منصب المدير الفني إلى أكثر المهن هشاشة واضطراباً، خطوة واحدة خاطئة تكفي لإسقاط مشروع كامل، وهتاف غاضب واحد من الجماهير قد يُسقط سنوات من العمل، ومع اقتراب كأس الأمم الإفريقية، يبدو أن القارة السمراء تتأهب لحالة من “الحراك الفني” غير المسبوق، إذ تلوح في الأفق موجة إقالات واستقالات محتملة تهدد العديد من المدربين الذين يقفون اليوم على “أعتاب المجهول”.

ورغم أن اتحادات الكرة في مصر والمغرب والجزائر تبعث رسائل طمأنة للإعلام والجماهير للحد من الإفلات الفني وعدم الاستقرار قبل أيام من كان 2025، إلا أن الواقع على الأرض يشي بغير ذلك، فالمحصلة النهائية للأمور لا تُصنع في الاجتماعات المغلقة، بل على المستطيل الأخضر، حيث تكون العيون كلها مُسلّطة، والنتيجة وحدها قادرة على أن تجعل المدرب بطلاً أو تحوّله إلى رجل يحمل حقائب الرحيل.

اليوم نحن أمام ثلاث قصص متشابكة، ثلاثة مدربين مختلفين، ثلاث منتخبات عريقة، لكنهم جميعاً يجمعهم قاسم واحد.. أمم أفريقيا قد تكون محطة “الوداع الكبير” قبل مونديال 2026، دعونا نبدأ من القاهرة.. حيث الغليان لا يهدأ في الأونة الأخيرة.

ما موعد المباراة الافتتاحية لكأس أمم إفريقيا 2025؟
مجسم كأس أمم أفريقيا (تصوير: عمر الناصيري)

حسام حسن.. تصريح رسمي “ملطّف” وواقع على صفيح مشتعل

يعتبر حسام حسن أحد أكثر المدربين إثارة للجدل في القارة الأفريقية، ليس فقط بسبب أسلوبه الفني، بل بسبب طبيعته الصدامية التي لازمته منذ أن كان لاعبًا، ورغم أنه يمتلك مسيرة طويلة ومليئة بالشغف، إلا أنه يعيش اليوم واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخه كمدرب للمنتخب المصري، فبين تأييد رسمي معلن، وغضب جماهيري متزايد، وبين عقد هش لا يحميه، ومنتخب لا يقدم ما يُطمئن، يقف “العميد” على حافة وضع قد ينفجر في أي لحظة مع أول تعثر في البطولة القارية المقبلة.

اشتعلت الأزمة لتلقي بظلالها على المنتخب الوطني المصري لكرة القدم خلال الأيام الأخيرة، ليظهر هاني أبو ريدة، رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، في المشهد ويعلن دعماً صريحاً لحسام حسن قائلاً: المدرب مستمر مهما حدث

لكن قراءة الشارع الرياضي لهذا التصريح لم تكن كما أرادها أبو ريدة، فالجماهير المصرية اعتادت أن هذه التصريحات تأتي عادة لتهدئة الأجواء قبل قرارات كبيرة، خاصة في ظل ضغط إعلامي غير مسبوق بعد نتائج مخيبة في مباريات ودية كان يُفترض أن تكون فرصة لإظهار القوة وتحقيق الانسجام.

البداية في الفترة الأخيرة كانت من الخسارة أمام أوزبكستان 0-2، ثم الفوز المتواضع على كاب فيردي بركلات الترجيح، في بطولة العين الودية، لم تكن مجرد نتائج سيئة، بل كانت مؤشراً مقلقاً لجمهور يرى أن المنتخب يسير بلا هوية واضحة، ومع غياب المردود الفني المقنع، ارتفعت أصوات الانتقادات لتطال كل قرار وكل تشكيل وكل تغيير، حتى طالت حسام حسن نفسه، وبين هذا وذاك، كان واضحًًا أن التصريح الرسمي لم يكن حماية كاملة للمدرب، بقدر ما كان محاولة لاحتواء الغضب قبل بطولة تُعتبر فاصلة في مسار الجهاز الفني.

حسام حسن - إبراهيم حسن - مصر - تصوير: مصطفى الشحات
حسام حسن – إبراهيم حسن – مصر – تصوير: مصطفى الشحات

وفي خضم العاصفة، خرج حسام حسن بتصريحات لم تُطفئ النار بل زادت اشتعالها، بعدما فتح سيل من الانتقادات على من هاجم أسلوبه الفني مع منتخب مصر قبل المحطة الأخيرة من كأس أمم أفريقيا، ولم يكن الهجوم من حسام حسن مجرد هجوم عابر، بل اتسم بالحدة التي لطالما عُرفت عنه، هاجم كل من انتقده، واصفًا اياه بالغير وطني.

هذه الجملة شكلت نقطة تحول في علاقة المدرب مع الشارع الرياضي، فبين جمهور يشعر بأن المنتخب يستحق أفضل، ومدرب يرى أن النقد موجّه لشخصه وليس لعمله، اشتعلت المواجهة في كل الاتجاهات، وعوض أن يهدأ التوتر، بدا وكأن المدرب يدخل في صدام مفتوح لا نهاية له، وكأن الضغط الخارجي أصبح جزءاً من يومياته، والصدام في عمله بات أمرًا مسلمًا به.

الأزمة هنا ليست فقط في الكلام، بل في توقيته، فقبل بطولة مصيرية بحجم أمم أفريقيا، يحتاج المنتخب إلى بيئة هادئة ومستقرة، لكن تصريحات حسام حسن جعلت المشهد أكثر توتراً، وأعطت خصومه من الإعلاميين والجماهيريين وأعضاء اتحاد الكرة مساحة أكبر لإعادة فتح ملفات قديمة تتعلق بطباعه، وتحويل ذلك إلى نقطة ضعف إضافية.

عقد حسام حسن.. “المفاجأة الأكبر” في الحكاية

الضربة الأقوى جاءت من الإعلامي مهيب عبد الهادي عندما كشف معلومة قلبت الطاولة، عقد حسام حسن ليس مع المجلس الحالي للاتحاد، والأخطر أنه لا يحتوي على أي شرط جزائي أو بنود حماية تخص النتائج، هذا الاكتشاف فتح باباً واسعاً للتساؤلات، فمدرب المنتخب، الذي يفترض أن يكون وضعه مستقراً ومحمياً بعقد يحدد مسؤوليات الطرفين، وجد نفسه بلا ضمانات حقيقية.

غياب الشرط الجزائي يعني أن الإقالة يمكن أن تتم بقرار إداري بسيط دون أي تكاليف مادية، الأمر الذي جعل الكثيرين يتساءلون: هل تم تعيينه كحل مؤقت بالفعل؟ هل التعاقد كان متسرعاً؟ وهل الاتحاد نفسه غير مقتنع تماماً باستمراره؟

حسام حسن - منتخب مصر - غينيا بيساو - تصوير: مصطفى الشحات
حسام حسن – منتخب مصر – غينيا بيساو – تصوير: مصطفى الشحات

هذا الضعف التعاقدي جعل المدرب في موقف صعب للغاية، فلا هو قادر على الاعتماد على العقد كدرع حماية، ولا الأداء الحالي يمنحه مساحة للأمان، ولا الجمهور مستعد لمنحه فترة طويلة دون نتائج ملموسة، ليكون مصيره في الاستمرار كمدرب للمنتخب المصري مرهون بما يحققه في كان 2025، فحال فشله في الوصول للمربع الذهبي على أقل تقدير، سنجد أنفسنا أمام مدرب جديد يقود مصر في نهائيات كأس العالم 2026

تأثير الأزمة على مشروع المنتخب المصري

كل هذه المعطيات وضعت المنتخب المصري في موقف غير مثالي، فبدلاً من التركيز الكامل على التحضير الفني للبطولة، أصبح النقاش العام يدور حول مصير المدرب ومستقبله، اللاعبون بدورهم يعيشون هذه الأجواء، والضغط النفسي يزداد، لأن مستقبل الجهاز الفني يؤثر بشكل مباشر على استقرار المنتخب، كما أن الانقسام الإعلامي بين مؤيد ومعارض للمدرب انعكس على الجماهير، التي باتت تشكك في قدرة المنتخب على المنافسة في بطولة تحتاج إلى قدر كبير من الاستقرار والانسجام.

مع اقتراب أمم أفريقيا، يصبح الموقف واضحاً،أداء فني لم يقنع الجمهور، تصريحات نارية زادت الاحتقان، عقد هش بلا شروط حماية وضغط جماهيري غير مسبوق، كل ذلك يجعل حسام حسن يدخل البطولة المقبلة وهو في وضع لا يحسد عليه.. وضع يمكن تلخيصه في كلمة واحدة: “بلا حصانة”.

فلا يملك حسام حسن الكثير من الخيارات أمامه، إما أن يعيد الروح للمنتخب ويصل إلى المربع الذهبي على الأقل، وإما أن يتحول إلى مدرب سابق للمنتخب قبل الوصول حتى إلى الطريق المؤدية لمونديال 2026.

وليد الركراكي.. من صانع المعجزة إلى مدرب “الأيام المعدودة”

تبدو حكاية وليد الركراكي مع المنتخب المغربي واحدة من أكثر القصص الدرامية في كرة القدم الإفريقية الحديثة، فالرجل الذي قاد أسود الأطلس إلى إنجاز تاريخي غير مسبوق بوصولهم إلى نصف نهائي كأس العالم 2022، وجد نفسه فجأة في قلب عاصفة من التوقعات والضغوط، ليس بسبب تراجعٍ فني أو إخفاقٍ واضح، بل بسبب حدث أكبر من أي حسابات رياضية: المغرب تستضيف كأس الأمم الإفريقية.. واللقب تحول من حلم إلى “واجب وطني”.

نجاحات الركراكي وضعت سقف التوقعات في أعلى سماء، لكن هذه النجاحات ذاتها هي التي جعلت أي تعثر، مهما كان بسيطاً، يبدو وكأنه نهاية مشروع كامل، وتسليم المهمة برمتها إلى حامل جديد للراية.

شائعات الإقالة.. ونفي الجامعة الملكية

قبل أشهر من البطولة، بدأت الأخبار تتسرب من خلف الكواليس، تقارير إعلامية تتحدث عن نية الجامعة الملكية المغربية الاستغناء عن الركراكي، وبينما كان الجمهور ينتظر رداً حاسماً، خرج بيان رسمي يؤكد أن الركراكي مستمر، وأن كل ما يُشاع “عارٍ من الصحة”.

لكن الحقيقة في المغرب تختلف؛ فالبيانات الرسمية ليست دائماً موضع ثقة لدى الجماهير كما هو الحال في مصر، خاصة المضطلعين على تفاصيل المشهد الرياضي، وعلى مدى سنوات، اعتادت الجماهير أن الشائعة التي تنتشر بقوة ليست بلا أصل، وأن مجرد ظهورها يعكس “تململاً ما” داخل المؤسسة الكروية المغربية أو محيط المنتخب، في تلك الفترة، بدا واضحاً أن الأمور ليست على ما يرام، وأن شيئاً ما يتغير في العلاقة بين المدرب ومنظومة كرة القدم المغربية.

وليد الركراكي - منتخب المغرب
وليد الركراكي – منتخب المغرب

منذ إعلان المغرب استضافة البطولة، أصبح هدف الجامعة الملكية واضحاً وصريحاً: اللقب.. ولا شيء غير اللقب، الجمهور المغربي، الذي عاش نشوة مونديال قطر، يرفض العودة إلى دائرة الإخفاقات الإفريقية المعتادة، والجامعة الملكية التي استثمرت في البنية التحتية وجلبت أفضل الكفاءات حول المنتخب، ترى أن استضافة البطولة فرصة تاريخية لا يجب التفريط فيها.

وبالتالي، أي نتيجة أقل من الوصول إلى النهائي، بل وربما الفوز باللقب نفسه، قد تعني أن التجربة مع الركراكي وصلت إلى نهايتها، هذه الحقيقة يدركها الجميع من الاتحاد.. إلى الجماهير.. إلى الركراكي نفسه.

المدرب يعلنها بوضوح: “سأرحل بعد الكان”

كل تلك المعطيات جعلتنا أمام نتيجة واحدة يعرفها كل من تابع المشهد بتركيز، ففي خطوة صدمت الوسط الرياضي، خرج الركراكي بتصريح مباشر وحاسم:

سأغادر بعد نهاية كأس أفريقيا.. الفوز بالبطولة سيكون ختاماً لمسيرتي مع أسود الأطلس

هذا الإعلان لم يكن مجرد اعتراف أو قرار إداري، بل كان رسالة كبيرة مفادها أن المدرب يشعر بأن العلاقة مع المنتخب وصلت إلى مرحلة حساسة، وأن الضغط بات فوق الاحتمال، وأن الأفضل للطرفين هو النهاية بعد البطولة، مهما كانت نتيجتها، الجمهور المغربي لم يخفَ عليه هذا الشعور، فتصريح الركراكي بدا وكأنه محاولة لرفع جزء من الضغط عن كاهله، وفي الوقت نفسه إعلان بأن المشهد التقني والتدريبي يحتاج إلى تغيير، وأنه لا يريد دخول مونديال 2026 مع هذه الضغوط.

لكن كان الشئ المثير للجدل حينما فجّر الركراكي مفاجأة جديدة قائلًا :“هناك أطراف لا ترغب في رؤيتي أفوز بلقب الكانهذه الجملة وحدها كانت كفيلة بإشعال نقاش واسع، من يقصد؟ هل هم داخل الجامعة؟ أم إعلاميون يصنعون معارك وهمية؟ أم أشخاص من داخل المنتخب نفسه؟

مجموعة المغرب والسعودية في كأس العرب 2025
بدر بانون – منتخب المغرب

كان هذا التصريح ضربة قاضية لما تبقى من ود بينه وبين الجامعة المغربية، فتح هذا التصريح الباب أمام عشرات التأويلات والقراءات، فالبعض اعتبره تلميحاً لوجود صراعات داخلية تتعلق بالاختيارات الفنية أو طريقة إدارة المنتخب، بينما رأى آخرون أنه يعبر عن تعب المدرب من الضغط النفسي والإعلامي الكبيرين، لكن المؤكد أن العلاقة بين الركراكي وبعض الأطراف لم تعد كما كانت بعد المونديال، وأن هذه الخلافات كانت عاملاً أساسياً في قراره بالرحيل.

أسماء مرشحة.. والسكتيوي في الصدارة

ما إن أعلن الركراكي رغبته في الرحيل، حتى بدأت التكهنات حول خليفته، اسم طارق السكتيوي المدير الفني للمنتخب الأولمبي المغربي ظهر في المقدمة، باعتباره من الكفاءات المغربية القادرة على مواصلة المشروع الذي بدأ منذ سنوات، كما أن بعض الأصوات داخل الجامعة ترى أن المنتخب بحاجة إلى “تجديد فني” يتماشى مع أهداف المغرب في المونديال القادم، وإلى جانب السكتيوي، ظهرت أسماء أخرى، بعضها محلي وبعضها أجنبي، لكن الواقع يقول إن اختيار المدرب القادم سيكون قراراً استراتيجياً كبيراً، لأن المنتخب يعيش فترة ذهبية لا تسمح بالارتجال.

يدخل وليد الركراكي أمم أفريقيا وهو يدرك تماماً أن النهاية أصبحت مكتوبة، ليس هناك مساحة لمناورة طويلة، ولا لمرحلة انتقالية، ولا للأخطاء الصغيرة، فالبطولة التي تستضيفها المغرب هي لحظة فارقة: إما نهاية ذهبية تكتب اسمه بحروف من نور.. أو نهاية صعبة تفتح أبواب النقد وتُسدل الستار على رحلة بدأت بالمجد وانتهت بالضغط، لكن الأكيد أن الركراكي، مهما حدث، سيظل أحد أهم صناع التاريخ في كرة القدم المغربية.

صفحة رحيله ستكون من أكثر الصفحات إثارة وحدّة في تاريخ أسود الأطلس الحديث تكتبها الكان المقبلة، والتي بات أنها بلا شك ستكون المناورة الأخيرة في رحلة الركراكي، فحال تحقيق المغرب اللقب الغالي هل نجد الركراكي على راس المنتخب في مونديال أمريكا؟.. ربما، لكن الأكيد أنه حال الفشل في الوصول للنهائي سنجد المغرب بلا ركركاي في الحدث الأكبر لعام 2026.

عبد الرزاق حمد الله -طارق السكتيوي - المغرب (تصوير عمر الناصري)
عبد الرزاق حمد الله -طارق السكتيوي – المغرب (تصوير عمر الناصري)

فلاديمير بيتكوفيتش.. نتائج بلا حب، ومقعد بلا إجماع

يعيش فلاديمير بيتكوفيتش واحدة من أكثر التجارب تعقيداً في مسيرته التدريبية مع منتخب الجزائر، فالرجل الذي جاء بديلاً للمدرب الأسطوري جمال بلماضي وجد نفسه في معركة لا علاقة لها بالنتائج أو الخطط أو أسلوب اللعب، بل بمعركة “القبول”، وهي أصعب ما يمكن أن يواجهه أي مدرب يتولى تدريب منتخب جماهيري مثل أسود السحراء، فعلى الرغم من تحقيقه نتائج جيدة مبدئياً، ونجاحه في إعادة بناء الفريق فنياً، إلا أن جماهير ومحبي المنتخب الجزائري لم يتقبلوه بعد، وكأن بينه وبين الجمهور “مسافة شعورية” لم تُختصر حتى الآن.

حين جاء بيتكوفيتش لقيادة المنتخب، كان يعرف أنه سيقف في مكان محفوف بالمقارنات، جمال بلماضي، رغم خيباته في نهايته، كان رجلاً محبوباً لدى الجزائريين؛ قاد الفريق إلى كأس أفريقيا 2019، وأعاد لهم روح المنافسة والهوية القتالية التي يحبّها الجمهور، من الصعب ـ بل من المستحيل تقريباً لجماهير الجزائر ـ أن يأتي مدرب خلفاً لواحد من أكثر المدربين شعبية دون أن يجد نفسه في مقارنة آنية ودائمة.

تشكيل منتخب الجزائر ضد البحرين في كأس العرب 2025
منتخب الجزائر – المصدر : Getty images

ومهما فعل بيتكوفيتش، كان يُقرأ تحت عنوان:هل هذا ما كان سيفعله بلماضي؟ ولذلك، وجد المدرب السويسري نفسه في مأزق نفسي كبير داخل الوسط الرياضي، فهو يؤدي الدور المطلوب منه، لكنه لا يحصل على التقدير الجماهيري الذي يساعد أي مدرب على فرض أفكاره وبناء مشروع طويل الأمد.

نتائج جيدة لبيتكوفيتش.. ولكن!

لم يكن بيتكوفيتش سيئاً على الإطلاق من ناحية الأرقام.. بالعكس، نجح في تحقيق نتائج إيجابية في أغلب المباريات، ضمان بطاقة التأهل إلى كأس العالم 2026 مبكراً، القيام بعملية تجديد دماء واسعة داخل المنتخب، عبر استدعاء لاعبين شباب ومنحهم فرصة لإثبات أنفسهم.

لكن، ورغم كل هذه الإنجازات الفنية، ظل الشعور العام لدى قطاع واسع من الجماهير هو لا نشعر بأنه المدرب الذي يمكن أن يقود الجزائر في المرحلة القادمة، الهوية القتالية التي عاشتها الجماهير مع بلماضي، والانفعال العاطفي الذي كان يربط المدرب السابق باللاعبين والجمهور، لم يشعُر به الكثيرون مع بيتكوفيتش الذي يعتمد أسلوباً هادئاً، عقلانياً، وتحليلياً إلى حد كبير، وهذه الفجوة في “الشخصية العامة” صنعت حاجزاً غير معلن بينه وبين الشارع الرياضي بالجزائر.

مع مرور الوقت، ومع ارتفاع الانتقادات، بدا أن بيتكوفيتش نفسه بدأ يشعر بأن العلاقة بينه وبين المنتخب تعاني من خلل صامت، وفي مؤتمراته الصحفية، ظهر وهو يطلق رسائل مستترة تثير علامات استفهام، منها قوله:

اللاعبون الشباب الذين دعوتهم سيمثلون المستقبل.. والمدرب الجديد سيجد قاعدة صلبة إن جاء بعدي

الغريب أن أحداً لم يسأله حينها عن مستقبله، لكنه هو الذي فتح الموضوع، هذا التصرف جعل علامات استفهام كثيرة تظهر حول نواياه: هل هو غير مرتاح؟ هل يشعر أن مستقبله مهدد؟ هل يتوقع أن الاتحاد لا ينوي تمديد عقده؟ أم أنه يلمّح لمغادرة مسبقة قبل أن يُقال؟ مهما كانت الحقيقة، كانت رسائله تعبيراً واضحاً عن حالة التوتر التي يعيشها في ظل ضغط إعلامي وجماهيري لا يرحم.

الاتحاد الجزائري.. موقف ضبابي يزيد الغموض

من جانب آخر، لم يساعد الاتحاد الجزائري على تهدئة الوضع، الرئيس وليد صادي لم يُصدر حتى الآن قراراً واضحاً: هل سيتم تمديد عقد بيتكوفيتش ليقود المنتخب نحو المونديال؟ أم أن الاتحاد يبحث بصمت عن بديل قد يكون جاهزاً بعد البطولة؟

الإجابة لم تأتِ بعد، وهو ما جعل المدرب يعيش في فراغ إداري مزعج، ويجعله أكثر حساسية تجاه أي انتقاد، وفي ظل هذا الغموض، أصبح بيتكوفيتش يقرأ كل تصريح، وكل تعليق إعلامي، وكأنه مؤشر إلى مصيره المستقبلي.

رغم تأهل المنتخب للمونديال، إلا أن كل شيء الآن معلّق على بطولة أمم أفريقيا، في الجزائر، لا يُقاس المدرب فقط بالتصفيات، بل بالمنافسة القارية، فالمنتخب يملك تاريخاً وبطولات طموحة، والجماهير تطالب بالمنافسة على اللقب وليس مجرد مشاركة مشرفة، وبالتالي، فإن أي تعثر مبكر أو أداء ضعيف في البطولة سيعيد كل الانتقادات إلى الواجهة، وقد يدفع الاتحاد لاتخاذ قرار حاسم بعد طريق طويل من الشك المتبادل بين الطرفين.

معلومات عن مباراة الجزائر ضد بوتسوانا في تصفيات كأس العالم 2026
منتخب الجزائر (المصدر:Gettyimages)

هل تكون الكان “الرصاصة الأخيرة” لبيتكوفيتش؟

يدخل فلاديمير بيتكوفيتش البطولة وهو يعلم أنها قد تكون: إما بوابة لترسيخ مكانته كمدرب قادر على قيادة الجزائر إلى المونديال، أو آخر محطة له قبل أن يرحل بصمت، دون أن يحصل على الحب الشعبي أو الدعم الحقيقي الذي يحتاجه أي مدرب في بلد مثل الجزائر.

هذه البطولة ليست مجرد مواجهة للخصوم، بل مواجهة للشكوك والانتقادات والمقارنات التي تطارده منذ اليوم الأول، وإذا لم يُحقق المنتخب نتائج قوية في أمم أفريقيا، فإن رحلة بيتكوفيتش قد تنتهي حتى قبل أن يصل إلى كأس العالم.. رغم أنه كان أول من وضع الجزائر على طريق التأهل.

بين القاهرة والرباط والجزائر.. خيوط تتشابك ومصائر تهتز

في القاهرة والرباط والجزائر، تتباين التفاصيل، لكن الخيوط تتشابك في مشهد واحد ثقيل بالضغوط، فلكل مدرب روايته الخاصة، ولكل منتخب أزمته المعقدة، لكن القاسم المشترك بين الجميع هو أن أمم أفريقيا 2025 لم تعد بطولة عادية، إنها حدث أشبه بـ”محكمة كروية” تُنصّب نفسها حكماً على مصير المدربين الثلاثة، وتحدد من سيبقى ومن سيرحل، ومن سيعبر نحو المونديال ومن ستنتهي رحلته عند حدود القارة.

محمد حمدي - ياسر إبراهيم - مصطفى محمد - منتخب مصر - تصوير: مصطفى الشحات
محمد حمدي – ياسر إبراهيم – مصطفى محمد – منتخب مصر – تصوير: مصطفى الشحات

في مصر، قد يدفع حسام حسن ثمن الانفجار والصدام أكثر مما يدفع ثمن النتائج نفسها، بعدما أصبح مستقبله مرتبطاً بمربع ذهبي لا بديل عنه، وفي المغرب، يعيش وليد الركراكي قصة وداع معلن؛ يعرف مسبقاً أنه يكتب آخر سطور رحلته مهما كانت النهاية، وكأن البطولة صارت مسرحية نهايتها محددة، يبقى فقط شكل المشهد الأخير، أما في الجزائر، فيقف فلاديمير بيتكوفيتش على أرض تهتز تحت قدميه؛ نتائج جيدة ولكن بلا قبول، وجمهور لا يرحم، واتحاد لم يحسم أمره، ما يجعل مستقبله معلقاً على شعرة من نتائج “الكان”، كل ذلك يجعل البطولة المقبلة في القارة السمراء أشبه بـ”زلزال فني” قد يضرب القارة قبل بداية مونديال 2026، ويعيد تشكيل المقاعد الفنية فوق دكة البدلاء في أكبر منتخبات أفريقيا.

في نهاية المطاف، قد تختلف التفاصيل والضغوط والظروف، لكن حقيقة كرة القدم تبقى كما هي لعبة قاسية، سريعة التقلب، لا تعترف إلا بالنتائج، والسؤال الذي ينتظر الجميع هو: من سيصمد تحت الضغط؟ من ينجو من الحسابات؟ من يعبر نحو المونديال، ومن يغادر قبل أن تبدأ الرحلة؟ وحدها البطولة الأكبر في أفريقيا على صعيد المنتخبات من تجيب في نسختها لعام 2025 على تلك الأسئلة، كيف لا وهي البطولة التي ستكتب فصول النهاية لمدربين كبار، وقد تفتح أبواب المجد أو الوداع، وترسم الطريق الحقيقي نحو كأس العالم، طريقًا قد يُفرش بالورد لبعض المدربين وبالشوك للبعض الأخر.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.