بين الخطأ والصواب.. ما الذي تغير منذ دخول تقنية الـVAR إلى كأس أمم إفريقيا؟
دخلت تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) إلى كأس أمم إفريقيا بهدف الحد من الأخطاء التحكيمية وفرض العدالة داخل الملعب، منذ أول استخدام لها في نسخة 2019، ظهرت التقنية كأداة قوية لتصحيح بعض القرارات الحاسمة، وفي الوقت نفسه كشفت عن نقاط ضعف تنظيمية وتطبيقية أثارت جدلًا واسعًا بين اللاعبين والجماهير والإدارات الفنية.
عبر السنوات، تراوحت تأثيراتها بين لحظات حسم دقيقة للنتائج وأخرى سببت ارتباكًا وتأثيرًا على سير المباريات، وهو ما أشار بأصابع الاتهام إلى الحكام أنفسهم، كون التقنية ما هي إلا عامل مساعد فقط لحكم الساحة في اتخاذ القرارات الصحيحة.
ما بين الوعود الرسمية، والواقع الميداني، والقرارات المثيرة للجدل، تحوّلت تقنية الفيديو في كأس الأمم الأفريقية إلى بطل صامت.. وأحيانًا إلى متهم رئيسي، فما أبرز اللحظات التي صنعت الجدل؟ وكيف أعادت صياغة العلاقة بين الجماهير والحكام والتقنية؟
بداية دخول تقنية الـVAR في كأس أمم إفريقيا 2019
شكّلت نسخة كأس أمم إفريقيا التي أقيمت في مصر عام 2019 أول اختبار حقيقي لتقنية الفيديو في القارة، وإن كان استخدامها مقتصرًا على الأدوار الإقصائية فقط، ومع ذلك، لم يأتِ التطبيق بلا ضجيج.

نيجيريا وجنوب أفريقيا.. جدل اللقطة والزاوية
في ربع نهائي كأس أمم إفريقيا، وجد النيجيريون أنفسهم أمام تقنية لم تُقنعهم منذ اللحظة الأولى، هدف تعادل جنوب أفريقيا جاء بعد مراجعة طويلة من تقنية حكم الفيديو المساعد، وسط شكاوى من غياب وضوح الزوايا المقدّمة للحكم.
طالب المنتخب النيجيري بوجود حالة تسلل واضحة على مهاجم منتخب جنوب إفريقيا، لكن بعد مراجعة طويلة لتقنية حكم الفيديو المساعد، استقر الحكم على احتساب الهدف نظرًا لاصطدام الكرة بجسم إيجالو لاعب نيجيريا ووصولها مباشرةً لمهاجم جنوب إفريقيا زونجو الذي وضعها في الشباك.
ورغم تداخل لاعب جنوب إفريقيا في الهجمة، إلا أن الحكم رأي أنه لم يلمسها، لذا سيكون الهدف صحيح، وسط اعتراضات كبيرة من نجوم منتخب “الأولاد”.
السنغال وتونس.. قرار يشعل النيران
وفي حالة أخرى أثارت الجدل خلال كأس أمم إفريقيا 2019، تراجع الحكم الإثيوبي باملاك تيسيما عن احتساب ركلة جزاء لصالح تونس خلال الشوط الإضافي لمباراتها أمام السنغال في نصف النهائي.
وجاء التراجع بعد مراجعة لمسة يد على إدريسا جانا جاي، لتظل الحالة محل تفسير متباين بين الحكم الرئيسي وحكام الفيديو، وهو ما أعاد طرح مسألة التقدير الشخصي داخل غرفة الـVAR.
هذا الجدل دفع الاتحاد التونسي لكرة القدم إلى إعلان مقاطعة الجمعية العمومية للاتحاد الأفريقي، احتجاجًا على ما اعتبره قرارات مؤثرة في مباراة نصف النهائي.
تطبيق تقنية الفيديو في جميع مباريات كأس أمم إفريقيا 2021
مع اعتماد الـVAR في جميع مباريات نسخة كأس أمم إفريقيا 2021، كان من المفترض أن تكون هذه البطولة نموذجًا للاتساق والعدالة، لكن ما حدث كان أبعد ما يكون عن ذلك. فهذه النسخة أصبحت مسرحًا لأحداث ستبقى في الذاكرة طويلًا.

موقعة مالي وتونس.. أكبر فضيحة في تاريخ كأس أمم إفريقيا
أثارت إدارة اللقاء جدلًا واسعًا بعدما أنهى الحكم الزامبي جاني سيكازوي المباراة للمرة الأولى عند الدقيقة 85، قبل أن يتراجع عن قراره ويستأنف اللعب.
وفي الدقيقة 89 و45 ثانية، أنهى المباراة مرة ثانية، أي قبل اكتمال الوقت الأصلي بـ15 ثانية، وجاء القرار في وقت كان فيه المنتخب المالي يلعب بعشرة لاعبين بعد حالة طرد في الدقيقة 87، وهو ما دفع الجهاز الفني التونسي إلى الاحتجاج بشدة.
وكان الجهاز الفني لنسور قرطاج يعوّل على الدقائق المتبقية، متوقعًا احتساب وقت إضافي لا يقل عن خمس دقائق، نظرًا للتوقفات العديدة خلال المباراة، ومنها تسعة تبديلات، بجانب احتساب ركلتي جزاء، ومراجعتان لـVAR، وفترات علاج لاعبين مصابين، وتوقف لشرب المياه؛ إلا أن إنهاء اللقاء قبل اكتمال الزمن القانوني حال دون احتساب أي وقت بدل ضائع.
وبعد مرور نحو 20 دقيقة على انتهاء المباراة وخروج اللاعبين من أرض الملعب وتسليم جائزة أفضل لاعب لحارس مالي الذي تصدى لركلة جزاء، أبلغت اللجنة المنظمة الفريقين بقرارها استكمال ما تبقى من زمن اللقاء، والمحدد بدقيقة واحدة من الوقت الأصلي ودقيقتين كوقت بدل ضائع.
وافق المنتخب المالي على القرار، وعاد لاعبوه إلى الملعب، كما تولى الحكم الرابع إدارة الدقائق المتبقية بعد استبعاد سيكازوي، فيما حضر حكما التماس لاستئناف اللعب.
لكن المنتخب التونسي رفض العودة إلى أرضية الملعب، معترضًا على ظروف استئناف المباراة وعلى تقدير الزمن المتبقي، واعتبر الحكم الرابع هذا الرفض انسحابًا، ليعلن نهاية المباراة رسميًا للمرة الثانية بفوز مالي 1-0.
لاحقًا تحدّث الكاف عن “ضربة شمس وجفاف”، لكن الضرر كان قد وقع، تحولت المباراة إلى رمز لانهيار ضبط الوقت رغم وجود التكنولوجيا.
بوركينا فاسو والسنغال.. أكثر مباراة شهدت تدخل الـVAR
شهدت مباراة السنغال وبوركينا فاسو في نصف نهائي كأس أمم أفريقيا 2021 واحدة من أكثر الفترات الزمنية امتداداً في البطولة، حيث استمر الشوط الأول لمدة 54 دقيقة تقريبًا، بزيادة تسع دقائق عن وقته الأصلي، وجاء هذا الامتداد نتيجة سلسلة من التوقفات المتتالية، التي ارتبطت بالتحامات بدنية قوية ومراجعات تقنية فيديو متعددة وإصابات أثّرت على نسق اللعب.
إلى جانب الإصابات، أوقف الحكم الشوط الأول ثلاث مرات للعودة إلى تقنية الفيديو المساعد (VAR) للتحقق من ثلاث حالات محتملة لركلات جزاء لصالح السنغال.
الحالة الأولى – الدقيقة 27: خرج الحارس هيرفي كوفي لإبعاد كرة عالية، واصطدم بوجه شيخو كوياتي أثناء الالتحام، ورغم أن المشهد بدا في البداية مرشحًا لاحتساب ركلة جزاء، إلا أن مراجعة الفيديو أكدت أن الحارس لعب الكرة أولًا، ما أدى إلى إلغاء القرار المحتمل، وقد غادر اللاعبان المباراة لاحقًا نتيجة الإصابة.
الحالة الثانية – الدقيقة 40: توغل ساديو ماني داخل منطقة الجزاء وسقط أثناء محاولة السيطرة على الكرة، وبعد الرجوع إلى الفيديو، تبين عدم وجود احتكاك يستوجب ركلة جزاء، ليتم رفض المطالبة مرة أخرى.
الحالة الثالثة – الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع: اصطدمت تسديدة إدريسا جانا جاي بذراع المدافع تابسوبا، ما دفع الحكم للإشارة إلى ركلة جزاء، لكن مراجعة الفيديو أكدت عدم وجود لمسة يد مؤثرة، ليتم إلغاء القرار للمرة الثالثة.
تقنية الفيديو في كأس أمم إفريقيا 2023
إذا كان الجدل في النسخ السابقة جدلًا متوقعًا، فإن نسخة كأس أمم إفريقيا 2023 كانت شيئًا آخر تمامًا: فضائح، تجميد حكام، غضب جماهيري، وعاصفة رقمية غير مسبوقة.

السنغال وساحل العاج.. أكبر أزمة تحكيم في تاريخ الـVAR الأفريقي
هذه الموقعة صنعت العنوان الأكبر للبطولة، حيث شهدت عددًا من الحالات التي أثارت اعتراض المنتخب السنغالي، أبرزها مطالبة الفريق بالحصول على ركلة جزاء في بداية الشوط الثاني إثر سقوط إسماعيلا سار داخل منطقة الجزاء، وهي الحالة التي رفض الحكم احتسابها، كما لم يلجأ إلى تقنية الفيديو لمراجعتها.
وفي بداية المباراة، قام مهاجم منتخب السنغال ساديو ماني بتدخل قوي على أحد لاعبي ساحل العاج، إلا أن الحكم لم يمنحه البطاقة الحمراء، ولم يستعن بتقنية الفيديو المساعد (VAR) لمراجعة الواقعة، واكتفى بالبطاقة الصفراء.
ثم احتسب الحكم ركلة جزاء لصالح كوت ديفوار قبل نهاية الوقت الأصلي بدقائق، بعد تدخل أثار اعتراض لاعبي السنغال، معتبرين أن الحالة تستحق مراجعة تسلل سابق في بداية الهجمة لم يتم مراجعته من خلال تقنية الـVAR.
شهدت أحداث ما بعد المباراة توترًا ملحوظًا، حيث عبّر لاعب السنغال كريبين دياتا عن استيائه الشديد من القرارات التحكيمية، حيث وجه اللاعب انتقادات حادة للحكم في المنطقة المختلطة، قائلًا: “لقد قتلتنا… أنت فاسد”.
كما تساءل دياتا عن سبب عدم مراجعة تقنية الفيديو في حالة إسماعيلا سار، في الوقت الذي جرى فيه اللجوء إليها عند احتساب ركلة جزاء لصالح المنتخب الإيفواري، قائلًا للحكم: “ذهبت إلى الفيديو لمنحهم ركلة جزاء، بينما لاعبنا ينطلق بالكرة داخل المنطقة ولا تريد العودة إلى الفيديو؟”.
على خلفية ذلك، قرر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) استبعاد الحكم الغابوني بيير آتشو من المشاركة في بطولة كأس الأمم الأفريقية 2023، وذلك على خلفية أخطاء تحكيمية ارتكبها خلال مباراة ثمن النهائي بين السنغال وساحل العاج، والتي انتهت بفوز الأخير بركلات الترجيح.
نيجيريا وجنوب أفريقيا.. قرار تاريخي بصافرة مصرية
تولى الحكم المصري أمين عمر مهمة تحكيم مباراة نيجيريا وجنوب إفريقيا في نصف نهائي كأس أمم إفريقيا، ولعل أبرز اللقطات كانت احتساب ركلة جزاء لصالح نيجيريا، سجل منها النسور الهدف الأول عن طريق ويليام تريست إيكونج.
لكن اللقطة التي أثارت جدلًا واسعًا، بعدما سجل المنتخب النيجيري الهدف الثاني في الدقيقة السابعة والثمانين من عمر المباراة، لكن بعد العودة لتقنية الفيديو VAR، ألغى الحكم أمين عمر الهدف، واحتسب ركلة جزاء لصالح منتخب جنوب إفريقيا في لقطة سابقة، ليسجل منها توبهو موكوينا هدف التعادل في الدقيقة 90.

ختامًا، على مدار نسخ البطولة من 2019 حتى 2023، أثبتت تقنية الفيديو المساعد قدرتها على تصحيح بعض الأخطاء الجوهرية وتقديم مساعدة واضحة للحكام في مواقف حساسة.
وفي المقابل، كشفت بعض الحالات عن قيود في التطبيق والتقدير البشري داخل غرفة الـVAR، ما أدى أحيانًا إلى قرارات مثيرة للجدل أثرت على مسار المباريات ورضا الجماهير والفرق.
وبما أن النسخة القادمة 2025 ستقام في المغرب، أحد أكثر الدول الإفريقية تطورًا في السنوات الأخيرة، من المنتظر أن نشهد تطور كذلك على المستوى التحكيمي، سواء من خلال تقنية حكم الفيديو VAR، أو الحكام أنفسهم، وطريقة استخدامهم للتقنية.