الفارق بين منتخب المغرب ومصر.. منظومة آمنت بالشباب وأخرى سجينة الماضي
في الزحام الصاخب للبطولات الكبرى، حين تُقاس الأمم لا فقط بعدد الألقاب، بل بقدرتها على النهوض والبناء، ظهر منتخب المغرب للشباب كـ«أسد» لم يعد شبلًا صغيرًا، فصمم على تمزيق لُبدته القديمة، ونسج أخرى جديدة من خيوط الحاضر لا من عبق التاريخ.. أسدٌ لم يزأر عبثًا، بل شحذ مخالبه جيدًا، واستعد منذ سنوات لهذه اللحظة، فبلغ نهائي كأس العالم تحت 20 عامًا في نسخته الحالية، بعد ملحمة كروية سطرها طوال البطولة أطاح خلالها بكبار العالم.
ليُمثل الفارق بينه وبين «فرعون» جلس في الجهة المقابلة من القارة السمراء، مُحاطًا بظلال مجد تآكل، يتأمل تاج أجداده الذهبي الذي تهاوى من على رأسه، بعدما ودّع منتخب مصر للشباب المونديال من الباب الصغير بأداء باهت وتبريرات تزيد الجراح عمقًا، بل لتصل إلى حد الوقاحة.
ما بين واقع المغرب وحلم مصر.. حكاية تخطيط وإيمان
المفارقة لا تكمن في الفوز والخسارة، بل في النية والتخطيط والإيمان بالذات، المغرب لم تدخل البطولة كاسم كبير في عالم الشباب ولم يتوقع أكثر المتفائلين بلوغها لنهائي البطولة الأكبر في عالم الشباب، فدخل «أشبال أطلس» البطولة كمنظومة تعرف طريقها جيدًا.. منظومة راهنت منذ عام 2015 على الاستثمار في قطاعات الناشئين وتطويرها بوضع استراتيجيات واضحة، فطورت أكاديمية محمد السادس لتكون مصنعًا للنجوم، بالإضافة إلى أكاديمية نادي الرجاء الرياضي، وأكاديمية دعم ومواكبة الشباب التي تركز على القيادة الرقمية وجلبت مدربين متخصصين لتطوير عقلية اللاعبين الناشئين، لا مجرد لياقتهم.
فاليوم، بات منتخب المغرب للشباب لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل القارة الإفريقية في المحافل العالمية، بنهج احترافي وفكر طويل المدى، ليبرهن للعالم أجمع أن هذا هو «الأسد» الذي فهم قواعد اللعبة الجديدة، وأعد نفسه مسبقا لكل الإحتمالات الواردة كي يتمكن من مناطحة الكبار على الساحة الكروية.
وفي المقابل، يقف منتخب مصر للشباب، وإرث أمجاد سبعة ألقاب لكأس أمم إفريقيا حصدها المنتخب الأول، لكن بلا خطة، بلا بِنية، بلا عقل جماعي، وخروج مرير من دور المجموعات، لا لأنه ضعيف، بل لأنه لم يؤمن يومًا بإمكانياته.
تصريحات نازفة.. عندما يكشف المدرب ضعف المنظومة
وتفاقمت الأزمة بعدما خرج أسامة نبيه، مدرب منتخب مصر في تصريحات تلفزيونية، ليقول على الهواء مباشرة: “نحن لا نستطيع التغلب على اليابان أو نيوزيلندا”.
لم تكن تلك العبارة مجرد زلة لسان عابرة، بل إعلان صارخ عن الحالة المعنوية التي يعيشها منتخب مصر للشباب، ومؤشر على مدى الهشاشة الذهنية لدى جهاز فني يُفترض أن يغرس في لاعبيه فكرة أنهم الأفضل، وفي المقابل، كان المغرب يُسقط فرنسا بكافة مواهبها وأسمائها الرنانة بركلات الترجيح، بعد أن أسقط قبلها البرازيل، وإسبانيا، وكوريا، وأمريكا، على مدار البطولة، فلم يقل أحد منهم لا نستطيع بل كان لسان حالهم..”سنُفاجئ العالم.. نحن نقدر” وهو ما كان.

من يحمل مسؤولية انهيار عزيمة الشباب والمستوى المذل؟
فأكمل أسامة نبيه حديثه وهو يقول إن الخروج “ليس إخفاقًا، بل سوء توفيق”، ثم يُحمل اللوائح والتحكيم المسؤولية كاملة دون اعتذار عن ما قدمه من إخفاقات، والأزمة هنا قد لا تكمن في الكلمات نفسها بل في مدى قناعة المدرب بأنه كان على مستوى الحدث وأنه لم يخفق في تجرته، وكأن كل من تابع أداء المنتخب ورأي مستواه المزري وانتقد لمجرد الأمل في تحسين الأوضاع يكنون الضغينة لمدرب المنتخب، فيخرج الأخير ويدلي بتصريحات أقل ما توصف به أنها “عبثية”، عبارات تعكس أزمة أعمق من الخروج، وتكشف الهروب من مواجهة الذات، فكما قال السلف أن الاعتراف بالفشل، أول خطوة تكسبك القدرة على الإصلاح.
في حين أن المغرب – دولة ليست صاحبة التاريخ الأكبر كرويًا بالقارة السمراء – لم تبرر خروج في 2005 بعدما أٌقصيت من نصف النهائي وإن كان إنجاز غير مسبوق وقتها على الصعيد القاري، المسؤولين بالجامعة المغربية لم يكتفوا بالإنجاز، بل جعلوا منه بداية جديدة، ليخطو المنتخب المغربي خطوة تلو الأخرى حتى أصبح في 2025 على أبواب العالمية ومباراة قد تُخلد أسمه في سجلات التاريخ.
فيمكننا القول أن الفارق هنا ببساطة ليس في اللاعبين فقط، بل في المنظومة، والثقافة، والإرادة الرياضية، والعقلية الإدارية، منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، فالمسؤول عن كرة القدم في مصر يعيشوا على مجدٍ تآكل، ويرفعوا كؤوسًا مضى عليها أكثر من عقد ونضف.
فيطالب بعضهم بالألقاب من لاعبين لم يحصلوا حتى على فرصة إعداد حقيقية، ليس على المستوى البدني والتكتيكي فقط، بل والجانب النفسي أيضًا، ليبقى لسان حال المسؤولين عن الكرة المصرية لوم المدرب، ثم لوم اللاعب، ثم لوم الحظ، ولا نلوم أبدًا أنفسنا كمؤسسات، كخطة، كمنظومة، كمسؤول لا يمنح شبابه فرصة الحلم الحقيقي.
الإصرار على العيش داخل «تابوت» التاريخ
الحالة التي تعيشها كرة القدم المغربية اليوم على كافة الأصعدة، ليست مجرد فوز في مباراة، بل ترجمة حقيقية لروح مسؤول آمن بأن الاستثمار في الشباب هو الأهم، أما في على صعيد المنتخب المصري، فالقصة ليست في فشل منتخب شاب، بل في إصرار عقل قديم على العيش داخل «تابوت» التاريخ، بينما العالم من حوله يبني مجده الحاضر.
فيتمثل الفارق في أسد لم يكن الأقوى جينيًا، لكنه تدرّب، وخطط جيدًا، وآمن بنفسه.. أما الفراعنة، فحملوا اسمًا عظيمًا، وتاريخًا ذهبيًا.. لكنهم أضاعوا التاج بسبب المسؤولين، ونسوا كيف يُصنع المجد من جديد في ساحات الساحرة المستديرة.