بيب جوارديولاتشابي ألونسو365TOPتقارير ومقالات خاصة

ألونسو كلمة السر.. كيف يعيد جوارديولا تشكيل مستقبل ليفربول دون أن يقصد؟

في كرة القدم الأوروبية، هناك لحظات لا تشبه المباريات التي تُلعب على العشب الأخضر، بل تبدو كأنها لعبة هائلة تتحرك فيها الكراسي الموسيقية بين المدربين، وتنهار فيها الأحجار مثل تأثير الدومينو من مدينة لأخرى ومن دوري لآخر، وفي قلب هذا الضجيج، يبرز اسم تشابي ألونسو، المدرب الفيلسوف الذي أصبح فجأة محورًا للتكهنات بعد أن بات مستقبله في ريال مدريد معلقًا بين انتصارات محتملة وهزائم قد تغيّر مسار تاريخه التدريبي بالكامل.

وبسؤال واحد في مؤتمر صحفي عاد تشابي ليوقظ أحلام جماهير ليفربول، بدأت ماكينة الصحافة تتحرك، وبدأت السيناريوهات تتشكّل: هل يكون بيب جوارديولا، دون قصد، هو الرجل الذي يدفع ألونسو نحو مقعد المدير الفني في أنفيلد؟ وهل يتحول سقوط ريال مدريد – إن حدث – على يد مانشستر سيتي إلى أول حجر دومينو في سلسلة ستنتهي عند البوابة الحديدية الشهيرة لملعب أنفيلد؟

تشابي ألونسو - - (المصدر: Getty images)
تشابي ألونسو – – (المصدر: Getty images)

شرارة المؤتمر الصحفي.. حين فتح ألونسو باب المستقبل دون أن يقصده

لم يكن السؤال الذي وُجه إلى تشابي ألونسو في المؤتمر الصحفي قبل مباراة ريال مدريد ومانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا سؤالًا عابرًا، بل كان كافيًا ليحوّل هدوء القاعة إلى ضجيج إعلامي عابر للقارات، أحد الصحفيين سأله بشكل مباشر عن إمكانية توليه تدريب ليفربول يومًا ما، فابتسم ألونسو ابتسامة صغيرة توحي بأنه أحب السؤال، قبل أن يرد بصوت منخفض لكنه واثق: 

لدي علاقة خاصة تربطني بليفربول.. الآن أدرب الفريق الذي أحبه، لكن لا أحد يعلم ما سيحدث في المستقبل

 في ثانية واحدة، تغيّر كل شيء، لم يعد المؤتمر متعلقًا بالمباراة القادمة فقط أو تفاصيل الدوري، بل أصبح مسرحًا مفتوحًا لتأويلات لا تنتهي، أولها متى يتولى ألونسو تدريب ليفربول؟، وإن حدث سيكون بأي طريقة؟

هذه الكلمات القليلة، على هدوئها، كانت بمثابة شرارة أطلقت حريقًا من العناوين والتقارير، فالإدارات الرياضية التقطت الجملة، مواقع التواصل اشتعلت، والجماهير بدأت تربط الكلمات بالمستقبل القريب، بدا الأمر وكأن ألونسو، دون أن يقصد، قد فتح بابًا خلفيًا يُسمح للخيال بالدخول منه، وأن الباب رغم ضيق فتحته، أعاد ليفربول إلى الواجهة كخيار منطقي في مسيرته، الريدز حقل ملئ بالمشاكل ويبدو أن أرني سلوت بات قاب قوسين أو أدنى من الرحيل، لم يكن تشابي مضطرًا لقول كل هذا، لكنه قال ما يكفي ليجعل أوروبا تتوقف لثوانٍ وتعيد قراءة المعنى.

تشابي ألونسو – المصدر (Gettyimages)

ما جعل التصريح أكثر قوة هو أن ألونسو لم يفعل أي شيء لإغلاق الباب الذي فتحه الصحفي، برفض الربط بين مستقبله وليفربول، اكتفى بوضع الكرة في منتصف الطريق: “الآن أدرب الفريق الذي أحبه“.. جملة تعني الحاضر، لكنها لا تتعهد بالمستقبل، وهنا بدأت الشكوك تتوسع، وبدأ الإعلام يبني فوقها سيناريوهات، وبدأت جماهير ليفربول تستعيد صورته وهو يرتدي القميص الأحمر، وهكذا، من سؤال عابر.. ولدت قصة قد تغيّر مستقبل ناديين في نفس اللحظة.

الدومينو يبدأ في مانشستر.. جوارديولا يهز شجرة مدريد

لكن كيف ينتهى المطاف بتشابي لتدريب ليفربول وهو الأن يدرب ريال مدريد؟ الإجابة تأتي من إنجلترا، ولكن تلك المرة من مدينة مانشستر سيتي، يبدأ المشهد بتدخل غير مباشر من بيب جوارديولا، الرجل الذي لا يحتاج للكلمات كي يغيّر موازين القارة العجوز، فبعد صدور قرعة دوري أبطال أوروبا وانتظار مواجهة مانشستر سيتي وريال مدريد، خرجت تقارير سريعة انتشرت كالنار في الهشيم: “إذا خسر ريال مدريد أمام السيتي، قد تتم إقالة ألونسو فورًا” لم يكن أحد بحاجة لتأكيد رسمي؛ مجرد وضع اسم جوارديولا مقابل ريال مدريد كفيل بإثارة الذعر داخل القلعة البيضاء، خصوصًا مع تذبذب النتائج والمشاكل في غرفة الملابس للملكي.

بيب جوارديولا - المصدر (Getty images)
بيب جوارديولا – المصدر (Getty images)

في هذه اللحظة، يظهر بوضوح مفهوم “تأثير الدومينو“، جوارديولا، بسمعته في سحق أحلام المدربين وإعادة صياغة كرة القدم، يمتلك القدرة على تغيير مستقبل منافسه دون حتى أن يقصده، هزيمة ريال مدريد أمام السيتي – حال حدثت – ستكون أكثر من مجرد ثلاث نقاط في دور المجموعات من البطولة؛ بل هي رسالة صادمة للإدارة، للجماهير، ولألونسو نفسه، بأن المشروع الذي دخل إليه بثقة ربما لم يعد يحتمل أي هزة، وفي ريال مدريد، الهزات لا تُناقش بل يُعاقَب عليها فورًا، لأن النادي  بات يغيّر مدربيه كما يغيّر قمصانه للمباريات الكبيرة.

وهكذا، دون أن يجلس جوارديولا في مؤتمر صحفي أو يطلق تصريحًا واحدًا، يصبح اللاعب الأكثر تأثيرًا في مستقبل ألونسو، قد يتحول انتصار واحد للسيتي إلى لحظة مفصلية في مسيرة تشابي، تسقط معها أول قطعة في سلسلة طويلة من التحولات، وربما، دون أن يقصد، سيُعيد جوارديولا رسم خريطة المدربين في أوروبا، ويُجبر ألونسو على ترك مشروعه الحالي والبحث عن كرسي جديد.. كرسي قد يكون موجودًا في أنفيلد، ينتظر من يجلس عليه بعد رحيل سلوت.

الكراسي الموسيقية.. وإذا سقط ألونسو، أين سيجلس؟

إن وجد ألونسو نفسه فجأة خارج مشروع ريال مدريد بسبب نتيجة قاسية أو قرار إداري متعجل، فلن يحتاج للبحث طويلاً، فهناك كرسي واحد يلمع كالجوهرة ويجذب الضوء كله في إنجلترا: كرسي ليفربول، المقعد الذي يشغله الأن مدرب عادي، لكن المقعد وجماهيره يريد من يحمل شيئًا من روح المدينة وتاريخها.

بالنسبة لألونسو، ليفربول لم يكن يومًا محطة عابرة، هو جزء من تكوينه، من شخصيته، من تطوره كلاعب، ذكرياته في أنفيلد محفورة في ذاكرة الجماهير كما هي محفورة في ذاكرته هو، أغنية “You’ll Never Walk Alone” ليست مجرد شعار بالنسبة له؛ إنها لحظة ارتجاف عاشها كل أسبوع، لحظة كانت تصنع منه لاعبًا مختلفًا عن نسخته في أي نادٍ آخر، لذلك، عندما يُطرح اسمه كمدرب محتمل، لا يشعر أحد بأن الأمر غريب.. بل يشعرون بأنه طبيعي، وكأن الفصل الأخير في القصة كُتب منذ سنوات وينتظر التنفيذ فقط.

أما على أرض الواقع، فليفربول يعيش مرحلة انتقالية حساسة بعد رحيل يورجن كلوب، وتدريب الهولندي أرني سلوت للفريق، ويبدو أن العقد الأحمر بات أن يٌنثر في كل مكان بعد سلسلة من الأزمات التي ضربت الريدز في عهده سلوت، فالأن يبدو أن بدء مشروع جديد يحتاج إلى مدرب يحمل مزيجًا نادرًا من الهدوء والحدة، من المهنية والحب الحقيقي للنادي، ألونسو يجسد هذه المعادلة: هدوء أنفيلد الذي يعرفه، وعقلية ريال مدريد التي صقلت شخصيته، ومشروعه الناجح مع ليفركوزن الذي أثبت أنه قادر على البناء من الصفر، كل هذه العناصر تجعل منه خيارًا ليس فقط مناسبًا.. بل خيارًا منطقيًا، وربما قدرًا ينتظر اللحظة المناسبة ليكتمل.

ما القناة الناقلة لمباراة ليفربول ضد آيندهوفن وأين تشاهد مباريات دوري أبطال أوروبا؟
ألكسندر إيزاك – محمد صلاح – كودي جاكبو – ليفربول (المصدر:Gettyimages)

لماذا ليفربول هو البديل الأنسب لألونسو؟

تشكيلة جاهزة لأسلوبه.. أسلوب تشابي ألونسو التكتيكي قائم على الهيكلة المحكمة، والضغط الذكي، والتحولات السريعة المبنية على دقة التمرير، وكلها عناصر تحتاج إلى لاعبين بخصائص محددة تمامًا، في ليفربول، سيجد ألونسو بيئة مهيأة لاستقبال فلسفته دون مقاومة، خاصة وأن النادي بات يبحث عن لمسة جديدة بعد رحيل كلوب فشل في وضعها سلوت من بعده، هناك أسماء داخل الفريق الحالي يمكن أن تتطور تحت قيادته بسهولة، ومع إبرام النادي لصفقات من طراز فيرتز أو فريمبونج يصبح الانتقال تكتيكيًا أقل تعقيدًا، كيف لا وهما نفس اللاعبين الذين اعتمد عليهم حينما كان يتولى تدريب باير ليفركوزن.

وجود هؤلاء سيخلق لألونسو نموذجًا قريبًا من الفريق الذي بنى به مجده في ليفركوزن، ما يمنحه أفضلية كبيرة في فرض أسلوبه بسرعة دون الحاجة لسنوات من إعادة البناء، بالإضافة إلى عناصر مثل إيزاك وصلاح وكيركز وغيرهم، سيكون ألوسنو كمن وجد كنز من المواهب الكروية لا ينقصه سوى أن يجعله متجانس، هذا ينسجم تمامًا مع رؤية ألونسو القائمة على تطوير المواهب وصقلها، لا الاعتماد على النجومية الجاهزة، كل هذه العوامل تجعل البيئة الفنية في ليفربول مناسبة لتطبيق فلسفته بصورة سلسة وفعالة.

مشكلة ثانوية فقط تنتظر ألونسو مع ليفربول

ورغم هذه المواءمة المثالية، فقد يواجه ألونسو تحديًا تكتيكيًا واحدًا: وجود لاعبين متشابهين في الأدوار الهجومية، مثل إيزاك وإيكيتيكي إذا اجتمعا في التشكيلة المستقبلية، هذا التشابه قد يخلق تداخلًا في الأدوار داخل منطقة الجزاء أو على مستوى الضغط الأمامي، لكن مثل هذه العقبات بالنسبة لمدرب بحجم وخبرة ألونسو ليست إلا تفاصيل صغيرة يمكن معالجتها، فالرجل أثبت في ليفركوزن وريال مدريد قدرته على إعادة توظيف اللاعبين، وتدوير الأدوار، وصناعة حلول هجومية متعددة دون فقدان هوية الفريق.

ليفربول ضد سندرلاند: أين تشاهد مباريات الدوري الإنجليزي 2026؟
أليكسيس ماك أليستر – هوجو إيكيتيكي – ليفربول (المصدر:Gettyimages)

إعادة تشكيل المساحات، لعب أحدهما كمهاجم وهمي، أو تبديل تموضعهما داخل الثلث الأخير، كلها خيارات سيجدها ألونسو متاحة أمامه، وبالتالي، ورغم أن هذه النقطة قد تُطرح كعائق، إلا أنها لا تبدو سوى تحدٍ بسيط في مشروع أكبر وأكثر قوة.

التقدير الجماهيري والمحيط الهادئ

أهم نقطة قد تدفع ألونسو نحو أنفيلد ليست تكتيكية بالأساس، بل بشرية ونفسية في المقام الأول، فليفربول ليس ريال مدريد، حيث تتكدس الأسماء الثقيلة، وتتضخم “الأنا”، وتتحول غرفة الملابس في بعض الأحيان إلى ساحة صراعات تؤثر في مسيرة أي مدرب، في أنفيلد، الصورة مختلفة تمامًا: هناك جماعية، احترام، وبيئة مستقرة يحكمها الانتماء أكثر من الشهرة، وهذا ما يحتاجه مشروع مدرب يريد بناء فريق بملامح واضحة وشخصية متماسكة.

الجماهير في ليفربول أيضًا قادرة على احتضان ألونسو منذ اللحظة الأولى، فهو ليس مدربًا غريبًا عنها، بل أحد أبنائها، ورمز من رموز جيل ذهبي عاشته المدينة بكل تفاصيله، هذا الاحتضان الجماهيري يمنح أي مدرب ثقة نادرة، ويقلل من الضغط الخارجي الذي قد يُعطل المشروع قبل أن يكتمل، هنا لن يجد ألونسو تمردًا في غرفة الملابس، ولا انقسامات داخلية، بل سيجد جمهورًا يقف معه في كل خطوة، وإدارة تبحث عن استقرار طويل الأمد، لا نتائج وقتية.

باير ليفركوزن ضد بوروسيا دورتموند - تشابي ألونسو
تشابي ألونسو – باير ليفركوزن (المصدر Gettyimages)

جوارديولا.. من الخصم التاريخي إلى صانع مستقبل ليفربول

في مفارقة تبدو أقرب لسيناريو رواية كروية لا تخضع للمنطق التقليدي، يظهر اسم بيب جوارديولا، الخصم اللدود لليفربول والجماهير الحمراء لسنوات، كأحد أهم العوامل غير المباشرة التي قد تصنع مستقبل النادي في الحقبة القادمة، الرجل الذي أرهق ليفربول في مسيرة كلوب، ورفع معه سقف المنافسة في الدوري الإنجليزي إلى مستوى غير مسبوق، قد يصبح فجأة جزءًا أساسيًا – دون أن يشعر – في عملية انتقال تشابي ألونسو إلى مقعد المدير الفني في أنفيلد، وكأن الزمن يرسم خطوطًا جديدة للعلاقة بين أعداء الأمس، ليوضع جوارديولا، بشكل غير متوقع، في زاوية “المساهم” في مشروع ليفربول المقبل.

كل ما يحتاجه الأمر هو انتصار لمانشستر سيتي على ريال مدريد في دوري الأبطال، نتيجة قد تبدو عادية للجماهير، لكنها من الداخل تحمل آثارًا مُزلزلة، فهزيمة ريال مدريد أمام سيتي لا تعتبر مجرد خسارة، بل صدمة إدراية تهز أركان النادي، وتعيد فتح ملف مستقبل المدرب فورًا، سقوط ألونسو في هذا السياق قد يدفعه خارج المشروع المدريدي، ويحرّك سلسلة من ردود الفعل المتتابعة، مثل قطع الدومينو التي تنهار واحدة بعد الأخرى، لتصل في النهاية إلى كرسي ليفربول الشاغر – حال إقالة أرني سلوت– .. كرسي يبحث عن مدرب صاحب عقلية قوية وبصمة واضحة.

وبذلك، ومن دون أن ينطق جوارديولا بكلمة أو يشارك في أي قرار خارج الملعب، قد يصبح بطريقة غير مباشرة العامل الأول في عودة تشابي ألونسو إلى بيته القديم، المفارقة هنا ليست في تأثير جوارديولا على مستقبل منافس، فهذا أمر اعتادت عليه كرة القدم، بل في أن تأثيره هذه المرة قد يخدم خصمه التاريخي ليفربول، وهكذا، يجد الريدز أنفسهم على أعتاب حقبة جديدة، ربما تبدأ بالفعل من تسديدة أو تمريرة في ملعب الاتحاد.. تمريرة لم يقصد جوارديولا أن تصنع التاريخ، لكنها فعلت.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.