أخبار الكرة الإسبانيةتشابي ألونسوتقارير ومقالات خاصةأخبار

العلاقة بين ألونسو وفينيسيوس: الساحر يغيّر قواعد اللعبة في ريال مدريد

في مدريد، لا صوت يعلو فوق صوت الجدل الدائر حول العلاقة بين تشابي ألونسو ونجمه فينيسيوس جونيور، علاقة تتأرجح بين الحزم والاحتواء، وبين مقاعد البدلاء والتألق في أرض الميدان. يرى البعض أنها أزمة مكتومة تهدِّد استقرار الفريق، فيما يؤكد آخرون أنها كانت الدواء الشافي الذي أعاد فيني إلى نسخته الأصلية بعد أن فقد توازنه في المواسم الماضية.

منذ اللحظة الأولى لتولِّي تشابي ألونسو قيادة ريال مدريد في 25 مايو الماضي، بدا واضحًا أن مرحلة جديدة ترسَم داخل أسوار “سانتياجو برنابيو”.. مرحلة عنوانها الانضباط، والالتزام، والعمل الجماعي فوق كل شيء.

لكن مع هذا التحول الحاد في أسلوب الإدارة، برز سؤال يشغل الشارع المدريدي:هل سياسة القبضة الحديدية التي فرضها ألونسو تهدد علاقته مع نجم الفريق فينيسيوس جونيور، أم أنها كانت طوق النجاة الذي أعاد البرازيلي إلى ذاته بعد فترةٍ من التشتّت والانفعال؟

فينيسيوس جونيور - تشابي ألونسو - ريال مدريد - المصدر (Getty images)
فينيسيوس جونيور – تشابي ألونسو – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

من مقاعد البدلاء إلى صفاء الذهن

في بداية الموسم، لم يكن من المعتاد أن يرى جمهور ريال مدريد فينيسيوس على دكّة البدلاء أو يُستبدل قبل صافرة النهاية. هذا الموسم، يبلغ متوسّط مشاركة فينيسيوس 68 دقيقة في المباراة الواحدة، وقد خاض المباراة كاملة ثلاث مرات فقط، وهو ما أثار الجدل في البداية.

لكن المفاجأة أن هذا القرار جاء في صالح اللاعب نفسه، إذ ساهمت هذه السياسة في استعادة توازنه الذهني والفني بعد مرحلةٍ من الاضطراب النفسي أعقبت خسارته حلم “الكرة الذهبية” قبل موسمين.

بهدوءٍ أكثر واندفاعٍ أقل، عاد فيني ليقدم نسخة أكثر نضجًا من نفسه؛ مهاجمًا شجاعًا، ذكيًا، وفعالًا، ترك خلفه فوضى الانفعالات الجماهيرية ليعود إلى مسرحه الحقيقي — العشب الأخضر.

موعد مباراة ريال مدريد القادمة بعد الفوز على برشلونة في الكلاسيكو
لامين يامال – فينيسيوس جونيور – جول كوندي (المصدر:Gettyimages)

الأرقام لا تكذب.. فينيسيوس في أفضل حالاته

بلغة الأرقام، لا يمكن إنكار التطور الواضح في أداء فينيسيوس تحت قيادة تشابي ألونسو، فقد سجّل هذا الموسم 5 أهداف من معدل متوقَع 3.31، وصنع 4 تمريرات حاسمة من معدل متوقَع 1.42، خلال متوسط مشاركة بلغ 68 دقيقة في المباراة الواحدة.

مقارنةً بالموسم الماضي الذي سجّل خلاله 15 هدفًا وصنع 5 تمريرات حاسمة بمتوسط 72 دقيقة، يبدو أن فعالية فينيسيوس في تزايدٍ رغم تقليص زمن مشاركته.

حتى من ناحية الانضباط السلوكي، تشير الأرقام إلى تحوّلٍ لافت: 10 إنذارات في موسم 2022–2023، و7 إنذارات في الموسم الماضي، وإنذاران فقط حتى الآن هذا الموسم.

الموسمعدد الأهدافالتمريرات الحاسمةمتوسط الدقائق في المباراةعدد الإنذارات
2023–202415572 دقيقة7
2024–2025 (تحت قيادة تشابي ألونسو)5468 دقيقة2

تشابي ألونسو يصنع النسخة الأفضل من فينيسيوس

انخفاض الإنذارات ليس مجرد رقم، بل انعكاس لحالة هدوءٍ نفسي واتزانٍ عاطفي عاشها اللاعب بفضل طريقة تعامل مدربه الجديد.

ومع ذلك، لم تخلُ العلاقة بين الطرفين من التوتر، ففي كلاسيكو برشلونة الأخير، أظهر فينيسيوس غضبًا واضحًا عند استبداله في الدقيقة 72 لمصلحة رودريغو، رغم أنه كان من أنشط لاعبي ريال مدريد في الفوز (2–1).

لم يسجل أو يصنع، لكنه أرهق دفاع برشلونة طوال الدقائق التي لعبها، ورغم أن رد فعل اللاعب كان غاضبًا، فإن تشابي ألونسو تعامل مع الموقف بذكاءٍ وهدوءٍ شديدين، حيث قال في المؤتمر الصحفي بعد اللقاء:

“دعونا نركز على الإيجابيات، لقد قدم فيني مباراة رائعة، وكان جزءًا أساسيًا من الفوز، وبعد ذلك سنتحدث في الأمر بيننا، ولا توجد مشكلة في ذلك.”

يبدو تصريحًا بسيطًا، لكنه كاشف، فالرجل يدرك طبيعة لاعبه — شخصية عاطفية وسريعة الانفعال — ويعرف متى يستخدم اللين ومتى يفرض الحزم.

ولعل أكثر ما يوضح هذه الفلسفة قوله الشهير عند توليه المهمة:“احتجت عشر ثوانٍ فقط لأتعرف على جوهر فينيسيوس، إنه شخص عاطفي للغاية.”

الوجه الآخر لتشابي ألونسو.. الحزم لا يعني القسوة

ورغم هذا التوازن، فإن سياسة ألونسو الصارمة لم تنل رضا الجميع داخل غرفة الملابس، فبحسب تقارير إسبانية صادرة عن صحيفة ذا أتلتيك، وتحديدًا من الصحفي ماريو كورتيخانا، وجد المدرب نفسه أمام فريقٍ معتادٍ على قدرٍ كبير من الحرية والانسيابية خلال حقبة كارلو أنشيلوتي، ما جعل بعض اللاعبين يشعرون أن المدرب الجديد انتزع منهم مساحة التعبير الفردي.

ويرى ألونسو من جانبه أن الالتزام والانضباط هما أساس النجاح، وأنه لا أحد في ريال مدريد — مهما كان اسمه — يملك حصانةً من الجلوس على دكّة البدلاء.

وبحسب بعض المصادر، قال أحد اللاعبين نصًا:“تشابي يعتقد أنه بيب جوارديولا، لكنه حتى الآن مجرد تشابي.”

ورغم قسوة هذا التوصيف، فإن النتائج والمستوى البدني للفريق يشيران إلى أن ريال مدريد بات أكثر انضباطًا وتنظيمًا من أي وقتٍ مضى.

تأثير كارلو أنشيلوتي على وعي لاعبي ريال مدريد

يبدو أن إرث السنوات الأربع التي قضاها أنشيلوتي مع الفريق لم ينتهِ برحيله، فخلال فترة تدريبه، لم يكن اللاعبون معتادين على الانضباط والالتزام في التدريبات، فضلًا عن الحمل البدني الخفيف، ما زرع التهاون في نفوسهم، حتى باتت عقولهم تهيئ لهم أن الجدية في التدريبات ليست ضرورية.

وهكذا وجد تشابي ألونسو نفسه أمام مهمةٍ شاقةٍ بعيدةٍ عن صميم الفنيات والتكتيك داخل المستطيل الأخضر، إذ كان عليه — قبل التركيز في الملعب — أن يركّز على عقلية لاعبي ريال مدريد، ويحاول رفع وعيهم التكتيكي، في مهمةٍ لن تكون سهلة على الإطلاق، لأن هؤلاء اللاعبين اعتادوا على الراحة، وهو ما قد يسبّب بعض المشكلات على المدى البعيد في صفوف الميرينجي.

علامة استفهام.. فينيسيوس يتجاهل تشابي ألونسو عمدًا

لكن رغم أن الأمر بات جليًا للجميع، فسياسة تشابي ساهمت في إعادة فينيسيوس إلى الطريق الصحيح، لكن يبقى الجزء الأهم هو قناعة اللاعب نفسه، بعدما كشفت صحيفة ذا أثليتك أن المقربين من النجم البرازيلي فينيسيوس جونيور أكدوا أن تجاهل ذكر اسم المدرب تشابي ألونسو في بيان الاعتذار الأخير لم يكن مجرد خطأ عابر، بل كان قرارًا مقصودًا يعكس شعور اللاعب بالاستياء.

ووفقًا للمصدر نفسه، يشعر فينيسيوس بتوتر واضح تجاه طريقة تعامل ألونسو معه في الفترة الأخيرة، رغم أن إدارة النادي قد قدمت له دعمًا رسميًا ومباشرًا عقب الأزمة التي مر بها مؤخرًا.

وأشار التقرير إلى أن هذه الواقعة قد تمهد لمرحلة جديدة من التوتر داخل صفوف الفريق، حيث من المتوقع أن يتم متابعة وتحليل كل تصرف وكل إشارة يصدرها فينيسيوس بعناية شديدة خلال الفترة المقبلة، في ظل العلاقة المعقدة والمتوترة بين اللاعب ومدربه.

بين الشدة واللين.. المعادلة التي قد تصنع التاريخ

ما بين مؤيدٍ ومعارض، تبقى الحقيقة أن تشابي ألونسو يسير بخطى واثقة على حبلٍ مشدود بين الحزم والاحتواء.

فهو مدرب يؤمن بالمنظومة أكثر من الأسماء، لكنه في الوقت ذاته يمتلك ذكاءً عاطفيًا يجعله يعرف كيف يحتوي لاعبين بطبيعةٍ معقدة مثل فينيسيوس.

وبينما يرى البعض أن العلاقة بين الطرفين وصلت إلى طريقٍ مسدود، يرى آخرون أن ما يحدث هو مرحلة نضجٍ لمدرب يفرض فلسفته، ولاعبٍ يتعلّم أن القوة لا تقاس فقط بالسرعة أو المهارة، بل أيضًا بقدرة القلب على الصبر والانضباط.

في النهاية، قد تكون سياسة القبضة الحديدية التي أثارت الجدل هي نفسها التي ستعيد ريال مدريد إلى القمة، وتجعل من فينيسيوس جونيور النسخة الهادئة من الموهبة المجنونة التي طال انتظارها.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.