لايت 365أخباربطولات ودورياتتقارير ومقالات خاصة

الملعب يتحول إلى منصة مقاومة.. النرويج تتحدى الكيان الصهيوني

في أوسلو، المدينة التي ارتبط اسمها يومًا باتفاقيات السلام، تتحوّل مدرجات ملعب “أوليفال” إلى مشهدٍ رمزي يعكس صراعًا أعمق من مجرد مباراة كرة قدم؛ حين يستضيف منتخب النرويج نظيره القادم من الكيان الصهيوني ضمن تصفيات كأس العالم 2026، لم تعد القصة تتعلق بنقاطٍ أو تأهل، بل بموقفٍ أخلاقيٍّ واضح من بلدٍ قرّر أن يصطفّ إلى جانب الإنسانية.

منذ لحظة إعلان المواجهة، أظهر منتخب الأسود نواياه بشفافية نادرة؛ الاتحاد النرويجي لكرة القدم أعلن تخصيص جميع عائدات المباراة لصالح جهود الإغاثة الإنسانية لشعب غزة الباسل، في خطوةٍ حولت اللقاء من منافسةٍ رياضية إلى رسالةٍ سياسية وإنسانية قوية، أثارت غضب الكيان الصهيوني وأشعلت جدلاً واسعًا في الأوساط الأوروبية.

النرويج تُحرج الكيان الصهيوني.. من أرض السلام إلى ساحة المقاومة

ليست هذه المباراة مجرد لقاء في جدول التصفيات، بل حدث يحمل رمزية تتجاوز الرياضة، المدرجات النرويجية امتلأت بالأعلام الفلسطينية الصغيرة التي سمحت بها السلطات، في مشهدٍ يلخص فلسفة الرياضة حين تتحول إلى صوتٍ للمظلومين.

منتخب النرويج - المصدر: gettyimages
منتخب النرويج – المصدر: gettyimages

اللجنة الفلسطينية في النرويج أعلنت تنظيم مسيرة تحت شعار “بطاقة حمراء للكيان الصهيوني”، بالتوازي مع المباراة، لتكون الرسالة واحدة داخل وخارج الملعب: العدالة الإنسانية قبل الأهداف.

حتى الاتحاد النرويجي نفسه خرج عن صمته التقليدي، وأدان في بيان رسمي “الهجمات غير المتناسبة ضد المدنيين الأبرياء في غزة”، مؤكدًا أن الصراع الدائر في الشرق الأوسط “يتجاوز البعد الرياضي”.

على الرغم أن الأيام الأخيرة تشهد اتفاقيات تهدف لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والمدن المجاورة داخل فلسطين المحتلة، إلا أن تلك الكلمات البسيطة، لكنها الثقيلة في قيمتها، كانت كفيلة بتحويل الملعب إلى منصةٍ مقاومةٍ لا تشبه أي مدرج آخر في أوروبا.

ليزا كلافنيس.. ضمير اللعبة يقف في وجه الصمت

رئيسة الاتحاد النرويجي لكرة القدم، ليزا كلافنيس، لم تتردد في التعبير عن موقفها الحازم، فهي ترى أن الكيل بمكيالين في الرياضة يضرب العدالة في الصميم، وقالتها بوضوح: “حين استُبعدت روسيا بعد غزو أوكرانيا، يجب أن يُعامل الكيان الصهيوني بالمثل”.

كلماتها أحدثت صدى واسعًا، ليس فقط في الأوساط الرياضية، بل في الساحة السياسية الأوروبية بأكملها، ولأنها محامية سابقة ولاعبة دولية سابقة أيضًا، تدرك كلافنيس أن الرياضة ليست بمعزلٍ عن الأخلاق.

في نظرها، كرة القدم لا يمكن أن تكون مساحة للحياد حين تُنتهك القوانين الدولية، بل منصة لقول الحقيقة، حتى لو كانت مؤلمة، وهكذا أصبحت النرويج أول دولة أوروبية تُعلن موقفًا رسميًا صريحًا من الاحتلال عبر كرة القدم.

مدرجات النرويج تُنادي غزة.. وتنبُذ الكيان الصهيوني

جماهير النرويج فهمت الرسالة على الفور، التذاكر بيعت بالكامل، لا حبًا في النتيجة فقط، بل دعمًا للغزيين، فكل تذكرةٍ تُباع تُترجم إلى تبرعٍ جديد يذهب إلى المستشفيات والمدارس المدمّرة في القطاع الذي شهد عامين من الدمار الشامل، والإبادة الجماعية وحرب التجويع وتشريد الشعب من موطنه وكل أنواع الجرائم الشنيعة.

المشهد بدا إنسانيًا بقدر ما هو رياضي، والجمهور الذي جاء لتشجيع منتخب بلاده، وجد نفسه يهتف أيضًا باسم غزة، في الوقت نفسه، حاول الكيان الصهيوني الرد بسخرية عبر بيانٍ رسمي، وصف فيه الخطوة النرويجية بأنها “تحويل لكرة القدم إلى حملة تضامن”؛ لكنّ الرد جاء أبلغ من أي تصريح: مدرجات أوليفال رفعت العلم الفلسطيني.

النرويج اليوم لا تبحث عن فوزٍ في جدول التصفيات بقدر ما تبحث عن انتصارٍ أخلاقي في سجلّ التاريخ، من خلال كرة القدم، استطاعت أن تقول ما لم يجرؤ كثيرون على قوله علنًا، أن الرياضة لا يمكن أن تبقى صامتة أمام إراقة الدماء.

وهكذا، أثبتت النرويج أن الملاعب ليست فقط لرفع الكؤوس، بل أيضًا لرفع الصوت، وأن الهدف الأجمل ليس ما يهزّ الشباك، بل ما يوقظ الضمير.

عنان رضا

صحفية رياضية منذ 2018، لدي خبرة في كتابة الأخبار العالمية والمحلية وأخبار المحترفين، ولدي أيضًا خبرة في مجال الترجمة باللغتين الإسبانية والإنجليزية، بالإضافة إلى إهتمامي بمتابعة ما وراء الحياة الشخصية للاعبي كرة القدم في كافة أنحاء العالم، وكتابة القصص الإخبارية عنهم.