آرني سلوتأخبار الكرة الإنجليزيةأخبار365TOP

حيلة سلوت الاختباء.. كيف يتحمل صلاح مسئولية ضعف الهولندي؟

في ظل التذبذب الذي شاب أداء ليفربول مع بداية الموسم، ظهرت رواية جديدة داخل أروقة “أنفيلد”: تراجع مستوى محمد صلاح سبب مشاكل ليفربول، لكن خلف هذه الفكرة تبدو الصورة أكثر تعقيدًا، إذ يُرجّح أن آرني سلوت، الذي ما زال في طور التكيف مع خصوصية ليفربول وضغوطه، يستخدم الحديث عن تراجع صلاح لتخفيف التركيز عن الإشكالات التكتيكية التي ظهرت بعد موجة التعاقدات الكبيرة في الصيف.

لم يتحمل أي لاعب في تاريخ ليفربول الحديث أعباء الهجوم كما فعل صلاح على مدى سنوات، وحتى في المواسم التي لم يكن الفريق فيها في أفضل حالاته، ظل المصري عنصرًا ثابتًا؛ في هذا السياق، يصبح تعامل سلوت المفاجئ مع صلاح—سواء من خلال الحديث عن مستواه أو إبعاده عن التشكيلة الأساسية في مباراتين متتاليتين أمرًا لافتًا.

صلاح وسلوت.. بين السردية المصطنعة والواقع الميداني

أشار سلوت مرارًا وتكرارًا إلى الحاجة إلى “الانتعاش” والحاجة إلى “التدوير” وفكرة أن “لا يوجد لاعب يتمتع برصيد غير محدود”، وفكرة أن بعض اللاعبين “بحاجة إلى التكيف مع المتطلبات التكتيكية الجديدة”.

آرني سلوت (المصدر:Gettyimages)
آرني سلوت (المصدر:Gettyimages)

تبدو جميع هذه الأفكار حميدة في ظاهرها، لكنها تُشكل حجة خفية، المشكلة تكمن في إخفاق اللاعب في النظام، وليس في إخفاق النظام في اللاعبين؛ ويُصبح صلاح، الاسم الأبرز في غرفة الملابس، كبش الفداء.

تُوج سلوت بالدوري الإنجليزي خلال الموسم الماضي، ولكن الجميع أشار بوضوح إلى إرث يوجن كلوب، الذي ترك فريقًا شبه مكتملًا، ويمتلك لاعبوه سنوات طويلة من الانسجام والتفاهم في الشكل التكتيكي، وهو ما أظهر محمد صلاح بشكل مثالي منذ قدومه إلى ليفربول وحصد لقب هداف البريميرليج في أول مواسمه.

بعد إبرام تعاقدات صيفية كبيرة، أراد سلوت أن يُضيف بصمته، ويحول شكل الفريق من فوضى يورجن كلوب العمودية إلى اللعب التمركزي المنظم، بضم لاعبين بخصائص مختلفة، بداية من فلوريان فيرتز ومرورًا بـ إيكيتيكي وأخيرًا ألكسندر إيزاك، بدا ليفربول غير مستقر تكتيكيًا؛ فالخط الدفاعي متقدم، ومساحة خط الوسط أكثر خطورة، ويُطلب من لاعبي الأجنحة البقاء على امتداد الملعب بدلًا من الهجوم على أنصاف المساحات التي يتألق فيها صلاح.

View this post on Instagram

A post shared by 365Scoresarabic (@365scoresarabic)

كانت العواقب جلية، فأصبح ليفربول يمتلك استحواذ دون اختراق، وتحولات أبطأ بكثير، كانت هذه المشاكل موجودة مع صلاح في التشكيلة الأساسية، وكانت موجودة أيضًا بدونه؛ وهذا يقودنا إلى جوهر المسألة: إبعاد صلاح عن مقاعد البدلاء لم يُصلح شيئًا، ولكنه أزاح الشكوك عن سلوت بسهولة.

لماذا لا يمكن اختزال الأزمة في صلاح؟

أبقى سلوت صلاح على مقاعد البدلاء ضد وست هام، ثم مرة أخرى ضد سندرلاند. كانت هاتان المرتان أول مباراتين متتاليتين يغيب فيهما صلاح عن التشكيل الأساسي في مسيرته مع ليفربول، وجاءتا في وقت كان المشجعون يتساءلون عن مستوى الليفر تحت قيادة سلوت، وتحديدًا بعدما أبرم الصفقات التي تخدم الهوية التي يريدها.

محمد صلاح - (المصدر:Gettyimages)
محمد صلاح – (المصدر:Gettyimages)

كانت وسائل الإعلام تستكشف بطء اندماج اللاعبين الجدد، وتراجعت مقاييس الفريق الهجومية؛ بإبعاد صلاح عن مقاعد البدلاء، بعث سلوت رسالة ضمنية: “أنا أتخذ قرارات كبيرة، أنا أتحدى النجوم، المشاكل تتعلق بالأداء، وليست بالنظام”.

بدأ ليفربول بالفوز على وست هام، ولكن حتى باحتفال اللاعبين، يبدو الضغط واضحًا بشكل صارخ، هدف بأقدام ألكسندر إيزاك، وآخر بعد الدقيقة التسعين ببصمة كودي جاكبو، لكن لم يكن الأداء المثالي الذي يوحي بأن الفريق قدم كل ما لديه، على النقيض من ذلك، كان الليفر أخطر وصنع فرصًا أكثر أمام نوتنجهام فورست في تواجد محمد صلاح رغم الخسارة بثلاثية.

وهنا تنهار فكرة أن صلاح هو المشكلة الأساسية، فعندما جلس مجددًا على مقاعد البدلاء أمام سندرلاند، لم يحقق الفريق الفوز، وأهدر الضيوف فرصًا محققة كثيرة خلال الشوط الأول، وتقدم خلال الشوط الثاني، قبل أن يعود الليفر في وقت متأخر وينجو بنقطة يتيمة في “أنفيلد”.

الغريب في الأمر، أن سلوت عندما قرر أن يعتمد على جو جوميز في مركز الظهير الأيمن بدلًا من سوبوسلاي الذي لعب خارج مركزه في أغلب مباريات الموسم، قرر إبعاد صلاح عن التشكيلة، وهو الذي افتقد لوجود ظهير خلفه يساعد في هذه الجبهة.

وهنا لم تختفِ المشاكل التكتيكية، بل أصبحت أكثر وضوحًا، ومع ذلك، بعد التعادل، استمر سلوت في الاعتماد على سردية صلاح، مجادلًا بأن الفريق يجب أن يتعلم كيف يعمل بدونه، ملمّحًا إلى أن وجود صلاح كان جزءًا من المشكلة الهيكلية.

وقال سلوت عقب مباراة سندرلاند الأخيرة:

إنه توازن بين الاستمرارية والحيوية. كل لاعب لديه فرصة للمشاركة، ومحمد بالتأكيد من بينهم، من الرائع وجود لاعبين مثله على مقاعد البدلاء.. لقد كان رد فعله كما كنا نأمل، إنه لاعب محترف من الطراز الرفيع، يتدرب جيدًا ويحافظ على إيجابيته مع زملائه. إنه قدوة حسنة عندما يلعب، والآن أصبح قدوة حسنة في كيفية التصرف عندما لا يلعب”.

صرح سلوت بكل وضوح، أن صلاح مثله مثل أي لاعب في الفريق، لم يدافع عنه ويضعه في المكانة التي يستحقها، خاصةً وأنه كان السبب الأول في لقب الدوري الموسم الماضي، بعدما سجل 27 هدفًا وقدم 19 تمريرة حاسمة، وحصد جائزة هداف الدوري وأكثر ممرر.

أرني سلوت - مدرب ليفربول
أرني سلوت (المصدر:Gettyimages)

واقعة إيكيتيكي: توبيخ علني

تلقى المهاجم هوجو إيكيتيكي بطاقة صفراء ثانية ثم بطاقة حمراء، بعد أن نزع القميص الخاص به في احتفاله بتسجيل هدف فوز ليفربول أمام ساوثهامبتون في كأس الكاراباو، مما تسبب في غيابه عن مباراة كريستال بالاس التالية في الدوري الإنجليزي الممتاز، 

رغم أن قرار اللاعب بنزع القميص الخاص به للاحتفال ولديه مسبقًا بطاقة صفراء، يبدو غبيًا بعض الشيء، ولكن لا يجب بكل حال من الأحوال أن تخرج علنًا لتنتقد لاعبك أمام الصحفيين.

“لا داعي لذلك؟ نعم، وكان ذلك غبيًا، البطاقة الأولى بالفعل لم يكن لها داعي، بل غبيًا إلى حد ما، إذ يجب عليك التحكم في مشاعرك”.

“أخبرته أنه إذا سجلت هدفًا في نهائي دوري أبطال أوروبا في الدقيقة 87 بعد أن تفوقت على ثلاثة لاعبين وسددت الكرة في الزاوية العليا، فربما أستطيع فهم ذلك، فقال: “الأمر كله يتعلق بي، ماذا فعلت؟”.

“لكنني لاعب من الطراز القديم، عمري 47 عامًا، لم ألعب أبدًا في هذا المستوى، لكنني سجلت بعض الأهداف، ولو سجلت هدفًا كهذا، لكنت استدرت وتوجهت إلى فيديريكو كييزا وقلت له: “هذا الهدف يتعلق بك، وليس بي”.

سلوت وآفة إلقاء اللوم على اللاعبين

منذ انضمامه إلى ليفربول، قدّم آرني سلوت نفسه كمدير فني ملتزم بالسيطرة والانضباط والتنظيم، لكن خلف مظهره الهادئ ومؤتمراته الصحفية الأنيقة، كشف سلوت عن سمة مقلقة، ضعف في الشخصية عند ازدياد الضغط، وميل إلى إلقاء المسؤولية على لاعبيه بدلًا من حمايتهم.

أرني سلوت - ليفربول - المصدر (Getty images)
أرني سلوت – ليفربول – المصدر (Getty images)

يعرف مدربو النخبة كيف يحمون لاعبيهم، حماية غرفة الملابس مبدأ أساسي للقيادة على أعلى المستويات، مع ذلك، تجاوز سلوت هذا الخط مرارًا وتكرارًا، مستخدمًا النقد العلني كوسيلة لإبعاد نفسه عن المشاكل التي تسبب بها، وليفربول يشعر بالفعل بالعواقب.

يتحمل المدربون ذوو الشخصيات القوية المسؤولية؛ سلوت، بدلًا من ذلك، يُوزّع اللوم على الآخرين، بداية من الإشارة إلى أحد لاعبيه كونه سبب الخسارة أمام كريستال بالاس، وكانت هي الهزيمة الأولى للفريق في الموسم.

أثناء تحليله لأداء فريقه بعد المباراة، قال سلوت للصحفيين:

“لا نلوم إلا أنفسنا على أسلوب دفاعنا، خرج أحد لاعبينا من الملعب لأنه أراد شن هجمة مرتدة، وهو ما لم يُجدِ نفعًا لأن الوقت كان قد انتهى، فاقتصر الأمر على الدفاع فقط، كان أحد اللاعبين مُفرطًا في الهجوم في تلك اللحظة، مما أدى إلى تسجيلهم هدف الفوز وخسارة المباراة”.

“إذا كنت ترغب في المنافسة والبقاء في الصدارة، فأنت بحاجة إلى توازن إيجابي للغاية في الكرات الثابتة، هذا ما أقوله دائمًا، منذ سنوات، وفي هذا الدوري ربما يكون هذا هو الوضع أكثر من أي وقت مضى. كانت هذه إحدى أكبر نقاط قوتنا في الموسم الماضي. لم نتلقَّ أي كرة ثابتة تقريبًا؛ الآن ضد نيوكاسل، تلقينا هدفين، واليوم تلقينا هدفين، وهذا أمر نحتاج إلى تحسينه، لكن هذا الدوري يعتمد بشكل متزايد على الكرات الثابتة”.

“كان علينا أيضًا الدفاع عن الكثير منها، والفارق ضئيل. ركض أحد لاعبينا في الدقيقة الأخيرة للأمام ربما لمحاولة هجمة مرتدة لتسجيل هدف ثانٍ، لكن في تلك المنطقة سقطت الكرة أمام لاعب من كريستال بالاس ليسجل”.

إذا أعدنا مشاهدة المباراة، سنلاحظ أن كريستال بالاس صنع خلال الشوط الأول عددًا كبيرًا من الفرص الخطيرة، وأهدر فوزًا ثقيلًا كان سيشكّل كارثة حقيقية لليفربول، الذي لم يعتد على السقوط بنتائج كبيرة.

ومع ذلك، بدلًا من أن يقف سلوت خلف لاعبيه ويحميهم في لحظة حرجة، خرج في المؤتمر الصحفي ليوجه اللوم لأحدهم باعتباره السبب في الهدف المتأخر الذي سجله كريستال بالاس. لكن الحقيقة أن الفريق لو كان في حالة جيدة منذ البداية، لكان قادرًا على الفوز رغم أي خطأ فردي.

النقطة الثانية التي يمكن استخلاصها من المباراة ومن تصريحات المدرب الهولندي، هي الواضحة: ضعف ليفربول في الكرات الثابتة. ورغم اعتراف سلوت بهذا الخلل، فإنه حتى الآن لم يقدم أي حلول عملية أو تغييرات ملموسة.

وما أكدته المباريات التالية هو أن ليفربول دخل في منحنى تراجع مثير للقلق، واستمر في سلسلة نتائج سلبية في الدوري أبعدته عن المنافسة مبكرًا منذ شهر أكتوبر.

اليوم يعيش الفريق واحدة من أسوأ فتراته، ويحاول سلوت تعديل المسار، لكن النتيجة لن تتغير طالما غرفة الملابس تهتز، وطالما أبرز نجوم الفريق يجلسون على دكة البدلاء بدل الاستفادة القصوى منهم قبل غيابهم المتوقع في كأس الأمم الأفريقية.

سلوك آرني سلوت أمام الإعلام يكشف عن مدرب يهرب من المسؤولية ويلقي بها على لاعبيه، حدث ذلك بعد مواجهة كريستال بالاس، ورغم أنه لم يذكر اسم اللاعب، فإن وسائل الإعلام أشارت فورًا إلى أن اللاعب الذي يقصده الهولندي إما جرافينبيرخ أو فيرمبونج؛ الأمر نفسه تكرر مع إيكيتيكي، ويتكرر الآن مع محمد صلاح.

اختبار الحقيقة: ليفربول بدون صلاح في بطولة أفريقيا

سلوت لا يفشل فقط في حماية لاعبيه، بل يتركهم مكشوفين أمام الإعلام الإنجليزي المعروف بقسوته، والآن أصبح صلاح محور الجدل بعدما وجه له سلوت انتقادات علنية بشأن الالتزام الدفاعي، وحتى لو افترضنا صحة هذه النقطة، يبقى السؤال الأهم: لماذا لم يتحسن أداء الفريق حين غاب صلاح عن التشكيلة؟ وهل هو المشكلة الحقيقية أو الوحيدة في الفريق؟

الإجابة ستتضح بشكل كامل خلال كأس الأمم الأفريقية، عندما يغيب صلاح عن عدد كبير من المباريات المتتالية، حينها سيظهر الشكل الحقيقي لليفربول، وسنعرف ما إذا كان صلاح هو المشكلة فعلًا، أم أن التكتيك الذي يصر عليه سلوت لا يناسب خصائص اللاعبين الذين تعاقد معهم بنفسه.

محمود الشوادفي

صحفي مصري، أكتب في 365Scores عن كرة القدم كما تُرى من داخل التفاصيل، بدأت رحلتي الصحفية عام 2019، وأؤمن أن وراء كل رقم حكاية، ووراء كل مباراة فكرة تستحق أن تُروى بأسلوب مختلف.