البرازيلالمغرب365TOPالمغرب

مجموعة المغرب والبرازيل.. أسود الأطلس يطاردون الحلم المسروق من مونديال 98

التاريخ لا ينسى.. والقدر لا يعيد نفسه عبثاً، ففي كرة القدم، لا تُغلق كل الصفحات، بعض القصص تظل مفتوحة مهما مرّ الزمن، تنتظر لحظة إعادة الكتابة، ولحظة المواجهة التي تُطفئ ناراً ظلّت مشتعلة في صدور الجماهير، وعندما أعلنت قرعة كأس العالم 2026 عن مجموعة ضمت المغرب، البرازيل، واسكتلندا، كان وقع الخبر أشبه بصدمة زمنية.. كأن العالم يعود فجأة إلى عام 1998، إلى فرنسا، إلى المونديال الذي خُطف فيه حلم مغربي مشروع.

اليوم المشهد يتكرر، لكن الظروف مختلفة، والأطراف تغيرت، ونبرة القوة تبدلت، المغرب لم يعد ذلك المنتخب الذي تقف أمامه الحسابات السياسية والكروية، المغرب اليوم رابع العالم، دخل زمن الكبار، وخرج من عباءة الصدفة إلى عباءة القوة، والبرازيل لم تعد تلك الأسطورة التي لا تُقهر، بينما اسكتلندا لم تعد ذلك المنتخب الصلب الذي يمكن أن يعطل حسابات مجموعة كاملة. إنه ليس مجرد مونديال جديد.. إنه عودة المسألة التي لم تُحسم منذ 26 عاماً.

تصنيف قرعة كأس العالم 2026
كأس العالم 2025 – (المصدر: Getty images)

مونديال 1998.. جيل ذهبي يكتب أجمل البدايات

قبل بداية مونديال فرنسا 1998، كان من الواضح أن المنتخب المغربي يملك جيلاً استثنائياً، لاعبون بثقافة احترافية نادرة في ذلك الوقت، ومزيج من المهارة والقوة والشخصية، كان مصطفى حاجي أيقونة المهارة والإبداع، بينما حمل نور الدين نيبت لواء القيادة بثبات وصلابة أوروبية، وبرزت أسماء شيبو، بصير، كماتشو، شمس الدين الغرفاوي وغيرهم كركائز لمنتخب قادر على تجاوز حدود القارة الإفريقية نحو صدارة المشهد العالمي، وقد خلق هذا الفريق انسجاماً غريباً بين اللاعبين والجماهير، فأصبح المغاربة يشعرون للمرة الأولى منذ 1986 أن منتخبهم قادر على فعل المستحيل في أكبر بطولة كروية.

مجموعة معقدة لكنها لم تخفِ الأسود، وقع المغرب في مجموعة تضم البرازيل بطلة العالم، والنرويج بمنتخبها القوي، واسكتلندا بصلابتها التقليدية، ورغم ذلك، لم ترتجف الأقدام، كانت أول مباراة أمام النرويج بمثابة إعلان عن نوايا المغرب: تعادل 2–2، لكن بأداء هجومي جريء، وهدف من أجمل أهداف المونديال سجله مصطفى حاجي بعد مراوغة تاريخية، ورغم التعادل، شعر الجميع أن هذا الفريق لديه ما هو أكبر.

خسارة البرازيل.. لكن المعنويات لم تتراجع، في الجولة الثانية، خسر المغرب 3–0 أمام البرازيل، لكن النتيجة لم تعبّر عن واقع المباراة، فقد أظهر الأسود شجاعة كبيرة أمام فريق عالمي يضم رونالدو، ريفالدو، بيبيتو، ودونغا. وفي المقابل تعادلت النرويج واسكتلندا، ما جعل الأمور مفتوحة تماماً قبل الجولة الأخيرة.

بعد جولتين، أصبحت الحسابات بسيطة: المغرب يحتاج للفوز على اسكتلندا، النرويج تحتاج للفوز على البرازيل، وهو أمر كان يبدو شبه مستحيل، البرازيل ضمنت التأهل، لكنها كانت دائماً تسعى لتحقيق العلامة الكاملة في الدور الأول، وبذلك، كان الطريق مفتوحاً نظرياً نحو التأهل.

ليلة اسكتلندا.. حين لامست المغرب الحلم

دخل المغرب المباراة أمام اسكتلندا بشراسة واضحة. لم يكن الفوز مجرد هدف بل كان مسألة حياة أو موت، سجّل صلاح الدين بصير هدفين رائعين، بينما أضاف كماتشو الهدف الثالث ليصنع المنتخب واحدة من أجمل مبارياته في التاريخ، ارتفعت الأصوات في كل مدينة مغربية تحتفل، أما اللاعبون فكانوا في انتظار صافرة نهاية مباراة البرازيل والنرويج.. صافرة كانت كفيلة بأن تكتب التاريخ مرة أخرى.

في الدقيقة 78، من مباراة البرازيل والنرويج سجل بيبيتو هدف التقدم للبرازيل، في تلك اللحظة، انفجرت الاحتفالات، كان الجميع يشعر أن الحلم قاب قوسين أو أدنى، وأن المغرب بات على بعد دقائق من العبور.

منتخب المغرب
منتخب المغرب

عشر دقائق هزت العالم.. مؤامرة أم تهاون؟

ما حدث بعد الدقيقة 78 ظل لغزاً حتى اليوم. البرازيل التي كانت تفرض سيطرتها، ظهرت فجأة مرتبكة، مفتوحة الدفاعات، بلا ضغط، بلا تركيز، هذا الفريق نفسه الذي لم يسمح للنرويج بفرصة سهلة طوال المباراة، منحها فجأة مساحات واسعة للتقدم، في الدقيقة 83، سجل “توري أندري فلو” هدف التعادل للنرويج، وفي الدقيقة 89، حصلت النرويج على ركلة جزاء مثيرة للجدل، ترجمها “ريكدال” إلى هدف الفوز.

قُلبت الطاولة في عشر دقائق.. عشر دقائق اعتبرتها الصحف العالمية وقتها “الأغرب في تاريخ دور المجموعات بالمونديال”، كان المشهد قاسياً، اللاعبون على أرض الملعب علموا بالنتيجة، والجماهير في المدرجات تجمدت في مكانها، لم يكن الخروج من المونديال عادياً.. كان خروجاً مصحوباً بمرارة، بإحساس واضح بأن العدالة لم تُطبَّق

2026.. القدر يعيد الأطراف نفسها

بعد إنجاز كأس العالم الأخير، أصبح المغرب إحدى القوى الكبرى في كرة القدم، تطور تكتيكي، جهاز فني محترف، لاعبين عالميين، بنية كروية قوية، وجماهير تؤمن بمنتخبها بلا شروط، المغرب اليوم لا يدخل أي مجموعة كأضعف طرف.. بل كمرشح قوي للتأهل، وربما لتصدر المجموعة.

تشكيل منتخب البرازيل ضد بوليفيا في تصفيات كأس العالم 2026
فينيسيوس جونيور – رافينيا – منتخب البرازيل (المصدر:Gettyimages)

البرازيل التي كانت لا تُهزم أصبحت فريقاً يبحث عن نفسه، رغم استمرار وجود المواهب، إلا أن قوة الشخصية والهيمنة القديمة تراجعت، لم يعد الخصم الذي يفرض الرعب كما في السابق، ولأول مرة منذ عقود.. قد ينظر البرازيليون إلى المغرب بصفته خصماً خطيراً، وبالنسبة لمنتخب اسكتلندا لم تعد تلك الدولة الكروية الصلبة التي عرفها العالم في التسعينيات، تراجع المستوى العام، وصار المنتخب أقل تنظيماً وقوة، ما يمنح المغرب الأفضلية في المواجهة المرتقبة.

التاريخ يعود.. لكن المغرب هذه المرة مستعد

كرة القدم كانت دائماً لعبة غير عادلة، لعبة يمكن أن ترفعك إلى السماء في لحظة، وأن تهوي بك إلى القاع في لحظة أخرى دون مقدمات، لعبة قد تخذلك حين تظن أنك الأقرب، وقد تمنحك المستحيل حين تفقد الأمل، لكنها، رغم كل قسوتها، لا تستطيع أبداً أن تمحو ذاكرة الشعوب، ولا أن تُسكِت صوت الجماهير التي عاشت الخيبة وذاقت الظلم، وهناك منتخبات تُولد كي تعود، كي تثأر، كي تستعيد ما سُلب منها.. والمغرب واحد من تلك المنتخبات.

واليوم، يعيد القدر رسم نفس الصورة التي رسمها قبل ستةٍ وعشرين عاماً، نفس المجموعة تقريبا، نفس الأطراف، نفس الأعلام، لكن السياق مختلف تماماً، فالمغرب لم يعد ذلك الفريق الذي يقف بين العملاق الأوروبي والنجم اللاتيني منتظراً خدمة تأتي من مباراة ثانية، المغرب اليوم يدخل البطولة بثقة بطلٍ يعرف قدر نفسه، منتخب يملك مشروعاً، جيلاً، وواقعية أوروبية لا تقل عن عزيمة إفريقية متجذرة في الروح.

منتخب المغرب - كأس العرب (تصوير عمر الناصري)
منتخب المغرب – كأس العرب (تصوير عمر الناصري)

هكذا يبدو المشهد الآن: السيناريو كُتب والبطولة على وشك أن تبدأ.. والملعب وحده سيحسم، لكن شيئاً واحداً لا جدال فيه: أن الشعور العام في المغرب ليس شعوراً عادياً ولا مجرد حماس مونديالي. 

إنه شعور بالعودة إلى صفحة لم تُطوَ، إلى قصة لم تُختم، إلى جرح ينتظر لحظة الشفاء، هذه المرة للثأر صوت واضح، وللمغرب كلمة لن تُقال همساً، بل تُكتب بأقدام اللاعبين، وتُسمع في المدرجات، وتُعلن للعالم بأن الزمن تغيّر.. وأن المغرب عاد ليس لأخذ حقه فقط، بل ليثبت أنه اليوم من الكبار، هذه المرة.. التاريخ لن يعيد نفسه كما كان؛ بل كما يريد المغرب أن يكون.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.