أخبار الكرة الإسبانيةأخبار الكرة الإنجليزية365TOPأخبار

ألونسو الضحية التالية.. كيف تحكم غرف الملابس مصير المدربين؟

في كرة القدم الحديثة، لم تعد الأزمات تُقاس فقط بالنتائج التي تظهر على لوحة الملعب، بل بما يحدث خلف الأبواب المغلقة، فهناك حيث تُعلَّق القمصان، وتُربط الأربطة، وتُقال الكلمات التي لا تُنشر في الصحف، تُصنع أحيانًا أكبر الانتصارات.. وتبدأ أكبر الخيانات، إنها منطقة الغموض التي تُسمّى “غرفة الملابس”، قلب الفريق الحقيقي، ومركز السلطة غير الرسمي الذي قد يرفع مشروعًا كاملًا أو يطيح به في ليلة واحدة.

خلال السنوات الأخيرة، تحوّلت “ظاهرة تمرد اللاعبين” من مجرد حوادث فردية إلى نمط متكرر في الأندية الكبرى، لم يعد الأمر يقتصر على لاعب غاضب أو خلاف حول دقائق لعب، بل أصبحنا أمام حالات منظمة تُشبه ما يمكن وصفه بـ”اتفاق صامت” بين مجموعات داخل الفريق، تُمارس ضغطًا، أو تعطل تعليمات المدرب، أو تُظهر لا مبالاة داخل الملعب من أجل دفع الإدارة إلى اتخاذ قرار واحد: إقالة المدرب.

هذه الظاهرة لم تعد حكرًا على نادٍ أو دوري بعينه؛ بل أصبحت جزءًا من ديناميكية السلطة في كرة القدم الحديثة، حيث يملك اللاعبون — بفضل عقودهم الضخمة وتأثيرهم الإعلامي — نفوذًا قد يفوق نفوذ المدير الفني نفسه.

فما حدث مع مورينيو في تشيلسي، حين انهارت علاقته باللاعبين فجأة بعد سلسلة نجاحات هائلة، لم يكن مجرد خلاف تكتيكي، بل تمرد مكتمل الأركان انتهى بسقوط المشروع بأكمله.

وما جرى مع كارلو أنشيلوتي في بايرن ميونخ، لم يكن نتيجة هزيمة أو اثنتين، بل بسبب مجموعة من اللاعبين اعتبروا أن المدرب “لا يناسبهم”، فأصبح مصيره محسوماً قبل أن تُصدر الإدارة قرارها رسميًا.

غرفة ملابس ريال مدريد.. الانشقاق الذي يلتهم مشروع ألونسو

يعيش ريال مدريد واحدة من أكثر لحظاته قتامة في السنوات الأخيرة، الهزيمة الصادمة أمام سيلتا فيغو 0-2 على ملعب سانتياجو برنابيو لم تكن مجرد سقوطٍ جديد في الليجا، بل كانت إعلانًا رسميًا عن أن الأزمة التي كانت تتشكل في الظل، أصبحت الآن مرئية للجميع، وأن النار التي ظلت مشتعلة داخل غرفة الملابس بدأت تخرج من تحت الرماد.

تشابي ألونسو - - (المصدر: Getty images)
تشابي ألونسو – – (المصدر: Getty images)

ورغم أن الفوز على أتلتيك بلباو قبل أسبوع بدا في ظاهره كأنه فجر جديد للميرينجي، إلا أنه كان فجرًا كاذبًا، قفز فوق الشروخ العميقة، ولم يعالج جذور الأزمة، في ليلة الأحد، بدا ريال مدريد مفككًا، متراخيًا، بلا روح، وبلا قائد، وسط صيحات استهجان صاخبة من جماهير البرنابيو الذين شعروا — ربما لأول مرة — بأن الفريق لا يقاتل.

هذه ليست أزمة نتائج فقط. إنها أزمة سلطة، أزمة هوية، وأزمة ثقة بين اللاعبين والمدرب، وهنا تبدأ الحكاية.

تشابي ألونسو.. البداية الجميلة التي انقلبت إلى كابوس

عندما أعلن ريال مدريد تعيين تشابي ألونسو، استقبلته المؤسسة الملكية كما لو أنها تستعيد ابنًا ضالًا، لاعبًا كان جزءًا من جيل المجد، ومدربًا صيحته التكتيكية في ليفركوزن هزّت أوروبا.

وكانت البداية مبشرة. روح جديدة. أسلوب لعب وضغط متناسق. ثم انتصارات أعادت البسمة، ظن الجميع أن النادي يستعيد روحه بعد آخر شهور كارلو أنشيلوتي التي تدهورت فيها النتائج وتآكل فيها الانضباط.

تشابي ألونسو (المصدر: Getty images)
تشابي ألونسو (المصدر: Getty images)

لكن شيئًا في العمق لم يكن مستقرًا، ومع مرور الأسابيع، بدأت علامات التشقق تظهر: لاعبين لا ينفذون التعليمات، نجوم يشككون في الخطة، انقسام في غرفة الملابس، ونبرة همس تقول: “المدرب يجب أن يرحل”.

ومع الهزيمة أمام ليفربول، ثم التعادل المخيب مع رايو فاليكانو وإلتشي، انفجرت الشكوك، ومع خيبة سيلتا فيجو، انهار كل شيء إلى السطح.

غرفة ملابس مشتعلة.. التفاصيل التي سبقت الانفجار

وفقًا لتقارير “إل تشيرينجيتو”، فإن ما حدث داخل غرفة الملابس بعد مباراة سيلتا لم يكن مجرد غضب طبيعي، بل فوضى كاملة: زجاجات تُرمى في الهواء، شرائط لاصقة تتطاير، لاعبين يصرخون في بعضهم البعض، وانقسام واضح حول من يتحمل المسؤولية.

جزء من الفريق كان غاضبًا من التحكيم، وجزء آخر ردّ عليهم بحدة: “هذه مجرد أعذار.. نحن نضيع الدوري بأنفسنا”.

وفي وسط ذلك، حدث ما لم يتوقعه أحد: تشابي ألونسو رفض دخول غرفة الملابس، لم يوجه كلمة واحدة للاعبين. لا توبيخ، لا تحليل، لا تهدئة، تركهم وسط الفوضى.. وغادر؛ من هنا، يبدو واضحًا أن العلاقة وصلت إلى نقطة اللاعودة.

فينيسيوس جونيور.. اللاعب الذي يشعل النار

ليس سرًا أن فينيسيوس جونيور هو الشخصية الأكثر تأثيرًا داخل غرفة الملابس بعد رحيل القادة الكبار، وليس سرًا أيضًا أن علاقته بالمدربين دومًا كانت متوترة.

مع أنشيلوتي، في آخر الشهور، بدأ اللاعب يتصرف بلا مبالاة واضحة في الواجبات الدفاعية، ومع ألونسو، عاد السيناريو.

فينيسيوس جونيور - تشابي ألونسو - ريال مدريد
فينيسيوس جونيور – تشابي ألونسو – ريال مدريد – المصدر (Getty images)

فينيسيوس كان محبطًا، مستواه تراجع، والمدرب حاول إبعاده أو تدويره من أجل مصلحة الفريق، لكن اللاعب — الذي يشعر دائمًا أنه “لا يُمس” — لم يتقبل ذلك.

في الكلاسيكو، صرخ في وجه ألونسو أمام الجميع بعدما استبدله، اعتذر لاحقًا، نعم.. لكنه لم يذكر اسم المدرب في الاعتذار؛ وهنا، فهمت غرفة الملابس الرسالة: العلاقة مكسورة.

وفوق ذلك، خرجت تقارير لتقول إن فينيسيوس هو المحرك الرئيسي “لثورة” محاولة إقالة المدرب.

فالفيردي وسيبايوس ورودريجو.. الجبهة التي لا تتكلم كثيرًا لكنها تغلي

الأزمة ليست فينيسيوس فقط، فيديريكو فالفيردي القائد الثاني للفريق في المواسم الأخيرة، لا يعيش أفضل أيامه، لم يتقبل دوره الجديد في مركز الظهير الأيمن رغم أنه لعب كثيرًا في هذا المركز رفقة أنشيلوتي.

لكن طريقة تعامل الإيطالي مختلفة تمامًا عن ألونسو، وسبق للاعب وأن امتعض بشأن مشاركته كظهير، ويرغب دومًا في التواجد بمركزه المفضل في وسط الملعب؛ صامت، نعم.. لكنه مستاء بشدة.

فالفيردي – ريال مدريد – الهلال – كأس العالم للأندية – المصدر (Getty Images)
فالفيردي – ريال مدريد – الهلال – كأس العالم للأندية – المصدر (Getty Images)

منذ مجيء ألونسو، اختفى داني سيبايوس تقريبًا، دقائق معدودة. إشارات غضب متكررة أثناء التسخين، اللاعب شعر أن المدرب استبعده تمامًا.

أما رودريجو جوس، فربطته الصحف بالرحيل، كان ينتظر من ألونسو مشروعًا يبني عليه، لكن المدرب لم يضعه ضمن الأولويات، اثنين وثلاثون مباراة بلا هدف؛ شارك في دقائق معدود فقط؛ هؤلاء اللاعبين — إلى جانب فينيسيوس — كوّنوا جبهة استياء صامتة، لكنها مؤثرة داخل الفريق.

حين انقلبت غرفة ملابس تشيلسي على جوزيه مورينيو

في ديسمبر 2015، ظهر جوزيه مورينيو أمام الصحافة بوجه لم يعتد أحد رؤيته. لم يكن الرجل البرتغالي غاضبًا أو متكبرًا كما عُرف، بل بدا كمن اكتشف فجأة أن فريقه لم يعد فريقه، بعد الخسارة أمام ليستر سيتي 1-2، قال مورينيو جملته الأشهر: “أشعر بخيانة عملي”.

كانت تلك الجملة المفتاح لفهم ما حدث داخل تشيلسي خلال أسوأ مواسمه تحت قيادة الرجل الذي كان قبل أشهر فقط يرفع لقب الدوري الإنجليزي بفارق مريح عن الجميع، مورينيو لم يتحدث عن سوء حظ، ولا عن خصم أقوى، ولا عن تراجع بدني.

بل اتهم لاعبيه — بصورة ملتفة لكنها واضحة — بأنهم لم يعودوا يستجيبون له، لم يعودوا يقاتلون من أجله، وأنهم انفضّوا من حوله.

جوزيه مورينيو (المصدر:Gettyimages)
جوزيه مورينيو (المصدر:Gettyimages)

تشيلسي خسر وقتها تسع مباريات من أصل ست عشرة، رقمًا لا يليق بنادٍ بهذه القوة، ولا بمدرب مثل مورينيو، الفريق الذي كان قبل أشهر وحشًا تكتيكيًا متماسكًا، بدا مفككًا بلا رغبة أو روح، يركض بلا ضغط، يدافع بلا تركيز، ويهاجم بلا هدف. كانت التحليلات تشير إلى انهيار بدني أو ذهني، لكن الحقيقة الأعمق كانت تسري في كواليس غرفة الملابس.

كان هناك حديث عن خلافات متصاعدة بين مورينيو وعدد من اللاعبين المؤثرين، بعضهم شعر بأن أسلوبه الصارم لم يعد مقبولًا، والبعض الآخر اعتبر أن المدرب فقد “حمايته” من الإدارة بعد مشاكل البدايات مع الطاقم الطبي.

ومع تراكم النتائج السلبية، بدأ لاعبو تشيلسي يظهرون ملامح تمرد صامت: عدم التزام تكتيكي، بطء في الارتداد، لامبالاة في لحظات المباراة الحاسمة.

وحين قال مورينيو: “من أفضل صفاتي أنني أقرأ المباراة للاعبين.. الآن أشعر أنهم يخونون جهدي”.. كان يعلن صراحة أن غرفة الملابس لم تعد خلفه، وأنه لم يعد قادرًا على الوصول للاعبيه.

في لحظة ما، بدا وكأن اللاعبين — أو جزءًا كبيرًا منهم — قد قرروا إنهاء عهد مورينيو دون أن يطلبوا ذلك علنًا، النتائج السلبية كانت تصرخ بذلك، والأداء الباهت كان يفضح كل شيء.

وبالفعل، لم يمر وقت طويل حتى أنهت الإدارة العلاقة، ليس لأن مورينيو فقد قدرته التدريبية، بل لأنه فقد غرفة الملابس.. وفي كرة القدم، هذه هي الهزيمة الوحيدة التي لا يمكن تداركها.

سقوط كارلو أنشيلوتي في بايرن ميونخ.. حين يقول اللاعبون “كفى”

أما قصة كارلو أنشيلوتي في بايرن ميونخ، فهي مثال آخر على أن انهيار العلاقة بين المدرب وغرفة الملابس يمكن أن يطيح بأسماء عملاقة مهما بلغت خبرتها أو حجم إنجازاتها.

بايرن أعلن إقالة المدرب الإيطالي بعد خسارة قاسية أمام باريس سان جيرمان بثلاثة أهداف نظيفة، لكنها لم تكن مجرد هزيمة عابرة.. بل كانت النهاية الرسمية لقصة توتر كانت تنضج تحت السطح منذ شهور.

كارلو أنشيلوتي - المصدر (Getty images)
كارلو أنشيلوتي – المصدر (Getty images)

دخل أنشيلوتي مواجهة باريس بتشكيلة أثارت الدهشة، وكأنه يتحدى المنطق: وضع خافي مارتينيز ونيكلاس زولِه في قلب الدفاع، وأبعد ماتس هوميلز إلى الدكة.، تجاهل روبن وريبيري، ترك جيروم بواتينج خارج القائمة تمامًا.

ما حدث بعدها كان كارثيًا، بعد 85 ثانية فقط، اخترق نيمار خطوط بايرن بسهولة وصنع هدف داني ألفيش. بدت الخطة التكتيكية وأفكار المدرب غريبة، متوترة، بلا هوية. أُطلق الحكم مبكرًا على أن المدرب “فقد السيطرة”، ليس فقط على المباراة، بل على الفريق.

لكن رغم كل الأخطاء التكتيكية، لم تكن تلك هي المشكلة الأكبر. كانت مجرد الشرارة التي كشفت ما هو أعمق.

بعد المباراة، سُئل آريين روبن سؤالًا مباشرًا: “هل ما زلتم تدعمون المدرب؟”.. رفض روبن الإجابة، كان هذا الموقف الصغير أهم من الهزيمة نفسها؛ كان دليلًا واضحًا على انهيار الثقة؛ وبعدها، خرج أولي هونيس ليصرّح بأن خمسة لاعبين في الفريق انقلبوا على أنشيلوتي.

خلافات علنية مع روبن وريبيري، توتر مع مولر، تحفظات من ليفاندوفسكي.. مجموعة من اللاعبين المؤثرين شعرت بأن أسلوب أنشيلوتي لا يطوّر الفريق، ولا يمنحهم ما يحتاجونه فنيًا، وبعضهم رأى أن التدريبات أصبحت أقل صرامة، وأن الفريق يتحرك بلا وضوح أو مشروع حقيقي.

في كرة القدم، لا يمكن الإطاحة بخمسة لاعبين كبار في لحظة، لكن يمكن بلا تردد الإطاحة بالمدرب؛ وحين بدأ روبن وريبيري ومولر يتصرفون خارج الإيقاع، ويظهرون تململًا من اختيارات المدرب، أصبحت النهاية مسألة وقت، الإدارة رأت أن تمرد غرفة الملابس قد وصل إلى درجة تجعل استمرار أنشيلوتي مستحيلًا.

ولم يساعد وجود ويلي سانيول — المساعد الجديد الذي فرضته الإدارة على أنشيلوتي — على التماسك. بل زاد الانقسام، وجعل المدرب يشعر بأن النادي لم يعد يحميه ولا يمنحه الثقة.

وهكذا صدر القرار: أنشيلوتي خارج بايرن ميونخ.. ليس بسبب مباراة باريس، بل بسبب غرفة ملابس فقدت احترامها للمدرب.

رافا بينيتيز.. رجلٌ دخل غرفة لم تُرِد أن تستقبله

ورث بينيتيز فريقًا غاضبًا، جريحًا عاطفيًا بعد رحيل أنشيلوتي، اللاعبون، وخاصة كبارهم، أعلنوا حبهم للإيطالي علنًا بلا خجل، وهمسوا بكل ما أوتوا من نفوذ بأن البديل “ليس هو الرجل المناسب”.

دخل بينيتيز إلى غرفة تميل تلقائيًا ضدّه، مدربًا صارمًا في محيط تعوّد على دفء أنشيلوتي ولطفه، كان أشبه بزوجة الأب التي وصلت متأخرة إلى بيت يتذكر ملامح الأم جيدًا. مهما فعل، كان محكومًا بالتشبيه، وبالمقارنة، وبالرفض.

رافا بينيتيز - (المصدر:gettyimages)
رافا بينيتيز – (المصدر:gettyimages)

التواصل بينه وبين اللاعبين كان محدودًا، جافًا، باردًا، اعترف به دينيس تشيريشيف لاحقًا، وأكده آخرون بين السطور؛ قبل أن يبدأ الموسم، كان أحد قادة الفريق قد دخل معه في خلاف صعب، وكأن البوابة الحديدية أُغلقت من الداخل.

كان بيريز يريد مدربًا قويًا، حازمًا، يُعيد الانضباط إلى فريق اعتقد أنه فَرَّط في الالتزام خلال عهد أنشيلوتي، لكنه نسي أن “القوة” لا تُمنح من الأعلى، بل تُنتزع من احترام اللاعبين.

وبينيتيز لم يمتلك تلك القوة، كان يُملي التعليمات، لكن لا أحد يستمع، كان يفرض النظام، لكن النظام لا يستجيب؛ كان صوته عاليًا، لكن تأثيره منخفض لدرجة الانعدام.

في لحظة ما، أدرك اللاعبون الحقيقة القاسية: المدرب لا يملك ظهرًا يستند إليه، وبدلًا من دعمه، بدأوا يسحبون الأرض من تحته شيئًا فشيئًا.

كانت المهمة الثانية لبينيتيز أشبه بالسير في حقل ألغام: تحويل محور الفريق نحو غاريث بيل، أول قرار اتخذه كان زيارة النجم الويلزي، لدراسة دوره الجديد كرقم 10، خطوة اعتبرها بيريز ضرورية، ورآها بعض اللاعبين استفزازًا مباشرًا؛ رونالدو، تحديدًا، شعر بأن شيئًا ما يُسحب منه، وأن ضوءًا جديدًا يُسلّط على غيره.

ولمّا رفض بينيتيز القول إن رونالدو هو أفضل لاعب درّبه، كانت الطعنة علنية، لم يكن الأمر عن الإجابة، بل عن الرسالة التي التقطها اللاعبون: المدرب لا يفهم قواعد هذه الغرفة.

كان خاميس رودريجيز وإيسكو شرارة أخر، خاميس—مُدلل الإدارة—لم يجد مكانه في خطط بينيتيز.
إبعاده عن التشكيل أصبح صراعًا شخصيًا بين الرئيس والمدرب، ومع كل مباراة يجلس فيها الكولومبي على الدكة، كان الميزان يميل أكثر ضد رافا.

سقط ريال مدريد 4-0 أمام برشلونة، كانت تلك اللحظة التي انكسرت فيها الثقة تمامًا داخل غرفة الملابس؛ نصف اللاعبين رأوا أن الخطة مفروضة على المدرب. النصف الآخر اعتبر أن المدرب بلا رؤية أصلًا؛ والنتيجة واحدة: سقطت شرعيته.

بعدها، حاول بينيتيز الاحتماء بالخطاب الرسمي لبيريز عن “الحملات الخارجية”، لكن حين بدأ يلمّح إلى مشكلات داخلية وعدم توازن في الفريق.. انقلب السحر عليه؛ فجأة، بدا وكأنه يهاجم لاعبيه، وهو خطأ قاتل في غرفة ملابس بهذا الوزن.

حين ظهر بيريز ليعلن الإقالة، بدا واضحًا أن الرجل كان يُريد التخلص من صداع علني، خصّص جملتين فقط للمدرب الراحل، وكأنه يحذف صفحة من كتابٍ دون قراءة.

كانت تلك لحظة دفن رمزية لبينيتيز، وخريطة طريق جديدة لغرفة ملابس طالما حكمت بقدر يفوق ما يمنحه العقد الرسمي، الحقيقة القاطعة أن بينيتيز لم يسقط لأنه مدرب سيئ، بل سقط لأنه حاول أن يقود غرفة لا تريده، ناديًا لم يمنحه الثقة، ورئيسًا استخدمه كأداة لإصلاحات لم يؤمن بها هو نفسه.

سقط لأنه ظل يمشي وحده، في ممرٍ يزدحم باللاعبين المؤثرين والنجوم المتطلبين، ولم يجد من يسير بجواره، سقط لأنه فقد غرفة الملابس.. ومن يفقدها، يفقد ريال مدريد.

آرني سلوت.. غرفة ملابس ليفربول على حافة الانفجار

بعد موسمٍ أسطوري فاز فيه ليفربول بالدوري الإنجليزي الممتاز، دخل الفريق في مرحلة تراجع حاد، يوصف بأنها “أسوأ سلسلة منذ عام 1954″، لم يكن الأمر مجرد أرقام سيئة على جدول الترتيب، بل انعكس بشكل مباشر على ثقة اللاعبين واستقرار غرفة الملابس.

الهشاشة الدفاعية عادت إلى الواجهة، خصوصًا في الكرات الثابتة، وأصبحت الشباك النظيفة نادرة للغاية، رحيل عناصر أساسية مثل ترينت ألكسندر-أرنولد كشف عن فجوات هيكلية كبيرة، وأظهر أن إعادة هيكلة سلوت لم تنتج بعد بديلًا متماسكًا قادرًا على استعادة التوازن الذي اشتهر به الفريق سابقًا.

الثقة بين اللاعبين بدأت تهتز، ووصل الإحباط إلى حدّه الأعلى بعد نتائج متكررة مخيبة للآمال، لم يعد مجرد تعثر تكتيكي أو أخطاء فردية، بل بات انفجارًا داخليًا يهدد أسس غرفة الملابس.

النقطة الفاصلة كانت الخلاف العلني بين سلوت ونجم الفريق محمد صلاح، بعد جلوسه على مقاعد البدلاء ثلاث مباريات متتالية، خرج “مو” بمقابلة مباشرة بعد التعادل 3-3 مع ليدز يونايتد، صرح فيها بأنه شعر “بالتجاهل”، وأن علاقته مع المدرب لم تعد كما كانت.

أرني سلوت - فينورد (المصدر:Gettyimages)
أرني سلوت – (المصدر:Gettyimages)

أشار إلى وعود لم تُنفذ خلال الصيف، وعبر عن خيبة أمل عميقة و”عدم احترام” من النادي والمدرب، هذا التصعيد لم يكن مجرد شعور عابر؛ صلاح، أحد أهم لاعبي ليفربول داخل وخارج الملعب، فتح الباب أمام انقسام محتمل في صفوف الفريق، وربما دفعه للتفكير في الرحيل في يناير المقبل.

تصريحات صلاح أثّرت مباشرة على سلطة سلوت داخل غرفة الملابس، أظهرت التقارير أن بعض زملائه شعروا بالارتباك بعد سماع خبر جلوسه على الدكة مجددًا، ما خلق توترًا داخليًا وضعفًا في الروح الجماعية.

دومينيك سوبوسلاي الذي يعتبر أحد أفضل لاعبي الفريق هذا الموسم، أقر ضمنيًا بوجود “مشاكل داخلية” وأكد على ضرورة التعامل معها بعيدًا عن الإعلام: “ما يحدث في غرفة الملابس يجب أن يبقى في غرفة الملابس”.

المشكلة الحقيقية لم تكن مجرد خلاف شخصي بين مدرب ونجم الفريق، بل انهيار الثقة والقيادة والهوية الجماعية، بيئة كانت موحدة ومتماسكة أصبحت الآن متشرذمة، والروح التي كانت تميز ليفربول مهددة.

القلق لم يقتصر على اللاعبين وحدهم؛ الجماهير ووسائل الإعلام لاحظوا علامات التصدع في غرفة الملابس، في المنتديات الفرعية للمشجعين، ظهر اعتقاد شائع بأن سلوت “فقد السيطرة على الفريق”: “يبدو أن غرفة الملابس في حالة فوضى هذا العام. بين المشاكل العاطفية ونفور المدرب من بعض اللاعبين.. السيطرة تبدو مفقودة”.

بالمقابل، دافع بعض المشجعين عن المدرب، مؤكدين أن لاعبين مثل فان ديك وروبرتسون ما زالوا ملتزمين به، رغم عدم وجود بديل للأول رغم أخطاؤه، وقلة دقائق الثاني في وجود كيركيز.

لكن القلق العام ظل يسيطر: الوحدة والروح الجماعية التي ميّزت ليفربول في السنوات الأخيرة باتت على المحك، وربما يكون هذا أكبر تحدٍ يواجهه سلوت منذ توليه القيادة.

محمد صلاح -(المصدر:Gettyimages)
محمد صلاح -(المصدر:Gettyimages)

غرفة الملابس والسلطة الحقيقية وراء الكواليس

إذا كانت كرة القدم تُلعب على الملاعب، فإن الحروب الحقيقية تُدار خلف الستائر، في غرف الملابس، هنا تتلاقى الشخصيات، وتتصادم الطموحات، ويُختبر صبر المدربين، أحيانًا أكثر من أي حكم أو جماهير.

هذا هو المسرح الذي يمكن فيه للاعب واحد أو مجموعة من النجوم أن يُعيدوا كتابة قصة الموسم، أو كتابة تاريخ المدرب بالهزيمة قبل أن تُسجل أي أهداف.

فكر في ريال مدريد مع بينيتيز: مدرب جاء ليعيد الانضباط إلى غرفة مليئة بالنجوم المتمردين، فوجد نفسه غريبًا وسط قوى خفية لا تُرى على الشاشة، حيث يقرر اللاعبون من يُحافظ على منصبه ومن يسقطه.

تذكر مورينيو في تشيلسي: بعد موسمٍ استثنائي، تحوّل الفريق إلى ساحة صراع بين طموح المدرب ونجوم يريدون الحفاظ على سلطتهم.

أنشيلوتي في بايرن ميونخ لم يختلف: خمسة لاعبين كبار حولوا الموسم إلى كابوس قبل أن يُقيله النادي.

هذه الأمثلة تُثبت شيئًا واحدًا: المعركة الحقيقية لم تعد فقط بين المدربين والخصوم في الملعب، بل بين المدربين واللاعبين داخل الغرفة المغلقة.

السيطرة هنا هي سلاح حقيقي، والقدرة على إدارة النفوس والولاءات هي ما يميز المدرب العادي عن القائد الذي يصنع التاريخ.

في عالم كرة القدم اليوم، يمكن لأي مدرب أن يمتلك أفضل الخطط التكتيكية وأغلى النجوم، لكنه يخسر كل شيء إذا لم يفهم أن من يملك ولاء غرفة الملابس، يملك اللعبة بأكملها.

محمود الشوادفي

صحفي مصري، أكتب في 365Scores عن كرة القدم كما تُرى من داخل التفاصيل، بدأت رحلتي الصحفية عام 2019، وأؤمن أن وراء كل رقم حكاية، ووراء كل مباراة فكرة تستحق أن تُروى بأسلوب مختلف.