الفرصة الأخيرة.. كيف تكون أمم أفريقيا سلاح محمد صلاح في حربه ضد سلوت؟
في تاريخ الحروب، لا تُشعل المعارك الكبرى دائمًا بطلقات رصاص، بل كثيرًا ما تبدأ بكلمة، بتلميح، بنظرة تحمل خلفها رسائل التحدي والاستنفار، وفي كرة القدم، تلك اللعبة التي تبدو للوهلة الأولى كرياضة تُدار بالقدم والعشب والعرق، تختبئ تحت سطحها طبقات كاملة من التكتيكات، التحالفات، الصراعات، و”العمليات النفسية” التي لا تقل ضراوة عما يحدث في غرف قيادة الجيوش، فالمدرب في عالم الكرة الحديثة لم يعد فقط رسام خطط.. بل قائد جبهة، يتحكم في حركة اللاعبين كما لو كانوا كتائب عسكرية تتحرك وفق أوامر صارمة، واللاعب النجم، مهما علا اسمه، يبقى في هذه المنظومة أشبه بقائد ميداني، قد تُرفع رايته يومًا، وقد تُنكس تحت وابل من الانتقادات أو قرارات الاستبعاد.
وهكذا حين ننظر اليوم إلى ما يحدث بين محمد صلاح وآرني سلوت، لا يمكن اختزال الأمر في “خلاف رياضي” أو “سوء فهم داخل غرفة الملابس”، فالمشهد تخطّى حدود المألوف، وتحول إلى ما يشبه حربًا كاملة الأركان: تصريحات من هنا وهناك تشبه رسائل التحذير المبكرة، ردود جماهيرية وإعلامية تتخذ شكل “التعبئة العامة”، قرارات تكتيكية داخل الفريق تبدو كأنها “فرض حصار” على نجم الفريق الأول وأخيرًا استبعاد يشبه “الضربة الاولى” وبدء العمليات الفعلية.

لقد انتهت مرحلة المراقبة، وسقطت الأقنعة، وبدأت بكل وضوح مرحلة الاشتباك المباشر، وبعدما أطلق صلاح صرخته الغاضبة عقب مباراة ليدز يونايتد، جاء الرد سريعًا، وحمل صبغة عسكرية أكثر منه رياضية: استبعاد من مواجهة إنتر ميلان، وفق إعلان النادي منذ لحظات قليلة، عقوبة واضحة بلغة الحرب مفادها أن أُسكت صوت القائد.. وأُغلق ميدان الرد.
المعارك ليست فقط بقوة السلاح، بل بدهاء التخطيط
من هنا، لم يعد الحديث مجرد خلاف بين مدرب ونجم، بل تحول إلى صراع نفوذ ووجود، حرب باردة طالت، ثم توقف صقيعها فجأة، ليتحوّل الملعب إلى ساحة اشتعلت بالنيران، كشف كلًا منهم أوراقه على الملأ، لكن يبدو أن صلاح مازال يحتفظ بأحدى أهم تلك الأوراق في جعبته لكنه لم يفصح عنها بعد، ليبقى بمثابة السلاح الأخير صلاح.
ففي كرة القدم، كما في الحروب الكبرى، تُحسم المعارك ليس فقط بقوة السلاح، بل بدهاء التخطيط، وإدارة الجبهات، والقدرة على الصمود تحت نيران الانتقادات، والأهم هو خطة الخداع الإستراتيجي ومفاجأة الخصم.. قد تتغير الأزياء من دروع ثقيلة إلى قمصان رياضية، وتتحول الخنادق إلى خطوط وسط الملعب، لكن منطق الحرب يظل حاضرًا: تحالفات، هجمات مرتدة، حصار إعلامي، ومحاولات لكسر الروح المعنوية، وفي قلب تلك المعركة الكروية الحديثة، يقف محمد صلاح.. قائدًا لجبهة يحاول فيها حماية مكانته، والرد على هجمات غير مسبوقة من مدربه آرني سلوت.
الجيوش التي تُحاصر من جهة.. تبحث تلقائيًا عن جبهة أخرى تهاجم منها، ومحمد صلاح اليوم، بعدما أُغلقت أمامه جبهة ليفربول باستبعاده من مباراة إنتر ميلان، وجد أن الجبهة الوحيدة القادرة على إعادة تشكيل موازين الحرب، وإعادة كتابة مسار المعركة، هي بطولة أمم إفريقيا.. هناك، لا سلوت، ولا حصار، ولا قرارات استبعاد، هناك فقط راية مصر، ملعب مفتوح وجماهير تنتظر قائدها ليحسم معركته الأهم.

فهل تُصبح أمم إفريقيا السلاح الذي يشهره محمد صلاح في وجه سلوت؟ وهل ينجح القائد المصري في تحويل الأزمة إلى ضربة انتصار؟ أم تسقط الجبهة الأخيرة ويتحول الضغط إلى حصار خانق؟ كل تلك الأسئلة تفتح الطريق إلى صلب التقرير عبر 365 scores في نسخته العربية، إلى معركة لا تشبه أي معركة خاضها صلاح من قبل، أما أن تكتب نهاية سعيدة ونصر لطالما حققه المصري، أو تنتهي به وهو يجرّ وراءه ذيول الهزيمة كقائد عاد من معركة خاسرة تنتهي به إلى خارج ليفربول.
علاقة محمد صلاح وسلوت.. المعركة التي اشتعلت شرارتها الأولى
في كل حرب كبرى، هناك لحظة تتجاوز فيها الهزات الصغيرة حدود الاحتمال، لتصبح صدامًا مباشرًا بين قائدين لا يرضيان التراجع خطوة، وهذا ما حدث بين محمد صلاح وآرني سلوت، العلاقة التي بدأت بوعود ودية وبدايات هادئة سرعان ما تحولت إلى أرض معركة مكتظة بالتصريحات، والتحركات التكتيكية، والتلميحات التي لا تخطئها العين.
تصريحات سلوت حول “التزام اللاعبين بالخطة” و“عدم تحرك البعض في الإطار المطلوب” جاءت بالنسبة للكثيرين كقذيفة موجهة بدقة نحو صلاح، أكملها بعدم الدوفع بصلاح لثلاثة مباريات على التوالي، صحيح أن أرني لم يذكر اسم صلاح، لكنه أطلق نارًا يعرف الجميع وجهتها، في لغة الحرب، يسمون هذا “قصفًا تمهيديًا”، رسالة مبطنة مفادها: لن يكون أحد فوق النظام.. ولا فوق سلطتي.

لم يقف صلاح ساكنًا، بل خرج بتصريحات كانت بمثابة إعلان الحرب على المدير الفني، وفور اندلاع الشرارة، انقسمت الجبهات، جماهير ليفربول بدأت تشكك، والإعلام الإنجليزي فتح ملفات قديمة وجديدة، أما الجماهير المصرية والعربية، فقد تعاملت مع الأمر كإهانة لقائدها، كأن سلوت يحاول إقصاء رمزهم الأكبر، وهكذا، بدا المشهد وكأنه يتجه إلى تعبئة جماعية، ينتظر الجميع فيها ردّ القائد المصري.. ردًا لم يعد ممكنًا داخل ليفربول بعد استبعاده من مباراة الفريق المقبلة قبل معسكر كأس أمم أفريقيا.
معركة “الكان” أمل صلاح بعد إغلاق جبهة النادي
في زمن الحصار، قد يُمنع القائد من مخاطبة جنوده، ويُحرم من ساحة القتال، هذا بالضبط ما حدث مع محمد صلاح، فقرار استبعاده من مواجهة إنتر ميلان لم يكن مجرد عقوبة، بل كان خطوة استراتيجية لإغلاق ساحة الرد أمامه، حين يُستبعد اللاعب الأكبر تأثيرًا من مباراة كبيرة، يُفهم ذلك على أنه محاولة لإخماد صوته، وقطع الطريق أمام أي رد عملي قد يقلب الطاولة على المدير الفني والإعلام الإنجليزي، سلوت قد يلمّح مجددًا، لكن صلاح لن يستطيع الرد في الملعب.. لأنه ببساطة كجندي مُنع من دخول ساحة القتال.
هنا يبدو ان صلاح على أعتاب إشهار سلاحه للجميع، في خطوة لم يحسب سلوت حسابها، فيلجأ صلاح إلى الاتجاه الطبيعي لأي قائد محاصر.. فتح جبهة جديدة خارج نطاق نفوذ خصومه، الجبهة المصرية في أمم أفريقا، حيث لا قيود تكتيكية تعيقه، ولا إعلام يشكك في نواياه، ولا مدرب يبحث عن إثبات سلطته عبر التضحية بالنجم الأكبر، ومن هنا، بدأت الاستعدادات لمعركة “الكان” تبدو وكأنها استعداد عسكري لمواجهة مصيرية.. صلاح يعرف أن الرد الأعنف لن يكون بقميص ليفربول، بل بقميص مصر.
أمم إفريقيا ساحة الرد الحقيقية.. حيث تُحسم المعركة
بعد الأحداث التي اندلعت، باتت بطولة الأمم الإفريقية ليست مجرد بطولة قارية، بل ساحة حرب تاريخية لها قوانينها، ضغوطها، وجماهيرها التي تتحول في لحظات إلى جيوش كاملة تهتف للقائد وتنتظر منه النصر، بالنسبة لصلاح، هذه البطولة هي ميدان المعركة الكبرى.. أو “الأم المعارك” إن صح لنا التعبير، فعليها يترتب مصير صلاح مع ليفربول.
هزيمتان في نهائي 2017 و2022 كانتا بمثابة “جروح مفتوحة” في مسيرة قائد بحجم صلاح، جروح لم تلتئم، وتحولت مع الوقت إلى ذريعة للمشككين، وإلى نقطة ضعف يستغلها خصومه في تقييم إرثه، لكن الأمر هذه المرة مختلف، في لغة الحرب، هناك معارك إن انتصرت فيها، تغيّر موقعك في خريطة القوة، بالنسبة لصلاح، أمم إفريقيا قد تنقله من خانة “أسطورة عربية” إلى خانة “أسطورة إفريقية كاملة الأركان”.. لقب واحد كفيل بأن يضع اسمه حيث يقف إيتو ودروجبا، وربما يتفوق.
إن عاد صلاح من الكان بلقب، سيكون ذلك أشبه بإطلاق أكبر صاروخ كروي باتجاه أنفيلد وتحديدًا المدير الفني للفريق أرني سلوت، صاروخ يحمل عنوان: أقصوني هنا.. فانتصرْتُ هناك، صاروخ قوة تدميره تكفي لقلب موازين القوة وإحباط الهجمات الإعلامية تجاهه وتضع سلوت في مأزق، ذلك النوع من الردود الذي لا يمكن لأي مدرب، مهما بلغت سلطته، أن يتجاهله.
المكاسب المحتملة لصلاح.. إن انتصر في المعركة
في الحرب، لا يكفي أن تنتصر… المهم أن تكون الغنائم بحجم المعركة نفسها. وإن تألق صلاح في “الكان”، فإن غنائمه قد تغيّر موازين الحرب في ليفربول وخارجها:
كسر حصار سلوت وإسكات المشككين.. إذا ما خاض محمد صلاح بطولة أمم إفريقيا بوجه القائد لا اللاعب وتوج بها أو حمل منتخب مصر إلى الأدوار النهائية، فإن أولى غنائم هذا الانتصار ستكون إسكات سلوت وكل المشككين في قدرته، فالأداء الكبير في معركة قارية لا يترك مساحة للجدل أو للمناورات التكتيكية، بل يفرض احترامه حتى على من حاولوا تهميشه، سلوت، الذي تعامل مع صلاح وكأنه خيار ثانوي يمكن الاستغناء عنه، سيجد نفسه أمام قائد أثبت أنه ما زال في صدارة الصفوف الهجومية، وأن قدرته على الحسم لم تتراجع.
ومع إسكات جبهة ليفربول، يمتد تأثير الانتصار إلى الداخل المصري، حيث تنتظر الجماهير — التي تنظر إلى صلاح كرمز وقدوة — لحظة استعادة الثقة، فهذه الجماهير لا تريد مجرد أهداف أو لقطات، بل لقبًا يعيد إليهم إحساس الزعامة القارية، وإن عاد صلاح بالكأس، فسيستعيد مكانته ليس كنجم عالمي فحسب، بل كقائد أمة، يحمل رايتها في ميادين الحرب الكروية الكبرى.

تثبيت الزعامة الإفريقية وتأكيد قدرته على القيادة.. لكن الانتصار في الكان لا يكتفي بإغلاق جبهة سلوت أو إنعاش شعبية صلاح، بل يمتد إلى ما هو أعمق: تعزيز المكانة التاريخية في القارة الإفريقية، فالفوز باللقب سيصبح بمثابة الختم الذهبي على مسيرة تمنحه مقعدًا ثابتًا بين أعظم لاعبي إفريقيا، لا باعتباره هدافًا في أوروبا فقط، بل قائدًا قادرًا على حسم المعارك الكبرى لبلاده.
وهذا يقود إلى السلاح الأخطر في حربه ضد سلوت: إثبات قدرته على قيادة منتخب بلاده للقب طال انتظاره، فمن يقود منتخبه للتتويج القاري لا يمكن لأي مدرب — مهما حاول أو خطّط — أن يشكك في زعامته أو يقلل من تأثيره، سيكون لقب أمم إفريقيا بمثابة إعلان رسمي لقدرة صلاح القيادية، وتأكيدًا على أنه ليس مجرد نجم تحت أمر المنظومة، بل قائد ميدان قادر على قلب المعادلات، وتغيير مجرى أي حرب كروية يخوضها.
ماذا لو فشل صلاح؟.. الوجه الآخر للهزيمة
الحروب لا تعرف المنطقة الرمادية. إن لم تنتصر… فأنت تخسر. وصلاح يعرف أن الفشل في أمم إفريقيا لن يكون مجرد إخفاق رياضي، بل ضربة استراتيجية مؤلمة.
اتساع نيران الانتقادات واشتداد الهجوم الجماهيري.. في حال خرج محمد صلاح من أمم إفريقيا بلا لقب، فإن أول ضربة سيتلقاها ستكون من جبهة الإعلام الإنجليزي، الذي لن يفوّت الفرصة لاستغلال الإخفاق لتأكيد رواية سلوت: “اللاعب لم يعد كما كان”، هذه الانتقادات ستتضاعف كقصف منهجي يستهدف صورته وفاعليته، وكأن الفشل القاري يمنح خصومه الذخيرة التي كانوا ينتظرونها.
لكن الأصعب من الإعلام البريطاني هو الهجوم الجماهيري المصري الذي قد يتحول إلى موجة غضب شرسة، فالجماهير التي ترفع صلاح فوق الأعناق قد تتحول بسرعة، في لحظات الخيبة، إلى جبهة مفتوحة تلوّح بـ“السكاكين”، وتضع قائدها في مواجهة نيران مزدوجة: نيران الخارج التي تشكك في قيمته، ونيران الداخل التي تشكك في قدرته على تحقيق ما ينتظره وطن بأكمله، وهكذا، يجد صلاح نفسه في قلب حصار نفسي يفوق في قسوته ما يواجهه داخل ليفربول.

ضرب إرثه الدولي وتوسّع نفوذ سلوت.. ولن يتوقف تأثير الفشل عند حدود الانتقادات، بل سيمتد نحو إرثه الدولي الذي سيعود فجأة إلى ساحة الشك، سيُفتح الجدل القديم: “أسطورة مع الأندية.. لكن ماذا قدّم مع المنتخب؟” هذا النوع من التشكيك لا يمس الأداء فقط، بل يمس تاريخ اللاعب ووزنه في الذاكرة الكروية الإفريقية، ومع اهتزاز صورته الدولية، ستصبح جبهة ليفربول أكثر اشتعالًا.
سلوت سيشعر بأن كفة القوة تميل إليه أكثر، وأن تهميش صلاح أو التضييق عليه خطوة أسهل من أي وقت مضى، والإدارة الباحثة دائمًا عن الاستقرار قد ترى في إضعاف نفوذ صلاح داخل الفريق “حلاً تكتيكيًا” للأزمة، وهكذا، لا يكون الفشل في “الكان” مجرد خسارة بطولة بل خسارة جبهة كاملة في حرب صلاح، جبهة قد تعيد رسم مسار علاقته بليفربول وتضعه في مأزق تاريخي لم يختبره من قبل.
صلاح ومعركة الكان.. لا تحتمل التعادل
يقف محمد صلاح اليوم على حافة أكثر لحظات مسيرته حساسية، كل خطوة، كل تمريرة، كل هدف.. سيكون بمثابة طلقة في حربه ضد سلوت.. أمم إفريقيا ليست مجرد بطولة، بل هي معركة مصير، إما لقب ينهي النقاشات، ويقلب موازين القوة، ويفرض هيبته على ليفربول من جديد، وإما إخفاق سيجعل الضغط خانقًا، ويحوّل الأزمة إلى حصار طويل الأمد على صلاح.
هذه المرة، صلاح لا يرد بالكلام، ولا بالتصريحات، ولا بالمؤتمرات، الرد سيكون في الميدان.. بسلاحه الأقدم والأقوى.. موهبته الفطرية في كرة القدم، فهل يرفع قائد مصر راية النصر أخيرًا؟ أم تكون المعركة أقسى مما توقع الجميع؟ الوقت وحده سيحسم.. لكن كل المؤشرات تقول هذه ليست مجرد بطولة.. تلك حرب مكتملة الأركان.