أخبار الكرة الإسبانيةأخبار ريال مدريد اليومتقارير ومقالات خاصةأخبار

على خُطى المايسترو.. خمسة فصول تكشف كيف أعاد بيلينجهام الساحر زيدان إلى البرنابيو

في ريال مدريد، حيث لا تُنسى الأساطير بقلعة سانتياجو بيرنابيو، يبدو أن الرقم “5” وجد من يحمله عن جدارة من جديد، فبعد أن صال وجال الدولي الفرنسي زين الدين زيدان بهذا الرقم ما بين التسجيل والصناعة والمراوغة، حتى خفت البريق منذ اعتزال «زيزو» في عام 2006، لكن اليوم عادت الروح إلى الرقم “5” بعدما ظهر من بلاد الضباب فتى شاب يُدعى بيلينجهام، أعاد لهذا الرقم بريقه من جديد.

جود بيلينجهام اليوم ليس مجرد لاعب استثنائي، بل هو امتداد لأسطورة خالدة اسمها زيدان، وسطر جديد في رواية ريال مدريد، بعد أن كان من أكثر اللاعبين المؤثرين على أرضية الميدان منذ انضمامه لصفوف الميرنجي، فكان دائمًا حاضرًا بأهدافه وصناعاته في كافة المناسبات، وبينما تهتف جماهير البرنابيو باسمه بعد كل هدف، تُعاد إلى الأذهان ذكرى زيدان صاحب القميص رقم 5، والذي ربما يبتسم في مكان ما، مدركًا أن إرثه لا يزال حيًا، وأن الفن حين يُورّث لا يموت أبدًا.

ويظهر ذلك بكل وضوح في كل مرة يلمس فيها جود بيلينجهام الكرة، إذ يتردد صدى ماضي زين الدين زيدان في أرجاء البرنابيو، كأن الزمن رفض أن يطوي صفحة السحر الفرنسي، وقرر أن يكتبها من جديد بحبرٍ إنجليزي. لكن الفارق أن بيلينجهام لا يقلّد، بل يستلهم، لا يسير في الظل، بل يشقّ طريقه على ضوء من سبقه، هو لا يكرر زيدان، بل يبرهن أن الأسطورة لا تُنسخ، بل تُورّث بروحها، امتدادًا لخطٍ واحد رسمته القدم ذات الرقم 5.. خطّ يبدأ من زيدان، ويمضي ببيلينجهام نحو الخلود.. حكاية خمسة فصول من حياة الدولي الإنجليزي تبرز القصة التي أعادت «الساحر» زيدان إلى ملعب سانتياجو بيرنابيو.

الفصل الأول.. الفتى الذي تعلم الحب من قميص أبيه

في أحد الأيام، وبينما كان الطفل جود بيلينجهام يراقب والده وهو يرتدي قميصًا أبيض يحمل الرقم 5 واسمًا غريبًا على مسامعه – زيدان – لم يكن يدرك أن تلك اللحظة ستغيّر مسار حياته إلى الأبد.

سأل والده بدهشة: “من هذا الرجل الذي ترتدي قميصه دائمًا؟”.. فأجابه بابتسامة واسعة: “افتح موقع يوتيوب، وستعرف من هو”، ومنذ تلك اللحظة، لم يغلق بيلينجهام شاشة الفيديو، ولم يغلق قلبه عن عشق ذلك اللاعب الفرنسي الأنيق الذي جعل كرة القدم فنًا راقصًا، اسمه زين الدين زيدان.

الفصل الثاني.. خطى الأسطورة تتكرر من برمنجهام إلى مدريد

مرت السنوات، وكبر الطفل الحالم ليصبح أحد أبرز المواهب الإنجليزية. من برمنجهام سيتي إلى بوروسيا دورتموند، كان بيلينجهام يصنع لنفسه طريقًا خاصًا، لكن حلمه الأكبر ظل هناك، في سانتياجو برنابيو، حيث سطر زيدان فصول مجده الأبدي.

وفي صيف 2023، تحققت النبوءة بعدما ارتدى بيلينجهام القميص الملكي، ولم يختر الرقم 22 الذي اعتاد عليه، بل قالها بثقة أمام الكاميرات: “القميص رقم 5؟ أنا معجب بزيدان كثيرًا، وتاريخه الكبير مع النادي هو ما ألهمني، الرقم 22 كان رقمي لسنوات طويلة، لكن الآن سأرتدي رقمًا جديدًا.. وسنرى ماذا سيحدث في المستقبل”.

كان المشهد أشبه بعبورٍ رمزي للزمن.. من زيدان الذي ودّع الملاعب في 2006 إلى بيلينجهام الذي جاء ليكتب فصلاً جديدًا من نفس الحكاية، بنفس القميص وموهبة لا تقل تأثيرًا عن مثله الأعلى.

الفصل الثالث.. بيلينجهام يسير على خطى المايسترو

منذ أول لمسة له بالقميص الأبيض، شعر جمهور ريال مدريد أن شيئًا مألوفًا عاد من جديد، لم تكن فقط الأهداف أو تمريراته الذكية، بل كانت الهيبة التي يفرضها على أرض الملعب، الهدوء في لحظة الحسم، والدهاء الفني عند لمس الكرة.
فقال عنه كارلو أنشيلوتي: “بيلينجهام وزيدان؟ إنهما متشابهان، يمتلكان جودة لا تُصدق، زيدان كان فنانًا في التحكم بالكرة، وبيلينجهام مذهل في الوصول إلى منطقة الجزاء، ما فعله في الملعب لا يستطيع فعله سوى القلة”.

وفي المباراة الأخيرة ضد يوفنتوس، عندما أحرز هدف الانتصار الوحيد، لم يكن مجرد هدف عادي، بل كان تجسيدًا لروح زيدان التي طالما حسمت مباريات معقدة ومواعيد كبرى.

كيليان مبابي - زين الدين زيدان - المصدر (Getty images)
كيليان مبابي – زين الدين زيدان – المصدر (Getty images)

الفصل الرابع.. خيوط الأسطورة تمتد بين الأرقام والفن

بعمر 22 عامًا فقط، وصل بيلينجهام إلى 135 مساهمة تهديفية في مسيرته، بواقع 80 هدفًا و55 تمريرة حاسمة في 353 مباراة، وللوهلة الأولى يبدو أن هذا الرقم يفتح الباب أمام مقارنة مشروعة مع زيدان الذي اعتزل وفي رصيده 325 مساهمة (156 هدفًا و169 تمريرة حاسمة) خلال 798 مباراة.

ورغم أن الأرقام لا تختصر الموهبة، إلا أنها تكشف ملامح تاريخ يعيد نفسه بطريقة معاصرة، فزيدان كان فنانًا يرسم اللعبة بعقله وقدمه، بينما بيلينجهام هو النسخة الحديثة من تلك العبقرية، فهو لاعب وسط يجمع بين الرؤية الفرنسية والقوة الإنجليزية.

الفصل الخامس.. الإرث الذي لا يصدأ

حين تحدث بيلينجهام لبرنامج «Telefoot» الفرنسي، كان صادقًا وبسيطًا كما عرفه الجميع، فتحدث عما في قلبه بكل صدق قائلًا: “زيدان كان أحد أفضل لاعبي خط الوسط في التاريخ، كنت محظوظًا عندما قابلته في نهائي دوري الأبطال 2022، إنه شخص متواضع جدًا، وأنا أسير على خطاه، لكنني أريد أن أطور أسلوبي الخاص”.

وهنا تتجلى الفكرة الأعمق: بيلينجهام لا يريد أن يكون زيدان الجديد، بل بيلينجهام الذي ألهمه زيدان. إنها سلسلة من الإلهام المتواصل، تمامًا كما تلهم الشمس الأفق كل صباح دون أن تكرر نفسها.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.