فينيسيوس جونيور.. من نجم صعب إيقافه إلى لغز محيّر: ماذا حدث منذ منتصف أبريل؟
في بداية موسم 2024-2025، بدا أن فينيسيوس جونيور يقف على أعتاب تقديم موسم مميز، كلاعب يهيمن على الجبهة اليسرى لفريق ريال مدريد الإسباني بلا منازع. كانت التوقعات في أعلى مستوياتها، خصوصًا مع قدوم كيليان مبابي إلى الفريق، وتحول بيلينجهام إلى ظاهرة تهديفية، ووجود رودريجو كعنصر هجومي مميز على الطرف الأيمن. هذا الثلاثي، ومعهم فينيسيوس، كانوا يستطيعون أن يشكلوا أخطر خط هجوم في أوروبا. وفي الواقع، لم يخيب فينيسيوس الآمال في البداية.
دخل الموسم وهو في نضج كروي كبير، لاعب يعرف متى يهاجم، وكيف يخترق، ومتى يتحول إلى صانع لعب ذكي. أرقامه حتى منتصف أبريل كانت مبهرة: أهداف، تمريرات حاسمة، تسديدات، اختراقات، ومساهمات خطيرة. بدا فينيسيوس وكأنه أصبح أحد أكثر اللاعبين تأثيرًا في العالم، لاعب يمكن أن يُغير مسار مباراة بلمسة أو انطلاقة واحدة.
لكن مع مرور الوقت، وتحديدًا بعد 17 أبريل، بدأ المنحنى في الهبوط بشكل مفاجئ. فجأة، توقف فينيسيوس عن التسجيل تمامًا. لم ينجح في هز الشباك في آخر 8 مباريات، رغم أنه خاض 631 دقيقة خلالها، ولعب جميعها أساسيًا باستثناء مباراة واحدة. التراجع لم يقتصر على الأهداف فقط، بل شمل كل شيء تقريبًا: معدل التسديد، والأهداف المتوقعة، وعدد التمريرات الحاسمة المتوقعة، وحتى صناعة الفرص.
وباتت التساؤلات المنطقية: هل يعاني من إرهاق بدني؟ هل تأثر نفسيًا بوصول مبابي الذي استحوذ على جزء من الأضواء؟ هل أصيب بالملل بسبب كثرة المباريات؟ أم أن الضغط الإعلامي والجماهيري بدأ يُلقي بظلاله على هدوء اللاعب وثقته؟

فينيسيوس، الذي كان يُجبر المدافعين على التراجع والتفكير مرتين قبل مواجهته، أصبح يُستقبل الآن من الخصوم بارتياح نسبي. وجوده في الملعب لم يعد مرادفًا للخطر كما كان في الأشهر الأولى من الموسم. بالتأكيد، لا يزال الشك في موهبته بعيدًا، لكن الإشارات الحالية تُحذر من أن هناك مشكلة تحتاج إلى تحليل دقيق وحلول سريعة.
هذا التقرير يستعرض بدقة رحلة الصعود والهبوط، من خلال المقارنة بالأرقام بين مرحلتين متناقضتين: فترة التألق من بداية الموسم حتى 16 أبريل، وفترة التراجع منذ 17 أبريل حتى 25 يونيو.
التحول الرقمي: الأرقام لا تكذب
| الإحصائية | فترة التألق (بداية الموسم – 16 أبريل) | فترة التراجع (بعد 16 أبريل) | نسبة التغير |
| عدد المباريات | 38 | 8 | – |
| دقائق اللعب | 3144 دقيقة | 631 دقيقة | – |
| معدل الأهداف / 90 دقيقة | 0.51 | 0.00 | هبوط بنسبة 100% |
| معدل التمريرات الحاسمة / 90 دقيقة | 0.37 | 0.29 | هبوط بنسبة 22% |
| معدل المساهمات التهديفية / 90 دقيقة | 0.88 | 0.29 | هبوط بنسبة 67% |
| معدل أهداف متوقعة / 90 دقيقة | 0.49 | 0.17 | هبوط بنسبة 65% |
| معدل صناعة أهداف متوقعة / 90 دقيقة | 0.34 | 0.25 | هبوط بنسبة 26% |
| معدل التسديدات / 90 دقيقة | 3.84 | 2.28 | هبوط بنسبة 41% |
| معدل التسديدات على المرمى / 90 دقيقة | 1.63 | 0.71 | هبوط بنسبة 56% |
| معدل فرص تؤدي لتسديدة / 90 دقيقة | 5.15 | 3.71 | هبوط بنسبة 28% |
| معدل فرص تؤدي لهدف / 90 دقيقة | 0.69 | 0.29 | هبوط بنسبة 58% |
انهيار تام في الحسم التهديفي
الأكثر لفتًا للانتباه في منحنى تراجع فينيسيوس جونيور هو غيابه التام عن التهديف، رغم أنه كان، حتى منتصف أبريل، أحد أكثر اللاعبين حسماً في أوروبا. فقد كان يسجل هدفًا كل مباراتين تقريبًا بمعدل تهديفي بلغ 0.51 هدفًا لكل 90 دقيقة، لكن بعد هذا التاريخ، وعلى مدار 8 مباريات كاملة، توقفت ماكينة الأهداف.
هذا التوقف لا يمكن وصفه بأنه “عادي” في مسيرة لاعب بحجمه، بل هو سابقة مقلقة، خصوصًا للاعب اشتهر بانقضاضه الحاد على المرمى، وسرعته في استغلال أنصاف الفرص.
الأخطر من ذلك أن التراجع لم يكن فقط في الأرقام الفعلية، بل في المؤشرات المتوقعة أيضًا. فقد هبط معدل الأهداف المتوقعة من 0.49 إلى 0.17 لكل 90 دقيقة، ما يعني أن فينيسيوس لم يعد يحصل على نفس نوعية أو عدد الفرص. إما أنه لا يتمركز جيدًا، أو أنه أصبح يُراقب بشكل أذكى من قبل المدافعين، أو أن منظومة ريال مدريد لم تعد توظّفه بنفس الكفاءة في الثلث الأخير.

وفي كل الأحوال، فإن هذا التراجع الحاد لا يعكس فقط غياب الأهداف، بل تراجع تأثيره العام كنقطة ارتكاز هجومية. لم يعد يُشكّل ذعرًا مستمرًا لحراس المرمى، بل تحوّل في بعض المباريات إلى عنصر يمكن احتواؤه.
الإبداع يتراجع.. لكن لم يختف
ورغم أن بريق فينيسيوس الهجومي خفت بعد منتصف أبريل، إلا أن صناعة اللعب لم تختفِ تمامًا من خريطته. صحيح أن أرقامه تراجعت، لكن بنسب أقل حدة مما شهده جانب التهديف. فقد انخفض معدل تمريراته الحاسمة بنسبة 22% فقط، من 0.37 إلى 0.29 لكل 90 دقيقة، بينما تراجعت صناعته للفرص المؤدية لتسديدات بنسبة 28%، من 5.15 إلى 3.71 لكل 90 دقيقة.
هذا يُظهر أن اللاعب لا يزال يحتفظ بجزء كبير من رؤيته الميدانية ومهاراته الفردية في خلق الفرص، وهو ما يُعزز الانطباع بأن الأزمة الحالية ليست فقدانًا كاملاً في المستوى، بل تراجع في الحسم والفعالية أمام المرمى.
قد تكون المشكلة من جانبه في التردد أو ضعف الثقة بعد سلسلة المباريات السلبية، وقد تكون من زملائه الذين لم يُترجموا تمريراته إلى أهداف بالشكل الكافي.
بمعنى آخر، فينيسيوس لا يزال قادرًا على إزعاج الدفاعات وإمداد زملائه بالفرص، لكنه فقد شيئًا من الحدة النهائية التي كان يتميز بها، وهي التي كانت تُحوّل مجهوده الفردي إلى لحظة حاسمة في المباراة.

التسديدات في أزمة
من أبرز المؤشرات التي تُجسد تراجع فينيسيوس جونيور في الفترة الأخيرة هو الانخفاض الحاد في معدل التسديدات، فخلال فترة تألقه من بداية الموسم حتى منتصف أبريل، كان يسدد بمعدل يقارب 3.84 تسديدة في المباراة الواحدة، وهو رقم يعكس لاعبًا نشطًا، يجرب، ويبحث عن المرمى، ولا يخشى المغامرة. لكن هذا المعدل تراجع بشكل واضح إلى 2.28 تسديدة فقط لكل 90 دقيقة بعد 17 أبريل، بانخفاض بلغت نسبته 41%.
هذا التراجع لا يعني فقط أن فينيسيوس يسدد أقل، بل يعكس خللاً في قراراته الفردية. فقلة التسديد قد تكون نتيجة قلة الثقة، أو تأخر في اتخاذ القرار، أو حتى تمركز غير مثالي في مناطق الخطورة. الأكثر دلالة هو أن عدد تسديداته على المرمى أيضًا انخفض بنسبة 56%، من 1.63 إلى 0.71 تسديدة على المرمى لكل 90 دقيقة، وهو ما يشير إلى أن حتى محاولاته القليلة لم تعد دقيقة أو مؤثرة.
هذه الأرقام تضع علامات استفهام حقيقية: هل فقد اللاعب حسّه الهجومي مؤقتًا؟ هل أصبح يميل للمبالغة في المراوغة بدلًا من التصويب؟ أم أن التغييرات التكتيكية وسحب جزء من المساحات لحساب لاعبين آخرين أثّرت على جرأته الهجومية؟ النتيجة واحدة: خطورته تقل، وثقة الدفاعات أمامه تزداد.
انخفاض في الإبداع الهجومي: تراجع ملحوظ في عدد الفرص التي تنتهي بتسديدة
من أبرز المؤشرات التي تُستخدم لقياس التأثير الهجومي لأي لاعب هي ما يُعرف بـ”الفرص التي تؤدي إلى تسديدة”. هذه الإحصائية لا تقتصر فقط على التمريرات الحاسمة، بل تشمل كل تحرك ساهم في خلق فرصة تهديف، سواء كانت تمريرة مفتاحية، أو مراوغة ناجحة، أو حتى فوز في صراع ثنائي مهّد لتسديدة.
عند النظر إلى أرقام فينيسيوس جونيور، نجد أن هذا الجانب تراجع بشكل واضح، ففي فترة تألقه، كان يصنع 5.15 فرصة تؤدي إلى تسديدة في كل 90 دقيقة، وهو رقم يعكس حضورًا هجوميًا طاغيًا. بعد 17 أبريل، انخفض هذا الرقم إلى 3.71 فرصة فقط لكل 90 دقيقة، ما يعني أن فينيسيوس بات يُشارك في فرص أقل تهديدًا بشكل مباشر.

هذا التراجع يشير إلى أنه لم يعد ينجح بنفس الكثافة في الوصول إلى المناطق المؤثرة أو خلق المساحات كما كان من قبل. سواء كان ذلك بسبب تغيّر أدواره التكتيكية، أو استجابة الفرق المنافسة بشكل أفضل لتحركاته، أو حتى تراجع طاقته الذهنية والبدنية، فالنتيجة واحدة: تأثيره على مجريات اللعب لم يعد كما كان.
الإحصائيات الكاملة لفينيسيوس جونيور في موسم 2024-2025
فيما يلي إجمالي إحصائيات فينيسيوس جونيور من بداية الموسم حتى 16 أبريل ومن 17 أبريل حتى نهاية الموسم:
| الإحصائية | الإجمالي في فترة التألق (بداية الموسم – 16 أبريل) | الإجمالي في فترة التراجع (بعد 16 أبريل) |
| عدد المباريات التي شارك بها | 38 مباراة | 8 مباريات |
| إجمالي دقائق اللعب | 3,144 دقيقة | 631 دقيقة |
| إجمالي الأهداف المسجلة | 18 هدفًا | 0 أهداف |
| إجمالي التمريرات الحاسمة | 13 تمريرة | 2 تمريرة |
| مجموع الأهداف المتوقعة | 17.2 | 1.2 |
| مجموع التمريرات الحاسمة المتوقعة | 11.9 | 1.8 |
| إجمالي التسديدات | 134 تسديدة | 16 تسديدة |
| إجمالي التسديدات على المرمى | 57 تسديدة | 5 تسديدات |
| إجمالي صناعة فرص تؤدي لتسديدة | 180 فرصة | 26 فرصة |
| إجمالي صناعة فرص تؤدي لهدف | 24 فرصة | 2 فرصة |
أسباب ممكنة وراء التراجع
1- الإرهاق البدني والذهني: الموسم الطويل والمتنوع ما بين البطولات المحلية والأوروبية ربما بدأ في استنزاف فينيسيوس، خصوصًا وأنه أصبح أحد أكثر اللاعبين اعتمادًا عليهم في الخط الأمامي.
2- الرقابة الفردية والتكتيك الدفاعي: بعد سلسلة من الأداء العالي، أصبح من الطبيعي أن تضع الفرق المنافسة خططًا مخصصة لإيقافه. ولعل الرقابة اللصيقة وتضييق المساحات أصبحت جزءًا من أدائه في الملعب.
الختام: هل هي مرحلة عابرة أم بداية انطفاء؟
في كرة القدم، كل نجم يمر بفترة فراغ. لكن حجم الانحدار في أرقام فينيسيوس خلال الأسابيع الأخيرة أكثر من مجرد صدفة مؤقتة. إنه تراجع شامل في التهديد الهجومي، وفي الفاعلية.
هل يعود سريعًا مع بداية الموسم الجديد؟ أم أن التراجع امتداد لضغط نفسي وبدني مستمر، قد يحتاج إلى إعادة ضبط كاملة للمنظومة من حوله؟
الأسابيع المقبلة ستكشف الحقيقة. لكن حتى ذلك الحين، فإن فينيسيوس الذي كان يملأ الشاشات بأهدافه ومراوغاته، اختفى فجأة، وترك علامة استفهام لا تزال بلا إجابة.