أرسنالالدوري الإنجليزيأخبار365TOP

كرة القدم الأمريكية تتسرب إلى أوروبا.. إنريكي يفتح الباب والبريميرليج يقتحم المشهد

في السنوات الأخيرة، أصبح من الشائع أن يشعر المشجعون بأن كرة القدم فقدت جزءًا من عفويتها القديمة، لم يعد اللاعب النجم يتحرك في مساحة واسعة من الحرية كما اعتاد، ولم تعد المباريات مفتوحة بالسذاجة الجميلة التي كانت تُنتج لحظات عبقرية غير متوقعة، يقول البعض إن اللعبة أصبحت “ميكانيكية أكثر من اللازم”، بينما يرى آخرون أن هذا التطور كان حتميًا، وأن كرة القدم أصبحت اليوم أكثر دقة، وأكثر اعتمادًا على التكتيك وعلى التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق.

المفارقة أن كلا الرأيين صحيح، فبينما ينخفض سقف الحرية الفردية، ترتفع جودة اللاعبين والجهاز الفني والعمق التحليلي داخل الأندية بشكل غير مسبوق؛ كرة القدم لم تفقد فنَّها، لكنها أعادت توزيع الفن داخل بنية أكثر صرامة وتنظيمًا، وهنا يظهر السؤال الكبير: كيف أصبح شكل المباراة أقرب إلى منظومة رياضات أمريكية مثل كرة القدم الأمريكية (NFL)؟

بدأ الأمر كقطرة، لكنه الآن فيضان، سيطر جنون الكرات الثابتة على الدوري الإنجليزي الممتاز، وشهدت المواسم الخمسة الماضية استغلال الفرق لهذه المواقف لتحقيق أقصى استفادة.

أصبحت هيمنة أرسنال على الركلات الركنية والركلات الحرة محل تقدير عالمي، بينما تُهدد رميات برينتفورد الطويلة بإعادة تشكيل البنية التكتيكية للدوري، في حين أن توتنهام هوتسبير وأستون فيلا وكريستال بالاس وتشيلسي أربعة فرق أخرى قادرة على تحويل أي كرة ثابتة تقريبًا إلى هدف متقن.

الركلات_الثابتة_تغزو_البريميرليج
الركلات_الثابتة_تغزو_البريميرليج

ولكن ما الذي تغير؟ أولًا، أصبحت دقة التفاصيل في التحضير لها مختلفة تمامًا مقارنةً بالسنوات الماضية. فبينما كانت الركلة الركنية تُوجه إلى إحدى المناطق الأربع المميزة، أو تُرسل الركلات الحرة ببساطة إلى أطول لاعب، أصبحت تصاميم الكرات الثابتة أكثر تعقيدًا بشكل لا يُصدق.

كان أرسنال وتوتنهام من أوائل الفرق التي اعتمدت مدربًا مُخصصًا للكرات الثابتة، حيث تعاقدا مع نيكولاس جوفر (2021) وجياني فيو (2022) على التوالي، وقبلهما، كان برينتفورد يكتسب ميزة من الكرات الثابتة لسنوات بفضل عمل أندرياس جورجسون؛ والآن، يمتلك كل نادٍ تقريبًا في الدوري الإنجليزي الممتاز مدربًا مُخصصًا للكرات الثابتة.

والعنصر الرئيسي الثاني هو أنه أصبح من الواضح بشكل متزايد أن بعض المدربين يستعيرون أفكارًا من رياضات أخرى، وتحديدًا دوري كرة القدم الأمريكية، إذا كنت من مُشجعي كرة القدم الأمريكية، فستلاحظ بالتأكيد أوجه تشابه تكتيكية

كرة القدم الأمريكية هي كرة ثابتة في كرة القدم

في مقابلة حديثة، طُلِب من شون ماكفاي، مدرب فريق لوس أنجلوس، وأحد أكثر العقول التكتيكية تطورًا في كرة القدم الأمريكية، وصف العلاقة بين الرياضتين، فقال جملة أصبحت محورًا للعديد من النقاشات:

“كرة القدم الأمريكية هي كما لو كانت كل لعبة كرة قدم عبارة عن ركلة ثابتة”.

هذه الجملة ليست مجرد مجاز؛ إنها مفتاح لفهم كيف تغيّر عقل اللعبة في أوروبا، ففي الكرة الأمريكية، كل لعبة تبدأ من وضع ثابت، وكل حركة داخلها مصممة مسبقًا بعناية: مسارات، خطوط حجب، زوايا انطلاق، تمويه، تداخل، وخلق فجوات على مستوى السنتيمتر.

اليوم، الدوري الإنجليزي الممتاز والكرة الأوروبية بشكل عام، تشهد تحولًا مشابهًا: أصبحت الركنيات والضربات الحرة ورميات التماس — وحتى ركلات البداية — أدوات استراتيجية أخطر من أي وقت سابق.

من المدهش أن ماكفاي يرتبط بعلاقة صداقة وثيقة بـ ميكيل أرتيتا، مدرب أرسنال، كلاهما ينتمي إلى جيل جديد من المدربين الذين يعتمدون على التحليل الدقيق، وعلى الهندسة الدقيقة للمساحات، وعلى خلق “مزايا مصطنعة” عند الكرة الثابتة.

كلا الفريقين مملوك لستان كرونكي، ويبدو أن أرتيتا يراسل ماكفاي كثيرا لتبادل الأفكار وتبادل الخبرات، والترحيب بالآراء، لا شك أن أرتيتا و”خبيره” في الكرات الثابتة، جوفر، يستعينان بنظرائهما للحصول على معلومات مفيدة.

ما هي أبرز تكتيكات كرة القدم الأمريكية التي نراها في الكرة الأوروبية؟

في كرة القدم الحديثة، باتت الكرات الثابتة أكثر من مجرد فرص للتسجيل؛ إنها معارك تكتيكية دقيقة تشبه أساليب دوري كرة القدم الأمريكية. الفرق الكبرى لا تكتفي برمي الكرة داخل منطقة الجزاء، بل تنظم لاعبيها في مسارات محددة مسبقًا لخلق الفرص وتفكيك دفاع الخصم.

مسارات الاحتكاك: الحجب غير المباشر

في NFL، يُعرف أسلوب “مسارات الاحتكاك” (Chalking Routes) بأنه تحريك اللاعبين بطريقة تمنع المدافعين من الوصول لمسار الكرة، دون لمس الكرة نفسها، الفكرة نفسها ظهرت بوضوح في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الركلات الركنية.

على سبيل المثال، هدف جابرييل ضد نيوكاسل لم يكن مجرد تسديدة رأسية متقنة؛ بل جاء نتيجة حركة ويليام ساليبا دون الكرة، حيث تقدم إلى الأمام ليحجب الحارس نيك بوب عن مسار الكرة؛ لم يكن صدًا مباشرًا، بل كان “ازدحامًا مبرمجًا” ضمن المسار الذي كان من المفترض أن يسلكه الحارس؛ هذا التحرك الفعال سمح لجابرييل بالانقضاض على الكرة وتسجيل الهدف بسهولة، تمامًا كما يحدث في مسارات الاحتكاك في دوري كرة القدم الأمريكية.

الحجب المتعمد: تعطيل الحراس

الفرق تستخدم الحجب المتعمد أمام حراس المرمى لتعطيل قدرتهم على الدفاع عن الكرات الثابتة، مثال آخر: ثلاث ركلات ركنية سجلها تشيلسي ضد وست هام، حيث قام ليام ديلاب بحجب حارس المرمى ماتس هيرمانسن، ما أتاح لزملائه تسجيل الأهداف؛ هذه الطريقة تشبه “حواجز الدفاع” في كرة القدم الأمريكية، حيث يتعين على المدافعين التعامل مع لاعبين يحجبون مسارهم بدل الكرة مباشرة.

الركض في مسارات محددة: الانضباط والتنظيم

ما يميز هذا الأسلوب هو التنظيم والانضباط: كل لاعب يعرف مساره بدقة، متى يتحرك للأمام، وأين يسد الطريق، ومتى يتراجع، الهدف ليس مجرد الاحتكاك، بل خلق مساحة ذكية لزميله الذي يستهدف الكرة، الفرق التي تتقن هذا التكتيك يمكنها تحويل الكرات الركنية البسيطة إلى أهداف مؤكدة، وتزيد من احتمالية استغلال أي خطأ دفاعي.

مجموعة من مُستقبلي الكرات الثابتة: “قطار الحب” لإنجلترا منذ عام 2018

يُمثل أداء إنجلترا في كأس العالم 2018 نقطة انطلاق جيدة، فاق أداء منتخب الأسود الثلاثة في روسيا التوقعات بكثير، حيث تأهل إلى نصف نهائي البطولة مسجلاً 12 هدفًا، وكان سرّ نجاحهما في تحقيق هذين الإنجازين سحر الكرات الثابتة المُصمّم بعناية.

في الواقع، رسّخ منتخب إنجلترا سمعته كأحد الفرق المتخصصة في الكرات الثابتة في روسيا، حيث جاءت 75% من أهدافه (تسعة من أصل 12) من ركلات ركنية وركلات حرة وركلات جزاء، ليحطم بذلك الرقم القياسي الذي سجلته البرتغال عام 1966 لأكبر عدد من الأهداف من الكرات الثابتة في كأس العالم.

أصبحت الركنيات أداةً فعّالة للغاية، حيث اعتمد مهاجمو إنجلترا تشكيلًا غريباً أُطلق عليه سريعاً اسم “قطار الحب”، كشف المدرب جاريث ساوثجيت لاحقًا أن هذا التشكيل مستوحى من دوري كرة القدم الأمريكية، وأن الفريق عمل مع مدربي فريق أتلانتا فالكونز في التحضير للبطولة.

وقال لشبكة سكاي سبورتس خلال مباراة السوبر بول الثالثة والخمسين: “نبحث دائمًا عن مواقف الكرات الثابتة، التفاصيل التي يعنى بها المدربون في هذه الأمور مذهلة”.

كان “قطار الحب” لمنتخب إنجلترا بمثابة مجموعة من مستقبلي الكرة، كان هذا الأسلوب يعتمد على ثلاثة أو أربعة لاعبين يقفون في خط واحد – أحيانًا عموديًا وأحيانًا أفقيًا – بدلًا من التباعد التام أو احتلال مناطق مختلفة.

مع وصول الكرة، كان اللاعبون ينطلقون في اتجاهات مختلفة، على أمل أن تُسبب هذه الحركة السريعة ارتباكًا بين الخصوم، وأن يمنع قربهم من بعضهم البعض المدافعين من التلاحم.

نجح هذا الأسلوب ببراعة، مكّنت الحركة الأفقية المهاجم هاري كين من التسجيل ضد تونس في دور المجموعات، بينما سمحت الحركة العمودية للمدافع هاري ماجواير بتسجيل هدف برأسه في مرمى السويد في أدوار خروج المغلوب.

أرسنال يفسح المجال لجابرييل

يمتلك المدفعجية باقة واسعة من أساليب تنفيذ الكرات الثابتة، من الركنيات والركلات الحرة إلى رميات التماس، لكن ثمة نمط واحد بات علامة مسجّلة للنادي.

تبدأ الفكرة بتجمع لاعبي أرسنال داخل منطقة الجزاء. ففي المثال أمام وست هام يونايتد، تمركز سبعة من لاعبي الفريق على بُعد ست ياردات على الأقل خلف القائم البعيد، دون أي لاعب في الوسط أو القائم القريب.

تشكيل أرسنال ضد توتنهام في الجولة 12 من الدوري الإنجليزي 2026
أرسنال (المصدر:Gettyimages)

وبمجرد وصول الكرة، يجد هؤلاء اللاعبون أنفسهم تقريبًا مجتمعين عند القائم القريب، ومع هذا التحرك الجماعي، يفقد مدافعو وست هام القدرة على تتبع مراقبيهم، بينما يعجز المدافعان المتمركزان بالقرب من القائم القريب عن رؤية ما يحدث خلفهما.

النتيجة تبدو مذهلة: ضربة رأسية سهلة تُمنح لأخطر لاعبي أرسنال في الألعاب الهوائية، جابرييل ماجالايش.

هذا المشهد ليس وليد الصدفة، فجابرييل يُعد أحد أبرز المتخصصين في مثل هذه المواقف؛ إذ يتصدر لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز في معدل الأهداف المتوقعة من الكرات الثابتة (7.39) منذ بداية موسم 2023-2024؛ لهذا، تُصمَّم معظم حلول أرسنال في الكرات الثابتة لتهيئة الفرصة له، إما بتحريره من الرقابة أو بوضعه في منطقة خطرة، وهو نهج يشبه، إلى حد كبير، فكرة فتح المسار للاعب محدد في هجمات دوري كرة القدم الأمريكية، عبر تضليل المدافعين وخلق لاعب “مفتوح”.

يعتمد جزء مهم من خطة منسّق الهجوم على تحركات مدروسة تمنح لاعبًا واحدًا مساحة كافية لاستقبال الكرة، بينما تعمل تحركات بقية اللاعبين على سحب المدافعين بعيدًا عنه.

وقد اعتمد أرسنال هذا الأسلوب بوضوح مع جابرييل، ورغم أن كل ذلك يحدث ضمن مساحة أكثر ضيقًا، فإن الفكرة التكتيكية واحدة، وقد برز كل من قلب الدفاع ويليام ساليبا، والجناح قصير القامة لياندرو تروسارد، بشكل لافت، كعناصر قادرة على إحداث الارتباك وحجب الرؤية عن المدافعين لفتح المساحة أمام زميلهما.

وبعد مباراة أرسنال أمام فولهام، والتي قاد فيها اندفاع جابرييل لتهيئة المساحة لتروسارد لتسجيل هدف الفوز 1-0، قال ماركو سيلفا، مدرب فولهام، لهيئة الإذاعة البريطانية: “جابرييل يقفز عاليًا جدًا، من المستحيل إيقافه؛ السيطرة عليه صعبة للغاية، حاولنا طوال المباراة الحد من انطلاقاته، ونجحنا في ذلك إلى حد كبير، لكننا في لقطة الهدف كنا مكشوفين وتركنا له المسار. لم نكن نريده أن يركض في تلك المنطقة. من الصعب جدًا التحكم في أي حركة سريعة عند القائم الخلفي”.

الركض خلف الحاجز أو الصد: أستون فيلا يهيمن داخل منطقة الجزاء

اشتكى باولو فونسيكا، مدرب ليل، بعد خسارة فريقه 2-1 أمام أستون فيلا في ربع نهائي دوري المؤتمرات الأوروبي 2024، قائلًا: “كان الهدف الأول نتيجة خطأ واضح، إنه صد، حجب.. أخطاء لا يمكن تجاهلها”.

وأشار فونسيكا إلى تفاصيل شبيهة بأساليب كرة السلة، لكن مفهومي الحجب والصد شائعان أيضًا في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين، ودوري كرة القدم الأمريكية، والآن ظهر تأثيرهما في كرة القدم، الهدف الذي أثار الجدل جاء بعد اشتباك مورجان روجرز مع لاعب ليل، حيث دفعه بعيدًا عن منطقة القائم أثناء ركلة ركنية، ما أتاح لزميله أولي واتكينز التحرك إلى المساحة الفارغة وتسجيل الهدف برأسه دون أي اعتراض.

هذا النمط أصبح شائعًا في ركلات أستون فيلا الركنية الهجومية، وهو مشابه لما يحدث في فرق أخرى أيضًا، السر يكمن في تنفيذ التحركات بحذر: كما في كرة القدم الأمريكية، لا يمكن الاستمرار بالصد أو الحجب لفترة طويلة حتى لا تتحول إلى عرقلة واضحة.

ولم يقتصر الأمر على الركنيات؛ فقد امتدت هذه التقنية إلى الركلات الحرة المباشرة، مثال بارز كان في الجولة الافتتاحية للدوري الإنجليزي الممتاز على ملعب ستامفورد بريدج، عندما اعتقد إيبيريتشي إيزي، لاعب كريستال بالاس حينها، أنه منح فريقه التقدم ضد تشيلسي بتسديدة قوية من مسافة 20 ياردة.

لكن الهدف أُلغي بسبب خطأ مارك جيهي، الذي وقف في الجدار الدفاعي ودفع مويسيس كايسيدو جانبًا، مما خلق فجوة مرت منها الكرة، ومن الإنصاف القول إن التسديدة لم تكن دقيقة تمامًا، لكنها سلطت الضوء على تأثير تلك التحركات على الحائط.

وعلى المستوى الدولي، شهد الدوري الأمريكي لكرة القدم “MLS” مثالًا أقوى، حين اصطدم روان كروز، لاعب ريال سولت ليك، بالجدار الدفاعي لفريق بورتلاند تيمبرز، محركًا ثلاثة لاعبين بعيدًا عن مسار الكرة وكأنه “كاسحة ثلج”، ما أتاح تسديد الكرة بسهولة فوق الحائط وتسجيل الهدف.

قطع الطرف الدفاعي: ميكيل مورينو يتحرر من الرقابة

يتعلم بعض لاعبي كرة القدم دروسًا من نظرائهم في دوري كرة القدم الأمريكية، كما كشف ميكيل ميرينو، لاعب خط وسط أرسنال، مؤخرًا.

“كنت محظوظًا قبل صيفين لأجري بعض التدريبات الإعلانية مع كام جوردان، لاعب الطرف الدفاعي من فريق نيو أورلينز ساينتس، تحدثنا كثيرًا عن نوع الحركات التي يقوم بها، وكيف يستخدم يديه، وكيف يستخدم جسده للتخلص من الخصم”.

ميكيل ميرينو

شاهد ميرينو في مواقف الركنيات الهجومية، وستلاحظ بوضوح أنه يدرس العديد من تقنيات دوري كرة القدم الأمريكية.

يبدو أن كام جوردان، لاعب ساينتس، علمه حركة The defensive end’s chop أو “قطع الطرف الدفاعي”، وهي حركة قطع للأسفل بذراعيك لقطع أي محاولة اشتباك قد يوجهها الخصم نحوك، تساعد هذه الحركة المهاجمين على تجنب وصول لاعبي خط الهجوم، كما تساعد لاعبي كرة القدم على الهروب من الرقابة في الركنيات.

كان ذلك جليًا في مباراة تشيلسي الموسم الماضي، حيث اخترق ميرينو ذراعي ريس جيمس لينطلق نحو القائم القريب، ثم سدد كرة رأسية قوية استقرت في الشباك.

لاحقًا في المباراة نفسها، استخدم حركة دورانية كان سيفخر بها الظهير الخلفي ساكون باركلي ليُفلت جيمس من قبضته وينطلق نحو الكرة بحرية.

معلومات عن مباراة أرسنال ضد باريس سان جيرمان
ميكيل ميرينو – أرسنال – المصدر: (Getty images)

ثم هذا الموسم، في مباراة الفوز 2-0 في كأس كاراباو على برايتون، واجه ميرينو مراقبه واستغل خطوة متعثرة لمستقبل واسع ليتجاوزه ويصل بسهولة إلى منطقة الست ياردات.

ميرينو ليس أول لاعب كرة قدم ينجح في التهرب من انتباه المدافع بمهارة في الكرات الثابتة، لكن تنوع ودقة تحركاته تشير إلى رجل يتابع شرائط دوري كرة القدم الأمريكية بشغف.

تحول جذري

كما هو الحال في دوري كرة القدم الأمريكية، تُعتبر كرة القدم رياضة مُقلدة، تُكرر التكتيكات الناجحة في جميع المجالات، وتنتشر طرق ذكية لاستغلال الكرات الثابتة كالنار في الهشيم في جميع أنحاء العالم، قال ميرينو لشبكة سي بي إس سبورتس: “من الناحية الذهنية، أعتقد أنه يمكنك تعلم الكثير [من دوري كرة القدم الأمريكية]، كل لعبة على حدى”.

يتزايد عدد الأندية التي تتبنى هذا النهج مع تزايد وضوح فوائده، فالأندية التي تستثمر المال والوقت – مثل أرسنال، وفيلا، وبرينتفورد، وغيرها – تحقق فوائد جمة، بينما تخاطر الأندية التي لا تستثمر بالتخلف عن الركب.

ولن يختفي هذا النهج قريبًا فهو فعال للغاية، تحتوي كتيبات لعب دوري كرة القدم الأمريكية على مئات المفاهيم وآلاف اللعبات المتعمقة، لذا هناك الكثير مما يمكن لمتخصصي الكرات الثابتة في كرة القدم استخلاصه منها في سعيهم الدائم للابتكار.

رميات التماس: برينتفورد وإعادة هندسة الكرة الأوروبية على الطريقة الأمريكية

لطالما اعتُبرت رمية التماس في كرة القدم لحظة هامشية، مجرد وسيلة لإعادة الكرة للملعب بعد خروجها، لكن التحولات التكتيكية في العقد الأخير قلبت هذه الرؤية رأسًا على عقب، الرميات لم تعد مجرد إعادة لعب، بل أصبحت منصة تكتيكية متكاملة، يمكن من خلالها خلق فرص أهداف مباشرة، وإعادة توزيع اللاعبين بطريقة منظمة، وفرض أسلوب اللعب على المنافس.

الأمر يشبه إلى حد كبير كرة القدم الأمريكية، حيث تبدأ كل هجمة بـ Snap، وتتحرك مجموعة من اللاعبين وفق مسارات محددة مسبقًا، بهدف خلق التفوق العددي والمساحات، هذا هو جوهر الثورة التي طرأت على رميات التماس في أوروبا: كل رمية باتت مخططًا دقيقًا، وكل لاعب يعرف دوره بدقة، تمامًا كما يحدث في الـNFL.

وبعد أن فقدت شعبيتها لسنوات، عادت رميات التماس الطويلة إلى صدارة المشهد التكتيكي في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم؛ فمنذ بداية الموسم الحالي، سُجّل 12 هدفًا بهذه الطريقة خلال 12 جولة فقط، أي ما يقارب نصف إجمالي الأهداف التي سُجّلت عبر الرميات الطويلة في الموسم الماضي بأكمله (20 هدفًا).

الرميات الطويلة، التي روج لها اللاعبان توني بوليس وروري ديلاب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اختبرت دفاعات البريميرليغ مجددًا هذا الموسم؛ هذا الموسم، بلغ متوسط عدد الرميات الطويلة في 12 جولة 455 رمية، أي ما يمثل 77% من إجمالي الموسم الماضي، بينما ارتفع متوسط طول الرمية من 16.5 متر قبل موسمين إلى 18.6 متر هذا الموسم.

السر وراء براعة برينتفورد في رميات التماس الطويلة يكمن في المدرب الإيرلندي كيث أندروز، خبير الكرات الثابتة الذي عمل لسنوات طويلة مع منتخب أيرلندا، شيفيلد يونايتد، وبرينتفورد نفسه؛ أندروز جعل من الرمية الطويلة خطة مدروسة بدقة، تمامًا كما في مفاهيم كرة القدم الأمريكية التي تعتمد على تنفيذ كل حركة وفق مسار محدد مسبقًا.

مانشستر يونايتد ضد برينتفورد
مانشستر يونايتد ضد برينتفورد (المصدر:Gettyimages)

نجح فريق برينتفورد في تحويل رمية التماس الطويلة إلى سلاح هجومي مؤثر، الفريق يعتمد على لاعبين متخصصين، وعلى رأسهم مايكل كايودي الظهير الماهر والمختص الأول في الرميات الطويلة، حيث يتولى تنفيذ الرميات الطويلة بدقة مذهلة جعلته الأفضل في كرة القدم الأوروبية حاليًا؛ هذه الدقة والتمركز المتقن جعلا كايودي العنصر الأساسي في منظومة أندروز، حتى أن برينتفورد استثمر 18 مليون يورو للتعاقد معه من فيورنتينا، على خلفية مهارته الاستثنائية في الركلات الثابتة والتمركز داخل منطقة الجزاء كذلك.

بعد انقضاء 12 جولة، لا أحد نفذ رميات تماس طويلة أكثر من كايودي، حيث نفّذ 45 رمية بمتوسط طول 33.2 مترًا لكل رمية، وهو أبعد معدل تم تسجيله على الإطلاق في الدوري الإنجليزي.

وبالإضافة إلى كايودي، يمتلك برينتفورد لاعبين آخرين ممتازين، مثل ماتياس يانسن الذي نفذ رمية مذهلة ضد نوتنغهام فورست بمسافة 55 مترًا، وأخرى أمام كريستال بالاس بمدى 43 مترًا، ما يؤكد جودة التنفيذ والتدريب الدقيق على هذه الركلات.

اللاعبالفريقعدد الرمياتمتوسط الطول (متر)
مايكل كايوديبرينتفورد5433.2
نوردي موكيليسندرلاند4628
كايل ووكربيرنلي2628.28
أنطوان سيمينيوبورنموث2626.1
أفضل منفذي رميات التماس في الدوري الإنجليزي 2025-2026 خلال أول 12 جولة

خلال الموسم الماضي، سجل برينتفورد 7 أهداف من رميات التماس الطويلة، بينما تصدر جدول معدل الأهداف المتوقعة (xG) لهذه الركلات لمدة خمس مواسم متتالية:

  • 2021-2022: معدل 4.65 – المركز الأول.
  • 2022-2023: معدل 4.19 – المركز الأول.
  • 2023-2024: معدل 2.72 – المركز الأول.
  • 2024-2025: معدل 8.75 – المركز الأول.
  • 2025-2026: معدل 1.16 – المركز الأول.

لا أحد سجل أهدافًا من رميات التماس الطويلة أكثر من برينتفورد هذا الموسم، حيث هز الشباك 3 مرات عبرها، مع أعلى معدل أهداف متوقعة، هذا التميز يعكس هيمنة أندروز على الإحصاءات الخاصة بهذا النوع من الركلات.

في المقابل، هناك فرق كبرى لا تعتمد على هذه الركلات، مثل ليفربول، مانشستر سيتي، برايتون، وتشيلسي، حيث لم يسجل أي لاعب منها أكثر من رميتين طويلتين؛ أما أرسنال، الذي يعتبر الأفضل في الركلات الثابتة، فلم يسجل أي هدف من رمية تماس طويلة حتى الآن، وهو ما يوضح أن التخصص والدقة مهمان للغاية في نجاح هذه الاستراتيجية.

حتى أن سندرلاند لجأت لحيلة ذكية أثناء استضافة أرسنال في الجولة 11 بوضع اللوحات الإعلانية قرب العشب لإعاقة تنفيذ رميات طويلة، كما فعلت في مايو الماضي خلال مباراة ملحق الصعود للبريميرليج أمام كوفنتري، ما يعكس احترام الفرق الأخرى لهذه التكتيك وفعاليته.

لسنوات، اعتبرت جماهير كرة القدم رميات التماس الطويلة مجرد حلول هجومية مؤقتة للفرق العاجزة عن بناء اللعب. وصفها المدرب الفرنسي أرسين فينغر بأنها “رجعية” وتقتل نسق اللعبة الحديثة، لكن الإحصاءات الحالية تُظهر تحولًا كبيرًا:

  • الموسم الماضي: متوسط الرميات الطويلة 1.52 رمية لكل 90 دقيقة.
  • الموسم الحالي: ارتفع الرقم إلى 5.5 رمية لكل 90 دقيقة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف، مع زيادة مستمرة جولة بعد أخرى.

برايتون يستنسخ أساليب NFL: سماعات الرأس في التدريبات

لطالما تميز نادي برايتون بسعيه للسبق في جميع جوانب اللعبة؛ سواء في الانتقالات، اختيار المدربين، أو تجربة الجماهير. والآن يسعى فريق “النوارس” إلى نقل بعض مفاهيم دوري كرة القدم الأمريكية إلى تدريباته، من خلال استخدام تقنية ذكاء اصطناعي وسماعات تواصل مباشرة، لتحسين طريقة تدريب اللاعبين.

اشترى برايتون برنامج “Coachwhisperer” أو همس المدرب، كلّف البرنامج النادي 35,000 جنيه إسترليني، وهو الذي يسمح للمدير الفني فابيان هورزيلر بإرسال تعليمات مباشرة للاعبين أثناء التدريب عبر سماعات مزودة بمكبر صوت داخل السترات الخاصة بهم، هذا النظام مستوحى من طريقة التواصل في NFL، حيث يزود المدربون اللاعبين الرئيسيين في الملعب بسماعات رأس أحادية الاتجاه، لتمرير التعليمات التكتيكية بسرعة ودقة، دون الحاجة للصراخ عبر الملعب.

في كرة القدم الأمريكية، يُسمح فقط للاعب هجومي واحد ولاعب دفاعي واحد بسماع تعليمات المدرب عبر سماعة رأس داخل خوذهم، مع التركيز على قائد الهجوم (لاعب الوسط) وقائد الدفاع (الوسط الدفاعي أو الظهير الداخلي).

هذه الطريقة تضمن تنفيذ التكتيكات بسرعة، وتقليل الأخطاء الناتجة عن سوء الفهم، وهي نفس الفكرة التي يحاول برايتون تطبيقها عبر تقنية “همس المدرب”، حيث يمكن للمدير الفني اختيار اللاعبين أو مجموعات معينة للتواصل معهم بشكل فردي، كما يسمح البرنامج للذكاء الاصطناعي بترجمة التعليمات لأي لغة، وكسر الحواجز اللغوية التي قد تقلل من كفاءة التدريب.

تضيف الشركة المطورة للبرنامج أن النظام يمكنه تسجيل جلسات التدريب وتحليل سلوك المدربين، لضمان تحقيق أقصى استفادة من كل تدريب. بعد ذلك، يُقسّم التسجيل إلى خمس فئات: التعليمات التنظيمية، التعليمات التكتيكية، التصحيح والنقد، التحفيز والتشجيع، والتعليمات الفنية.

يتيح هذا النظار للمدرب هورزيلر وفريقه مراجعة المقاطع الصوتية بشكل منفصل، والتأكد من أن الرسائل تصل إلى اللاعبين بالطريقة المقصودة.

بدأ برايتون الموسم ببعض الصعوبات، بتعادل 1-1 مع فولهام وخسارة 2-0 أمام إيفرتون، لكن التوقعات كانت كبيرة، والثقة كانت أكبر، خاصةً وأنه جاء من أحد أكثر الأندية التي تعتمد على التقنيات الحديثة والمتطورة في تحسين وتطوير اللاعبين بأفضل شكل ممكن.

والنتيجة كانت أن برايتون انتفض، ونجح في الفوز على تشيلسي ومانشستر سيتي ونيوكاسل والتعادل مع توتنهام، ويتواجد في المركز السادس بعد مرور أول 12 جولة.

لويس إنريكي: متابعة المباراة من المدرجات ورصد الاتجاهات تكتيكيًا

لطالما اشتهر لويس إنريكي بأسلوبه التحليلي والدقيق في كرة القدم، سواء على مستوى الإدارة الفنية أو التفاعل مع اللاعبين، ومع قيادة باريس سان جيرمان، بدأ المدرب الإسباني بتطبيق طريقة غير تقليدية لمتابعة المباريات، مستوحاة من أساليب مدربي الرجبي (أحد أقرب الرياضات إلى كرة القدم الأمريكية)، تتمثل في متابعة الشوط الأول من المباريات من المدرجات قبل العودة إلى مقاعد البدلاء وخط التماس في الشوط الثاني.

لويس إنريكي (المصدر: Getty images)
لويس إنريكي (المصدر: Getty images)

يعتمد إنريكي على فكرة أن متابعة المباراة من الأعلى تمنحه رؤية شاملة للملعب، يمكنه من خلالها تقييم تحركات جميع اللاعبين، تنظيم الدفاع والهجوم، وفهم ديناميكيات الخصم، كما أوضح في تصريحات بعد فوز سان جيرمان على أتالانتا في افتتاح مشوار البي إس جي في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم.

“من الأعلى أحصل على الكثير من المعلومات التي أستطيع استخدامها خلال استراحة الشوط. الحصول على هذه المعلومات أمر مهم بالنسبة لي”.

“اللاعبون معتادون على هذا الأسلوب، ومساعدي رافيل (بول) سيكون على خط التماس لنقل التعليمات للاعبين بناءً على ما رأيته من المدرجات”.

– لويس إنريكي.

رؤية المباراة من المدرجات تسمح للمدرب بتحليل أداء الفريق والخصم بشكل أكثر دقة، دون الانشغال بتفاصيل التفاعل اللحظي مع اللاعبين، كما يمكنه تجهيز توجيهات محددة وفعالة للشوط الثاني بناءً على ملاحظاته المباشرة.

أظهر إنريكي هذا الأسلوب لأول مرة في مباراة لانس بالدوري الفرنسي، حيث تابع الشوط الأول من مقصورة الصحافة قبل العودة لخط التماس في الشوط الثاني، وهو ما ساعده على توجيه اللاعبين بشكل أكثر فعالية، كما أشار إلى أن اللاعبين أصبحوا معتادين على هذا الأسلوب، ويثق مساعدوه في نقل التعليمات بدقة بناءً على ما رصده من المدرجات.

وكرر إنريكي هذا الأمر في الدوري الفرنسي ودوري الأبطال كثيرًا، آخرها أمام توتنهام في الجولة الخامسة بالمسابقة الأوروبية، وأفادت تقارير فرنسية أن نادي باريس سان جيرمان يخطط لإنشاء منطقة مخصصة في المدرجات لمدربه لويس إنريكي، تتيح له متابعة المباريات من أعلى الملعب، حيث يسعى النادي الفرنسي إلى تمكين إنريكي من إدارة المباريات بمنظور مختلف، عبر هذه المنطقة الخاصة داخل مدرجات بارك دي برانس.

كرة القدم الأمريكية وإعادة تشكيل التكتيك الأوروبي

يتضح من تحليل تطور التكتيكات في الدوري الإنجليزي الممتاز أن كرة القدم الأوروبية بدأت تتأثر بشكل ملموس بمبادئ كرة القدم الأمريكية (NFL)، خصوصًا في كيفية تحويل كل لحظة على أرض الملعب إلى فرصة منظمة ومدروسة، بل والتطور مستمر، فلم نشهد سوى البداية فقط، ولا يزال الطريق طويلًا.

في النهاية، يمكن القول إن التأثير الأمريكي على الكرة الأوروبية لا يقتصر على مجرد تقنيات محددة، بل يشمل نظرة جديدة للعبة ككل، تجعل كل كرة ثابتة، كل رمية تماس، وكل تحرك للاعبين جزءًا من خطة شاملة، ما يعيد تعريف الدور التكتيكي للفرق ويجعل كرة القدم أكثر تنظيمًا، وأكثر تشويقًا من منظور استراتيجي.

محمود الشوادفي

صحفي مصري، أكتب في 365Scores عن كرة القدم كما تُرى من داخل التفاصيل، بدأت رحلتي الصحفية عام 2019، وأؤمن أن وراء كل رقم حكاية، ووراء كل مباراة فكرة تستحق أن تُروى بأسلوب مختلف.