إرلينج هالاندجوارديولاكرة القدم الانجليزيةتقارير ومقالات خاصة
الأكثر تداولًا

جوارديولا المتجدد وهالاند السلاح الأوحد.. مرموش على أعتاب فرصته الذهبية مع مانشستر سيتي

يواصل فريق مانشستر سيتي تحت قيادة المدير الفني الأسطوري بيب جوارديولا محاولاته للعودة للقمة، واستعادة التفوق الكبير الذي اعتاد عليه أمام جميع المنافسين خلال السنوات الماضية، وتوّجه بتحقيق الثلاثية التاريخية، الدوري الإنجليزي الممتاز، ودوري أبطال أوروبا، وكأس الاتحاد الإنجليزي، في موسم 2022-2023.

خلال الموسم الماضي، عاني مانشستر سيتي على مستوى الأداء والنتائج، وخرج خالي الوفاض بدون تحقيق أي بطولة، باستثناء لقب درع المجتمع الإنجليزي، وهي أضعف بطولة في الموسم.

على عكس المتوقع، يأتي الموسم الحالي كاشفًا عن تحول تكتيكي جوهري يقوم به المدرب بيب جوارديولا في فريقه. فبعيدًا عن أفكار الاستحواذ المطلق التي طالما ارتبطت باسمه، يتبنى جوارديولا نهجًا أكثر براجماتية يركز على التحولات الهجومية السريعة واللعب المباشر.

يستعرض التقرير كيف أثر هذا التغيير بشكل مباشر على أداء ودور المهاجم إرلينج هالاند، الذي أصبح المستفيد الأكبر والنقطة المحورية في المنظومة الجديدة، مما أدى إلى اعتمادية هجومية شبه كاملة عليه. ويسلط التحليل الضوء على قلق جوارديولا المعلن من هذا الاعتماد المفرط، ونناقش كيف أن عودة المهاجم المصري عمر مرموش من الإصابة تمثل الخطوة الاستراتيجية التالية في هذه التجربة التكتيكية، وحل محتمل لمعضلة التوازن الهجومي التي تواجه الفريق، وفي نفس الوقت الفرصة الذهبية للنجم المصري للتألق مع فريقه.

من الخنق إلى الاختراق المباشر: تحول تكتيكي جديد في مانشستر سيتي

شهدت بداية موسم 2025-2026 تحولًا ملحوظًا في فلسفة مانشستر سيتي، حيث بدأ بيب جوارديولا في تطبيق تعديلات استراتيجية جذرية. هذا التحول جاء كاستجابة للثغرات التي ظهرت في أداء الفريق خلال الموسم السابق، والتي كشفت عن أن الفريق لم يعد بنفس الشراسة الهجومية وكذلك الدفاعية في ظل نظام الاستحواذ.

تخلى جوارديولا بشكل تدريجي عن أسلوبه الكلاسيكي القائم على البناء المتأني والمنهجي والاحتفاظ بالكرة لأطول فترة ممكنة، لصالح استراتيجية جديدة تعطي الأولوية للتحولات الطولية فائقة السرعة والهجمات المرتدة المباشرة.

يظهر هذا التحول بوضوح في البيانات الإحصائية التي تبدو متناقضة للوهلة الأولى؛ ففي حين لا يزال مانشستر سيتي هو الفريق الأكثر إكمالًا للتمريرات في الدوري الإنجليزي الممتاز (3785 تمريرة في أول 7 مباريات)، إلا أنه لم يعد يتصدر قائمة الفرق الأكثر استحواذًا على الكرة، حيث بلغ متوسط استحواذه 57%، ليأتي خلف فرق مثل أستون فيلا وأرسنال وتشيلسي وليفربول.

هذه المفارقة الإحصائية ليست دليلًا على فشل المنظومة القديمة، بل هي السمة المميزة للمنظومة الجديدة. فالتمريرات أصبحت أسرع وأكثر مباشرة، وهدفها الأساسي هو نقل الكرة إلى الثلث الهجومي بأقل عدد ممكن من اللمسات، بدلًا من تدويرها للحفاظ على الاستحواذ. ويتماشى هذا التوجه مع مطالب جوارديولا التي سبقت الموسم بتقليص قائمة الفريق، مما يشير إلى رغبته في بناء مجموعة متجانسة من اللاعبين القادرين على التكيف مع هذا الأسلوب الذي يتطلب مرونة تكتيكية وكثافة بدنية عالية.

النتيجة الإحصائية للثورة تكتيكية

تؤكد الأرقام هذا التغيير في النهج التكتيكي، فعلى الرغم من أن الفريق يتربع على صدارة أقوى خط هجوم في الدوري برصيد 15 هدفًا في أول 7 مباريات، إلا أن المقاييس الأساسية لأدائه قد تغيرت بشكل جذري، وعلى سبيل المثال يغيب أي لاعب من مانشستر سيتي عن قائمة أفضل 15 لاعبًا في الدوري من حيث عدد التمريرات المكتملة حيث يأتي روبن دياز في المركز ال16. هذا المؤشر يعد دليلًا قاطعًا على أن عملية بناء اللعب لم تعد مركزية كما كانت، بل أصبحت أكثر توزيعًا وسرعة، حيث تنتقل الكرة عبر مساحات مختلفة للوصول إلى المرمى.

على الصعيد الدفاعي، يتواجد الفريق في النصف السفلي من ترتيب فرق الدوري من حيث عدد التدخلات والمواجهات الثنائية الناجحة، وهذا لا يمكن تفسيره على أنه ضعف، بل كإحدى سمات النظام الجديد. قد يشير ذلك إلى أن الفريق يدافع الآن بتكتل أكبر في منتصف الملعب أو حتى في مناطقه الخلفية، مستدرجًا الخصم للتقدم من أجل خلق المساحات الشاسعة في ظهره، والتي يمكن استغلالها بعد ذلك في هجمات مرتدة خاطفة. ويدعم هذا التفسير السجل الدفاعي القوي للفريق، الذي لم يستقبل سوى 6 أهداف في أول 8 مباريات، مما يثبت أن التخلي عن جزء من الاستحواذ لم يؤثر سلبًا على الصلابة الدفاعية.

معضلة هالاند: قوة فردية طاغية في نظام جماعي

أدى التحول التكتيكي الجديد إلى تضخيم نقاط قوة المهاجم النرويجي إرلينج هالاند بشكل كبير، لكنه في الوقت ذاته خلق تحديًا استراتيجيًا يتمثل في الاعتماد المفرط عليه، وهو ما بات يشكل محور قلق للمدير الفني بيب جوارديولا.

بيب جوارديولا - مانشستر سيتي
بيب جوارديولا – مانشستر سيتي

يبدو النظام التكتيكي الجديد وكأنه مصمم خصيصًا لإبراز قدرات هالاند الكبيرة، فالتركيز على التحولات السريعة والهجمات المباشرة يوفر له المساحات التي يعشق الانطلاق فيها خلف المدافعين. أصبح هالاند أداة تكتيكية لإرهاق دفاعات الخصم، وخلق المساحات لزملائه القادمين من الأطراف ومن عمق الملعب.

وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على سجله التهديفي المميز هذا الموسم، والذي يؤكد وصول هالاند إلى ذروة مستواه الفني والبدني ونحن مازلنا في أكتوبر:

البطولة / الفريقعدد المبارياتعدد الأهدافالمعدل التهديفي (هدف لكل مباراة)
الدوري الإنجليزي الممتاز8111.37
دوري أبطال أوروبا231.5
المنتخب النرويجي393.0
الإجمالي الكلي13231.77

هذا الإنتاج الغزير يتجاوز بشكل كبير معدل أهداف هالاند المتوقعة البالغ 8.67 في الدوري، مما يبرهن على فعاليته القاتلة أمام المرمى، وتأثيره الكبير في نتائج المباريات التي خاضها.

عبء الأهداف: الاعتمادية ونقد جوارديولا لفريقه

هذا التألق الفردي لهالاند خلق معضلة استراتيجية للفريق، فمع تسجيله 11 هدفًا من إجمالي 17 هدفًا سجلها الفريق في الدوري بعد مرور 8 جولات، فإن هالاند بدا مسؤولًا بمفرده عن تسجيل 64.7% من أهداف مانشستر سيتي في البطولة. هذه النسبة المرتفعة بشكل استثنائي تسلط الضوء على حجم الاعتماد الهجومي عليه.

هذه الاعتمادية المطلقة هي التي دفعت جوارديولا إلى إطلاق تصريحات علنية لا تخلو من القلق. فبعد الفوز على إيفرتون، صرح بوضوح: “لا يمكننا الاعتماد عليه وحده، نحن بحاجة إلى لاعبين آخرين. على لاعبي الأجنحة ولاعبي خط الوسط المهاجمين أن يرفعوا من مستوى أدائهم ويسجلوا الأهداف”.

وكرر جوارديولا هذه الرسالة، مؤكدًا: “يجب على أجنحتنا ولاعبي الوسط المهاجمين تقديم المزيد”. هذه التصريحات تمثل تعبيرًا مباشرًا عن الخطر الاستراتيجي الأكبر الذي يواجه المنظومة الجديدة، وهو عدم تنوع الأسلحة، والاعتماد على لاعب واحد، مما يسهل من مهمة إيقافه مهما كانت عبقريته.

مساهمة إرلينج هالاند التهديفية في الدوري الإنجليزي الممتاز حتى الآن:

المقياسالقيمة
المباريات8
إجمالي أهداف الفريق17
أهداف إرلينج هالاند11
نسبة مساهمة هالاند في أهداف مانشستر سيتي64.7%
الأهداف المتوقعة لهالاند8.67
الفارق بين الأهداف المسجلة والمتوقعة+2.33

فرصة ذهبية لمرموش؟

بعد تحديد المشكلة الرئيسية المتمثلة في الاعتماد على مصدر تهديفي واحد، ننتقل إلى الحل المحتمل، والذي يتمثل في اللاعب المصري عمر مرموش، الذي يمتلك من الإمكانيات ما يجعله القطعة المكملة في مشروع جوارديولا الجديد.

يمتلك عمر مرموش، الذي انضم إلى النادي في يناير 2025، مجموعة من المهارات التي تبدو وكأنها مصممة خصيصًا لتلبية متطلبات منظومة جوارديولا الجديدة. من أبرز هذه السمات سرعته الفائقة، وقدرته على ممارسة الضغط العالي بكثافة، ومرونته التكتيكية التي تسمح له باللعب كجناح أو كمهاجم صريح، بالإضافة إلى خطورته في التحولات الهجومية والهجمات المرتدة.

تعرض مرموش لإصابة في الركبة أثناء التوقف الدولي مع منتخب مصر في سبتمبر الماضي، مما أبعده عن الملاعب لعدة أسابيع، غاب فيها عن 7 مباريات لفريقه في كل البطولات، ثم عاد للمشاركة في التدريبات الجماعية، وتم استدعاؤه لقائمة الفريق التي واجهت إيفرتون في 18 أكتوبر، حيث جلس على مقاعد البدلاء، في دلالة على قرب عودته الكاملة للمشاركة في المباريات.

هنا تحديدًا يأتي السؤال الأهم: كيف يمكن لبيب جوارديولا أن يستغل القدرات الفريدة لعمر مرموش لتكوين شراكة هجومية متكاملة بجوار هالاند؟ الإجابة لا تقتصر على فكرة إشراك لاعب جديد فحسب، بل على توظيف منظومة هجومية أكثر ديناميكية تسمح لمرموش باستغلال سرعته وتحركاته الذكية بين الخطوط، مع تحرير هالاند من الضغط داخل منطقة الجزاء. فالتكامل بين اللاعبَين يمكن أن يفتح أمام مانشستر سيتي أبوابًا تكتيكية جديدة، تجمع بين القوة البدنية واللمسة الإبداعية في الثلث الأخير.

  • السيناريو الأول: خالق المساحات. بفضل قدرته على الانطلاق بالكرة والمراوغة بسرعته العالية من الأطراف، سيجبر مرموش المدافعين على الخروج لمواجهته، مما سيؤدي حتمًا إلى تفكيك التنظيم الدفاعي للخصم. هذه الحركة ستخلق تلك الجيوب من المساحات التي يتفوق هالاند في استغلالها، خاصة عند القائم البعيد.
  • السيناريو الثاني: التهديد المزدوج. على عكس بعض الأجنحة التقليديين، يعتبر مرموش لاعبًا يسدد كثيرًا على المرمى وهدافًا مميزًا، ووجوده في الملعب سيوفر مصدر خطر حقيقي بجانب هالاند، مما يمنع الفرق المنافسة من تكريس رقابتها الدفاعية بالكامل على هالاند. هذا الأمر يعالج بشكل مباشر مشكلة الاعتمادية الكبرى على هالاند التي ناقشناها سابقًا.
  • السيناريو الثالث: دينامو الهجمات المرتدة. في أسلوب لعب يعتمد بشكل أساسي على التحولات السريعة، فإن وجود ثنائي هجومي مثل هالاند ومرموش يمثل كابوسًا لأي خط دفاع، نظرًا لسرعتهما وقدرتهما على اللعب المباشر.

مرموش السلاح الأهم في الهجمات المرتدة

برز عمر مرموش مع أينتراخت فرانكفورت كلاعب هجومي مباشر للغاية، يعتمد بشكل أساسي على سرعته الفائقة وقدرته على الانطلاق في المساحات خلف خطوط دفاع الخصم. وصفه مدربه في فرانكفورت، دينو توبمولر، بأنه لاعب يصعب الدفاع ضده بسبب انطلاقاته السريعة والمستمرة في عمق دفاعات المنافسين. هذه القدرة على استغلال المساحات جعلته تهديدًا دائمًا سواء عند اللعب كمهاجم صريح أو كجناح.  

كان مرموش يمثل خطرًا كبيرًا في الهجمات المرتدة والتحولات الهجومية السريعة. فبمجرد أن يستحوذ فريقه على الكرة، كان ينطلق بسرعته القصوى مستغلًا أي حالة من عدم التنظيم في دفاع الخصم. وتجلت هذه الميزة بوضوح في أهدافه الحاسمة، مثل هدفه في شباك بايرن ميونخ في موسم 2024-2025، والذي جاء من هجمة مرتدة سريعة في اللحظات الأخيرة من المباراة، وهدف آخر في نفس المباراة جاء بعد انطلاقة سريعة خلف المدافعين. كان هذا الأسلوب يجعله السلاح الأمثل للفرق التي تعتمد على امتصاص ضغط المنافس ثم الانقضاض عليه بهجمات خاطفة.  

سجل مرموش التهديفي الإجمالي كان مذهلًا في ذلك الموسم، حيث سجل 18 هدفًا وقدم 12 تمريرة حاسمة في 24 مباراة فقط في جميع المسابقات قبل انتقاله، مما يؤكد فعاليته الهجومية الكبيرة التي كان جزء كبير منها يعتمد على قدرته الاستثنائية في استغلال سرعته في المساحات المفتوحة والهجمات المرتدة.

إذا تمكن مرموش من تشكيل شراكة هجومية فتاكة مع هالاند، وتوفير مصدر التهديد الآخر الذي يطالب به جوارديولا، فإن مانشستر سيتي سيكون قد نجح في تطوير نفسه ليصبح نسخة أكثر خطورة، في فترة تمثل واحدة من التجارب التكتيكية المثيرة في مسيرة جوارديولا كمدير فني.

حسام أحمد

صحفي رياضي مصري متخصص في كرة القدم، أتمتع بخبرة في تغطية المباريات وصناعة القصص الصحفية المميزة. أجريت عددًا كبيرًا من الحوارات مع شخصيات كروية محليًا وعالميًا، وقدمت العديد من الأخبار الحصرية المتعلقة بكرة القدم حول العالم.