الدوري الإسبانيجود بيلينجهام365TOPتقارير ومقالات خاصة

عندما يضئ النجم ويحترق الفريق.. هل أخطأ ريال مدريد في التعاقد مع كيليان مبابي؟

في عالم كرة القدم، البريق سلاح ذو حدّين، قد يكون علامة على العظمة الخالدة، وقد يتحول إلى إنذار مبكر بالخطر القادم، التاريخ مليء بصفقات لامعة سرقت الأضواء قبل أن تُسرق منها الروح، لاعبين جاءوا محمّلين بالوعود والعناوين العريضة، لكن وجودهم أخلّ بالتوازن أكثر مما صنع الفارق، فليس كل نجم يولد ليقود منظومة، بعضهم يضيء فقط ليجذب الجميع نحوه.. ثم يحترق كل ما حوله.

ريال مدريد، النادي الذي بنى مجده على فهم دقيق لمعنى “النجومية الجماعية”، تعلّم عبر عقود طويلة أن الأسماء وحدها لا تصنع الفرق، وأن أعظم النسخ في تاريخه وُلدت حين خدم النجم الفكرة، لا حين أصبحت المنظومة أسيرة النجم ومع ذلك، قرر النادي الملكي هذه المرة أن يراهن بكل ثقله على بريق كيليان مبابي.

على الورق، بدت الصفقة مثالية إلى حد الإغراء: أفضل لاعب في جيله، سرعة قاتلة، أرقام تهديفية مرعبة، وحضور تسويقي يليق بإمبراطورية بحجم ريال مدريد.. إعلاميًا، كانت الصفقة أسطورية، حلمًا مؤجلًا تحقق أخيرًا بعد سنوات من المطاردة، لكن كرة القدم لا تُلعب على الورق، ولا تُحسم في المؤتمرات الصحفية.

كيليان مبابي - ريال مدريد - المصدر (Getty images)
كيليان مبابي – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

على أرض الملعب، بدأت التعقيدات في الظهور، ليس لأن مبابي لاعب سيئ —بل على العكس— لكن لأن وجوده فرض إعادة تشكيل كاملة لمنظومة كانت تعمل بتوازن دقيق، أدوار تغيّرت، مساحات اختفت، نجوم آخرون اضطروا للتكيّف أو التراجع خطوة إلى الخلف، ومع كل مباراة كان السؤال يتردد: هل أصبح الفريق يلعب لمبابي أم يلعب بمبابي؟

هنا، يتحول البريق من نعمة إلى اختبار، اختبار لمدرب، لغرفة ملابس، ولنادٍ اعتاد أن يكون أكبر من أي اسم، مهما بلغ حجمه، قصة مبابي في العملاق الملكي ريال مدريد لم تبدأ كنقطة ضعف، لكنها كشفت حقيقة أزلية في كرة القدم: النجومية المطلقة قد تُربك حتى أعظم المنظومات، إن لم تُحسن إدارتها.

فلورنتينو بيريز.. عندما يتحول القرار إلى معركة كرامة

فلورنتينو بيريز لم يطارد كيليان مبابي بوصفه رئيس نادٍ يبحث عن قطعة فنية مفقودة في منظومة كروية، بل كرجل دولة كروية يخوض معركة نفوذ وهيبة، سنوات طويلة من الشد والجذب مع باريس سان جيرمان، ووعود مؤجلة، وتجديدات صادمة، ورسائل غير مباشرة على طاولات المفاوضات وفي عناوين الصحف، حوّلت الصفقة من خيار رياضي قابل للنقاش إلى قضية شخصية ذات أبعاد تاريخية.

بالنسبة لبيريز، لم يكن الأمر متعلقًا بعدد الأهداف أو المراكز داخل الملعب، بل بإعادة ترسيخ حقيقة قديمة، وهي أن ريال مدريد هو الوجهة الأولى في عالم كرة القدم، والنادي الذي لا يُمكن لأي لاعب —مهما بلغ نفوذه أو قيمته السوقية— أن يدير له ظهره دون عواقب، كان يريد أن يقول للعالم إن القرار النهائي لا يزال يُصنع في مكاتب سانتياغو برنابيو.

وعندما وصل مبابي أخيرًا إلى مدريد، لم يُقدَّم كصفقة عادية، بل كـ إعلان انتصار إداري وتاريخي، لحظة تتويج لصبر طويل، ورسالة صريحة بأن ريال مدريد قد ينتظر نعم لكنه لا ينسى.. وصول اللاعب بدا كأنه نهاية فصل صراع، لا بداية مشروع فني جديد فحسب.

كيليان مبابي - المصدر (Gettyimages)
كيليان مبابي – المصدر (Gettyimages)

غير أن الخطورة الحقيقية تكمن هنا تحديدًا، فالقرارات التي تُتخذ بدافع إثبات الهيبة واستعادة الكبرياء، غالبًا ما تحمل في طياتها مخاطرة تجاهل التفاصيل الصغيرة التي تصنع التوازن داخل الملعب، كرة القدم لا تعترف بالرمزية وحدها ولا بالنجم المطلق، ولا تُدار بمنطق الانتصارات المعنوية، بل بحسابات دقيقة تتعلق بالأدوار، والانسجام، وتوزيع النجومية، وهكذا، وجد ريال مدريد نفسه أمام سؤال معقد: هل كانت صفقة مبابي انتصارًا للنادي.. أم اختبارًا قاسيًا لقدرة المنظومة على استيعاب نجم أكبر من الفكرة ذاتها؟

مبابي في مدريد.. بداية إعصار لا يرحم

منذ صافرة ظهوره الأولى بقميص ريال مدريد، بدا واضحًا أن كيليان مبابي لم يأتِ ليتدرّج أو يتأقلم، بل ليُعيد ترتيب المشهد بالكامل، تحركات خاطفة، قرارات حاسمة، وإنهاء للفرص ببرود قاتل يعكس ثقة نجم يعرف تمامًا أين يقف، لم يحتج وقتًا طويلًا ليترك بصمته، فالأرقام التهديفية جاءت صادمة، ومعدل التسجيل تفوّق على ما حققه كثير من أساطير النادي، وفي عدد مباريات أقل.

لغة الأرقام وحدها كانت كافية لإشعال المقارنات، مبابي يسير على خطى كريستيانو رونالدو في بداياته المدريدية، وربما يتفوّق عليه زمنيًا من حيث التأثير السريع، جماهير سانتياجو برنابيو وجدت أخيرًا الوجه الذي كانت تبحث عنه منذ رحيل “الدون”، والإعلام بدأ يتحدث بثقة عن عصر جديد يُكتب هذه المرة بأقدام فرنسية، وبشغف لا يقل عن أي حقبة ذهبية سابقة.

لكن كرة القدم، في جوهرها، لا تُختزل في عدد الأهداف ولا في سرعة كتابة الأرقام القياسية، إنها لعبة توازن قبل أن تكون لعبة نجومية، لعبة منظومة لا مجرد استعراض فردي، فالسؤال الحقيقي لم يكن:كم سيسجل مبابي؟ بل هل يجعل ريال مدريد فريقًا أفضل.. أم مجرد مسرح يدور حوله؟

وهنا يبدأ التعقيد الحقيقي، فالإعصار الذي يكتسح الأرقام قد يربك أحيانًا البناء ومنظومة الفريق، والنجم الذي يسطع بسرعة الضوء قد يلقي بظلاله الثقيلة على من حوله، وبين الإبهار الفردي والحاجة إلى الانسجام الجماعي، بدأت مدريد تدخل منطقة اختبار لا ترحم، حيث لا يكفي أن تكون الأفضل.. بل أن تجعل الجميع كذلك.

ريال مدريد قبل مبابي.. ترسانة متعددة الأسلحة

قبل أن تطأ أقدام كيليان مبابي أرض سانتياجو برنابيو، كان ريال مدريد فريقًا عصيًّا على التوقّع، كيانًا هجوميًا لا يملك رأسًا واحدًا يمكن قطعه، بل عدة رؤوس تنمو مع كل مباراة كما كانت تفعل هيدرا الأسطورة الإغريقية، الخطورة لم تكن حكرًا على اسم بعينه، بل موزّعة بعناية على منظومة كاملة تتحرك بتناغم وتبدّل أدوارها بسلاسة.

فينيسيوس جونيور كان سلاحًا دائم الاشتعال على الجبهة اليسرى، رودريجو يضرب من اليمين في التوقيت القاتل، وجود بيلينجهام في العمق أضاف بعدًا جديدًا غير تقليدي، لاعب وسط يسجّل كالمهاجم ويتسلل بلا ضجيج داخل المنطقة كأنه قاتل متسلسل، وحتى خط الوسط، بقيادة فالفيردي وكامافينجا، كان يملك الحرية والشجاعة للتقدم وتهديد المرمى في أي لحظة.

هذا التنوّع الهجومي وضع الخصوم في مأزق دائم.. من تُراقب؟ أي خط تُغلق؟ وأي مساحة تتركها دون أن تتحول إلى هدف؟ لم يكن هناك لاعب واحد تختصر فيه الخطورة أو تُبنى عليه الخطة الدفاعية، بل شبكة كاملة من التهديدات المتحركة، حيث إيقاف اسم لا يعني إيقاف ريال مدريد بالضرورة.

كيليان مبابي - فينيسيوس جونيور - جود بيلينجهام - ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)
كيليان مبابي – فينيسيوس جونيور – جود بيلينجهام – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

تلك المنظومة جعلت الفريق أكثر توازنًا، وأكثر قدرة على امتصاص الغيابات وتقلّبات المستوى، لم يكن ريال مدريد ينتظر إلهام نجم واحد، بل يصنع الحلول جماعيًا، ويكسب المباريات بأكثر من سيناريو، وهنا تحديدًا تكمن المفارقة الكبرى.. حين تدخل نجومية بحجم مبابي إلى فريق اعتاد أن يكون الخطر فيه موزّعًا لا مركزيًا.

بعد مبابي.. مركز ثقل واحد يبتلع المساحات

مع وصول كيليان مبابي، تغيّر شكل المشهد الهجومي في ريال مدريد بشكل تدريجي لكنه عميق، لم يعد الهجوم شبكة متداخلة من التحركات والاختيارات، بل أصبح يدور – ولو بشكل غير معلن – حول مركز ثقل واحد، الكرة صارت تبحث عن مبابي قبل أي خيار آخر، اللعب يميل ناحيته تلقائيًا، والمساحات التي كانت تتفتح أمام بقية الأسماء بدأت تضيق، أو تختفي تمامًا.

ريال مدريد لم يفقد الجودة الفردية، ولم يتراجع من حيث الأرقام، لكنه خسر شيئًا أكثر خفاءً وأشد تأثيرًا: التوازن وتأثير المنظومة، عندما تمتلك لاعبًا يطلب الكرة دائمًا في أخطر منطقة، ويجذب أنظار الزملاء والخصوم معًا، يتحول الآخرون – دون قصد – إلى أدوار مساندة، أقل حضورًا، وأكثر ترددًا في اتخاذ القرار.

موعد مباراة ريال مدريد اليوم ضد تالافيرا والقنوات الناقلة في كأس ملك إسبانيا 2026
كيليان مبابي – إدواردو كامافينجا – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

فينيسيوس، الذي كان ينطلق بحرية كاملة، وجد نفسه مضطرًا للتفكير مرتين قبل التحرك في نفس المساحة، رودريجو بات يتحرك أكثر على الأطراف دون أن يكون الوجهة الأولى، بيلينجهام، الذي كان يدخل الصندوق كعنصر مفاجأة، أصبح حضوره مقيدًا بوجود نجم يحتل المنطقة نفسها بشكل دائم، حتى لاعبو الوسط، تقلصت جرأتهم الهجومية، لأن النهاية أصبحت معروفة سلفًا.. الكرة يجب أن تصل إلى مبابي.

هنا لا نتحدث عن أنانية، ولا عن خلل في الالتزام، بل عن طبيعة النجومية الطاغية، مبابي لا يفرض نفسه بالنجومية، بل بالموهبة، وبالأرقام، وبالشعور الدائم بأنه الحل الأسهل والأسرع، لكن كرة القدم، على أعلى مستوياتها، لا تُكافئ دائمًا الحل الأسهل، بل تُكافئ التوازن.

ريال مدريد بعد مبابي أصبح أكثر مباشرة، أكثر وضوحًا، وربما أكثر رعبًا في بعض اللحظات، لكنه في المقابل بات أقل تنوّعًا، وأقل قدرة على مفاجأة خصومه، وعندما تُغلق المساحات حول نجم واحد، يصبح السؤال المصيري: ماذا يحدث إذا تم تحييده؟ ومن يملك الجرأة ليحمل العبء حينها؟

كيليان مبابي - إلتشي - ريال مدريد - المصدر (Getty images)
كيليان مبابي – إلتشي – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

فينيسيوس جونيور.. أزمة لاعب فقد هويته

فينيسيوس جونيور لم يكن يومًا مجرد جناح يركض على الخط، بل كان مشروع قائد حقيقي داخل ريال مدريد، لاعب تحوّل من موهبة غير مكتملة إلى سلاح أول، يحمل الفريق في الليالي الصعبة، ويتقدم الصفوف عندما تتعقّد الحسابات، قبل وصول مبابي، كانت الكرة تعرف طريقها إلى قدم فينيسيوس دون تردد، وكان القرار الهجومي يبدأ منه وينتهي عنده.

كان يتحرك وهو يعلم أن الخطأ مسموح، وأن الجرأة مطلوبة، وأن الفريق يحتاجه كما هو، بكل اندفاعه ومغامرته، تلك الثقة صنعت لاعبًا لا يخاف، ولا يتراجع، ولا ينتظر الإذن.

فينيسيوس جونيور - المصدر: gettyimages
فينيسيوس جونيور – المصدر: gettyimages

لكن بعد مبابي تغيّر المشهد، عدد لمسات فينيسيوس في مناطق الحسم تراجع بشكل واضح، المساحات التي كان يهاجمها بحرية تقلّصت، وأصبح كثيرًا ما يجد نفسه في مناطق أقل تأثيرًا، أو في انتظار لحظة قد لا تأتي، فجأة، اللاعب الذي كان يفرض نفسه، بات يُطالب بالصبر، وبالتكيّف، وبإعادة تعريف دوره داخل المنظومة.

آخر 15 مباراة بلا أهداف ليست رقمًا عابرًا، ولا أزمة فنية تقليدية، بل مؤشر نفسي قبل أن يكون تكتيكيًا، فينيسيوس يعيش صراعًا داخليًا معقدًا: هل ما زلت النجم الأول، هل المطلوب أن أضحّي من أجل التوازن، هل تغيّر دوري دون أن يخبرني أحد صراحة؟

هذه الأسئلة لا تُقال في المؤتمرات الصحفية، لكنها تظهر في خلفية المشهد لمن يراقب بعمق أروقة ريال مدريد، تظهر في التردد قبل التسديد، في التمريرة الزائدة بدل الانطلاق، وفي الاحتجاجات التي زادت ومشهد الكلاسيكو مع تشابي ألونسو خير شاهد على ذلك، اللاعب لم يفقد موهبته، لكنه فقد قعاليته داخل الفريق.

فينيسيوس جونيورقبل مبابي موسم 2024بعد مبابي موسم 2025
إجمالي الدقائق التي لعبها22571331
المباريات التي لُعبت3018
الأهداف115
الأهداف المتوقعة (xG)10.696.40
الأهداف لكل مباراة0.40.3
الفرص الخطيرة الضائعة108
التمريرات الحاسمة85
التمريرات الحاسمة لكل مباراة0.30.3
المساعدات المتوقعة (xA)6.982.49
أرقام فينيسيوس في الدوري قبل وبعد مبابي

قبل وصول مبابي في موسم 2024، كان فينيسيوس لاعبًا أساسيًا في خط الهجوم، حيث شارك في 30 مباراة بإجمالي دقائق 2257 دقيقة، بمعدل أهداف لكل مباراة 0.4، وسجل 11 هدفًا مع معدل أهداف متوقعة (xG) بلغ 10.69، كما أظهر فعالية في صناعة الفرص، حيث أرسل 8 تمريرات حاسمة وبلغت المساعدات المتوقعة (xA) 6.98، مع 10 فرص خطيرة ضائعة، ما يعكس دوره المركزي في صنع اللعب والهجوم.

بعد وصول مبابي في موسم 2025، انخفضت مشاركاته بشكل ملحوظ، حيث لعب 18 مباراة بمجموع دقائق 1331 دقيقة، وتراجع معدل أهدافه لكل مباراة إلى 0.3، وسجل 5 أهداف فقط مع معدل أهداف متوقعة 6.40، كما انخفضت مساهماته في صناعة اللعب، حيث بلغ عدد التمريرات الحاسمة 5 فقط والمساعدات المتوقعة 2.49، بينما قلّت الفرص الخطيرة الضائعة إلى 8.

تشابي ألونسو – مبابي – فينيسيوس – بيلنجهام

هذه الأرقام توضح أن فينيسيوس فقد بعض تأثيره في الهجوم بعد قدوم مبابي، إذ أصبح أقل تحررًا واستحواذًا على الكرة في مناطق الحسم، مما يعكس تحول ديناميكية الفريق حول النجم الجديد وتراجع دور اللاعبين الذين كانوا محوريين سابقًا.

الأرقام تكشف كل شئ، فينيسيوس تأثر على كل الأصعدة بالتعاقد مع مبابي، فينيسيوس اليوم لا يعاني من نقص الجودة، بل من غموض الدور، وفي كرة القدم هذا أخطر ما يمكن أن يحدث لنجم كبير، هو أن يدخل الملعب وهو لا يعرف: متى يجب أن يتقدم؟ ومتى يجب أن يتراجع؟ ومتى يكون القرار له ومتى يكون لغيره؟ ريال مدريد كسب مبابي، لكنه في المقابل يواجه تحديًا حقيقيًا، كيف يحافظ على فينيسيوس دون أن يتحوّل إلى ظل؟ وكيف يعيد له الشعور بأنه جزء من الحل، لا مجرد قطعة في ترتيب جديد؟

في النهاية، المشكلة ليست في مبابي كنجم، بل في كيفية احتواء النجم داخل منظومة كانت تعمل بتعدد الرؤوس، ريال مدريد لم يخسر الجودة، لكنه دخل مرحلة إعادة تعريف الأدوار.. وهي مرحلة خطيرة، قد تصنع عصرًا ذهبيًا، أو تفتح باب أزمة لا تُرى إلا عندما تتراكم النتائج، لكن ما بات واضحًا للجميع أن الأرقام تراجعت بعد التعاقد مع مبابي.

رودريجو.. حين يتحول لاعب الحسم إلى ظل

رودريجو لم يكن يومًا لاعب أرقام فقط، بل لاعب لحظات، الاسم الذي يظهر عندما تختفي الحلول، والرجل الذي اعتاد أن يطرق الأبواب المغلقة في أمسيات دوري الأبطال، لاعب لا يحتاج إلى سيطرة كاملة على المباراة ليصنع الفارق، بل إلى كرة واحدة في التوقيت الصحيح، لكن بعد صفقة مبابي، اختفى رودريجو من المشهد بهدوء مقلق.

أكثر من 30 مباراة دون تسجيل ليست مجرد فترة صيام تهديفي، بل انعكاس مباشر لتغيّر موقعه في الخطة الذهنية للفريق، المشكلة لا تكمن في قدراته الفنية، ولا في جاهزيته البدنية، بل في غيابه عن السيناريو الأساسي للهجوم، عندما يصبح اللاعب خيارًا ثالثًا أو رابعًا في التسلسل الهجومي، لا يفقد فقط عدد اللمسات، بل يفقد الثقة، ثم الجرأة، ثم القدرة على طلب الكرة في اللحظة الحاسمة. 

رودريجوقبل مبابي موسم 2024بعد مبابي موسم 2025
الدقائق لكل مباراة6535
إجمالي الدقائق التي لعبها1937555
المباريات التي لُعبت3016
الأهداف61
الأهداف المتوقعة (xG)4.001.53
الأهداف لكل مباراة0.20.1
التسديدات خارج المرمى0.60.3
التسديدات على المرمى0.70.5
الفرص الخطيرة الضائعة10
التمريرات الحاسمة51
التمريرات الحاسمة لكل مباراة0.20.1
المساعدات المتوقعة (xA)4.191.42
أرقام رودريجو في الدوري قبل وبعد مبابي

قبل وصول مبابي في موسم 2024، كان رودريجو لاعبًا فاعلًا، حيث شارك في 30 مباراة بمعدل 65 دقيقة لكل مباراة، بإجمالي دقائق بلغ 1937 دقيقة، سجل 6 أهداف وكان معدل الأهداف المتوقعة (xG) 4.00، ما يعكس فعاليته في منطقة الجزاء، كما ساهم بـ 5 تمريرات حاسمة، وبلغت المساعدات المتوقعة (xA) 4.19، مما يوضح دوره الهجومي الكبير ضمن منظومة الفريق.

موعد مباراة ريال مدريد اليوم ضد جيرونا والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني 2026
رودريجو جوس – كيليان مبابي – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

بعد وصول مبابي في موسم 2025، انخفضت دقائق مشاركته بشكل ملحوظ إلى 35 دقيقة لكل مباراة، وإجمالي 555 دقيقة فقط في 16 مباراة، تراجع الأداء الهجومي بشكل واضح، حيث سجل هدفًا واحدًا فقط، بينما انخفض معدل الأهداف المتوقعة إلى 1.53، كما انخفضت تسديداته خارج المرمى ونسبة التمريرات الحاسمة لكل مباراة إلى النصف تقريبًا، مع انخفاض المساعدات المتوقعة إلى 1.42.

توضح هذه الأرقام أن رودريجو أصبح أقل تأثيرًا في الهجوم بعد قدوم مبابي، حيث قلّت فرصه للمس الكرة في مناطق الحسم وتقلصت الأدوار الهجومية التي كان يعتمد عليها قبل ذلك، وهو ما يسلط الضوء على كيفية تحول ديناميكية الفريق حول لاعب واحد، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على لاعبين كانوا مؤثرين سابقًا.

يتحول من لاعب يصنع الحدث، إلى لاعب ينتظر أن يحدث شيء، أي بدل من أن يكون هو الفعل تحول لرد فعل، رودريجو اليوم لا يلعب بحرية “رجل الأبطال”، بل بحذر لاعب يعرف أن الخطأ قد يُقصيه أكثر مما يقرّبه، وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث للاعب يعيش على الإحساس والاندفاع.

تشكيل ريال مدريد ضد رايو فاييكانو بالجولة 27 في الدوري الإسباني
بيلينجهام – مبابي – فاسكيز – رودريجو – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

جود بيلينجهام.. التضحية غير المُعلنة

أما جود بيلينجهام، فقصته مختلفة في الشكل، متشابهة في الجوهر، الإنجليزي لم يتراجع لأنه أصبح لاعبًا أقل جودة، بل لأنه أصبح لاعبًا أكثر التزامًا، وصول مبابي فرض عليه أدوارًا جديدة: تغطية أكبر، تنظيم أعمق، وربط خطوط أكثر من كونه صانع الفارق الأخير، الأرقام لم تنخفض صدفة، بل لأن دوره تغيّر، المساحات التي كان يهاجمها بحرية أصبحت محجوزة، والاندفاع الذي ميّزه في الثلث الأخير أصبح محسوبًا بدقة لخدمة المنظومة.

التريند المتداول حول تراجع أرقام بيلينجهام مع مبابي ليس سخرية، بل ملاحظة فنية دقيقة: بيلينجهام يسجل أقل عندما يلعب مع مبابي، لأنه يُطلب منه أن يكون “العقل” أكثر من كونه “المنفذ”، هو يدفع ثمن التوازن الذي لم يكتمل بعد، يلعب من أجل الفريق، لكن الفريق لم يجد بعد الطريقة المثلى ليستفيد منه دون أن يحدّ من تأثيره.

جود بيلينجاهمقبل مبابي (2024)بعد مبابي (2025)
الدقائق لكل مباراة8072
إجمالي الدقائق24941011
المباريات التي لُعبت3114
الأهداف94
الأهداف المتوقعة (xG)11.504.52
الأهداف لكل مباراة0.30.3
التسديدات خارج المرمى0.80.2
التسديدات على المرمى0.71.2
الفرص الخطيرة الضائعة125
التمريرات الحاسمة83
التمريرات الحاسمة لكل مباراة0.30.2
المساعدات المتوقعة (xA)4.501.35
أرقام بيلينجاهم في الدوري قبل وبعد مبابي

قبل قدوم مبابي، كان بيلينجهام جزءًا أساسيًا من منظومة الهجوم، بمعدل لعب مرتفع (80 دقيقة لكل مباراة) وإجمالي دقائق 2494، وشارك في 31 مباراة، سجل 9 أهداف بمعدل أهداف متوقعة 11.50، وقدم مساهمات هجومية قوية مع 8 تمريرات حاسمة و12 فرصة خطيرة ضائعة، ما يعكس دوره المؤثر في صناعة الهجمات.

ما القناة الناقلة لمباراة ريال مدريد ضد إلتشي وأين تشاهد مباريات الدوري الإسباني؟
كيليان مبابي – جود بيلينجهام – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

بعد وصول مبابي، تراجعت مشاركة جود بشكل كبير، حيث أصبح متوسط الدقائق لكل مباراة 72 فقط، مع 1011 دقيقة إجمالاً في 14 مباراة، الأهداف تراجعت إلى 4 فقط، والأهداف المتوقعة انخفضت إلى 4.52، كما انخفضت التمريرات الحاسمة من 8 إلى 3 والمساعدات المتوقعة من 4.50 إلى 1.35، رغم زيادة التسديدات على المرمى (1.2)، فإن التأثير العام لللاعب تراجع، ما يعكس تحول ديناميكية الفريق حول مبابي وتراجع دور اللاعبين الآخرين في مناطق الحسم.

لماذا كان هاري كين خيارًا أكثر انسجامًا؟

كان قد طُرح إسم هاري بعد تعثر مفاوضات مبابي، ليعود الإنجليزي إلى الواجهة كسؤال قد يبدو بديهي، هل كانت صفقة هاري كين هي الأنسب؟ كين ليس نجمًا يبحث عن أن تدور المنظومة حوله، بل مهاجم يفهم كيف يكون جزءًا منها، لاعب يملك القدرة على التسجيل، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن صناعة الهدف أحيانًا أهم من تسجيله، هذا الوعي التكتيكي جعله طوال مسيرته عنصر توازن لأي فريق لعب له، لا نقطة جذب تبتلع المساحات من حولها.

تكتيكيًا، يتميز كين بقدرته على التراجع لربط الخطوط، وفتح الممرات أمام الأجنحة ولاعبي الوسط، وجوده في ريال مدريد كان سيمنح فينيسيوس ورودريجو مساحات أكبر للتحرك بحرية، ويُبقي بيلينجهام لاعبًا هجوميًا مؤثرًا في الثلث الأخير، بدل تحمّله أعباء تنظيمية إضافية فرضها غياب التوازن بعد قدوم مبابي.

هاري كين - ترتيب هدافي الدوري الالماني
هاري كين – بايرن ميونخ – المصدر : Gettyimages

على عكس النجم الذين يفرض حضوره إعادة تشكيل هوية الفريق، يندمج كين داخل الهوية القائمة، لا يسحب الضوء نحوه، بل يعكسه على من حوله، فيجعل الآخرين أفضل، مهاجم يعرف متى يختفي ليظهر زميله، ومتى يتحول إلى اللمسة الحاسمة دون ضجيج أو مركزية مفرطة.

الفارق الجوهري أن كين كان سيُكمل منظومة هجومية جاهزة ومتعددة الرؤوس، بينما جاء مبابي ليصبح مركز الثقل الوحيد لها، ريال مدريد لم يخطئ في التعاقد مع نجم عالمي، لكنه ربما اختار أقوى بريق ممكن، لا أكثره انسجامًا، وفي كرة القدم، كثيرًا ما يكون الانسجام هو الفارق الحقيقي بين فريق جميل.. وفريق عظيم.

جود بيلينجهام - هاري كين
جود بيلينجهام – هاري كين – منتخب إنجلترا ضد سلوفاكيا – (المصدر:Gettyimages)

مبابي.. النجم المثالي في التوقيت الخاطئ؟

لا أحد يشكك في عظمة كيليان مبابي وإمكانياته كلاعب، ولا في كونه أحد أفضل لاعبي جيله، وربما الأفضل على الإطلاق من حيث الموهبة، لكن كرة القدم لا تُقاس بالعظمة الفردية فقط، بل بتوقيت دخولها إلى المنظومة، فهي بالأول والأخير لعبة جماعية، وهنا يبرز السؤال الحقيقي: هل جاء مبابي في اللحظة التي كان فيها ريال مدريد بحاجة إليه فعلًا؟

ريال مدريد قبل مبابي لم يكن فريقًا يعاني نقص الجودة أو غياب النجم.. على العكس، كان فريقًا مكتمل الأجنحة، متنوع الحلول، متعدد مصادر الخطورة، ما كان ينقصه هو القطعة التي تُكمل الصورة، لا قطعة تعيد رسمها بالكامل، وصول مبابي لم يكن إضافة بسيطة، بل تغييرًا جذريًا في مركز الثقل الهجومي، وهو ما خلق معادلة جديدة لم يكن الجميع مستعدًا لها.

كيليان مبابي - جوليس كوندي - باو كوبارسي - ريال مدريد - برشلونة - المصدر (Getty images)
كيليان مبابي – جوليس كوندي – باو كوبارسي – ريال مدريد – برشلونة – المصدر (Getty images)

مبابي لاعب يطلب المساحة، يطلب الكرة، يطلب القرار، وهذه صفات تصنع الأساطير، لكنها في منظومة ممتلئة بالنجوم قد تتحول إلى عامل اختلال، المشكلة ليست في مبابي ذاته، بل في أن الفريق لم يكن بحاجة إلى “النجم الأوحد”، بل إلى لاعب يوزّع الضوء لا يحتكره.

غرفة الملابس.. القصة التي لم تُكتب بعد

الأخطر في هذه الحكاية ليس ما يظهر على أرض الملعب، بل ما يحدث خلف الأبواب المغلقة، كرة القدم الحديثة علمتنا أن غرف الملابس هي المكان الذي تُحسم فيه مصائر الفرق الكبرى، قبل أن تُحسم في النتائج أو الأرقام، الإحساس بالأدوار، بالعدالة، بمن يتحمل المسؤولية ومن يدفع الثمن، كلها عناصر لا تظهر في الإحصائيات، لكنها تصنع الفارق بين فريق متماسك وآخر يعيش صراعًا صامتًا.

عندما يشعر اللاعبون الأساسيون بأن أدوارهم تقلصت فجأة، أو لم يعد لهم نفس الحرية والمساحة، تبدأ الأسئلة: من هو النجم الحقيقي الآن؟ من يتحمل الضغط؟ لماذا تغيّر كل شيء دون تفسير؟ ثم تأتي الشكوك، ومعها الفجوة النفسية التي قد تنتقل من لاعب إلى آخر، لتخلق توترًا داخليًا يضيع بريق أي منظومة، مهما كانت قوية على الورق.

موعد مباراة ريال مدريد اليوم ضد ألافيس والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني 2026
جود بيلينجهام – فينيسيوس جونيو – ريال مدريد (المصدر:Gettyimages)

ريال مدريد نادٍ يعرف هذه القصص جيدًا، يعلم أن الانهيارات الكبرى لا تبدأ بخسارة مباراة، بل بشعور خفي بعدم التوازن، وبغياب التوافق الداخلي. وإذا لم يُدار هذا الملف بحكمة، فقد يتحول أعظم تعاقد في العقد الأخير —مبابي— إلى تحدٍ داخلي لا يقل خطورة عن أي خصم على أرض الملعب، ويصبح بريق اللاعب فرديًا يسطع على حساب الفريق بأكمله، ويضع المدرب تشابي ألونسو في ورطة.

هل أخطأ بيريز بالتعاقد مع مبابي؟

فلورنتينو بيريز لم يخطئ في اختيار لاعب عظيم، كيليان مبابي هو واحد من أفضل اللاعبين في العالم، قادر على قلب الموازين وتسجيل أهداف حاسمة في أي مباراة، كل رقم يسجله وكل لقطة يتركها على أرض الملعب تذكّر العالم بعظمته، وبسبب ذلك يُصنّف التعاقد معه كصفقة تاريخية لنادي بحجم ريال مدريد.

لكن المشكلة لم تكن في قيمة اللاعب، بل في توقيت قدومه وطريقة اندماجه في الفريق، ريال مدريد قبل مبابي كان فريقًا متعدد الرؤوس، كل جناح وكل لاعب وسط يمتلك الحرية والمساحة، والجميع يساهم في صناعة الأهداف وصناعة الفارق، مع وصول مبابي، تحول مركز الثقل إلى لاعب واحد يطلب الكرة دائمًا، ويجذب الانتباه كله نحوه، ما قلّص تأثير اللاعبين الآخرين وأضعف التوازن الهجومي الذي ميز الفريق.

كيليان مبابي
مبابي – فلورنتينو بيريز – ريال مدريد – المصدر: Gettyimages

النجوم مثل فينيسيوس ورودريجو وبيلينجهام لم يتراجعوا بسبب نقص في المهارة، بل لأن المنظومة تغيّرت فجأة حول لاعب واحد، بعضهم بدأ يشعر بالحدود الجديدة لدوره، وفقدت بعض الجرأة والثقة التي كانت تُحرّكهم في المباريات الكبرى، حتى غرفة الملابس أصبحت مكانًا يحمل أسئلة غير مجابة: من هو النجم؟ من يتحمل المسؤولية؟ وهل العدالة بين اللاعبين ما زالت قائمة؟

الخلاصة هي أن بيريز لم يخطئ في التعاقد مع لاعب من طراز مبابي، لكنه ربما أخطأ في قراءة احتياجات الفريق الواقعية، أي صفقة، مهما بلغت عظمتها، لا يمكن أن تعمل خارج السياق الصحيح، ريال مدريد الآن أمام تحدٍ مزدوج: إما إعادة ضبط كامل للمنظومة لضمان أن يبقى كل لاعب في ذروة مستواه، أو المخاطرة بأن يلمع فانوس واحد فقط بينما تتضاءل بقية الأضواء، كرة القدم ليست لعبة الأرقام فقط، بل لعبة التوازن بين النجوم، والتنسيق بين القدرات الفردية وروح الفريق، ومبابي، رغم كل بريقه، يُذكّرنا أن النجاح الجماعي يحتاج أكثر من مجرد نجم واحد.

منصور مجاهد

صحفي مصري منذ 2019، خريج إعلام القاهرة، شغوف بكرة القدم الإنجليزية وصناعة التقارير العميقة، مقدم برامج ومعلق صوتي بخبرة أكثر من 7 سنوات بمجال الإعلام.