ملعب على أنقاض الموج.. كيف جفّف إيفرتون البحر ليشيّد حلمه الجديد؟
في عالم كرة القدم؛ معروف أن الملاعب تُبنى على الأرض الصلبة، لكن هل تخيلّت يومًا أن يُبنى ملعبًا على الأمواج؟ بمعنى أوضح، أن يتم تجفيف مياه البحر لتشييد ستاد ثم يعود المشهد كما كان؟ هذا ما فعله تمامًا نادي إيفرتون الإنجليزي.
في خضم سلسلة متواصلة من الأزمات التي عانى منها إيفرتون خلال نصف العقد الماضي، كان النادي يضع الأساس لملعب جديد مذهل يأمل أن يشكل بداية عصر جديد من النجاح، يُطلق عليه اسم “هيل ديكينسون”، بينما تم ترك ملعب جوديسون بارك لفريق السيدات والأكاديمية.
الجدير بالذكر أن هيل ديكينسون هو مكتب محاماة مقره ليفربول، تأسس في عام 1810، أي قبل 68 عامًا من تأسيس فريق كرة القدم، وأشار نادي إيفرتون إلى إن الشراكة هي اتفاقية طويلة الأمد وواحدة من أكبر صفقات حقوق تسمية الملاعب في أوروبا.

تكلفة وتفاصيل ملعب إيفرتون الجديد – هيل ديكينسون
الملعب على بُعد ميلين من ملعب جوديسون بارك فوق رصيف براملي مور بجانب نهر الميرسي، على أرض مملوكة لشركة بيل القابضة ومؤجرة للنادي، استغرق بنائه أربع سنوات بتكلفة تقدر بأكثر من 750 مليون جنيه إسترليني، تبلغ سعة الملعب 52,769 مقعدًا وهو سابع أكبر ملعب في الدوري الإنجليزي الممتاز.
يقع ملعب إيفرتون الجديد على موقع على الواجهة البحرية في Bramley-Moore Dock في شمال ليفربول، المدرج الجنوبي هو المدرج الرئيسي المخصص للملعب ويتميز بمدرج شديد الانحدار مقسم إلى قسمين مع مقاعد في جميع أنحاء القسم السفلي.
يُطل الجانب الغربي على بحر ميرسي والبحر الأيرلندي، ويضم تراسًا خارجيًا، حيث يُمكن للجماهير الجلوس والاستمتاع بالمناظر الخلابة أو مشاهدة اللاعبين وهم يصِلون ويدخلون المبنى عبر نفق في التراس.
كما ستكون الأجزاء الأخرى من الملعب قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الأشخاص، ستستضيف المباراة التجريبية الثانية في سلسلة Ashes لدوري الرجبي هذا العام وهي واحدة من الملاعب المضيفة لبطولة كرة القدم الأوروبية 2028، وسيكون الملعب أيضًا وجهة لأحداث رياضية وموسيقية وترفيهية أخرى.
We made it happen. Together. 🏟️💙 pic.twitter.com/Q4FcQdITpk
— Everton (@Everton) August 24, 2025
يتم الإشارة إلى تصميم الجمالون المميز الذي استخدمه المهندس المعماري أرشيبالد ليتش في درابزين مدرجات طريق بولينز في جوديسون بارك هنا في كل فرصة – في درابزينات رصيف الميناء، وجوانب المقاعد الجاهزة في الساحة وبشكل دقيق للغاية في ترتيب الطوب الملون المستخدم في جوانب الملعب.
يمكن للجماهير المشي عبر نفق اللاعبين إلى الملعب، وسيجدوا أنفسهم أمام بحرٍ من المقاعد الزرقاء، تقع هذه المقاعد على مقربة من الملعب، وهي مائلة بشكل حاد لإبقاء الجميع على مقربة من الحدث، حيث تقل زاوية الميلان بمقدار 0.1 درجة فقط عن الحد الأقصى المسموح به لمباريات البولينج في الملعب، وهو 35 درجة.
كما هو متوقع في الملاعب الحديثة، توجد شاشات كبيرة في الطرفين الجنوبي والشمالي حتى يتمكن المتفرجون من مشاهدة الإعادة واللقطات القريبة من الحدث بينما يحافظ السقف المتدلي على الجماهير من الشمس أو الأمطار، كما هناك فئات مختلفة من المقاعد – مقاعد بلاستيكية أساسية، ومقاعد زرقاء مبطنة، وفي أول ملعب كرة قدم أوروبي، مقاعد متكئة تهدف إلى تقديم تجربة تشبه مقاعد السينما الفاخرة.
First night game at Hill Dickinson Stadium ✅
— Everton (@Everton) August 27, 2025
Onwards, Evertonians… 🔵⚪️ pic.twitter.com/Kye18x4apZ
تتوفر مجموعة مختارة من المطاعم، بما في ذلك مطعم “بيوند”، المجاور لنفق اللاعبين، والذي يتميز بزجاج أحادي الاتجاه، الدخول إلى هذه المطاعم متاح ضمن باقات عضوية متنوعة، بينما سيكتفي المشجعون الآخرون بمنافذ الطعام والشراب في الممرات، حيث تتوفر البرجر والدجاج المقلي، والدوناتس، كما يتميز المدرج الجنوبي بمنطقة زجاجية تُطل على نهر الميرسي والمدينة الواقعة جنوبًا.
كيف بُني ملعب إيفرتون الجديد فوق البحر؟
لم يكن بناء ملعب إيفرتون الجديد مشروعًا عاديًا؛ فهو شُيّد فوق حوض براملي مور التاريخي، الذي كان في الأصل جزءًا من البحر ومتصلًا بنهر ميرسي، الفكرة نفسها كانت بمثابة تحدٍ للطبيعة؛ تحويل مساحة مائية قديمة إلى أرض صلبة تحتمل بناء ملعب ضخم يتسع لعشرات الآلاف.
الخطوة الأولى كانت مسح قاع الحوض وتنظيفه، وبما أن الأحواض البحرية في ليفربول كانت هدفًا للقصف خلال الحرب العالمية الثانية، كان هناك خطر العثور على ذخائر غير منفجرة، وبالفعل، اكتشف الغواصون 12 قذيفة مدفعية أُزيلت على الفور بواسطة البحرية.
What a sight. 🤩
— Everton (@Everton) August 27, 2025
Get down to Hill Dickinson Stadium early and soak up all the pre-match atmosphere. Entertainment in the Budweiser Plaza will be running from 4.45pm. 🔵 pic.twitter.com/SeLUnu3XiT
بدلًا من إزالة كل الطمي والرواسب من قاع الحوض – وهي عملية مرهقة ومكلفة – قرر المهندسون ردم الرصيف مباشرة بالرمال، استعانوا بشركة هولندية متخصصة جلبت آلاف الأطنان من الرمال من قاع البحر الأيرلندي، وخلطتها بالماء ثم ضختها في الحوض.
بعد ذلك جرى ضغط الرمال بمطارق ضخمة يصل وزن الواحدة منها إلى 19 طنًا، لتتحول إلى قاعدة صلبة يمكن البناء عليها، بهذا الشكل، صار البحر نفسه هو الأساس الذي يحمل الملعب، بعد تثبيت القاعدة، أصبح الموقع جاهزًا للبناء وكأنه أرض عادية، لكن مع تحديات إضافية مثل الرياح القوية والمد والجزر.
لتقليل المخاطر، اعتمد المشروع على التصنيع المسبق والبناء المعياري:
- الأجزاء الخرسانية والطوب جرى تصنيعها في المصانع كألواح جاهزة ثم نُقلت للموقع للتركيب.
- الهياكل الفولاذية والسقف بُنيت على الأرض، ثم رُفعت دفعة واحدة في الأوقات التي كان الطقس فيها مستقرًا.
Tomorrow: our @premierleague debut. ✨#EVEBHA pic.twitter.com/1lfcADu03c
— Hill Dickinson Stadium (@EvertonStadium) August 23, 2025
هذه التقنيات وفّرت وقتًا وجهدًا كبيرين، وقلّلت عدد العمال المطلوبين في الموقع، حيث وصل العدد الأقصى إلى 1300 بدلًا من 3000، والنتيجة كانت أيقونة معمارية جديدة تطل على نهر ميرسي، بُنيت فوق مكان كان قبل سنوات قليلة جزءًا من البحر.
هكذا أثبخ ملعب إيفرتون الجديد ليس مجرد بيتٍ لفريق كرة القدم، بل نصبًا هندسيًا يحكي أن الإنسان يمكنه أن يجفف البحر ليزرع فوقه حلمًا، وأن كرة القدم قد تتحول أحيانًا إلى معمارٍ يتحدى الطبيعة نفسها.