الدوري الإسبانيالدوري الإنجليزي365TOPأخبار

فضائح الربع قرن.. عندما تهاوت قلاع الكرة الأوروبية تحت مقصلة النتائج التاريخية

في عالم كرة القدم، تُبنى الأمجاد عبر عقود من الانتصارات، وتُشيد الأندية الكبرى قلاعًا من الهيبة تُرعب بها خصومها بمجرد ذكر اسمها، لكن التاريخ يعلمنا أن أعتى القلاع قد تنهار في تسعين دقيقة فقط.

لا نتحدث عن مجرد خسارة ثلاث نقاط أو خروج من بطولة، بل تلك اللحظات النادرة والصادمة التي فقد فيها الكبار كبرياءهم، وتحولت فيها الملاعب من مسارح للإبداع إلى ساحات لمذابح تكتيكية ونتائج “فلكية” لم يتوقعها أشد المتفائلين ولا أكثر المتشائمين.

من “ليلة لشبونة” التي أذلت برشلونة، إلى “سباعية الأنفيلد” التي هزت أركان مانشستر، نستعرض السجل الكامل لفضائح القرن الحادي والعشرين، لنفهم كيف يمكن لصافرة النهاية أن تعلن أحيانًا عن نهاية حقبة كاملة.

إعصار الروسونيري يجتاح ديربي الغضب.. (ميلان 6-0 إنتر)

في الحادي عشر من مايو عام 2001، شهد ملعب “سان سيرو” فصلًا أسود في تاريخ نادي إنتر ميلان، حين تعرض لهزيمة نكراء بنتيجة (6-0) أمام جاره اللدود إيه سي ميلان، في مباراة دخلت تاريخ الدوري الإيطالي كأكبر انتصار في “ديربي الغضب”.

لم تكن هذه النتيجة مجرد فوز في مباراة محلية، بل كانت “إهانة كروية” متكاملة الأركان حطمت كبرياء “النيراتزوري” وجماهيره، وكشفت عن فوارق فنية وروحية شاسعة بين الفريقين في تلك الليلة التي تحولت فيها شوارع ميلانو إلى ساحة احتفال حمراء بالكامل.

بدأت ملامح الكارثة تتبلور منذ الدقائق الأولى، حيث لم يمنح ميلان جاره أي فرصة لتنظيم صفوفه؛ في الدقيقة الثالثة فقط، افتتح جياني كومانديني التسجيل، ولم تمر سوى ست عشرة دقيقة حتى ضاعف اللاعب نفسه النتيجة برأسية متقنة وسط غياب تام للرقابة الدفاعية.

هذا البدء الصاعق أصاب لاعبي الإنتر بحالة من “الذهول”، حيث فشلت أسماء بحجم خافيير زانيتي ولوران بلان في احتواء التحركات الذكية لأطراف ميلان، لينتهي الشوط الأول بتقدم الروسونيري بهدفين، مع مؤشرات قوية على أن الأسوأ لم يأتِ بعد للإنتر.

في الشوط الثاني، تحول اللقاء إلى “مذبحة كروية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حيث استباح ميلان مناطق الإنتر بضراوة هجومية غير مسبوقة، سجل لويجي فيدي هدفه الثالث من ركلة حرة خدعت الجميع في الدقيقة 53، قبل أن يبدأ الأوكراني أندريه شيفتشينكو استعراضه الخاص بتسجيل الهدفين الرابع والخامس في غضون عشر دقائق، وسط حالة من الاستسلام المذل للاعبي الإنتر.

المشهد الختامي للمأساة جسده البرازيلي سيرجينيو، الذي انطلق في ركضة ماراثونية من منتصف الملعب ليراوغ الدفاع والحارس ويضع الهدف السادس، في لقطة لخصت الانهيار البدني والنفسي لإنتر ميلان الذي وقف لاعبوه يتفرجون على الكرة وهي تعانق شباكهم للمرة السادسة.

اختتمت المباراة بصافرة أعلنت عن النتيجة الأكبر في تاريخ مواجهات الفريقين الرسمية، وهي النتيجة التي تسببت في زلزال جماهيري داخل الإنتر، حيث حاول بعض المشجعين اقتحام الملعب تعبيرًا عن غضبهم من الإهانة التي تعرض لها ناديهم.

عندما شهد البيرنابيو على سقوط تاريخي.. (ريال مدريد 2-6 برشلونة، 2009)

في الثاني من مايو عام 2009، استضاف معقل ريال مدريد واحدة من أكثر المواجهات إثارة للذهول في تاريخ كرة القدم الحديثة، حيث شهد ملعب “سانتياجو برنابيو” سقوطًا مدويًا للملكي بنتيجة (2-6) أمام غريمه التقليدي برشلونة.

لم تكن هذه المباراة مجرد لقاء لحسم لقب “الليجا”، بل كانت إعلانًا رسميًا عن تحول جذري في موازين القوى الكروية؛ حيث نجح “بيب جوارديولا” في تحويل قلعة مدريد الحصينة إلى مسرح لاستعراض فني كشف عن فوارق تكتيكية شاسعة، وأنهى عمليًا طموحات الريال في المنافسة، فاتحًا الباب أمام أول “ثلاثية” تاريخية للنادي الكتالوني.

بدأت المباراة بإثارة مبكرة حين تقدم ريال مدريد عبر جونزالو هيجواين في الدقيقة 14، وهي اللحظة التي أشعلت حماس الجماهير المدريدية، لكن الرد الكتالوني كان صاعقًا ولم يتأخر سوى أربع دقائق.

في الدقيقة 18، استغل تييري هنري تمريرة عبقرية من ميسي ليعيد المباراة لنقطة الصفر، قبل أن يضيف القائد كارليس بويول الهدف الثاني برأسية متقنة في الدقيقة 20، هذا التحول السريع كشف عن نجاح مقامرة جوارديولا التكتيكية بوضع ميسي في مركز “المهاجم الوهمي” لأول مرة، وهو المركز الذي شتت انتباه مدافعي مدريد وجعلهم في حالة عجز تام عن الرقابة، لينتهي الشوط الأول بتقدم برشلونة (3-1) بعد هدف ثالث لميسي.

في الشوط الثاني، ومع محاولة سيرجيو راموس تقليص الفارق في الدقيقة 56، اندفع ريال مدريد للهجوم بكل خطوطه، وهو ما استغله برشلونة لشن هجمات مرتدة “قاتلة” ضربت العمق المدريدي في مقتل.

عاد هنري ليسجل الرابع، ثم أضاف ميسي الخامس ببرود أعصاب يُحسد عليه، وسط حالة من الذهول والانهيار المعنوي للاعبي وجماهير مدريد، المشهد الختامي للمأساة جسده المدافع جيرارد بيكيه، الذي تقدم لمنطقة الجزاء وسجل الهدف السادس في الدقيقة 82، محتفلًا بطريقة استفزازية أمام مدرجات البرنابيو، ليؤكد أن برشلونة لم يكتفِ بالفوز، بل جاء لترك بصمة “إذلال” لن يمحوها الزمن.

اختتمت المباراة بصافرة أعلنت عن أثقل هزيمة يتلقاها ريال مدريد على ملعبه في الكلاسيكو منذ عقود، وهي النتيجة التي تسببت في زلزال داخل أروقة النادي الملكي أدى لاحقًا لثورة تعاقدات “الجالاكتيكوس” الجديدة.

فنيًا، مثلت هذه السداسية “شهادة ميلاد” لأسلوب الاستحواذ المطلق الذي غيّر مفاهيم كرة القدم، وأثبتت أن التخطيط التكتيكي العبقري قادر على تحطيم أكبر القلاع الكروية في عقر دارها، لقد ظلت نتيجة (6-2) ندبة في تاريخ مدريد ووسامًا في تاريخ برشلونة، بوصفها الليلة التي روّض فيها ميسي ورفاقه “البرنابيو” وجعلوا من المستحيل حقيقة ملموسة.

محرقة “أولد ترافورد”: عندما سُحقت ترسانة فينجر (مانشستر يونايتد 8-2 آرسنال، 2011)

في الثامن والعشرين من أغسطس 2011، لم تكن سماء مانشستر ملبدة بالغيوم فحسب، بل كانت تنذر بعاصفة ستقتلع جذور هيبة آرسنال من ملاعب “البريميرليج”، دخل “المدفعجية” مسرح الأحلام بصفوف مهلهلة، يغيب عنها القادة ويحضر فيها الشباب الذين وجدوا أنفسهم وجهًا لوجه أمام نسخة “انتقامية” من مانشستر يونايتد بقيادة السير أليكس فيرجسون، نسخة لم تكتفِ بهزيمة الخصم، بل قررت محوه تمامًا من خارطة الكبار.

بدأت ملامح الكارثة تلوح في الأفق منذ الدقيقة 22 حين افتتح داني ويلبيك التسجيل لليونايتد، ورغم حصول آرسنال على فرصة ذهبية للعودة عبر ركلة جزاء، إلا أن إهدار روبن فان بيرسي لها أمام براعة ديفيد دي خيا كان بمثابة “الشرارة” التي أطلقت الفيضان التهديفي لمانشستر.

ومع نهاية الشوط الأول، كان أشلي يون[ وواين روني قد وضعا بصمتيهما بقذائف بعيدة المدى استقرت في شباك الحارس فويتشيك تشيزني، ليدخل آرسنال غرف الملابس متأخرًا بنتيجة (3-1)، وسط مؤشرات واضحة على عجز المدافعين عن احتواء التحركات الذكية لمهاجمي اليونايتد.

في الشوط الثاني، تحولت المباراة إلى “عرض من طرف واحد” غابت فيه الندية تمامًا، حيث استباح لاعبو اليونايتد منطقة جزاء آرسنال وسط استسلام مهين من لاعبي الوسط والدفاع. واين روني، الذي نصب نفسه ملكًا لتلك الليلة، أكمل ثلاثيته التاريخية “هاتريك”، بينما تناوب ناني وبارك جي سونج على تعميق الجراح اللندنية، لتصل النتيجة إلى رقم “8” المذهل مع صافرة النهاية.

هذا الانهيار لم يكن فنيًا فحسب، بل تجسد في الانفلات العصبي الذي أدى لطرد المدافع الشاب كارل جينكينسون، ليقف أرسين فينغر وحيدًا على خط التماس في مشهد لخص نهاية حقبة “الآرسنال المنافس” وبداية حقبة من التخبط الفني التي استمرت لسنوات.

انتهت الموقعة مخلفة وراءها أرقامًا قياسية سلبية حطمت كبرياء “المدفعجية”، حيث كانت هذه الهزيمة هي الأثقل للنادي منذ عام 1896، مما أثار موجة غضب جماهيري عارمة أجبرت الإدارة على التحرك في سوق الانتقالات خلال الساعات الأخيرة لترميم الفريق بصفقات اضطرارية.

على الجانب الآخر، أكدت هذه الثمانية تفوق مانشستر يونايتد المطلق وقدرته على تدمير كبار المنافسين بأسلوب هجومي فتاك، لتظل هذه المباراة “نقطة سوداء” في تاريخ آرسنال، وشاهدًا على واحدة من أقسى ليالي “البريميرليج” التي شهدت تحول مواجهة قمة إلى “مجزر كروية” غير متكافئة.

عندما بدأت أسطورة “الجار المزعج”.. (مانشستر يونايتد 1-6 مانشستر سيتي، 2011)

في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 2011، شهدت مدينة مانشستر تحولًا تاريخيًا في خارطة القوى الكروية الإنجليزية، حين تلقى مانشستر يونايتد بقيادة السير أليكس فيرجسون أثقل هزيمة له على ملعبه منذ عام 1955، بسقوطه المدوي بنتيجة (1-6) أمام جاره اللدود مانشستر سيتي.

هذه المباراة لم تكن مجرد انتصار عريض لكتيبة روبرتو مانشيني، بل كانت بمثابة “إعلان رسمي” عن انتهاء حقبة الهيمنة المطلقة للشياطين الحمر، وبداية عهد جديد لـ “الجار المزعج” الذي استعرض قوته الغاشمة في قلب “مسرح الأحلام”، محولًا إياه إلى مسرح لكابوس لم ينسه عشاق اليونايتد حتى يومنا هذا.

بدأت المباراة بهدوء حذر، لكن ملامح الإثارة تجلت في الدقيقة 22 حين سجل ماريو بالوتيلي الهدف الأول، في لقطة أصبحت أيقونية عندما كشف عن قميصه الذي يحمل عبارة “?Why Always Me”، ردًا على انتقادات الإعلام؛ ومع انطلاق الشوط الثاني، تعرض مانشستر يونايتد لضربة قاصمة بطرد مدافعه جوني إيفانز، مما فتح ثغرات واسعة في دفاعات السير أليكس، استغلها السيتي ببراعة فائقة.

ضاعف بالوتيلي النتيجة في الدقيقة 60، وتبعه سيرجيو أجويرو بالهدف الثالث، وسط حالة من التخبط الفني غير المعتاد من لاعبي اليونايتد الذين فقدوا قدرتهم على تنظيم الخطوط تحت وطأة الضغط الأزرق المتواصل.

اللحظات الأخيرة من اللقاء كانت “القمة الدرامية” للفضيحة الكروية؛ فبعدما قلص دارين فليتشر الفارق في الدقيقة 81، اندفع مانشستر يونايتد للهجوم بـ “عناد” غير محسوب تكتيكيًا، وهو ما استغله السيتي لشن غارات مرتدة قاتلة في غضون ثلاث دقائق فقط من الوقت المحتسب بدلًا من الضائع.

سجل إدين جيكو (هدفين) وديفيد سيلفا ثلاثة أهداف متتالية في الدقائق 90 و91 و93، وسط ذهول السير أليكس فيرجسون الذي وقف عاجزًا على خط التماس، هذه الدقائق القاتلة عكست “سذاجة” دفاعية نادرة لليونايتد، وقسوة هجومية مفرطة من السيتي الذي لم يتوقف عن التسجيل حتى مع ضمان النتيجة.

اختتمت المباراة بصافرة أعلنت عن أكبر فوز لمانشستر سيتي في الديربي منذ عقود، وهي النتيجة التي مهدت له الطريق لاحقًا للفوز بلقب “البريميرليج” في ذلك الموسم التاريخي؛ لقد ظلت نتيجة (6-1) علامة فارقة في تاريخ الدوري الإنجليزي، حيث لم تكن مجرد خسارة لليونايتد، بل كانت اللحظة التي تكسر فيها كبرياء “أولد ترافورد” وأدرك الجميع أن مدينة مانشستر لم تعد تكتسي باللون الأحمر وحده.

جنازة “المينيراو”: حين بكت البرازيل دمًا (ألمانيا 7-1 البرازيل، 2014)

في الثامن من يوليو 2014، لم يكن ملعب “مينيراو” في بيلو هوريزونتي مجرد ساحة لنصف نهائي كأس العالم، بل تحول إلى مسرح لأكبر مأساة وطنية في تاريخ البرازيل الحديث؛ دخل منتخب “السيليساو” المباراة محمولًا على أكتاف أمة كاملة، مشحونًا بعاطفة جياشة لتعويض غياب أيقونته نيمار، لكن تلك العاطفة كانت هي ذاتها الثغرة التي نفذت منها “الماكينات” الألمانية لتهدم المعبد على رؤوس أصحابه.

بدأت المباراة بضغط برازيلي “عشوائي” لم يصمد أكثر من عشر دقائق، قبل أن يفتتح توماس مولر التسجيل، معلنًا عن بداية “مذبحة تكتيكية” لم يشهد المونديال لها مثيلًا؛ في ست دقائق إعصارية (من الدقيقة 23 إلى 29)، تجمد الزمن في البرازيل؛ حيث سجل الألمان أربعة أهداف متتالية وسط حالة من “الذهول الدفاعي” التام.

كان ديفيد لويز ورفاقه يركضون في كل اتجاه بلا هدف، بينما كان توني كروس وسامي خضيرة يخترقون العمق البرازيلي وكأنهم في حصة تدريبية مفتوحة، محولين الدفاع الأغلى في العالم إلى “حطام” يتفرج عليه الملايين.

تجاوز المشهد حدود كرة القدم ليصبح تراجيديا إنسانية؛ الكاميرات التي جابت المدرجات لم تنقل تشجيعًا، بل نقلت صور أطفال يغطون وجوههم بقمصان المنتخب، ورجال مسنين يبكون بحرقة وهم يشاهدون كبرياءهم الكروي يُسحق تحت أقدام الألمان ببرود قاتل.

ومع تسجيل الأهداف السادس والسابع في الشوط الثاني، تحول صمت الملعب إلى تصفيق “انكسار” من الجمهور البرازيلي لخصمهم، في اعتراف ضمني بضياع الهوية والسيادة على أرضهم.

حين أطلق الحكم صافرة النهاية، كانت النتيجة (7-1) قد وُقعت كشهادة وفاة لجيل كامل، لم تكن مجرد هزيمة عابرة، بل كانت “زلزالًا جيولوجيًا” هز أركان الكرة البرازيلية، وتركت جرحًا غائرًا عُرف بـ “المينيرازو” (Mineirazo)، ليكون تذكيرًا أبديًا بأن الدموع والنشيد الوطني الحماسي لا يصمدان طويلًا أمام جبروت المنطق، وقسوة التنظيم، وشراسة الماكينات التي لا ترحم.

أرحموا عزيز قوم ذل: الليلة التي أنهت مسيرة ميسي الكتالونية (بايرن ميونخ 8-2 برشلونة، 2020)

دخلت مباراة بايرن ميونخ وبرشلونة في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا لعام 2020 تاريخ كرة القدم من أوسع أبوابه، ليس فقط لكونها نتيجة عابرة في دور إقصائي، بل لكونها مثلت “زلزالًا” فنيًا أطاح بعرش النادي الكتالوني تحت وطأة الهيمنة الألمانية الكاسحة.

في ليلة لشبونة الصامتة بسبب تداعيات الجائحة، فرض النادي البافاري سيطرة مطلقة على مجريات اللعب منذ الدقيقة الأولى، معتمدًا على أسلوب “الضغط العكسي” الخانق الذي شلّ حركة وسط ملعب برشلونة تمامًا، وأجبر نجومًا بحجم ليونيل ميسي وسيرجيو بوسكيتس على الظهور بمظهر العاجز أمام المد البدني الهائل لكتيبة هانزي فليك.

لم تستغرق الماكينات الألمانية سوى أربع دقائق لافتتاح التسجيل عبر توماس مولر، ورغم أن نيراناً صديقة من ديفيد ألابا منحت برشلونة تعادلاً مؤقتاً في الدقيقة السابعة، إلا أن هذا الهدف لم يكن سوى مقدمة لانهيار دفاعي غير مسبوق في تاريخ “البلوجرانا”.

فبين الدقيقتين 21 و31، استقبلت شباك الحارس مارك أندريه تير شتيجن ثلاثة أهداف متتالية عبر بيريسيتش وجنابري ثم مولر مجددًا، وسط حالة من التيه الجماعي التي أصابت مدافعي برشلونة، والذين فشلوا في التعامل مع السرعات الفائقة والتحولات الهجومية الخاطفة للبايرن، لينتهي الشوط الأول بنتيجة (4-1) وضعت حدًا عمليًا لآمال الفريق الإسباني في العودة.

في الشوط الثاني، ومع محاولة لويس سواريز لتقليص الفارق بهدف في الدقيقة 57، انتظر الجميع رد فعل من برشلونة، لكن الرد جاء صاعقًا ومضاعفًا من الجانب البافاري الذي لم يتوقف عن الهجوم رغم تقدمه المريح.

المشهد الأكثر قسوة تجسد في دخول اللاعب المعار من برشلونة للبايرن، فيليب كوتينيو، الذي لم يكتفِ بصناعة الهدف الخامس لليفاندوفسكي، بل أجهز بنفسه على فريقه الأصلي بتسجيل الهدفين السابع والثامن في غضون دقائق معدودة.

هذه المفارقة السريالية لخصت حالة “الضياع الإداري والفني” التي وصل إليها برشلونة، حيث أصبح سلاحه المعار هو الجلاد الذي يكتب السطر الأخير في فضيحته التاريخية.

اختتمت المباراة بصافرة أعلنت عن أكبر هزيمة يتلقاها برشلونة في تاريخ مشاركاته الأوروبية، وهي النتيجة التي تسببت في زلزال إداري فوري أدى لإقالة المدرب كيكي سيتيين ورحيل السكرتير الفني إيريك أبيدال، وصولًا إلى أزمة ميسي الشهيرة مع الإدارة.

فنيًا، أثبتت المباراة أن عصر الهيمنة القائم على الاستحواذ السلبي قد انتهى أمام عصر القوة البدنية المفرطة والسرعة في نقل الكرة، لتظل نتيجة “8-2” بمثابة الصك الرسمي لنهاية الجيل الذهبي لبرشلونة، واللحظة التي استعرض فيها بايرن ميونخ قوته الغاشمة أمام العالم كأقوى منظومة كروية في القارة العجوز آنذاك.

عندما التهم فيلا بارك شبح الأبطال.. (أستون فيلا 7-2 ليفربول، 2020)

في ليلة من أكثر الليالي غرابة في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، وتحديداً في الرابع من أكتوبر عام 2020، تعرض نادي ليفربول (حامل اللقب آنذاك) لهزيمة كارثية بنتيجة (7-2) على يد أستون فيلا. لم تكن هذه النتيجة مجرد تعثر عابر للبطل، بل كانت “زلزالاً” فنياً هز أركان “البريميرليغ”؛ حيث شهد العالم انهيار المنظومة الدفاعية لكتيبة يورغن كلوب التي كانت تُصنف كأقوى دفاع في أوروبا، لتهتز شباك الريدز بسبعة أهداف في مباراة واحدة لأول مرة منذ عام 1963، وفي مواجهة فريق كان يصارع الهبوط في الموسم الذي سبقه.

بدأت ملامح الكارثة مبكراً في الدقيقة الرابعة، عندما ارتكب الحارس البديل أدريان خطأً فادحًا في التمرير، استغله جاك جريليش ليمرر كرة سجل منها أولي واتكينز الهدف الأول، هذا الهدف المبكر كشف عن “خلل ذهني” أصاب لاعبي ليفربول، وأظهر عجزًا غريبًا في التعامل مع استراتيجية أستون فيلا التي اعتمدت على ضرب “الدفاع المتقدم” (High Line) لليفربول بكرات طولية خلف المدافعين. ومع نهاية الشوط الأول، كان أولي واتكينز قد أكمل “هاتريك” تاريخي، وأضاف جون مكجين هدفًا رابعًا، لينتهي الشوط بنتيجة (4-1) وسط حالة من الذهول التام التي سيطرت على ملامح يورغن كلوب على خط التماس.

في الشوط الثاني، انتظر الجميع رد فعل من ليفربول لتقليص الفارق، لكن ما حدث كان استمرارًا لمسلسل “الانهيار التكتيكي”؛ حيث نجح أستون فيلا في تسجيل ثلاثة أهداف إضافية عبر روس باركلي وجاك جريليش (هدفين).

ما جعل المباراة أكثر سريالية هو أن ثلاثة من أهداف أستون فيلا جاءت من تسديدات “منحرفة” اصطدمت بمدافعي ليفربول وغيرت اتجاهها، مما أعطى انطباعًا بأن كل الظروف كانت تتآمر ضد البطل في تلك الليلة، ورغم تسجيل محمد صلاح لهدفين، إلا أنهما كانا مجرد “تجميل” لنتيجة وصفتها الصحافة الإنجليزية بـ “الفضيحة الفنية” التي عرت عيوب الدفاع المفتوح والمقامرة بترك مساحات شاسعة خلف قلبي الدفاع.

اختتمت المباراة بصافرة أعلنت عن واحدة من أكبر المفاجآت في تاريخ كرة القدم الحديثة. تسببت هذه النتيجة في أزمة ثقة داخل معسكر ليفربول وأدت لاحقًا لتغييرات في النهج الدفاعي للفريق، بينما ظلت سباعية “فيلا بارك” علامة مسجلة في تاريخ الدوري الإنجليزي، بوصفها الليلة التي أثبتت أن “البطل” يمكن أن يُذل ويُهزم بسباعية إذا ما فقد تركيزه الذهني وتخلى عن انضباطه التكتيكي أمام طموح “الفيلاينز”.

“سباعية أنفيلد” التي أحرقت تاريخ الشياطين (ليفربول 7-0 مانشستر يونايتد، 2023)

في ليلة غاب فيها المنطق واستيقظت فيها الشياطين على كابوس مروع، شهد ملعب “أنفيلد” تحولًأ دراماتيكيًا لمباراة بدأت بصراع متكافئ وانتهت بمذبحة كروية. لم يكن مانشستر يونايتد يدرك أن صموده في الشوط الأول لم يكن إلا “الهدوء الذي يسبق العاصفة”، وأن تسعين دقيقة كانت كافية لتمزيق تاريخه وإذلال كبريائه بسباعية نظيفة ستبقى ندبة غائرة في ذاكرة البريميرليغ.

بدأت المعركة بضغط أحمر معتاد وسط صخب جماهير الأنفيلد، لكن رجال إريك تن هاج أظهروا مخالبهم أولًا؛ حيث أطلق البرازيلي أنتوني تسديدة مقوسة كادت أن تغتال سكون المرمى لولا براعة مواطنه أليسون بيكر؛ رد ليفربول لم يتأخر، فكاد داروين نونيز أن يهز الشباك لولا تدخل انتحاري من الأرجنتيني ليساندرو مارتينيز في اللحظة الأخيرة.

بمرور الوقت، بدا أن يونايتد يسيطر على الإيقاع؛ أهدر برونو فيرنانديز رأسية ذهبية، وتبعه ماركوس راشفورد بتسديدة واهنة استقرت في أحضان أليسون، وفي اللحظة التي اعتقد فيها الجميع أن الشوط سيلفظ أنفاسه بالتعادل، خاصة بعد إلغاء هدف كاسيميرو بداعي التسلل، سدد كودي جاكبو طعنته الأولى؛ راوغ “فاران” ببراعة وسدد كرة سكنت الزاوية البعيدة لدي خيا، معلنًا عن تقدم ليفربول (1-0) ومنهيًا فصلًا من المباراة كان يبشر بالندية، لتبدأ فصول الفضيحة.

ما حدث بعد الاستراحة لم يكن كرة قدم، بل كان “انهيارًا عصيًا” لمنظومة مانشستر يونايتد، في غضون دقيقتين فقط، ارتقى داروين نونيز لعرضية إليوت ليضاعف الجراح برأسية قاتلة؛ وقبل أن يستفيق “الشياطين” من هول الصدمة، تلاعب محمد صلاح بدفاع يونايتد وأهدى تمريرة حريرية لجاكبو، الذي رفع الكرة ببرود أعصاب فوق دي خيا معلنًا الهدف الثالث، في تلك اللحظة، لم تنهر الشباك فحسب، بل انهار تنظيم يونايتد وروح لاعبيه تمامًا.

حاول تن هاج التدخل بدفع مكتوميناي وجارناتشو، لكن “الإعصار الأحمر” كان قد تجاوز مرحلة الاحتواء، في الدقيقة 66، انطلق صلاح بمرتدة خاطفة، واستغل ارتباكًا دفاعيًا ليسجل الهدف الرابع بكرة انفجرت في سقف المرمى، محطمًا كبرياء المدافعين؛ وبينما كان راشفورد يندب حظه بعدما رد القائم تسديدته، كان ليفربول يواصل “الدهس”؛ حيث عاد نونيز ليسجل الخامس برأسية متقنة من عرضية هندرسون.

أبى محمد صلاح أن تنتهي الحفلة دون أن يكتب اسمه بحروف ذهبية كالهداف التاريخي لليفربول في الدوري، فاستغل كرة تائهة داخل المنطقة ليسجل السادس؛ وفي الختام، تجسدت المأساة في هدف روبيرتو فيرمينو المتأخر، الذي سدد الكرة بين قدمي دي خيا لتستقر في الشباك معلنة النتيجة التاريخية (7-0).

أطلق الحكم صافرة النهاية على مشهد سريالي؛ جماهير ليفربول في حالة نشوة هستيرية، ولاعبو يونايتد يغادرون الملعب برؤوس مطأطأة تحت أنقاض هزيمة دمرت فارق أهدافهم وزلزلت ثقتهم بأنفسهم، لم تكن مجرد ثلاث نقاط ضاعت، بل كانت ليلة “المحو التام” التي أجبرت اليونايتد على العودة إلى دياره وهو يحمل وصمة عار لن تمحيها إلا معجزة في قادم المواعيد.

في الختام، تبقى هذه النتائج الكارثية بمثابة “ندوب” في ذاكرة المشجعين، لا يمحوها الزمن ولا تجملها البطولات اللاحقة، هذه السقطات المدوية لفرق مثل بايرن، وبرشلونة، وريال مدريد، والبرازيل، تثبت حقيقة واحدة: أن كرة القدم لا تعترف بالأسماء ولا بالماضي بمجرد أن يطلق الحكم صافرة البداية.

الانهيار الذهني، العناد التكتيكي، وغياب القائد داخل الملعب؛ كلها عوامل كفيلة بتحويل فريق من النخبة إلى ضحية في عرض كروي من طرف واحد؛ ربما تكون هذه النتائج “فضيحة” بمقاييس الأرقام، لكنها في جوهرها هي ما يجعل كرة القدم اللعبة الأكثر إثارة وجنونًا، فهي تذكرنا دائمًا بأن لا أحد فوق السقوط، وأن التاريخ يُكتب بالأهداف.. حتى لو كانت مؤلمة.

محمود الشوادفي

صحفي مصري، أكتب في 365Scores عن كرة القدم كما تُرى من داخل التفاصيل، بدأت رحلتي الصحفية عام 2019، وأؤمن أن وراء كل رقم حكاية، ووراء كل مباراة فكرة تستحق أن تُروى بأسلوب مختلف.