في ربيع عام 2010، تحوّل ديربي العاصمة الإيطالية إلى معركة من نوعٍ آخر، لا تُخاض بالركلات ولا بالأهداف، بل بالنية، لم يكن الصراع بين لاتسيو وروما هذه المرة من أجل فخر المدينة، بل من أجل من سيسقط الآخر في لحظة تاريخية لم يشهد الكالتشيو مثلها من قبل.
كانت الأسابيع الأخيرة من الموسم تشتعل، روما بقيادة كلاوديو رانييري يطارد إنتر ميلان على اللقب، وفارق النقاط بينهما ضئيل، بينما لاتسيو يقاتل في مؤخرة الجدول لتفادي الهبوط.
القدر كتب أن يلتقي الفريقان اللذان لا يجتمعان أبدًا على مصلحة واحدة، لكن تلك الليلة في الأولمبيكو قلبت كل المفاهيم.
الاستسلام المدروس.. كيف خسر لاتسيو عمدًا ليسقط روما؟
قبل المباراة، كانت كل الطرق تؤدي إلى دراما.. جماهير لاتسيو رفعت لافتات تقول: “ابتعدوا عن طريقهم”، لم تكن تقصد فريقها، بل منافسها الأبدي روما؛ الرسالة واضحة، الفوز على إنتر يعني مساعدة الجار اللدود على حصد الدوري، وهو أمرٌ لا يُغتفر في عُرف السماء الزرقاء للعاصمة.

في المدرجات، هتافات الجماهير كانت لحنًا من السخرية: “إذا فزتم، سنسحقكم!”، واللاعبون التقطوا الإشارة، لم يكن الأداء سيئًا فقط، بل بدا وكأنه استسلامٌ محسوب، عرض بلا روح ولا مقاومة، سوى من ماورو زاراتي الذي حاول وحده أن يغير شيئًا في مصيرٍ كُتب مسبقًا.
أما الحارس موسليرا، فقد كان يقاتل في عزلة كما وصفته الصحف الإيطالية لاحقًا بـ”الياباني الذي لم يدرك أن الحرب انتهت”، وفي الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول، جاء الهدف المنتظر، رأسية من والتر صامويل تهز شباك لاتسيو وتُشعل الفرح في المدرجات الزرقاء!
@nerazzuri_4 علي سعيد الكعبي ورأيه في جمهور لاتزيو بعد فرحهم بانتصار الانتر عليهم لكي لايحقق روما الدوري 🫣
♬ الصوت الأصلي – Nerazzuri
ليس لأن فريقهم يسجل أو ينافس، بل لأن الهدف يعني سقوط آمال روما في اللقب، المشهد بدا وكأن جمهور لاتسيو يحتفل بهزيمته، في سابقةٍ نادرة لم يعرفها الكالتشيو من قبل.
الليلة التي سقطت فيها الأخلاق بين جدران العاصمة الإيطالية
بعد المباراة، التي انتهت بفوز إنتر 2-0، انطلقت موجة من الغضب في العاصمة، روزيلا سينسي، رئيسة روما آنذاك، وصفت ما حدث بأنه “إهانة لكرة القدم الإيطالية”، فيما قال جيان باولو مونتالي، مدير النادي: “إنتر ليس المذنب، لكن الليلة لم يخسر لاتسيو فقط، بل خسرنا نحن جميعًا – كرة القدم ذاتها”.
في المقابل، لم تُبدِ جماهير لاتسيو أي ندم؛ بالنسبة لهم، إسقاط روما من سباق اللقب أهم من أي انتصار عابر، لقد اختاروا الهزيمة بإرادتهم، واكتفوا بالرضا عن دورٍ غريب في مسرح الكالتشيو، دورٌ كتبه التاريخ على أنه لحظة “العبث المقدس” في الدوري الإيطالي.

ومع أن إنتر واصل طريقه ليحصد لقبه الخامس على التوالي ويكمل ثلاثية تاريخية تحت قيادة جوزيه مورينيو، إلا أن ما حدث في تلك الليلة من مايو بقي أكثر من مجرد مباراة، لقد كان مرآة تعكس جنون العواطف في العاصمة، حيث لا يوجد رماديّ بين الأزرق والأحمر.
منذ ذلك اليوم، يُذكر اللقاء كأحد أكثر المشاهد غرابة في كرة القدم الإيطالية.. مباراة خسرها فريق عن عمدٍ لا ليهبط، بل ليمنع جاره من الصعود، لحظة أظهرت كيف يمكن للكرة أن تتحول من لعبة إلى حربٍ رمزية بين مدينتين تتقاسمان نفس الشوارع، لكن لا تشتركان في أي قلب.