لعنة الريال تطارد الفرعون.. محمد صلاح والرقصة الأخيرة على أنفيلد

كأن القدر كتب لريال مدريد أن يكون “المرآة المقلوبة” في مسيرة محمد صلاح، كلما اقترب من المجد الأوروبي، انعكست أحلامه في وجه هذا العملاق الأبيض، بينه وبين النادي الملكي قصة طويلة من الألم، تبدأ كل مرة بوعد جديد وتنتهي بخيبة تشبه اللدغة التي يعرفها القلب ولا يعتادها؛ ريال مدريد بالنسبة لصلاح ليس مجرد منافس، بل هو العقدة التي ترفض الانفكاك، والظل الذي يلاحقه كلما لاح له الضوء.

ريال مدريد بالنسبة لصلاح ليس مجرد خصم أوروبي، بل هو المرآة التي تعكس حدود الحلم وألم الفقد في آنٍ واحد، كلما مدّ جناحيه نحو المجد، وجد أمامه الجدار الأبيض شامخًا، لا يُكسر ولا يلين، يُسقط أحلامه قبل أن تكتمل؛ تسع مواجهات، سبع هزائم، وانتصار وحيد، تحوّلت إلى ندوب رياضية في ذاكرة النجم المصري.

بين ليفربول وريال مدريد تتكرر القصة ذاتها، لكن نغمتها تختلف في كل مرة، في 2018 كانت الدموع، وفي 2022 كان الصمت، والآن ربما يأتي وقت المصالحة مع القدر، أو ربما حلقة جديدة من مسلسل الألم الذي لا ينتهي.

فهل تكون مواجهة أنفيلد القادمة هي اللحظة التي يكسر فيها محمد صلاح عقدته الأزلية مع ريال مدريد؟ خاصةً وأنه لم يسجل سوى هدفين فقط خلال المباريات التسع، بل لم يسجل حتى في الانتصار الوحيد الذي حققه الليفر منذ انضمامه؛ أم أن الملكي سيواصل لعب دور “اللعنة البيضاء” في أسطورة الفرعون المصري؟

محمد صلاح يحقق إنجاز جديد.. ويطمح للمزيد

في سن الثالثة والثلاثين، لا يزال محمد صلاح القوة الهجومية الأبرز في صفوف ليفربول. هدفه الأخير في شباك أستون فيلا — وهو الهدف رقم 250 له بقميص النادي،  أدخله في دائرة أساطير “الأنفيلد” إلى جانب إيان راش وروجر هانت.

كما جعله هذا الهدف يعادل رقم واين روني في الدوري الإنجليزي الممتاز من حيث أكثر عدد من المساهمات التهديفية (أهداف + تمريرات حاسمة) مع نادٍ واحد، برصيد مذهل بلغ 276 مساهمة.

View this post on Instagram

A post shared by 365Scoresarabic (@365scoresarabic)

والآن تتحول الأنظار مجددًا إلى أوروبا، حيث يحتاج صلاح إلى هدفين فقط ليصبح أول لاعب إفريقي في التاريخ يصل إلى 50 هدفًا في دوري أبطال أوروبا، إنجاز يعكس استمراريته المذهلة في أعلى المستويات، لكن الخصم المقبل هو ريال مدريد، الفريق الذي كثيرًا ما حرم النجم المصري من لحظات المجد الأوروبي.

تاريخ مؤلم مع ريال مدريد

في تسع مواجهات سابقة ضد العملاق الإسباني، حقق صلاح فوزًا واحدًا وتعادلًا واحدًا مقابل سبع هزائم، وسجل خلالها هدفين وصنع آخر، حصيلة متواضعة بالنسبة لأحد أفضل مهاجمي جيله، بل وأحد أفضل لاعبي ليفربول عير التاريخ.

سجل محمد صلاح أمام ريال مدريد

وكانت أبرز مواجهاته أمام ريال مدريد على ملعب أنفيلد عام 2023، حين بدأ ليفربول المباراة بعاصفة هجومية؛ صنع صلاح الهدف الأول لزميله داروين نونيز، ثم أحرز الثاني بعد دقائق قليلة، لكن الليلة تحولت إلى كابوس بعدما قلب فريق كارلو أنشيلوتي النتيجة وفاز بنتيجة 5–2، قبل أن يحسم التأهل بمجموع 6–2 في المباراتين.

المواجهات السابقة لم تكن أفضل حالًا؛ ففي عام 2021 سجل صلاح هدفًا في خسارة الذهاب 3–1 ضمن ربع النهائي، قبل أن تنتهي مباراة الإياب دون أهداف، أما اللحظة الأكثر ألمًا في مسيرته، فكانت نهائي كييف 2018، حين أجبره التدخل العنيف من سيرخيو راموس على مغادرة الملعب باكيًا، في مشهد أصبح أحد أكثر اللقطات تراجيدية في تاريخه الكروي.

وعادت اللحظة للتكرار من جديد، بعدما خسر اللقب مجددًا أمام الخصم ذاته في عام 2022 في العاصمة الفرنسية باريس، بفضل هدف فينيسيوس جونيور؛ ورغم تتويجه بدوري الأبطال عام 2019، إلا أن الريال ظل عائقًا أمام مسيرة ذهبية تعكرها الشوائب المدريدية.

تبدو حصيلة صلاح أمام الريال ضعيفة للغاية في ظل تسجيل هدفين فقط خلال تسع مواجهات، بينها 7 بقميص ليفربول، إلا أن الأكثر ألمًا كونه لم يسجل في لقاء الموسم الماضي الذي انتصر فيه ليفربول على ملعب “أنفيلد” بهدفين دون رد، بل وأضاع ركلة جزاء كذلك، وجاء الهدفين في خسارتين، الأولى عام 2021 بثلاثة اهداف لهدفين في ملعب “ألفريدو دي ستيفانو”، والثانية كانت على معقل الريدز بخمسة أهداف لهدفين عام 2023.

قائمة أهداف محمد صلاح في شباك ريال مدريد

مواجهة للثأر واستعادة الثقة

يستضيف ليفربول غريمه الإسباني على ملعب “أنفيلد”، وهو في موقف لا يحسد عليه؛ إذ يحتل المركز العاشر في ترتيب المجموعة برصيد 6 نقاط، متأخرًا بثلاث نقاط عن ريال مدريد صاحب المركز السادس بالعلامة الكاملة بعد أول 3 جولات.

ولم يكن الفريق الإنجليزي في أفضل حالاته مؤخرًا، بعدما تلقى أربع هزائم متتالية في البطولات المحلية، قبل أن يلتقط أنفاسه بفوز مهم على أستون فيلا (2-0) في الجولة الماضية من الدوري الإنجليزي الممتاز.

صلاح يواجه ريال مدريد للمرة الأخيرة في أنفيلد!

قد تكون مواجهة ريال مدريد المقبلة على ملعب “أنفيلد” بمثابة الفصل الأخير في حكاية محمد صلاح أمام الملوك الإسبان. فبرغم تجديد النجم المصري، البالغ من العمر 33 عامًا، عقده مع ليفربول حتى نهاية الموسم المقبل، تتصاعد الأصوات داخل النادي وخارجه مطالبةً برحيله في الصيف القادم، في ظل تراجع مردوده التهديفي ومساهماته الهجومية هذا الموسم.

لكن حتى وإن استمر صلاح في صفوف “الريدز”، فإن اللوائح الجديدة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) قد تجعل هذه المباراة آخر ظهور له أمام ريال مدريد في معقل أنفيلد، بعدما قررت الهيئة المنظمة منع تكرار مواجهة الفريقين في نفس الملعب لثلاثة مواسم متتالية ضمن مرحلة الدوري.

وبذلك، تبدو هذه المواجهة وكأنها الرقصة الأخيرة بين صلاح وريال مدريد، علاقة اتسمت بالتحدي والخذلان أكثر مما اتسمت بالانتصار، وربما تكون الفرصة الأخيرة للفرعون كي يُعيد كتابة نهايته أمام جماهير ليفربول التي لطالما تغنّت باسمه.

يجب التنويه على أن هذه القاعدة الجديدة ستُطبَّق على جميع الأندية التي تواجه نفس المنافس على ملعبه موسمين متتاليين، لكنها لا تشمل الأدوار الإقصائية، أي أنه في حال تكرار المواجهة بين ريال مدريد وليفربول في الأدوار النهائية، فسيكون بإمكان الفريق الإسباني العودة مجددًا إلى أنفيلد.

نذير شؤم لليفربول وفأل حسن للريال

اختار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) الحكم الروماني إستفان كوفاتش لإدارة مواجهة الجولة الرابعة، وستكون هذه المباراة الثالثة لـ ليفربول، والخامسة التي يديرها كوفاتش للفريق الملكي في البطولة القارية.

ولم ينجح ليفربول في تحقيق أي انتصار، بعد أن خسر في المباراتين، أولها الهزيمة المذلة أمام الريال نفسه 5-2، وثانيها الخسارة من باريس سان جيرمان الموسم الماضي 0-1، ثم الخروج بركلات الترجيح من دوري الأبطال من دور ثمن النهائي.

نتائج مباريات ريال مدريد التي أدارها إستفان كوفاتش

نتائج مباريات ليفربول التي أدارها الحكم إستيفان كوفاتش

اللقاء الأخير… أم الخلاص المنتظر؟

وفي النهاية، تبقى مواجهة ريال مدريد بالنسبة لمحمد صلاح أكثر من مجرد مباراة في دوري الأبطال؛ إنها صراع مع الذاكرة، ومع كل ما مثّله الفريق الإسباني من خيبات وأحلام مؤجلة في مسيرته الأوروبية؛ فبين ماضي كييف، وجراح باريس، وذكريات أنفيلد المتقلبة، يقف النجم المصري الليلة على عتبة لحظة فاصلة قد تعيد تعريف إرثه القاري.

قد لا تحمل هذه المواجهة مجرد ثلاث نقاط، بل ربما تحمل خلاصًا ولو رمزيًا من عقدة طاردته عقد من الزمان، وفرصة أخيرة لترك بصمة لا تُنسى قبل أن تطوي أوروبا صفحته الحمراء؛ فهل تكون أنفيلد شاهدًا على انتقام الفرعون… أم ستظل لعنة مدريد تلاحقه حتى النهاية؟