على غير العادة.. كيف منح مارتينيز “قبلة الحياة” لليفربول وصلاح؟
كتب : منصور مجاهد
في كرة القدم، هناك لحظات لا تُنسى، لا لأنها صنعت فوزًا أو حسمت لقبًا، بل لأنها أعادت فريقًا من الموت إلى الحياة، هذا بالضبط ما حدث مساء السبت في “أنفيلد”، حين قرر الأرجنتيني إيميليانو مارتينيز – أحد أكثر الحراس صلابة وثباتًا في العالم – أن يرتكب ما لا يُرتكب عادة، ليمنح ليفربول ومحمد صلاح قبلة الحياة في موسمٍ كاد أن يُدفن قبل أن يبدأ.
فلم يكن فوز ليفربول على أستون فيلا مجرد انتصار بثلاث نقاط، بل بدا وكأنه مشهد مكتوب بعناية من دراما كرة القدم التي لا تعرف المنطق، حيث تحوّل الحارس الأرجنتيني العملاق إيميليانو مارتينيز من بطلٍ اعتاد إنقاذ الأحلام إلى رجلٍ منح خصومه قبلة الحياة في لحظة واحدة من الغفلة.
لم يكن أحد يتخيل أن الفريق الذي تجرّع مرارة أربع هزائم متتالية أمام برينتفورد ومانشستر يونايتد وتشيلسي وكريستال بالاس سيجد خلاصه في خطأ من أكثر حراس العالم صلابة، وأن محمد صلاح، الذي بدا باهتًا في الأسابيع الماضية، سيستعيد بريقه من تمريرة خاطئة تحوّلت إلى رمزٍ لبداية جديدة.

هدية لا يقدّمها مارتينيز.. ولكنها كانت كافية لإحياء الريدز
كانت الدقيقة الأولى من الوقت بدل الضائع للشوط الأول تمضي ببطء، والمباراة تسير نحو تعادلٍ سلبي قد يزيد من أوجاع ليفربول، الأنفيلد متوتر، والأنصار صامتون، واللاعبون يبدون فاقدي الثقة، ثم جاءت تلك اللحظة.. اللحظة التي لم يتوقعها أحد.
يمسك مارتينيز الكرة، يبحث عن تمريرة قصيرة تفتح اللعب من الخلف كعادته، لكن تمريرته كانت قصيرة أكثر مما ينبغي، وفي لمح البصر، انقضّ محمد صلاح على الكرة كالصقر، لم يتردد لحظة، لن يتعاطف مع الخطأ، ولم يترك للحارس فرصة تدارك الموقف.
GOAL!
🇪🇬👑@MoSalah capitalises on Martínez's mistake to open the scoring at Anfield!#beINPL #LIVAVL #LFC pic.twitter.com/I5WaUcc0hB— beIN SPORTS (@beINSPORTS_EN) November 1, 2025
لمسة واحدة بقدمه اليمنى كانت كفيلة بأن تُعيد الحياة إلى فريقٍ بأكمله، الكرة سكنت الشباك، والمدرجات اشتعلت، والأنفيلد انفجر بصوتٍ واحد “صلاح”، لتنتهي بذلك مسيرة 4 هزائم متتالية.
| الجولة | المباراة | النتيجة |
| الجولة السادسة | كريستال بالاس ضد ليفربول | خسارة 2-1 |
| الجولة السابعة | تشيلسي ضد ليفربول | خسارة 2-1 |
| الجولة الثامنة | ليفربول ضد مانشستر يونايتد | خسارة 1-2 |
| الجولة التاسعة | برينتفورد ضد ليفربول | خسارة 3-2 |
| الجولة العاشرة | ليفربول ضد أستون فيلا | فوز 2-0 |
من الهزائم الأربع إلى الانفجار النفسي
لم يكن الهدف مجرد تقدم في مباراة عادية، بل كان بمثابة انفجار نفسي هائل لفريقٍ عاش أسابيع من الكوابيس، فليفربول، الذي خسر أربع مباريات متتالية أمام برينتفورد ومانشستر يونايتد وتشيلسي وكريستال بالاس، كان يعيش واحدة من أسوأ فتراته تحت قيادة المدرب الهولندي آرني سلوت.
الهزائم توالت، الأداء تراجع، والثقة تآكلت، حتى صلاح، الذي سجل في الهزيمة أمام برينتفورد (3-2)، بدا وكأنه فقد شغفه المعتاد، لكن كرة مارتينيز غيّرت كل شيء.

الهدف أعاد ليفربول إلى الحياة، وأعاد إلى صلاح بريقه كقائدٍ وصانعٍ للفارق، تحولت لغة الجسد داخل الملعب في لحظة، وبدأ الفريق يلعب بروح مختلفة، بروح “الريدز” التي يعرفها الجمهور، ليصول ويجول بتمريرات ذهبية طوال المباراة، فشل رفاقه في استغلالها وتحويلها إلى أهداف.
الشوط الثاني… ليفربول يستعيد أنفاسه
في الشوط الثاني، ظهر ليفربول بشكلٍ أكثر شراسة، بدأ الضغط من الخط الأمامي، تحرّك جرافنبيرخ في العمق بذكاء، وعاد أرنولد ليؤدي دور صانع اللعب من الخلف، كان الفريق يلعب باندفاع لم يُرَ منذ أسابيع.
وفي الدقيقة 56، جاءت اللحظة الثانية الحاسمة حين أطلق ريان جرافنبيرخ تسديدة قوية من خارج المنطقة، اصطدمت بمدافع أستون فيلا وغيرت اتجاهها إلى المرمى، ليضاعف النتيجة ويؤكد تفوق ليفربول بهدفٍ ثانٍ.

رفع الفوز رصيد ليفربول إلى 18 نقطة في المركز الثالث، بفارق سبع نقاط فقط عن المتصدر أرسنال، بينما توقف رصيد أستون فيلا عند 15 نقطة في المركز العاشر.
مارتينيز.. الحارس الذي لا يخطئ، لكنه فعلها
الحديث بعد المباراة لم يكن عن أهداف ليفربول فحسب، بل عن الرجل الذي صنعها دون أن يقصد، إيميليانو مارتينيز، بطل العالم، ملك ركلات الترجيح، وحارس الأوقات المستحيلة، كان هو محور كل العناوين.
منذ أن ظهر مع منتخب الأرجنتين عام 2021، أصبح مارتينيز أحد أكثر الحراس ثباتًا في العالم، فضلًا عن التصدي لركلات ترجيح أتت بالبطولات لمنتخب الأرجنتين، فقد تصدى لـ 8 ركلات جزاء من أصل 41 ركلة في مسيرته إجمالًا، وهو رقم مذهل في كافة المستويات بمعدل تصديات قد يقارب الخمس، وتحديدًا 19% من الركلات المسددة عليه.
| الفريق | تصدى | من أصل |
| تصديات مارتينيز طوال مسيرته | 8 | 41 |
| تصدياته مع منتخب الأرجنتين | 1 | 6 |
| تصدياته مع أستون فيلا | 3 | 14 |
يمكنه الإمساك بكل كرة تواجه مرماه مهما بلغت صعوبتها فلا عجب أن يحمل جائزة جديدة الآن 🏆
— كأس العالم FIFA 🏆 (@fifaworldcup_ar) February 27, 2023
إيميليانو مارتينيز هو الفائز بجائزة FIFA The Best كأفضل حارس في 2022 🇦🇷🧤#TheBest 💫
@emimartinezz1 pic.twitter.com/nJzGZxnOdM
وبرزت تصدياته مع المنتخب في ركلات الترجيح، فكان السبب المباشر في فوز الأرجنتين بـ كوبا أميركا 2021 بعد أن أبعد ثلاث ركلات أمام كولومبيا، ثم بكأس العالم 2022 حين تصدى لركلتين في النهائي أمام فرنسا، وركلتين أمام هولندا في ربع النهائي.
بل إن إنقاذه التاريخي أمام كولو مواني في الدقيقة 123 من نهائي المونديال سيبقى إحدى أكثر اللحظات شهرة في تاريخ حراس المرمى، لذلك، عندما يخطئ مارتينيز، تهتز الدنيا.

لأن الخطأ منه ليس مجرد سهو، بل حدث كروي نادر، ولأن هذا الخطأ جاء في أنفيلد، أمام صلاح، وفي لحظة كان ليفربول فيها يبحث عن بصيص أمل.. بدا وكأنه رسالة من القدر.
صلاح.. عودة القائد الذي لا يرحم
كان محمد صلاح بحاجة إلى هذا الهدف أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط لأنه يعيد إليه الأرقام، بل لأنه يعيد إليه الثقة، في الأسابيع الماضية، بدا النجم المصري تائهًا، بعيدًا عن المرمى، مثقلًا بضغوط النتائج، وحتى تمريراته فقدت دقتها المعتادة.
لكن مع لمسته القاتلة أمام مارتينيز، عاد كل شيء كما كان، الابتسامة، الثقة، الحماس، وحتى لغة الجسد التي تقول: “أنا هنا”، ولأن صلاح يعرف قيمة اللحظات، لم يحتفل بجنون؛ بل رفع ذراعه، ابتسم بهدوء، كأنه يوجّه رسالة صامتة: “انتهت العاصفة… ليفربول عاد”.
| تقييم التأثير | 99.91 |
| معدل تقييم التأثير لكل مباراة | 33.30 |
| عدد المباريات | 3 |
| عدد دقائق اللعب | 273 |
هدف واحد من صلاح أطلق سهام الأرقام القياسية
لم يكن هدف محمد صلاح الأخير في شباك أستون فيلا مجرد لحظة عابرة في مباراة مثيرة، بل كان رصاصة رقمية جديدة في مسيرة الأسطورة المصرية مع ليفربول، هدفًا أعاد كتابة صفحات التاريخ في البريميرليج، وأطلق سهام الأرقام القياسية في كل اتجاه، فبلمسة واحدة، لم يعُد صلاح مجرد نجمٍ يتألق في الحاضر، بل أصبح اسمًا محفورًا إلى جوار أساطير اللعبة الذين صنعوا مجد الدوري الإنجليزي الممتاز.
أول هذه الإنجازات أن صلاح بات ثاني أكثر اللاعبين مساهمة تهديفية بقميص فريق واحد في تاريخ البريميرليج، متساويًا مع واين روني أسطورة مانشستر يونايتد، في إنجازٍ لم يحققه أي لاعب غير إنجليزي من قبل.
| الترتيب | اللاعب | النادي | المساهمات التهديفية (أهداف + تمريرات) |
|---|---|---|---|
| 1 | واين روني | مانشستر يونايتد | 276 |
| 2 | محمد صلاح | ليفربول | 276 |
| 3 | رايان جيجز | مانشستر يونايتد | 271 |
| 4 | هاري كين | توتنهام هوتسبير | 259 |
| 5 | تيري هنري | أرسنال | 249 |
الأكثر إثارة أن صلاح وصل إلى هذا الرقم في 299 مباراة فقط، بينما احتاج روني إلى 393 مباراة للوصول إليه، أي أن الفارق بينهما 94 مباراة كاملة، ما يعكس حجم التأثير والفعالية الهجومية التي يقدمها النجم المصري منذ وصوله إلى أنفيلد في 2017.
| اللاعب | النادي | المساهمات التهديفية | عدد المباريات | الفارق |
|---|---|---|---|---|
| واين روني | مانشستر يونايتد | 276 | 393 | — |
| محمد صلاح | ليفربول | 276 | 299 | 94 مباراة أقل |
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبهدفه الأخير رفع صلاح رصيده إلى 279 مساهمة تهديفية في تاريخ الدوري الإنجليزي، ليقتحم قائمة الأكثر مساهمة في تاريخ البريميرليج بأكمله، متساويًا مع الأسطورة فرانك لامبارد، ومتقدمًا على رايان جيجز، ليصبح على بُعد خطوات من رقمي واين روني وآلان شيرار الخالدين.
| الترتيب | اللاعب | المساهمات التهديفية في الدوري الإنجليزي |
|---|---|---|
| 1 | آلان شيرار | 324 |
| 2 | واين روني | 311 |
| 3 | فرانك لامبارد & محمد صلاح | 279 |
| 4 | رايان جيجز | 271 |
ولأن الأرقام لا تكذب، فقد أكد صلاح أيضًا مكانته بين ملوك الأهداف على الملاعب الإنجليزية، إذ أصبح ثاني أكثر اللاعبين تسجيلًا على ملعب واحد في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، خلف الفرنسي تيري هنري، متفوقًا على أساطير كبار كأجويرو وروني.
| الترتيب | اللاعب | الملعب | عدد الأهداف |
|---|---|---|---|
| 1 | تيري هنري | الهايبري | 114 |
| 2 | محمد صلاح | آنفيلد | 107 |
| 3 | سيرجيو أجويرو | الاتحاد | 106 |
| 4 | واين روني | أولد ترافورد | 101 |
أما داخل أسوار “أنفيلد”، فقد رسّخ صلاح مكانته كأحد أعظم هدافي ليفربول عبر التاريخ، بعدما رفع رصيده إلى 250 هدفًا في 416 مباراة، ليصبح ثالث هدافي النادي عبر كل العصور، خلف الأسطورتين إيان راش ورودجر هانت، في إنجازٍ لم يسبق لأي لاعب أجنبي أن اقترب منه في تاريخ النادي العريق.
| الترتيب | اللاعب | عدد الأهداف | عدد المباريات |
|---|---|---|---|
| 1 | إيان راش | 346 | 660 |
| 2 | رودجر هانت | 285 | 492 |
| 3 | محمد صلاح | 250 | 416 |
بهذا الهدف الواحد، فتح محمد صلاح بوابة جديدة في سجل الخلود، وأثبت أنه لا يكتفي بصناعة المجد، بل يُعيد تعريفه كل مرة يرتدي فيها قميص ليفربول. وبينما تُسابق أقدامه الزمن، يبدو أن سجلات البريميرليج نفسها بدأت تتسابق لتواكب ما يفعله الملك المصري.
قبل ريال مدريد… دفعة تساوي موسماً كاملاً
الفوز على أستون فيلا لا يُقاس فقط بالنقاط الثلاث، بل بقيمته النفسية والتكتيكية، وبالتوقيت الذي جاء فيه، فليفربول يستعد الآن لمواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا، الروح التي استعادها الفريق أمام فيلا قد تكون الوقود الحقيقي للعودة إلى المنافسة.
الفوز على ريال لن يكون مستحيلاً إن استمر الأداء بهذا الزخم، وسيعيد ليفربول إلى الصورة كأحد أبرز المرشحين للمنافسة على الألقاب، لينعكس الأمر على سلوت نفسه الذي بدا أكثر ارتياحًا في المؤتمر الصحفي بعد اللقاء.
بين القدر والمهارة.. ليفربول يبدأ من جديد
قد لا يخطئ مارتينيز مرة أخرى هذا الموسم، وربما لا يمنح أي فريق هدية مماثلة، لكن الأكيد أن تلك اللحظة، تلك التمريرة الخاطئة، كانت نقطة التحول التي قد تغيّر مسار موسم بأكمله.
كرة واحدة غيّرت نظرة جماهير ليفربول لفريقها، وأعادت لمحمد صلاح ابتسامته، وأنقذت آرني سلوت من شبح الإقالة،
وجعلت من أنفيلد مرة أخرى مكانًا ينبض بالحياة، لتصبج طرو مارتينيز الخطأ الذي أحيا مدينة بأكمله إعادة ليفربول إلى الطريق الصحيح.