ألونسو يجد المعادلة المثالية: جولر + بيلينجهام = ريال مدريد المكتمل
لم يكن قرار تشابي ألونسو بإشراك بيلينجهام وجولر معًا مجرّد مغامرة تكتيكية، بل أشبه بمحاولة مايسترو يبحث عن اللحن المفقود في أوركسترا ريال مدريد، في كل تمريرة بين الثنائي، وفي كل تبادل للمراكز داخل عمق الملعب، يمكن سماع نغمة جديدة تُعبّر عن رؤية فنية متكاملة، يتداخل فيها الإيقاع الإنجليزي الحاد مع اللمسة التركية الرقيقة.
“أعتقد أنهما يمكن أن يُكمل أحدهما الآخر، الأمر يعتمد على كيفية توزيع باقي اللاعبين في الملعب، فالمفتاح هو إيجاد التوازن والربط بين الخطوط بأفضل شكل ممكن؛ بالنسبة لي، الوصول إلى بيلينجهام في مركز الرقم (10) أمر بالغ الأهمية، أردا جولر قادر على اللعب في هذا المركز أو في موقع أعمق قليلًا، ربما لم يظهر ذلك كثيرًا في الدوري، لكنه يستطيع القيام به؛ كل ما يحتاجانه هو الوقت للتأقلم والانسجام، وأنا متأكد أنهما سيقدمان أداءً رائعًا معًا، فقد رأيتهما يفعلان ذلك من قبل”.
كان هذا حديث تشابي ألونسو قبل 24 ساعة من مواجهة ريال مدريد أمام فياريال في الدوري الإسباني، وهو اللقاء الذي سبق التوقف الدولي الذي غاب خلاله جود بيلينجهام عن قائمة المنتخب الإنجليزي.

وأوضح ألونسو أن ذلك القرار كان متفقًا عليه مسبقًا بين جميع الأطراف، ولا يثير أي قلق داخل النادي: “لست مستاءً من القرار، فقد تحدثت مع بيلينجهام وأخبرني أن توخيل أبلغه بالأمر مسبقًا. الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يعود للمنتخب، هو يتحسن تدريجيًا بعد الإصابة، ولديه رغبة كبيرة في اللعب والمساهمة معنا. بيلينغهام لاعب محوري بفضل جودته وقدرته على خلق الفارق. سيعود إلى أفضل مستوياته قريبًا جدًا”.
ثنائية بيلينجهام وجولر.. مواجهة أتلتيكو كانت تجربة أم اختبار؟
لم تكن خسارة ريال مدريد أمام جاره الأتليتي بخماسية أول ظهور للثنائية، بل كان أول اختبار حقيقي لمنظومة تشابي ألونسو هذا الموسم، إلا أن جولر ظهر بشكل جيد بالنسبة لأدواره التي قام بها وكان على إثرها مساهمتين بصناعة الهدف الأول وتسجيل الثاني، بالإضافة إلى صناعته لثلاث فرص خلال 59 دقيقة لعب فقط، بل كانت المشكلة حول بيلينجهام هي عدم الجاهزية البدنية للعب أساسيًا أمام خصم بهذه الشراسة في الضغط، خاصةً وأنه ما زال يتعافى من الإصابة.. يمكن القول أنها كانت مجازفة من ألونسو للبداية بالثنائي معًا لأول مرة أمام الروخي بلانكوس وفي الميتروبوليتانو.
إذا نظرنا إلى هدف ريال مدريد الأول، فـ بعد أن نزل مبابي للمشاركة في الهجمة وعندما وصلت الكرة إلى جولر، انطلق كيليان نحو المساحة خلف خط دفاع أتلتيكو المتقدم ليستقبل تمريرة حاسمة أخرى من جولر ليسجل أول أهداف الملكي، وهي نفسها لعبة الهدف الأول أمام برشلونة في الكلاسيكو بنفس اللاعب المنطلق مع اختلاف الممرر، الهدف واحد والطريقة واحدة مهما اختلفت العناصر.
الكلاسيكو كتب انطلاقة ثنائية بيلينجهام وجولر
قال ألونسو عن بيلينجهام عقب نهاية المباراة: “لقد قدم ثلاث مباريات رائعة، كنا نعلم قبل فترة التوقف الأخيرة أنه يحتاج إلى وقت ودقائق لعب ليستعيد إيقاعه، لكنه بعد العودة قدّم أداءً أفضل مما كنا نتوقع؛ جود يعتمد كثيرًا على الإحساس والتواصل والانسجام مع زملائه، ولهذا السبب كان أداؤه مميزًا للغاية في المباريات الأخيرة”.
أما عن كامافينجا، فقال: “يجب أن نتذكر أنه كان يلعب إلى جانب أردا وجود، هؤلاء اللاعبون يمتلكون المرونة والحيوية. كنا بحاجة إلى السيطرة على الكرة لتجاوز خط الضغط الأول، ومن هناك كنا نهاجم المساحات؛ إدواردو قدم مباراة كبيرة اليوم”.

سيطر وسط ريال مدريد كليًا على مجريات اللعب أمام برشلونة، بل أظهر تماسكًا ملحوظًا أمام ضغط فليك الشرس، باستثناء لقطة الهدف التي أخطأ فيها جولر، ولكن بالرغم من ذلك استمر تشابي ألونسو على نفس النهج، لأنه وإن أخطأت مرة فلا يجب أن يوقفك ذلك عن استكمال خطتك، فخرج الريال بالكرة أكثر من مرة بذات الطريقة، بل وسجل الهدف الأول أمام برشلونة بالطريقة ذاتها بعد خروج أمثل من الضغط بوجود كامافينجا الذي لعب دورًا هائلًا في فك شفرة أسلوب فليك.
“يتمتع بقدرة استثنائية على قراءة اللعب واتخاذ القرار في اللحظة المناسبة، وهذا ما يميّزه عن غيره”.
ألونسو عن جود بيلينجهام.
استلام بيلينجهام ودوران ثم تمريرة حاسمة رائعة خلف دفاعات برشلونة، وضعت مبابي أمام المرمى بالطريقة ذاتها التي سجل بها في الديربي، إذا نظرنا إلى كيفية تحكم النجم الإنجليزي بالكرة سنستنتج أنه في مستوى جيد من الناحية البدنية والذهنية، على عكس بداية الموسم الصعبة التي عاشها بعد الإصابة التي لحقت به.
فلسفة ألونسو الهجومية.. الأطراف تأتي قبل العمق
أثبت تشابي ألونسو خلال الموسم الحالي مع ريال مدريد، أن أولويته من الناحية الهجومية هي الأطراف وليس العمق، وهو ما لا يتوقعه الجميع خاصةً بالبداية بـ جولر وبيلينجهام معًا، بل وفي الكلاسيكو حينما بدأ بـ كامافينجا معهم، إلا أن المفاجأة كانت في توظيف الفرنسي على الخط كجناح أيمن في الحالتين الهجومية والدفاعية.
عند تحليل خرائط التمرير، يتضح أن ريال مدريد اعتمد بشكل محدود جدًا على التقدم عبر العمق مقارنةً بلعبه على الأطراف، كانت الفكرة تكمن في الدوران بالكرة حول ضغط برشلونة المركزي، ثم تحويل اللعب إلى الجهة المقابلة بعد خلق تفوق عددي في أحد الجانبين لعزل الطرف الآخر، لا سيما فينيسيوس في الجهة اليسرى.
وفي بعض المواقف، حقق ريال مدريد هذا الهدف عبر تحرك كامافينجا وبيلينجهام وأردا وحتى تشواميني نحو الجهة اليمنى لجذب لاعبي برشلونة إلى هناك؛ ومن تلك النقطة، كان كامافينجا يحتفظ بالكرة تحت الضغط، ثم يستخدم قدمه اليسرى لتمرير الكرة في العمق أو لتحويل اللعب إلى كاريراس أو فينيسيوس المعزول على الجناح المقابل لخلق مواجهة فردية مع كوندي.

هذا ما يشبه الهدف الثاني، ليس فقط في الكلاسيكو، بل أمام أتلتيكو مدريد أيضًا، اللعب على فينيسيوس ليواجه ظهير الخصم بسرعته، ثم المرور وإرسال عرضية للجهة الأخرى، أو امتلاك الكرة ومحاولة التقدم داخل منطقة الجزاء.
عند النظر لكلا الهدفين، سنجد أن الفكرة هو تقدم فينيسيوس وإرسال عرضية داخل منطقة الجزاء، وخلق زيادة عددية، الأولى كانت تمريرة البرازيلي متقنة لـ جولر المتقدم مستغلًا عدم ارتداد وسط أتلتيكو، أما في الكلاسيكو بكانت الطريقة مختلفة بعد أن قرر فيني إرسال عرضية أقصى الجهة اليمنى بسبب وجود تكتل داخل المنطقة، ليقابلها ميليتاو برأسية لـ بيلينجهام الذي سجلها في المرمى بكل سهولة.
كيف سيطر ألونسو على فليك في الكلاسيكو؟
في الكلاسيكو ضغط ريال مدريد في شكل كتلة عالية 4-4-2، حيث كان فينيسيوس وكامافينجا يتمركزان على الأطراف، بينما تقدم أردا جولر بجوار كيليان مبابي، وتولى كل من بيلينجهام وتشواميني مراقبة بيدري ودي يونج بشكل مباشر.
الهدف من هذا الأسلوب كان إجبار برشلونة على اللعب باتجاه الأطراف والكرات الطويلة، عبر إغلاق العمق تمامًا ومنع أي تقدم مركزي، وهو ما نجح فيه ريال مدريد بامتياز، بفضل الضغط المستمر من مبابي وجولر تحديدًا، اللذين أبقيا لاعبي المحور في برشلونة داخل نطاق التغطية الظلية، مما حرم الفريق الكتالوني من تنفيذ تمريراتهم القصيرة المعتادة.
ونجح ضغط الرجل لرجل الذي طبقه ألونسو بتقدم دين هويسن لمراقبة فيرمين لوبيز، وبعد ذلك لامين يامال بعد تبديل مراكزهم بقرار سريع من هانز فليك، الذي حاول كسر ضغط الملكي دون جدوى، فلم ينجح سوى في كرة واحدة خطرة أسفرت عن هجمة 3 مقابل 2 لكن لوبيز أهدرها بغرابة.

وسبب ذلك خطأ فردي بعد اتجاه فينيسيوس للضغط على كوبارسي بدلًا من كوندي، ما أجبر جولر على مغادرة العمق وخلق حالة من الارتباك لدى هويسن، الذي تردد في اللحظة الحاسمة بين التقدم نحو فيرمين أو البقاء مع يامال؛ هذا التردد منح لامين فرصة لاستلام الكرة والدوران، قبل أن يمررها بلمسة مذهلة من خارج القدم إلى فيرمين، ليصنع موقفًا 3 ضد 2 أمام دفاع مدريد، لكنه لم يُستغل في النهاية.
رغم ذلك، كانت هذه الحالة استثناءً نادرًا، إذ لم يتمكن برشلونة فعليًا من اختراق ضغط ريال مدريد العالي، بل عانى كثيرًا أثناء محاولاته للخروج بالكرة من الخلف، حيث خسر الكرة 33 مرة في مناطق الخطر؛ بينما فاز ريال مدريد بـ 52% من الالتحامات الأرضية.
أما اللقطة التي سبقت ركلة الجزاء المهدرة لريال مدريد، فقد كانت مثالًا مثاليًا على أسلوب ضغطهم. إذ تقدم مبابي وبيلينجهام وفالفيردي وكامافينجا بشكل مكثف على الجهة اليسرى لبرشلونة لإغلاق المثلث المكون من بالدي وبيدري وراشفورد، ومن هناك جاء الافتكاك الذي حوله بيلينجهام إلى ركلة جزاء.
ورغم أن برشلونة تمكن أحيانًا من الخروج بالكرة حول كتلة مدريد أو عبرها، فإنه فشل تمامًا في اللعب فوقها بالكرات الطويلة، إذ افتقر إلى المهاجمين القادرين على تشكيل نقاط ارتكاز في الأمام مع غياب كلٍ من رافينيا وليفاندوفسكي؛ وسيطر فالفيردي وميليتاو على مواجهاتهما الثنائية ضد راشفورد وفيران توريس، مما صعّب على برشلونة تجاوز الضغط المدريدي المستمر.
الريال وفالنسيا.. بيلينجهام يواصل نثر سحره
أما في مباراة الريال وفالنسيا، فواصل بيلينجهام نثر سحره على عشب البيرنابيو، ومجددًا يتجلى أسلوب ألونسو في الهجوم من الأطراف من خلال تجميع اللعب من ناحية ثم كرة قطرية نحو الجبهة الأخرى، ففي الهدف الثالث الذي وقع عليه بيلينجهام، جاءت تمريرة طولية من فالفيردي نحو جود الذي تمركز على الخط مع دخول فينيسيوس للعمق وسحب الظهير معه لخلق مساحة كافية لاستلام بيلينجهام الكرة بأريحية في ظل عدم ارتداد دفاعي من جناح فالنسيا.
الأمر بدا سهلًا للغاية أمام خصم لا يجيد الانضباط ولا الوعي بالمساحة، تمكن بيلينجهام من تسجيل هدفًا رائعًا هو الثالث في آخر ثلاث مباريات منذ عودته للمشاركة أساسيًا.
وكذلك الأمر في الهدف الثاني، بداية من تحرك استلام فينيسيوس الذي أشار إلى جولر ليتقدم للمساحة خلف الظهير، وكان له ما أراد ولكن بتمريرة ثلاثية من فيني إلى بيلينجهام الذي وضع كرة أرضية رائعة نحو زميله التركي في مساحة خالية تمامًا من الرقابة، ثم أرسل عرضية متقنة قابلها مبابي في الشباك.
أرقام ريال مدريد في وجود بيلينجهام وجولر معًا
| ثنائية بيلينجهام وجولر | عدد المباريات | الفوز | التعادل | الخسارة | مساهمات بيلينجهام | مساهمات جولر |
| موسم 2025-2026 | 4 | 3 | 0 | 1 | 4 (3 أهداف وتمريرة حاسمة) | 3 (هدف وتمريرتان حاسمتان) |
من الأكثر تأثيرًا في ريال مدريد في مباراتي الكلاسيكو وفالنسيا؟
تقييم التأثير هو مقياس جديد من تطوير 365Scores يمنح تقييمًا موضوعيًا لأداء اللاعبين في كل مباراة.
حيث يعتمد على تحويل كل مساهمة، سواء كانت هجومية أو دفاعية، إلى نقاط رقمية تُمثّل “التأثير الفعلي” للاعب على فريقه.
وذلك على عكس التقييمات التقليدية التي تعتمد غالبًا على الانطباع العام أو مساهمات بارزة مثل التسجيل أو صناعة الأهداف، حيث أننا في تقييم التأثير نستخدم خوارزمية تحليل بيانات متعددة المعايير.
| اللاعب | تقييم التأثير | معدل تقييم التأثير لكل مباراة |
| جود بيلينجهام | 128.13 | 64.06 لكل مباراة |
| أردا جولر | 69.58 | 34.79 لكل مباراة |
بيلينجهام وجولر.. مفتاح ألونسو للسيطرة على الخصوم
أثبت تشابي ألونسو أن ثنائية بيلينجهام وجولر قادرة على تدمير الخصوم بتحركاتهم السريعة ووعيهم بالمساحة وكيفية خلقها، بل والتحرك فيها كذلك، بداية من الديربي ومرورًا بموقعة يوفنتوس والكلاسيكو، وأخيرًا العزف المكتمل أمام فالنسيا؛ يبدو أننا أمام سيمفونية جديدة بقيادة المايسترو ألونسو الذي أثبت حتى الآن مرونة كبيرة للغاية في تغيير طريقة اللعب والأدوار للوصول لأفضل شكل ممكن لتدمير الخصوم؛ لنر ما سيحدث في بقية الموسم.