
بينما تتجه عيون الملايين نحو أقدام النجوم فوق عشب الملاعب المغربية في كأس أمم إفريقيا 2025، تدور في “كواليس الظل” حربٌ من نوع آخر؛ حربٌ لا تُستخدم فيها السرعة، بل يُستخدم فيها الصبر، وتُدار بالورقة والقلم قبل صافرة البداية.
في هذه النسخة من الكان، لم تعد المنتخبات تبحث عن “مدرب طوارئ” أو “رجل الإطفاء” الذي يرحل مع أول إخفاق، بل نشهد ثورة “المشاريع الرياضية”؛ هنا يجلس ديسابر بهدوئه، والركراكي الذي يحمل على عاتقه إرث المونديال وحلم الأرض، وحسام حسن الذي جاء ليعيد تعريف “الجرينتا” المصرية بلمسة وطنية خالصة.
إنها ليست مجرد بطولة لتسجيل الأهداف، بل هي مزادٌ علني على الأفكار، وصراعٌ بين مدارس استثمرت ملايين الدولارات لسنوات، لتثبت في النهاية أن “العقل” الذي يدير المباراة من الخارج، هو الذي يرفع الكأس في الداخل.
وليد الركراكي.. قائد المشروع المغربي وحلم اللقب على أرضه
يُعد وليد الركراكي واحدًا من أبرز الأسماء التدريبية في القارة الأفريقية خلال العقد الأخير، بعدما تحوّل من مدرب محلي طموح إلى رمز وطني قاد المغرب إلى واحدة من أعظم الإنجازات في تاريخ كرة القدم العربية والأفريقية، حين بلغ نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر، في سابقة غير مسبوقة.
وُلد وليد الركراكي في 23 سبتمبر 1975 بفرنسا، وامتلك مسيرة لعب محترمة كمدافع، قبل أن يتجه مبكرًا إلى التدريب. لمع اسمه بقوة مع نادي الوداد الرياضي المغربي، حين قاده للتتويج بدوري أبطال أفريقيا 2022، مقدّمًا فريقًا متوازنًا تكتيكيًا، صلبًا دفاعيًا، وذكيًا في إدارة التفاصيل.
هذا النجاح القاري فتح له أبواب المنتخب الوطني، في لحظة كانت تحتاج إلى مدرب يفهم الهوية المحلية واللاعب الأوروبي في آن واحد.

تم تعيين الركراكي مديرًا فنيًا لمنتخب المغرب في أغسطس 2022، خلفًا للبوسني وحيد خليلوزيتش، قبل أقل من 3 أشهر فقط من انطلاق كأس العالم. القرار كان جريئًا، محفوفًا بالمخاطر، لكنه أثبت صحته بشكل تاريخي.
قاد الركراكي منتخب المغرب في 42 مباراة منذ توليه المهمة في نهاية أغسطس 2022، حيث نجح في تحقيق الفوز في 31 مباراة، بجانب التعادل في 7 مباريات، وتلقى 4 هزائم فقط في أكثر من 3 سنوات على رأس القيادة الفنية لأسود الأطلس.
وجاءت خسارة المغرب بقيادة الركراكي أمام فرنسا في نصف نهائي كأس العالم 2022، ثم أمام كرواتيا في مباراة الميدالية البرونزية، وجاءت الخسارتين الوحيدتين له أمام منتخب إفريقي، عندما تلقى هزيمة خارج الديار أمام جنوب إفريقيا في الجولة الخامسة من التصفيات المؤهلة لكأس الأمم 2023، قبل أن يخسر أمام البافانا بافانا من جديد في دور الستة عشر للبطولة التي أقيمت في كوت ديفوار.
منذ تلك الخسارة التي تلقاها منتخب المغرب أمام جنوب إفريقيا في 30 يناير 2024، خاض منتخب المغرب 20 مباراة في جميع المسابقات، انتصر في 19 منها، وتعادل في لقاء وحيد أمام موريتانيا وديًا.
ولعل أبرز ما يُميز الركراكي هي الصلابة الدفاعية التي رسخهّا لأسود الأطلس، فلم يستقبل سوى 17 هدفًا فقط خلال 42 مباراة، وسجل 87 هدفًا، بمعدل أكثر من هدفين لكل مباراة.

وخلال تصفيات كأس أمم إفريقيا، ورغم عدم الحاجة إلى التصفيات كون المغرب البلد المضيف، انتصر أسود الأطلس في المباريات الستة، ونجحوا في تسجيل 26 هدفًا، ولم تستقبل شباكهم سوى هدفين فقط.
الحدي الأكبر بالنسبة للركراكي هو كيفية النجاح القاري بعد التاريخ العالمي الذي حققه في المونديال، ولعله الأكثر تعرضًا للضغط بعد تلك الإنجازات، واستضافة المغرب للكان هذه المرة، سيكون عليه التتويج باللقب أو ربما يواجه شبح الرحيل قبل أن يقود الأسود في كأس العالم القادم.
حسام حسن.. المدرب الوطني تحت ضغط التاريخ والبطولات
يعد حسام حسن أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ الكرة المصرية، لاعبًا ثم مدربًا، لكنه في الوقت نفسه اسم لا يمكن تجاوزه عندما يتعلق الأمر بالهوية القتالية والشخصية القوية داخل الملعب، تعيينه مديرًا فنيًا لمنتخب مصر أعاد الجدل القديم: هل العاطفة وحدها تكفي لقيادة منتخب بحجم الفراعنة؟
وُلد حسام حسن في 10 أغسطس 1966، وهو الهداف التاريخي للدوري المصري وأحد أساطير الأهلي والزمالك؛ بعد الاعتزال، خاض مسيرة تدريبية طويلة داخل مصر، قاد خلالها عددًا كبيرًا من الأندية، أبرزها: الزمالك والمصري البورسعيدي وسموحة والاتحاد السكندري وبيراميدز ومنتخب الأردن.

مسيرته التدريبية اتسمت بنتائج متقلبة وصدامات إعلامية وشخصية قيادية صارمة، لكنها في الوقت نفسه أظهرت قدرته على إخراج أقصى ما لدى اللاعبين محدودي الإمكانيات.
تم تعيين حسام حسن مديرًا فنيًا لمنتخب مصر في فبراير 2024، خلفًا للبرتغالي روي فيتوريا، بعد الخروج المخيب من كأس أمم أفريقيا 2023، القرار كان شعبيًا بامتياز، مدعومًا برغبة اتحاد الكرة في إعادة “الروح” وتخفيف العبء المالي والاعتماد على مدرب يعرف الكرة المصرية من الداخل، خاصةً وأنه تُوج من قبل بكأس الأمم الإفريقية كلاعب أكثر من مرة، وسبق له المشاركة في مونديال 1990.
خاض حاسم حسن 19 مباراة في جميع المسابقات مع منتخب مصر، ونجح في تحقيق 12 انتصارًا، وتعادل في 5 مباريات، وتلقى خسارتين وديتين فقط، ولم يتعرض لأي خسارة رسمية منذ توليه القيادة الفنية للفراعنة، على مدار ما يقرب من عامين.
اللافت أن حسام حسن نجح في التأهل لكأس الأمم الإفريقية 2025، وكأس العالم 2026 بدون أي خسارة في التصفيات، ولكنه يواجه انتقادات كبيرة بسبب سوء مستوى أداء المنتخب المصري رغم الانتصار، فطالما اعتاد الجمهور على مستوى عالٍ من الفنيات، ما يذكرهم بالجيل الذهبي تحت قيادة المعلم حسن شحاته، والذي توج بكأس الأمم 3 مرات متتالية في إنجاز غير مسبوق.

يوجه حسام حسن ضغطًا من نوع آخر، بعدما فشل منتخب مصر في جميع المراحل السنية، وكذلك المنتخب المشارك في كأس العرب 2025، ويتبقى فقط المنتخب الأول الذي يقوده “العميد”، والذي يواجه أيضًا شبح الخروج من الباب الصغير في حال عدم الوصول إلى ربع النهائي على أقل تقدير، حسب التصريحات الرسمية الصادرة من الاتحاد المصري لكرة القدم بقيادة هاني أبو ريدة.
خلال تصفيات كأس الأمم الإفريقية، خاض الفراعنة 6 مباريات، حققوا 4 انتصارات وتعادلين، وسجل لاعبو المنتخب المصري 12 هدفًا، واستقبلت شباكهم هدفين.
هوجو بروس.. العجوز الذي لا يصدأ
يصل البلجيكي هوجو بروس إلى المغرب وهو يحمل “شيفرة الفوز” الوحيدة بين أقرانه، حيث نجح في الوصول إلى نصف نهائي النسخة الماضية من كأس الأمم الإفريقية، وحصد المركز الثالث، وهو من أخرج منتخب المغرب من دور الستة عشر، ثم الرأس الأخضر في ربع النهائي، قبل أن تتوقف المغامرة عند نيجيريا في المربع الذهبي.
ولد هوجو بروس صاحب الـ74 عامًا، في 10 أبريل 1952، ويتولى الإدارة الفنية لمنتخب جنوب إفريقيا منذ مايو 2021، وهو أقدم مدرب يقود منتخب مشارك في “كان 2025”.

يمتلك بروس خبرة واسعة في القارة الإفريقية، فسبق له قيادة ناديي شبيبة القبائل ونص حسين داي الجزائريين، كما تولى قيادة منتخب الكاميرون، وتُوج معهم بلقب كأس أمم إفريقيا 2017 على حساب منتخب مصر في النهائي الذي انتهى 2-1.
نجح المدرب البلجيكي في تصدر مجموعته في تصفيات كأس الأمم، بعدما حقق الفوز في 4 مباريات وتعادل مباراتين، ولم يتلقى أي خسارة، كما تأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026، وقاد البافانا بافانا إلى مستوى مختلف تمامًا بعد برونزية النسخة الماضية، ليدخل هذه النسخة من أجل الوصول إلى نقطة أبعد.
على مستوى الأرقام، قاد بروس جنوب إفريقيا في 50 مباراة، انتصر في 27 منها، وتعادل في 16 مباراة وخسر 7 مباريات، ونجح لاعبوه في تسجيل 83 هدفًا واستقبلت شباكهم 49 هدفًا.
باتريس بوميل.. تلميذ “الثعلب” الذي صار قائدًا
عندما تعاقدت أنجولا مع بوميل في أواخر سبتمبر 2025، كانت تبحث عن “الخريطة”، بوميل هو مساعد هيرفي رينارد التاريخي، ويمتلك أسرار النجاح القاري في جيبه، فقد عمل مساعدًا للفرنسي من قبل في زامبيا وكوت ديفوار، قبل أن يبدأ رحلته داخل القارة.
تولى بوميل مهمة كوت ديفوار كرجل أول بين مارس 2020 وأبريل 2022، وقادهم خلال بطولة كأس الأمم الإفريقية 2021 بالكاميرون، وخرج على يد منتخب مصر في دور الستة عشر بركلات الترجيح.

خاض بوميل 4 مباريات على رأس القيادة الفنية لمنتخب أنجولا، ولم يخسر سوى لقاء ودي وحيد كان أمام الأرجنتين، ويدخل نهائيات “كان 2025” بمعنويات مرتفعة وخبرات إفريقية طويلة، بعدما نجح في التتويج باللقب من قبل كمساعد في مناسبتين، مع زامبيا 2012، وكوت ديفوار 2015.
ويصطدم بوميل من جديد بالمنتخب المصري، بعدما تواجد معه في المجموعة التي تضم أيضًا منتخبات جنوب إفريقيا وزمبابوي.
سيباستيان ديسابر.. الفيلسوف صاحب المشروع الأكبر
إذا تحدثنا عن “المشروع الرياضي”، فيجب النظر بعمق إلى ما يفعله ديسابر مع الكونجو الديمقراطية، تولى صاحب الـ49 عامًا مهمة الإدارة الفنية لمنتخب الكونجو الديمقراطية بداية من أغسطس 2022، بهدف وضعهم على الخريطة الإفريقية، ومقارعة كبار القارة.
كان أول اختبار للفرنسي في كأس أمم إفريقيا 2023، عندما تواجد في مجموعة ضمت المغرب وزامبيا وتنزانيا، وبعد تأهله اصطدم بمنتخب مصر في دور الستة عشر، ونجح في تحقيق الفوز بركلات الترجيح، ثم أخرج غينيا من ربع النهائي، قبل أن يخسر أمام كوت ديفوار “البطل” بهدف نظيف، ثم خسر الميدالية البرونزية بركلات الترجيح على يد جنوب إفريقيا.

وثقت الكونجو في قدرات الفرنسي على قيادتهم لمقارعة الكبار، وكان لهم ما أرادو، فنجح ديسابر صاحب الخبرات الإفريقية الطويلة، في قيادة الكونجو الديمقراطية في تصفيات كأس الأمم الإفريقية 2025، لتصدر المجموعة، بأربعة انتصارات وخسارتين.
كما تأهل إلى الملحق العالمي، بعدما احتل المركز الثاني في تصفيات كأس العالم 2026 خلف السنغال، ثم قاد المنتخب الكونجولي إلى الملحق عبر الفوز على الكاميرون ونيجيريا في الملحق الإفريقية الأخير، وتنتظره مهمة صعبة في مارس المقبل لاستكمال المشروع بقوة عبر التأهل للمونديال.
بشكل إجمالي، قاد ديسابر منتخب الكونجو الديمقراطية في 40 مباراة، انتصر في 23 منها، وتعادل في 8 مباريات، وتلقى 9 هزائم، ونجح لاعبوه في تسجيل 65 هدفًا واستقبلت شباكهم 37 هدفًا.
وسيدخل ديسابر بطولة كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب، بثقة كبيرة نحو تحقيق مفاجأة بالوصول إلى نقطة بعيدة مجددًا، حيث يتواجد في مجموعة متوازنة تضم السنغال وبنين وبوتسوانا، ويمتلك فرصة كبيرة في التأهل إما كمتصدر أو كوصيف.
توم سانتفيت.. الرحالة الطموح
يعتبر سانتفيت هو خبير القارة؛ بعد تجربته التاريخية مع جامبيا، انتقل لمالي ليقود جيلًا من المحترفين في أوروبا؛ يعتمد بشكل أساسي على التنظيم الدفاعي المنضبط مع التحول السريع جدًا للأطراف.
مالي تمتلك جودة لاعبين مذهلة، وسانتفيت هو المدرب الذي يبحث عن “القطعة الناقصة” لتحويل مالي من “منتخب جيد” إلى “بطل قاري”.
منذ توليه المهمة في أغسطس 2024، خاض توم 14 مباراة، خسر في اثنتين فقط أمام الكونجو الديمقراطية وغانا، وكلاهما بنتيجة 1-0، بجانب انتصاره في 8 مباريات والتعادل في مباراتين.
سبق للمدرب البلجيكي وأن قاد منتخب جامبيا لفترة طويلة، ما بين يوليو 2018 وحتى يناير 2024، حيث وضعهم على خريطة كرة القدم الإفريقية بعد سنوات من العجاف، حيث تصدر مجموعته في كأس أمم إفريقيا 2021 بالكاميرون، والتي ضمت تونس ومالي وموريتانيا، بانتصارين وتعادل وحيد.

وتخطى عقبة غينيا في دور الستة عشر بالانتصار بهدف نظيف، قبل أن تتوقف رحلته الطموحة عند ربع نهائي “كان 2021 بالكاميرون”، بعد أن خرج على يد أصحاب الأرض بهدفين دون رد.
ولكن كانت رحلته غير موفقة في نسخة كأس أمم إفريقيا 2023، بعدما ودع من دور المجموعات بالخسارة في المباريات الثلاث، قبل أن يرحل بشكل نهائي عن جامبيا، التي لم تتأهل إلى نهائيات كان 2025.
ما يُميز سانتفيت هي الصلابة الدفاعية القوية، حيث لم يستقبل سوى 4 أهداف فقط في 14 مباراة مع منتخب مالي، في 4 مباريات مختلفة، حتى في الخسارتين أمام غانا والكونجو، لم يستقبل أكثر من هدف في أي مباراة خاضها معهم.
إيميرس فاييه.. رجل القدر الذي أعاد كوت ديفوار للقمة
يُعد إيميرس فاييه واحدًا من أكثر القصص إلهامًا في تاريخ كرة القدم الأفريقية الحديثة، ليس فقط بسبب ما حققه، بل بسبب الطريق القاسي الذي سلكه قبل أن يصل إلى قمة المجد؛ لاعب خط وسط دولي سابق، حمل قميص منتخب فرنسا في بداياته، ثم اختار تمثيل منتخب ساحل العاج، قبل أن يتحول لاحقًا إلى مدرب وطني كتب اسمه بحروف من ذهب في سجل كأس أمم إفريقيا.
وُلد إيميرس فاييه في 24 يناير 1984 بمدينة نانت، شمال غرب فرنسا، لأبوين مهاجرين من ساحل العاج، شدّا الرحال بحثًا عن حياة أفضل. نشأ في حي “مالاكوف” الشعبي، وتحديدًا في شارع يُعرف باسم “إنجلترا”، وسط جالية أفريقية كبيرة، داخل شقة متواضعة بالطابق العاشر من أحد المباني السكنية.

يحمل فاييه جنسيتين، الفرنسية والإيفوارية، وقد صرّح لاحقًا أنه كان يحلم في طفولته بأن يصبح لاعب كرة قدم أو طبيبًا، إرضاءً لوالديه، دون أن يتخيل يومًا أن كرة القدم ستقوده إلى الاحتراف، ثم إلى التدريب، ثم إلى المجد القاري.
في الأول من فبراير 2012، أعلن فاييه اعتزاله كرة القدم في سن 28 عامًا فقط، بعد مسيرة دامت 12 عامًا، بسبب إصابته بالتهاب الوريد الخثاري (جلطة دموية في الساق)، وهي حالة صحية خطيرة هددت حياته.
لم تكن النهاية الرياضية سوى بداية لمسار جديد، فتح فاييه باب التدريب ليعود إلى عالم كرة القدم، فخضع لتكوين منهجي صارم، وحصل على دبلومات تدريبية، بالتوازي مع تجربة عملية داخل نادي نيس الفرنسي، حيث عمل مساعدًا ضمن الأجهزة الفنية لفرق الفئات السنية الصغرى لمدة ثلاث سنوات بدءًا من 2012.
وفي موسم 2018-2019، تمت ترقيته ليصبح مدربًا لفريق أقل من 17 عامًا، ثم مدربًا لفئة أقل من 19 عامًا، قبل أن ينال في عام 2020 شهادة مدرب كرة قدم معترف بها؛ وفي موسم 2021-2022، تولى تدريب الفريق الرديف لنادي كليرمون فوت، مكتسبًا خبرة ميدانية أوسع.
في أبريل 2022، أسند إليه الاتحاد الإيفواري مهمة تدريب منتخب الشباب، الذي فشل في التأهل لكأس أمم أفريقيا تحت 23 سنة بالجزائر، واحتفظ به الاتحاد ضمن المشروع الفني، لينضم لاحقًا إلى الجهاز الفني للمنتخب الأول مساعدًا للمدرب الفرنسي المخضرم جان لويس جاسكيه.
دخلت ساحل العاج بطولة كأس الأمم الأفريقية 2023، التي استضافتها على أرضها، وهي ضمن أبرز المرشحين للتتويج؛ فاز “الفيلة” في الافتتاح على غينيا بهدفين نظيفين، لكن المشهد انقلب رأسًا على عقب بخسارتين متتاليتين أمام نيجيريا وغينيا الاستوائية، أبرزها الهزيمة الثقيلة برباعية، التي وضعت المنتخب على حافة الإقصاء.
احتاجت ساحل العاج إلى سيناريوهات معقدة للعبور، وانتظرت ثلاثة أيام عصيبة حتى نهاية مباريات المجموعات، قبل أن تتأهل بصعوبة ضمن أفضل أصحاب المركز الثالث، مستفيدة من تعادل موزمبيق مع غانا، وفوز المغرب على زامبيا.
عقب تلك الكارثة، قرر الاتحاد الإيفواري إقالة جان لويس جاسكيه، وحاول التعاقد مع المدرب السابق هيرفي رينارد على سبيل الإعارة، لكن الطلب قوبل بالرفض؛ وفي ذروة الأزمة، أعلن في 24 يناير الثاني 2024، وهو يوم عيد ميلاده الأربعين، تعيين إيميرس فاييه مدربًا مؤقتًا للمنتخب حتى نهاية البطولة.
تسلّم فاييه المهمة دون وقت كافٍ، وقاد المنتخب في دور الـ16 وسط شكوك عارمة، لكنه سرعان ما تحول إلى بطل قومي، ووصفت الصحافة رحلته بـ”العودة من الجحيم”؛ وبرغم الإشادات، شدد المدرب الشاب على أن ما حدث ليس معجزة نزلت من السماء، بل ثمرة عمل اللاعبين وإيمانهم بأنفسهم.
أظهر الفيلة تحت قيادته صلابة ذهنية استثنائية، وتغلبوا على منتخبات مرشحة للقب، في نسخة مختلفة تمامًا عمّا ظهروا به في الدور الأول، ليصبحوا أول بلد مضيف يتوج باللقب منذ مصر عام 2006.
حقق فاييه ما عجز عنه لاعبًا عام 2006 بعد خسارة النهائي أمام مصر، وتُوّج بالكأس كمدرب مؤقت، ليصبح أول مدرب مؤقت يفوز بكأس الأمم الأفريقية، وثالث مدرب وطني على التوالي يحقق اللقب لبلاده، بعد جمال بلماضي (الجزائر 2019) وأليو سيسيه (السنغال 2021).

على مستوى الأرقام، خاض فاييه 4 مباريات في بطولة كأس أمم إفريقيا 2023 وانتصر في جميعها ليتوج باللقب، وبعد ذلك، تم تعيينه كمدير فني دائم للمنتخب الإيفواري في فبراير 2024.
ومنذ ذلك الحين، خاض المدرب الوطني 20 مباراة على رأس القيادة الفنية لمنتخب كوت ديفوار، ونجح في الفوز في 13 مباراة، وتعادل في 3 مباريات وخسر 4 مباريات.
على مستوى تصفيات كأس أمم إفريقيا 2025، لعب منتخب كوت ديفوار 6 مباريات، انتصر في 4 منها وخسر مباراتين، وتأهل كوصيف خلف زامبيا، كما نجح إيميرس فاييه في قيادة بلاده للتواجد في كأس العالم 2026 ضمن مجموعة تضم ألمانيا والإكوادور وكوراساو.
الآن، يدخل فاييه بطولة كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب، بحثًا عن الحفاظ على اللقب الذي تُوج به في النسخة الماضية، وإثبات جدارته في الاستمرار واستكمال المشروع الوطني لأطول فترة ممكنة.
فلاديمير بيتكوفيتش.. “القيصر” الذي يحمل أحلام الجزائريين
مع إطلاق صافرة البداية للنسخة الخامسة والثلاثين من كأس أمم إفريقيا، تتجه أنظار الملايين من الجزائريين نحو دكة بدلاء “محاربي الصحراء”، ليس لمراقبة النجوم فحسب، بل لرصد كل حركة وإيماءة للمدرب فلاديمير بيتكوفيتش؛ الرجل الذي يحمل على عاتقه إرثًا ثقيلًا، وطموحًا يتجاوز جبال الأطلس، يجد نفسه اليوم في مواجهة الحقيقة: هل ينجح “القيصر” السويسري فيما عجز عنه أسلافه الأجانب طوال عقود؟
دخل بيتكوفيتش قلوب الجزائريين من بوابة الأرقام قبل العواطف، منذ توليه زمام الأمور في أواخر فبراير 2024 خلفاً لجمال بلماضي، نجح السويسري في صياغة “هوية انتصارية” واضحة.
قاد منتخب الجزائر في 20 مباراة، انتصر في 15 مباراة وتعادل في 3 مباريات وخسر مباراتين فقط، كانتا أمام غينيا في تصفيات كأس العالم، ووديًا ضد السويد.
على مستوى تصفيات كأس أمم إفريقيا 2025، خاض بيتكوفيتش 6 مباريات، انتصر في 5 منها وتعادل في لقاء وحيد، كما قاد الخُضر لنهائيات كأس العالم 2026 بعد الغياب عن آخر نسختين.
يدخل بيتكوفيتش التاريخ كخامس مدرب أجنبي يقود الجزائر في المحفل القاري، وهو يدرك يقينًا أن “النجمتين” المحققتين (1990 و2019) صُنعتا بأيادٍ وطنية (كرمالي وبلماضي)، وتاريخ الأجانب مع “الخضر” في الكان كان مزيجًا من الإخفاقات والومضات القصيرة.

خلا المؤتمر الصحفي الأخير، حاول بيتكوفيتش تخفيف الضغط بتحديد هدف أولي وهو تجاوز دور المجموعات، لكن الشارع الرياضي الجزائري لا يرضى بأنصاف الحلول، فمع امتلاك تشكيلة مدججة بالخبرة والشباب، ترى الجماهير أن الجزائر تملك “الترسانة” اللازمة للذهاب بعيداً إلى منصة التتويج.
يقف بيتكوفيتش اليوم أمام مفترق طرق؛ فإما أن يؤكد سطوته التكتيكية ويصبح أول مدرب أجنبي يمنح الجزائر تاجًا قاريًا، ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، أو أن تبتلعه أدغال إفريقيا كما فعلت مع أسلافه؛ الحقيقة الوحيدة الآن هي أن محاربي الصحراء مستعدون للقتال، والكرة الآن في ملعب “العقل السويسري”.
سامي الطرابلسي.. رحلة البحث عن تونس بذكريات الماضي
بين ذكريات منصة التتويج في 2004، وطموحات العودة للقمة في 2025، يدخل المنتخب التونسي غمار النسخة الـ35 من “الكان” بقيادة ربّان يعرف خبايا السفينة جيدًا؛ سامي الطرابلسي، الرجل الذي عاد في ولاية ثانية ليجد نفسه أمام اختبار تثبيت الهوية، يسعى لتحويل نسور قرطاج من فريق يبحث عن الانضباط إلى بطل يطارد نجمة ثانية استعصت على تونس لـ 22 عامًا.
لجأ المنتخب التونسي إلى تعيين سامي الطرابلسي في فبراير 2025، وهو الذي قاد نسور قرطاج من قبل في الفترة ما بين مارس 2011 وفبراير 2013، لكنه رحل بعد الخروج من دور المجموعات لبطولة كأس الامم الإفريقية.
عاد الطرابلسي ليقدم نسخة تونسية وصفت بالـ “مرعبة” رقميًا خلال رحلة تصفيات المونديال، النتائج لم تكن مجرد انتصارات، بل كانت بياناً تكتيكياً شديد اللهجة، حيث تصدرت تونس مجموعتها بـ28 نقطة من أصل 30، في واحدة من أقوى فترات الهيمنة الرقمية في تاريخ الكرة التونسية.

سجل الهجوم 22 هدفًا، لكن الرقم الأهم الذي يتغنى به المحللون هو (صفر أهداف) في شباك النسور؛ حيث نجح الطرابلسي في بناء ساتر دفاعي لم تستطع كل فرق المجموعة اختراقه، معيدًا للأذهان مدرسة “الواقعية الصارمة” التي تميزت بها تونس تاريخيًا.
لم تكن مهمة الطرابلسي فنية فحسب، بل كانت “عملية إنقاذ” لهيبة المنتخب بعد الخروج المذل من دور المجموعات في نسخة كوت ديفوار 2023، وبعد مرحلة من عدم الاستقرار الفني وتوالي الأسماء (لوحيشي، البنزرتي، اليعقوبي)، جاء الطرابلسي ليعيد فرض “الدكتاتورية الفنية” الإيجابية، معيدًا الهدوء لغرفة الملابس والصرامة داخل المستطيل الأخضر.
بينما كان الطرابلسي يسير في “طريق حرير” نحو المونديال والقارة، جاءت المشاركة الأخيرة في كأس العرب بقطر (خلال ديسمبر 2025)، وقبل أيام فقط من المشاركة الإفريقية، لتمثل صدمة غير متوقعة، الأيام العشرة الأولى من الشهر الحالي شهدت تراجعًا مخيبًا في الأداء والنتائج، مما جعل الإشادات التي حظي بها تنقلب إلى تساؤلات مشروعة في الشارع الرياضي التونسي.
فجأة، تحول الطرابلسي من “المنقذ” إلى “المُطالب بإثبات الكفاءة”، وأصبحت بطولة المغرب هي “الميزان” الذي سيحدد مصير مشروعه؛ فإما تأكيد أن ما حدث في الدوحة كان مجرد “كبوة جواد”، أو الدخول في نفق مظلم من الشكوك.

على مستوى الأرقام، قاد الطرابلسي منتخب تونس في 14 مباراة بجميع المسابقات الرسمية والودية، انتصر في 9 منها، وتعادل في 3 مباريات وخسر مباراتين، كانتا أمام المغرب وديًا، وأمام سوريا في كأس العرب.
ويدخل سامي الطرابلسي “الكان” وفي جعبته بطاقة التأهل للمونديال 2026، وهو ما يمنحه ثقة كاملة، لكنه يدرك أن الجمهور التونسي لا يقتنع بـ “التأهل” فقط؛ الرهان في المغرب هو استعادة الثقة المفقودة وتقديم نسخة هجومية قادرة على الحفاظ على نظافة الشباك التي ميزت مشواره، وتحويل الدفاع الفولاذي إلى منصة لإطلاق هجمات تخطف اللقب القاري.
الطرابلسي في “كان 2025” ليس مجرد مدرب، بل هو مهندس يحاول إثبات أن أرقامه القياسية في التصفيات ليست “فقاعة”، وأن نسور قرطاج في عهده تمتلك المخلب التكتيكي القادر على تمزيق التوقعات والتحليق باللقب الثاني من قلب الملاعب المغربية.
بابي ثياو.. خليفة أليو سيسيه الباحث عن التتويج الثاني
يتولى بابي ثياو مهام المدير الفني لمنتخب السنغال الأول، بداية من ديسمبر 2024، بعدما قضى فترة مؤقتة ناجحة على رأس القيادة الفنية لأسود التيرانجا خلال تصفيات كأس أمم إفريقيا 2025، حيث خاض 4 مباريات انتصر فيها جميعًا ولم يستقبل أي هدف.
لتأتي الفترة الحقيقية في ولايته لمنتخب السنغال، بعد أن كان مساعدًا للمدير الفني أليو سيسيه الذي قضى سنوات طويلة على الدفة السنغالية، وحقق بطولة كأس أمم إفريقيا 2021 بالكاميرون.
وجاء الدور على بابي ثياو صاحب الـ44 عامًا، ليُكمل النهج ذاته بقيادة مجموعة كبيرة من النجوم، نحو استعادة التاج الإفريقي، بعد الوصول لنهائي 2019 في مصر، والتتويج بنسخة 2021 بالكاميرون، قبل الخروج في نسخة 2023 من دور الستة عشر على يد البطل كوت ديفوار بركلات الترجيح.

وعلى مستوى الأرقام، قاد ثياو منتخب بلاده في 14 مباراة، سواء كمدرب مؤقت أو مدرب دائم، وانتصر في 11 مباراة، بجانب التعادل في مباراتين، وخسر لقاء ودي وحيد أمام البرازيل؛ وعلى مستوى المباريات الرسمية، فانتصر في جميعها عدا التعادل السلبي أمام السودان في تصفيات كأس العالم 2026.
وقاد بابي ثياو منتخبه إلى نهائيات كأس العالم 2026، ويتواجد في مجموعة تضم كلًا من فرنسا والنرويج والمتأهل من الملحق.
ويستعد أسود التيرانجا لخوض غمار المعترك الإفريقية كأحد أبرز المرشحين لنيل اللقب، بعد استقرار طويل تحت قيادة أليو سيسيه، ثم خليفته بابي ثياو بالنهج ذاته.
هل هي بطولة المدربين حقاً؟
الأرقام تؤكد ذلك؛ ففي النسخ الخمس الأخيرة، فازت الفرق التي تمتلك مدربًا استمر لأكثر من عامين في منصبه بنسبة 80% من الألقاب؛ هذا يعني أن المهارة الفردية للنجوم قد تحسم مباراة، لكن “عقل” المدرب هو من يحسم البطولة.
بين خبرة هوجو بروس العجوز الذي يعرف كيف يروّض الأدغال، وطموح ديسابر التكتيكي، واندفاع حسام حسن العاطفي، والتاريخ الذي كتبه الركراكي، تبدو بطولة 2025 وكأنها إعلان رسمي عن نهاية عصر “الصدفة الكروية”.
فهي بطولة المدربين الذين تجرأوا على الحلم لسنوات، والآن جاء وقت الحساب. فمن منهم سيثبت أن مشروعه لم يكن مجرد حبر على ورق، ومن سيكتشف أن “تكتيك الورقة” قد يحترق أمام “واقع الملعب”؟ في المغرب، ستنتصر الخطة، ويبقى التاريخ شاهداً على من كان يملك الشجاعة ليحرك قطع الشطرنج بذكاء، حتى الصرخة الأخيرة.