فضائح الربع قرن.. “قضية نيجريرا” الصندوق الأسود الذي هزّ أركان الكرة الإسبانية
لسنوات طويلة، كان نادي برشلونة يُمثل للعالم “المدينة الفاضلة” في كرة القدم؛ مدرسة “لا ماسيا” التي تُخرج العباقرة، وفلسفة “التيكي تاكا” التي جعلت من المستطيل الأخضر لوحة فنية، لكن في منتصف فبراير من عام 2023، انفتحت فجوة في جدار هذا الكيان العريق، خرجت منها أشباح ماضٍ ظنه البعض قد دُفن.
لم تعد “قضية نيجريرا” مجرد مخالفة ضريبية أو نزاع مالي عابر، بل تحولت إلى “الخطيئة الكبرى” التي وضعت 17 عامًا من أمجاد النادي الكتالوني تحت مقصلة التشكيك، وحولت غرف الاجتماعات في “كامب نو” إلى ساحات تحقيق جنائي يتابعها العالم بذهول.
الخيط الذي كشف فضيحة نيجريرا
بدأت القصة بعيدًا عن صخب الملاعب، في المكاتب الهادئة لمصلحة الضرائب الإسبانية، أثناء تدقيق روتيني في الإقرارات الضريبية لشركة تسمى (DASNIL 95 SL)، لاحظ المفتشون تدفقات مالية ضخمة وغير مبررة؛ كانت المفاجأة الصاعقة أن المصدر الوحيد تقريبًا لهذه الأموال هو نادي برشلونة.
في 15 فبراير 2023، فجر برنامج “Què t’hi jugues!” الإذاعي القنبلة: برشلونة دفع مبالغ طائلة لـ خوسيه ماريا إنريكيز نيجريرا، الرجل الذي كان يشغل منصب نائب رئيس اللجنة الفنية للحكام في الاتحاد الإسباني لكرة القدم بين عامي 1994 و2018.

بلغت المدفوعات 7.3 مليون يورو في الفترة ما بين عام 2001 (فترة رئاسة خوان جاسبارت) واستمرت عبر إدارات متلاحقة (لابورتا الأولى، روسيل، وبارتوميو)؛ توقفت المدفوعات في عام 2018، وهو العام ذاته الذي غادر فيه نيجريرا منصبه في لجنة الحكام بعد تغييرات إدارية واسعة في الاتحاد الإسباني.
نيجريرا.. الرجل الظل الذي هدد بالانتقام
خوسيه ماريا نيجريرا لم يكن حكمًا عاديًا؛ فقد أدار مباريات النخبة في إسبانيا لثلاثة عشر عامًا قبل أن يتحول إلى “الرجل الثاني” في منظومة التحكيم، خلف الرئيس القوي فيكتوريانو سانشيز أرمينيو.
عندما بدأت مصلحة الضرائب التحقيق، أدلى نيجريرا بشهادة (سُربت لاحقًا) كانت بمثابة صدمة للوسط الرياضي؛ حيث ادعى أن تلك الأموال كانت مقابل “ضمان عدم اتخاذ قرارات تحكيمية ضد النادي، أي لضمان الحيادية”.
في عام 2018، وعندما قرر رئيس النادي آنذاك، جوسيب ماريا بارتوميو، وقف المدفوعات كإجراء لخفض التكاليف، أرسل نيجريرا رسالة رسمية (بوروفاكس) تحمل طابع التهديد الصريح، جاء فيها:
“سأكشف دون تردد عن كل المخالفات التي شهدتها وعشتها داخل النادي.. فضيحة عالمية ستلاحقكم”.
– نيجريرا.
كانت هذه الرسالة هي الدليل الأقوى لدى الادعاء بأن العلاقة لم تكن استشارية مهنية بحتة، بل كانت “علاقة إذعان” أو ابتزاز.
“التقارير الفنية” ومناورة الدفاع الكتالوني
في مواجهة العاصفة، اختار برشلونة استراتيجية الدفاع بالهجوم؛ في أبريل 2023، عقد خوان لابورتا مؤتمرًا صحفيًا استمر ساعات، وبجانبه مئات الوثائق، زاعمًا أنها “تقارير فنية” عن الحكام.

ادعى النادي أن نيجريرا وابنه (خافيير إنريكيز) كانا يعملان كـ “مستشارين خارجيين” لتزويد النادي بملفات حول خصائص كل حكم (هل هو صارم؟ هل يتأثر بضغط الجمهور؟).
أكد لابورتا أن كل المبالغ دُفعت عبر تحويلات بنكية رسمية ومسجلة في دفاتر النادي وخضعت لتدقيق الحسابات، مما ينفي عنها صفة “الرشوة السرية”.
خرج مدربون مثل بيب جوارديولا ولويس إنريكي وإرنستو فالفيردي ليؤكدوا أنهم لم يسبق لهم رؤية هذه التقارير، وأن انتصارات الفريق كانت نتاج عبقرية ليونيل ميسي ورفاقه على أرض الملعب، وليس “هدايا” من الحكام.
ريال مدريد يدخل في القضية
لم تكن القضية لتمضي دون أن تُشعل فتيل الصراع التاريخي مع ريال مدريد، عندما قرر النادي الملكي التدخل في القضية كـ “طرف متضرر”، انفجر لابورتا غضبًا ووصف ريال مدريد بأنه “نادي النظام”، ملمحًا إلى علاقتهم التاريخية بنظام الجنرال فرانكو وتلقيهم مساعدات تحكيمية لعقود.
لم تكن اتهامات خوان لابورتا لريال مدريد بكونه “نادي النظام” مجرد تصريح عابر، بل كانت بمثابة فتح لصندوق “باندورا” التاريخي؛ ردّت الماكينة الإعلامية لريال مدريد عبر قناتها الرسمية بفيلم وثائقي مضاد، لم يكتفِ بتفنيد ادعاءات لابورتا، بل قلب الطاولة رأسًا على عقب؛ حيث استعرض الفيديو حقائق تاريخية تزعم أن نظام الجنرال “فرانسيسكو فرانكو” هو من أنقذ برشلونة من الإفلاس ثلاث مرات، ومنحه ألقابًا شرفية.
بلغت الإثارة ذروتها في نهاية الفيديو باقتباس تاريخي حاد للرئيس الأسطوري سانتياجو برنابيو، قال فيه بلهجة لا تخلو من القسوة:
“كلما سمعتُ وصف ريال مدريد بأنه فريق النظام، أشعر برغبة عارمة في أن ألعن والد من يقول ذلك”.
هذا الصدام اللفظي والتاريخي لم يمر مرور الكرام، بل تسبب في شرخ دبلوماسي عميق؛ حيث قرر فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، كسر التقليد المتبع لسنوات والامتناع عن حضور مباريات “الكلاسيكو” في ملعب برشلونة، تعبيراً عن غضب النادي الملكي من محاولات تشويه تاريخه.
— Real Madrid C.F. 🇬🇧🇺🇸 (@realmadriden) April 18, 2023
يوم الشهادات الكبرى.. “لابورتا” في مواجهة التناقضات
في جلسة قضائية حبست أنفاس الشارع الرياضي الإسباني، مثل رئيس نادي برشلونة، خوان لابورتا، أمام منصة القضاء للإدلاء بشهادة استغرقت 53 دقيقة، كانت تهدف إلى وضع حدٍّ للشبهات، لكنها بدلًا من ذلك، فتحت أبوابًا جديدة من التساؤلات والتناقضات.
لم يكن لابورتا وحده في ذلك اليوم؛ إذ استدعى القضاء أيضًا اثنين من أبرز من جلسوا على مقاعد البدلاء في “كامب نو”: لويس إنريكي وإرنستو فالفيردي.
لم تكن شهادات القادة الفنيين لبرشلونة مجرد أقوال عابرة، بل تحولت إلى وثائق إدانة أدبية للرواية الرسمية للنادي، خاصة بعد أن بثت إذاعة “كادينا سير” مقاطع صوتية مسربة من داخل قاعة المحكمة. في تلك التسجيلات، بدت أصوات لويس إنريكي وإرنستو فالفيردي حاسمة وهادئة، لكنها كانت تحمل في طياتها “زلزالًا” يضرب مبررات الإدارة حول جدوى الملايين المدفوعة.
بلهجته الحادة والمباشرة، كان لويس إنريكي (مدرب البارسا بين 2014 و2017) قاطعًا أمام القاضي؛ أكد “اللوتشو” أنه لا يعرف خوسيه ماريا نيجريرا ولا ابنه، ولم يسبق له أن التقى بأي منهما، قال إنريكي في كلماته المسربة:
“لم يعرض عليّ أحد تلك التقارير المزعومة، ولم تصل إلى يد أي فرد من أفراد طاقمي الفني طوال سنوات عملي في النادي”.
هذا التصريح وضع علامة استفهام كبرى حول مصير ملايين اليورو التي صُرفت خلال ولايته؛ فإذا كانت تلك الأموال مقابل “تقارير فنية للمدرب”، فإلى أين ذهبت تلك التقارير إذا كان المدرب نفسه لم يراها؟
لم تختلف شهادة إرنستو فالفيردي (مدرب الفريق بين 2017 و2020) في جوهرها، لكنها كانت أكثر تفصيلًا في كشف التناقض؛ فالفيردي، الذي يقود الآن أتلتيك بلباو، أقر بأنه يدرك وجود “مستشارين تحكيميين” في عالم كرة القدم، بل وأكد أن مساعده في بلباو يتلقى مثل هذه التقارير حاليًا.
لكن المفاجأة كانت في قوله:
“لم أستخدم هذه التقارير في برشلونة أبدًا، ولم أطلبها ولم أهتم بها، في الواقع، سألت مساعدي في برشلونة ذات مرة عما إذا كان يتلقى مثل هذه الوثائق، وأجابني بالنفي القاطع”.
هذا التصريح وضع علامة استفهام كبرى: إذا كان المدربون المسؤولون عن إدارة المباريات لا يعرفون شيئًا عن هذه التقارير، فمن كان المستفيد الحقيقي منها؟ ولماذا دُفعت هذه المبالغ الطائلة تحت مسمى “استشارات رياضية”؟
من جانبه، سار لابورتا على حبل مشدود في إفادته؛ حيث نفى نفيًا قاطعًا أي معرفة شخصية بخوسيه ماريا نيجريرا أو ابنه، وهو ما يتصادم بشكل مباشر مع شهادة ساندرو روسيل التي أكد فيها أن لابورتا كان حاضرًا عند تقديم نيجريرا للنادي في 2003.

لابورتا دافع عن “شرعية” المدفوعات بوصفها “تركة موروثة” من مجالس إدارة سابقة، قائلًا:
“أُبلغت بوجود هذه الاستشارات، ورأينا الاستمرار فيها لاعتقادنا بفائدتها للنادي، وكانت الإدارة الرياضية هي المستفيدة من هذه التحليلات”.
وبرر زيادة المبالغ المدفوعة بزيادة عدد التقارير، مؤكدًا أنه كان يعتقد دومًا أن الابن (إنريكيز) هو من يعدّها، وهي الرواية التي نفتها صحيفة “سبورت” الكتالونية مشيرة إلى أن الابن نفسه أنكر قيامه بذلك في روايته السابقة.
لم يخلُ حديث لابورتا من النبرة العاطفية والسياسية التي يتقنها؛ إذ اعتبر أن إثارة القضية في هذا التوقيت ليس إلا “حملة منظمة” تهدف إلى اغتيال سمعة برشلونة معنوياً وتشويه إنجازاته التاريخية. وقال بنبرة حادة:
“برشلونة لم يسعَ يومًا للتلاعب بالمنافسات، هذه حقيقة ثابتة، ما يحدث هو محاولة لضرب النادي في اللحظة التي استعاد فيها عافيته وحصد الألقاب، واستهداف لمرحلة أصبح فيها البرسا مرجعًا عالميًا”.
— FCB World (@Forca_Fcb) December 16, 2025
“تسميم الأجواء” وانعدام الثقة في التحكيم الإسباني
ورغم أن لغة المصالح المؤسسية فرضت نوعًا من الهدوء الحذر لاحقًا، إلا أن الجرح ظل نازفًا في القواعد الجماهيرية والإعلامية، تحولت كلمة “نيجريرا” في العاصمة مدريد من اسم شخص إلى “تهمة” جاهزة؛ فمع كل صافرة حكيم تصب في مصلحة برشلونة، تضج المدرجات والبرامج الرياضية بهتافات “نيجريرا”، في إشارة ضمنية إلى أن نفوذ الأموال القديمة لا يزال ساريًا.
هذا المناخ المشحون ولد ردود فعل دفاعية حادة من جانب الجماهير والكتّاب المنتمين لإقليم كتالونيا، الذين يرون في هذه الحملة “مؤامرة مركزية” تهدف لاغتيال ناديهم معنويًا.
لخص الحكم الدولي السابق إدواردو إيتورالدي جونزاليس هذا المشهد المأساوي في تصريحات صحفية في مارس 2024، قائلًا:
“قضية نيجريرا هي طعنة في قلب كرة القدم، لقد أجهزت على ما تبقى من مصداقية للتحكيم، والإعلام في مدريد استغل الأمر لتكثيف الضغط بضراوة، مما جعل المصداقية التي كانت ضئيلة أصلًا تصبح الآن تحت الصفر”.
– إدواردو إيتورالدي جونزاليس.
شهادة ساندرو روسيل.. القنبلة التي فجرت رواية “لابورتا”
بينما كانت هيئة الدفاع تحاول جاهدة رسم صورة “المسافة الآمنة” بين إدارة النادي ونيجريرا، جاءت شهادة ساندرو روسيل (رئيس برشلونة بين 2010 و2014) أمام القاضية “أليخاندرا خيل”، مؤخرًا، لتعيد خلط الأوراق وتضع الرواية الرسمية الحالية في مأزق حرج؛ روسيل، الذي التزم الصمت طويلًا، قرر كسر حاجز السرية، معترفًا ليس فقط بوجود العلاقة المالية، بل بمعرفته الشخصية والجسدية بنيجريرا منذ عام 2003.
كشف روسيل في إفادته المسربة عن تفاصيل لقاءاته الأولى مع الرجل اللغز، قائلًا:
“تعرفتُ على السيد نيجريرا لأول مرة في عام 2003، حين كنا نشكل مجلس الإدارة الأول برئاسة خوان لابورتا، قُدِّم إليّ حينها بصفته الشخص المسؤول عن تقديم الاستشارات التحكيمية للنادي”.
هذا الاعتراف الصريح وصفته صحيفة “ماركا” الإسبانية بأنه بمثابة “نسف وتكذيب” لرواية الرئيس الحالي خوان لابورتا، الذي كان قد نفى في تصريحات سابقة وجود أي لقاءات مباشرة أو معرفة شخصية وثيقة تربطه بنيجريرا خلال ولايته الأولى.
روسيل لم يكتفِ بالتعارف، بل أكد رؤيته لنيجريرا مرارًا في مرافق النادي، سواء مع الفريق الأول أو فريق الشباب (برشلونة ب)، وهو يُعد تقاريره الميدانية.
عندما سُئل روسيل عن سبب استمرار هذه المدفوعات الضخمة إبان توليه الرئاسة في 2010، استخدم استراتيجية “الإرث الإداري”؛ أوضح روسيل أن إدارته “ورثت” عقد نيجريرا ضمن قائمة طويلة تضم أكثر من مئة عقد استشاري آخر؛ شملت كل شيء بدءًا من جودة عشب الملعب، وصولًا إلى الحمية الغذائية للاعبين وكشافة المواهب.
وبنبرة دفاعية استباقية، قال روسيل:
“لو سألني أحد حينها: هل يجب أن نستمر في هذه الخدمة؟ لقلت نعم دون تردد؛ مهمة مجلس الإدارة هي توفير كل الأدوات الممكنة للجهاز الفني واللاعبين، أما قرار استخدام تلك التقارير من عدمه، فهو شأن فني يخص المدربين وحدهم”.
برر روسيل قلة ظهور نيجريرا في الملاعب بمرور الوقت بقوله:
“من يقدم استشارة تحكيمية دقيقة، يفضل غالبًا فعل ذلك عبر التلفاز، حيث تتيح الإعادات والزوايا المتعددة تقييماً أدق من الرؤية الميدانية”.
تكمن خطورة شهادة روسيل في أنها أثبتت أن نيجريرا لم يكن مجرد “اسم على ورق” أو شركة توريد نكرة، بل كان وجهًا مألوفًا لرؤساء النادي وكباره لأكثر من عقد من الزمان.
— FCB World (@Forca_Fcb) December 22, 2025
هذا الاعتراف يعزز فرضية الادعاء بأن العلاقة كانت “عضوية” وعميقة الجذور، مما يصعب مهمة الدفاع في تصوير النادي كطرف تم التلاعب به أو غرر به، ويفتح الباب أمام سؤال أكثر تعقيدًا: إذا كان نيجريرا يقدم خدمة “عادية” كبقية المستشارين، لماذا أحيطت علاقته بالنادي بكل هذا الغموض والسرية حتى فجرتها مصلحة الضرائب؟
ريال مدريد يقتحم القلعة المالية لبرشلونة
في تطور درامي ومفاجئ جرى يوم الرابع والعشرين من ديسمبر 2025، قرر نادي ريال مدريد التخلي عن دور “المراقب الصامت” ليشن هجومًا قانونيًا كاسحًا في قلب محكمة برشلونة، لم يعد الأمر مجرد تراشق إعلامي بين الغريمين، بل تحول إلى محاولة “اقتحام محاسبي” لسجلات النادي الكتالوني، حيث طالب النادي الملكي رسميًا بإجبار برشلونة على فتح “دفاتره السرية” وكشف كواليسه المالية الممتدة من عام 2010 حتى 2018.

داخل قاعة المحكمة، لم يعد محامو ريال مدريد يكتفون بالحضور كطرف متضرر، بل تحولوا إلى “مدعين شرسين” يطاردون الحقيقة في أدق التفاصيل المحاسبية، وبحسب المصادر القضائية، وجه الفريق القانوني للملكي أسئلة “حارقة” ومحاصِرة لرئيس برشلونة خوان لابورتا، استهدفت الثغرات العميقة في روايته، قبل أن يتقدموا بطلبهم “الثقيل” الذي يهدف لتفكيك طلاسم القضية.
طالب الملكي المحكمة بإلزام برشلونة بتقديم الوثائق الحساسة التالية:
- يريد ريال مدريد فحص التقارير التي حللت وراجعت صحة المدفوعات الموجهة في الفترة ما بين 2010 و2018 لشركات نيجريرا الست (مثل Dasnil 95 وNilsad وغيرها)؛ والهدف واضح: الكشف عن أسماء “المستفيدين الداخليين” داخل برشلونة ومن أعطى الضوء الأخضر لتلك الأموال.
- طلب النادي الحصول على كافة البيانات المالية السنوية وتقارير مكاتب التدقيق الخارجية التي اعتمدت حسابات برشلونة، للبحث عن أي “تلاعب محاسبي” محتمل لإخفاء وجهة تلك الملايين.
- يسعى ريال مدريد للاطلاع على محاضر الاجتماعات التي ناقشت هذه المدفوعات من منظور ضريبي، وهو ما قد يكشف عما إذا كانت إدارة برشلونة قد استشعرت الخطر القانوني قبل افتضاح الفضيحة.
- طلب النادي الملكي استصدار أمر يُلزم شركة الاستشارات القانونية (Camps Legal) بتقديم كافة المراسلات والتهديدات التي أرسلها نيجريرا للنادي، وذلك عبر وحدة الشرطة القضائية التابعة لـ “الحرس المدني”.
كما طالب ريال مدريد استدعاء كارلوس نافال بيوسكا، أحد أقدم وأهم الإداريين في تاريخ غرفة ملابس برشلونة، للإدلاء بشهادته؛ نافال، الذي يُعد “مخزن أسرار” النادي الميداني، قد يكون الشخص القادر على تأكيد أو نفي وجود نيجريرا وابنه في محيط الفريق، ومدى وصول تلك “التقارير المزعومة” فعليًا إلى أيدي الفنيين.
الحقيقة الضائعة في مهب الريح
ستبقى “قضية نيجريرا” الملف الأكثر تعقيدًا وجدلًا في تاريخ الرياضة العالمية؛ فهي ليست مجرد نزاع قانوني، بل هي قصة تتشابك فيها خيوط المال، السلطة، الغرور، وتصفية الحسابات التاريخية.
إن المعضلة الكبرى التي تواجه القضاء الإسباني اليوم هي “الفجوة” بين الشك واليقين؛ فبينما يصر الادعاء على أن المدفوعات كانت ثمنًا لـ “الحماية التحكيمية”، يفتقر الملف حتى الآن إلى “الدليل المادي القاطع” الذي يثبت تلاعبًا في نتيجة مباراة بعينها.
ومع ذلك، فإن الضرر الأخلاقي قد وقع بالفعل؛ فالعلاقة المالية السرية بين نادٍ ونائب رئيس لجنة الحكام لمدة 17 عامًا هي وصمة عار لا يمكن غسلها بمجرد “براءة قانونية”.
سيبقى ملف نيجريرا مفتوحًا كالجرح النازف في جسد الليجا؛ ففي محكمة القانون قد ينجو برشلونة بسبب الثغرات والتقادم، ولكن في “محكمة التاريخ” و”محكمة المدرجات”، ستظل كل صافرة وكل لقب وكل انتصار من تلك الحقبة محاطاً بظلال الشك.
سيبقى السؤال معلقًا: هل كان برشلونة يشتري “الحياد” كما ادعى نيجريرا، أم كان ضحية لنظام ابتزاز؟ الحقيقة الآن تلاشت في ذاكرة نيجريرا المريضة وبين أوراق المحامين، لتترك كرة القدم الإسبانية في مواجهة أزمة ثقة قد لا تُشفى منها لجيل كامل.