أخبار الكرة المصريةحسام حسن365TOPأخبار

الخلطة السرية لبقاء حسام حسن حتى كأس العالم 2026

قبل أسابيع قليلة من صافرة البداية في كأس الأمم الإفريقية 2025، يقف حسام حسن في قلب عاصفة من التساؤلات، ويقف معه المنتخب المصري عند مفترق طرقٍ حساس، في القهوة وعلى المدرجات وفي برامج التحليل.. يتردّد السؤال ذاته بصيغ مختلفة، لكن معناه واحد، كيف يمكن للعميد أن يؤمّن مستقبله مع الفراعنة حتى الوصول إلى كأس العالم 2026؟ وهل ما زال الطريق مفتوحًا أمامه، أم أن البطولة القارية المقبلة قد تتحوّل إلى محكمة فاصلة لمصيره؟

ولكي نفهم المشهد اليوم، لا يكفي أن نتوقف عند النتائج الأخيرة أو تصريحات المدرب، بل يجب أن نعود خطوة إلى الوراء، إلى الذاكرة القريبة التي لا تزال تفاصيلها ساخنة، فالمنتخب المصري مرّ قبل حسام حسن بمرحلتين مشابهتين تمامًا، حمل خلالهما المدربون عبء التصفيات والمشاركة في كأس الأمم في آن واحد.

وهناك، وسط ضغوط الجماهير وصخب الإعلام وتقلّبات الأداء، برز اسمان تحوّلا إلى علامات فارقة في سردية الكرة المصرية الحديثة: هيكتور كوبر وكارلوس كيروش.

مدربان عرفا كيف يقودان فريقًا مُتعَبًا من الإخفاقات، ومدربان نجحا رغم كل الانتقادات في الوصول بالمنتخب إلى أبعد مما توقّعه كثيرون.. ورغم ذلك، دفع كلٌ منهما ثمن التفاصيل حين جاءت لحظة الحكم.

هيكتور كوبر: الرجل الذي أعاد الفراعنة للمونديال بعد غياب طويل

حين تولى هيكتور كوبر تدريب المنتخب المصري، كان الفريق في حالة هشاشة واضحة. غياب طويل عن كأس الأمم الإفريقية امتد لثلاث نسخ متتالية جعل الجماهير تتساءل إن كانت مصر قادرة على العودة إلى مكانتها الطبيعية في إفريقيا، ناهيك عن التفكير في حلم التأهل لكأس العالم بعد غياب دام 28 عامًا.

كوبر لم يأتِ بالمراوغات أو الوعود الفارغة، بل وضع خطة واضحة: فريق منضبط تكتيكيًا، قوي من الناحية النفسية، قادر على مواجهة المنافسين الكبار دون أن ينهار تحت الضغط.

هيكتور كوبر
هيكتور كوبر – منتخب سوريا (المصدر: photos.the-afc)

في كأس الأمم الإفريقية 2017 بالجابون، ظهر المنتخب المصري بشكل مختلف، الفريق لم يكن مجرد مجموعة من اللاعبين الموهوبين، بل أصبح وحدة متماسكة، كل لاعب يعرف دوره داخل الملعب بدقة.

تحت قيادة كوبر، وصل الفراعنة إلى نهائي البطولة لأول مرة منذ 7 سنوات، عندما توج منتخب مصر بآخر لقب من كأس الأمم الأفريقية تحت قيادة المعلم حسن شحاتة، بالرغم من الغياب لثلاثة نسخة متتالية أعوام 2012 و2013 و2015.

لم يكن النهائي سهلًا أمام الكاميرون، ورغم ذلك تقدم المنتخب الوطني بهدف محمد النني، قبل أن تنقلب النتيجة في الشوط الثاني ويخسر الفراعنة اللقب في اللحظات الأخيرة بهدفين مقابل هدف وحيد.

على الرغم من الخسارة، إلا أن الأداء أعاد الأمل لجماهير مصر وبيّن أن المنتخب قادر على مواجهة فرق القمة الإفريقية. لم تكن البطولة مجرد نتيجة، بل كانت درسًا عمليًا في بناء الفريق وصقل شخصيات اللاعبين.

ومع الانتهاء من البطولة الإفريقية، جاء التحدي الأكبر: تصفيات كأس العالم 2018 في روسيا، ونجح الأرجنتيني في قيادة منتخب مصر للمونديال لأول مرة بعد غياب 28 عامًا.

وبالرغم من التأهل، لم يقدم منتخب مصر المردود المرجو خلال كأس العالم، فخسر المباريات الثلاث، بداية من الهزيمة أمام أوروجواي في اللحظات الأخيرة 1-0، ثم السقوط أمام روسيا 3-1، وأخيرًا الخسارة أمام السعودية 2-1.

كوبر قاد الفراعنة في إجمالي 38 مباراة في جميع المنافسات الرسمية والودية، محققًا الفوز في 19 مباراة، التعادل في 7، والخسارة في 12، مع تسجيل 53 هدفًا واستقبال 31 هدفًا فقط.

كارلوس كيروش: الرجل الذي اختبر أعصاب الفراعنة

عندما جاء كارلوس كيروش إلى منتخب مصر، لم يكن الفراعنة في حال أفضل، فبعد الخروج المدوي من كأس الأمم الأفريقية 2019 التي أقيمت في مصر، على يد جنوب أفريقيا من دور الستة عشر، رحل خافيير أجيري وخلفه حسام البدري، والذي لم يشارك في أي استحقاق قاري بعد تأجيل كأس أمم أفريقيا 2021 إلى يناير 2022 بعد آثار جائحة فيروس كورونا في إفريقيا.

وجاء قرار إقالة حسام البدري والجهاز الفني والإداري، في سبتمبر 2021 بعد تعادل منتخب “الفراعنة” أمام مضيفه الجابن (1-1) في المباراة التي جمعتهما على ملعب “فرانسيفيل” ضمن الجولة الثانية من التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى نهائيات بطولة كأس العالم.

قدم كيروش مستويات جيدة منذ بداية توليه المهمة، مفتتحًا سجله بالوصول للمربع الذهبي في كأس العرب 2021 التي أقيمت في ديسمبر، وخرج من نصف النهائي بهدف عكسي من عمرو السولية، قبل أن يخطف الميدالية البرونزية على حساب قطر البلد المستضيف.

كارلوس كيروش - المصدر (Getty images)
كارلوس كيروش – المصدر (Getty images)

ثم خاض غمار البطولة الأفريقية التي أقيمت في الكاميرون، ووصل بالفراعنة للمباراة النهائية، بعدما أخرج كوت ديفوار بركلات الترجيح من دور الستة عشر، قبل أن يُقصي المغرب في ربع النهائي بالفوز بهدفين مقابل هدف وحيد في الوقت الإضافي؛ ثم جاء الدور على الكاميرون البلد المستضيف أيضًا من الدور نصف النهائي بركلات الترجيح.

ولكن الرحلة انتهت عند السنغال في المباراة النهائية، بعد الخسارة بركلات الترجيح بعد التعادل بدون أهداف، ما كان يُعاب على كيروش هو التحفظ الزائد في كثير من المباريات، مع الأخذ في الاعتبار قوة المنافسين، فلم يسجل منتخب مصر سوى 4 أهداف فقط خلال 7 مباريات، ولكنه لم يستقبل سوى هدفين فقط.

استكمل كيروش عقده مع منتخب مصر بعدها بشهرين فقط، عندما خاض ملحق التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم 2022 بقطر، وشاء القدر أن يكون منتخب السنغال هو المنافس من جديد، وعاد السيناريو ذاته ليخسر الفراعنة فرصة التواجد في المعترك العالمي بالخسارة من أسود التيرانجا بركلات الترجيح بعد التعادل 1-1 في مجموع مباراتي الذهاب والإياب.

حسام حسن: هل تكتب كأس أمم إفريقيا الفصل الأخير في حكايته مع الفراعنة؟

لم تكن أيام حسام حسن الأخيرة مع المنتخب سهلة. فبعد المشاركة في بطولة العين الدولية، بدا الشارع الكروي وكأنه يشتعل غضبًا؛ غضبًا لم يأتِ فقط من خسارة أمام أوزبكستان أو تعادل باهت أمام الرأس الأخضر انتهى ببرونزية عبر ركلات الترجيح، بل من تلك التصريحات التي خرج بها المدير الفني، مهاجمًا منتقديه بثقة قد يراها البعض مفرطة في لحظة حرجة. بدا الأمر وكأن المدرب الذي قاد مصر إلى مونديال 2026 يواجه موجة رفض لا تهدأ، رغم تحقيق الهدف الأكبر الذي حلمت به الجماهير لسنوات.

حسام حسن - منتخب مصر
حسام حسن – منتخب مصر (تصوير: مصطفى الشحات)

وسط هذا الاحتقان، يبرز السؤال الأكبر والأكثر تعقيدًا: هل سيظل حسام حسن على رأس القيادة الفنية حتى موعد كأس العالم؟ أم أن كأس الأمم الإفريقية المقبلة ستكون المحطة الأخيرة في رحلته؟

الحقيقة أن الإجابة ليست في قوة الأداء ولا في الاقتناع الجماهيري، بل في شيء واحد فقط… النتائج.
فالتاريخ الحديث للمنتخب يقول بوضوح إن المدرب قد ينجو من تراجع المستوى إذا حمل معه نتائج مقنعة، حتى ولو كان الأداء محل انتقادات جارحة.

لننظر إلى الخلف قليلًا.. هيكتور كوبر، رغم كل ما وُجّه إليه من انتقادات بسبب الأسلوب الدفاعي العقيم، حافظ على موقعه بعد خسارة نهائي 2017. كان الجميع يدرك أن مجرد وصول مصر إلى النهائي بعد غياب دام ثلاث نسخ كاملة يعد إنجازًا يعيد الهوية للكرة المصرية، فمرّت الهزيمة دون أن تعصف بمستقبله.

ثم جاء كارلوس كيروش، الرجل الذي خاض بطولة 2021 في ظروف مرتبكة، وقدم أداءً لم يكن مبهرًا في معظم فتراته، حيث انهالت عليه الانتقادات منذ الخسارة في أول لقاء بدور المجموعات أمام نيجريا، إلا أنه أكمل المهمة وعبر بالفراعنة إلى النهائي؛ وعندما خسر أمام السنغال، لم يُرافقه الغضب بل نال دعمًا واعترافًا بأنه انتشل المنتخب من انهيار نسخة 2019 التي أقيمت على أرض القاهرة وخرجت فيها مصر من دور الـ16.

ورغم ما تعرّض له كارلوس كيروش من انتقادات لاذعة خلال ولايته، ظل الرجل قاب قوسين أو أدنى من قيادة الفراعنة إلى كأس العالم لو اكتمل الحلم، فالجماهير، التي لم تتوقف عن الاعتراض على أسلوبه الحذر وأداء المنتخب المتذبذب، كانت ستجد نفسها مضطرة لطيّ صفحات الغضب بمجرد الإعلان عن بطاقة التأهل.

فقد كان اتحاد الكرة يميل إلى الإبقاء عليه، إدراكًا منه أن المدرب البرتغالي – بكل ما عليه وما له – أعاد للمنتخب شيئًا من الصلابة، وقاد مصر إلى نهائي إفريقيا بعد انهيار نسخة 2019، ولو تجاوز الفراعنة عقبة السنغال في تصفيات المونديال، لكان كيروش سيقف على الخط ذاته في قطر، متصدرًا المشهد، بينما تتحول الانتقادات التي طاردته إلى مجرد ذكريات باهتة أمام وهج المشاركة في كأس العالم.

واليوم.. يجد حسام حسن نفسه في المشهد ذاته، ولكن تحت ضوء أشد قسوة، يدخل كأس أمم إفريقيا وسط حالة من عدم الرضا الجماهيري، تُغذّيها حالة التوتر التي أحاطت بنتائج المنتخب الأخيرة، بجانب أسئلة لم يجد الجمهور لها إجابة حول شكل الفريق وأسلوب لعبه؛ ورغم ذلك، يظل الرجل هو المدرب الذي حقق الإنجاز الأكبر، قطع تذكرة الوصول إلى كأس العالم 2026، وهو إنجاز لا يمكن إنكاره.

لكن كرة القدم لا تعترف بالذكريات، بل باللحظة، ومصير حسام حسن سيتحدد في تلك البطولة التي يراها الكثيرون محطة اختبار، وربما.. بوابة خروج.

ففي حال نجح في قيادة المنتخب إلى نصف النهائي كحدٍ أدنى، أو ذهب أبعد وبلغ النهائي، فإن بقاءه حتى كأس العالم سيصبح شبه مؤكد، ليس لأن التتويج هدف ملزم، فهو ليس كذلك في خطط اتحاد الكرة أساسًا؛ بل لأن بلوغ الأدوار النهائية يكفي ليمنح الاتحاد مبررًا قويًا للاستمرار والاستقرار.

حسام حسن - منتخب مصر - غينيا بيساو - تصوير: مصطفى الشحات
حسام حسن – منتخب مصر – غينيا بيساو – تصوير: مصطفى الشحات

أما إذا حدث العكس.. وودّع المنتخب البطولة من دور مبكر، سواء دور المجموعات أو الـ16 أو حتى ربع النهائي، فستكون النهاية شبه محسومة. لن تشفع له بطاقة المونديال، ولن يتذكر أحد أنه قاد مصر إلى ظهورها الثاني فقط في كأس العالم خلال 36 عامًا منذ نسخة 2018.

ستعلو الأصوات المطالبة بالتغيير، وسيحرص اتحاد الكرة على تهدئة الشارع بإقالة “العميد”، وهو ما أكده هاني أبو ريده رئيس الاتحاد نفسه من قبل عندما قال:

“حسام حسن دائمًا يردد أن الجمهور هو من منحه شرف تدريب المنتخب، وهذا صحيح، لكنني أذكره أيضًا بأن الشارع قادر على الدفع كما هو قادر على السحب، أنا أسانده، وأساند أي مدير فني يقود راية الفراعنة، لكن في النهاية.. النتائج وحدها هي الحَكَم”.

“موقع مصر الطبيعي في إفريقيا هو نصف النهائي على الأقل، هذا الحد الأدنى الذي يليق بمنتخب بحجم تاريخنا، أما كأس العالم، فالأهداف ستتحدد بعد القرعة، حين نعرف الطريق، سنحدد الطموح”.

– هاني أبو ريدة.

يدخل حسام حسن كأس أمم إفريقيا وهو يسير على خيط رفيع بين المجد والإقالة، نجاحه في البطولة سيجعله يدخل المونديال وهو الرجل الأول بلا منازع؛ أما السقوط المبكر فسيحوّل البطولة إلى آخر فصل في حكايته.

محمود الشوادفي

صحفي مصري، أكتب في 365Scores عن كرة القدم كما تُرى من داخل التفاصيل، بدأت رحلتي الصحفية عام 2019، وأؤمن أن وراء كل رقم حكاية، ووراء كل مباراة فكرة تستحق أن تُروى بأسلوب مختلف.